في صيف هذا العام، كانت مدينة السويداء على موعد مع واحد من أكثر مشاهد التوتر دراماتيكية في سوريا، حين تحوّلت مناوشات محلية بين مسلّحين يقودهم أحد مشايخ العقل لطائفة الموحّدون الدروز الشيخ حكمت الهجري، وسكان من البدو إلى مواجهة مباشرة مع قوات الأمن السورية.
وبينما بدت دمشق واثقة من تفوّقها العسكري، كان لدى خصومها ورقة قوة قادرة على قلب الموازين، تمثلت في نفوذ الشيخ موفق طريف، المرجع الأعلى للدروز في فلسطين المحتلة، والزعيم الديني الروحي الذي يرتدي عباءة “الروحاني”، لكنه يتصرف كسياسي يوظّف رمزية موقعه لخدمة شبكة معقدة من التوازنات، حتى أنه يمتلك قدرة على مناشدة تل أبيب واستدعاء “ذراعها الجوية” متى شاء.
هنا تجاوزت عمامة طريف رمزيتها الروحية لتتحول إلى أداة ضغط سياسي في لعبة تتجاوز حدود الطائفة نفسها، لكن خلف هذه الصورة تكمن أسئلة مربكة: هل هو زعيم روحي يحاول إنقاذ جماعته من التآكل وسط جغرافيا ملتهبة أم سياسي براغماتي يضع موقعه في خدمة مشروع إسرائيلي أوسع يرى في الدروز ورقة قوة؟ وهل تمدده خارج فلسطين المحتلة محاولة لجمع شتات الطائفة، أم مجرد سعي لترسيخ صورته كـ”مرجع أعلى” حتى لو كان الثمن الارتهان للاحتلال؟
الحفيد الذي ورث قيادة الطائفة الدرزية
وُلد موفق طريف عام 1963 في قرية جولس بمنطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة، وينحدر من عائلة دينية عُرفت بارتباطها التاريخي بقيادة الطائفة الدرزية التي تولى رئاستها خلفًا لجده الشيخ أمين طريف الذي كان رئيسًا لها في “إسرائيل” لمدة 65 عامًا، وشكّل حالة خاصة بنسجه علاقات متينة مع دولة الاحتلال منذ تأسيسها.
تولى طريف رئاسة الطائفة الدرزية عام 1993، بناءً على وصية مكتوبة من جده قبل وفاته، نصت على أن يخلفه حفيده في هذا المنصب، إضافة إلى توليه وكالة وقف مقام النبي شعيب ومقام الخضر وخلوة جولس بعد أن عمل مساعدا لجده لمدة 15 عامًا، في مشهد جسّد الطابع الوراثي للسلطة الروحية لدى الدروز.

أتم طريف دراسته في المدرسة الدينية الدرزية العليا بخلوات البياضة في لبنان، وحصل على شهادة في القانون من الكلية الأكاديمية “أونو” في الأراضي المحتلة، وفي عام 2010، مُنح شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة حيفا.
وفي المسار المؤسسي، اُنتخب طريف لرئاسة المجلس الديني الأعلى في عام 1997، وأصبح قاضيًا للمذهب في المحكمة الشرعية الدرزية للاستئناف في عكا عام 2002، ثم تولى منصب رئيس المحكمة في عام 2016.
لا يقتصر منصب طريف على السلطة الدينية العليا للطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة، والراعي لأماكنها المقدسة، فهو ممثل الطائفة في قضاياها الدينية أمام المؤسسات الإسرائيلية.
مع مرور الوقت، تحولت هذه المكانة إلى رأس مال سياسي استثمره في التفاوض مع سلطات الاحتلال، وقدّم نفسه ممثلاً حصريًا للطائفة، حتى باتت مطالبها تمر عبره أو عبر مكتبه، ما عزّز نفوذه بشكل غير رسمي.
من وراثة الزعامة الروحية إلى مواقع النفوذ
هذه الوراثة والتقاليد الدينية لم تمنحه فقط شرعية رمزية داخل الطائفة، بل منحته أيضًا استمرارية في العلاقة مع دولة الاحتلال التي دأب – منذ توليه رئاسة الطائفة – على التواصل المستمر مع مختلف مؤسساتها، بما في ذلك الحكومة والجيش، بهدف الدفاع عن ما أسماه بـ”حقوق الطائفة وتعزيز مكانتها في المجتمع الإسرائيلي”.

شمل هذا التواصل لقاءات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، حتى بات أحد أبرز الشخصيات الدينية – بعد الحاخامات اليهود – التي تلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أبدى اهتمامًا بشئون الدروز في “إسرائيل”، مشيرًا إلى أهمية تمكينهم في “إسرائيل” عبر السياسات الاقتصادية واجتماعية.
وبخلاف جلوسه مع وزير الجيش الإسرائيلي أكثر من مرة، زار قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق اللواء عميكام نوركين الشيخ طريف في دار الطائفة بقرية جولس، في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2018، مؤكدًا على حد تعبيره “التزام إسرائيل وجيشها بحماية أبناء الطائفة الدرزية في جميع أماكن وجودهم”.
غير أن هذا التصريح، الذي جاء من أرفع قيادة عسكرية، لم يكن مجرد رسالة تطمين، بل إشارة سياسية واضحة إلى توظيف الطائفة كورقة استراتيجية في يد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وتظهير طريف كحلقة وصل تخدم هذا الدور، بما يتجاوز موقعه الروحي إلى موقع يشرعن سردية الاحتلال عن “رعاية” الأقليات.
ومع انفتاحه المتزايد على مؤسسات الحكم الإسرائيلي، اتهمه بعض أبناء طائفته بلعب دور مزدوج يجمع بين صفة “الزعيم الروحي” وتبرير دمج الدروز في المنظومة الأمنية والعسكرية للاحتلال، ورأوا أن هذه العلاقة فيها شبهة التمادي والتماهي مع السياسات الإسرائيلية في المنطقة، وهي ممارسات غير معهودة كثيرًا لرجال الدين الدروز، وحتى خارج “إسرائيل”.
هذا الدور المزدوج بين الدين والسياسة جعل العمامة، التي يُفترض أن تكون رمزًا روحانيًا بحتًا، تتحول تدريجيًا إلى بطاقة سياسية تمكّن طريف من الوصول إلى دوائر صنع القرار في تل أبيب، ومن ثم لعب أدوار في قضايا تتجاوز حدود قريته أو طائفته.
دور سياسي يتجاوز حدود الزعامة الدينية
على عكس جده الذي ركّز على إدارة شؤون الطائفة داخليًا، بدأ طريف يتطلع نحو أدوار أوسع تتجاوز حدود مرجعيته الدينية، إذ لم تقتصر جهوده على توطيد علاقته بالمؤسسات الإسرائيلية، بل سعى أيضًا إلى نسج قنوات تواصل منتظمة مع روسيا، في خطوة تكشف رغبته في تعزيز موقعه كقناة وحيدة تربط الطائفة بالفاعلين الإقليميين، وتمنحه هامش نفوذ يتجاوز حدوده الطبيعية داخل فلسطين المحتلة.
لم تكن لقاءاته المتكررة مع السفير الروسي في “إسرائيل” أناتولي فيكتوروف مجرد تواصل بروتوكولي، بل رُسمت على نحو يعكس محاولة توظيف النفوذ الروسي في سوريا كرافعة لتكريس دوره في ملف الدروز هناك، وقُرأت على أنها محاولة لتعزيز نفوذه الشخصي أكثر من كونها مسعًا صادقًا لصون مصالح الدروز.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، كلّف طريف السفير الروسي بنقل رسالة إلى القوات الروسية في سوريا، دعا فيها إلى تنسيق بين قوات نظام الأسد ومشايخ عقل وقيادات الطائفة الدرزية، فيما بدا وكأنه تقديم نفسه وسيطًا ضروريًا لا غنى عنه في أي معادلة تخص الدروز، بدلًا من تمثيل مصالحهم كما هي.
وبعد عامين، حمل إلى موسكو ورقة عمل حول أوضاع الطائفة وحقوقها ودورها في مستقبل البلاد، لكن زيارته هذه لم تمر دون إثارة جدل، إذ يرى منتقدوه أنّ طرحه لقضايا تخص الدروز في سوريا يفتقر إلى أي تفويض من الطائفة هناك للحديث باسمها، وأن ما يقوم به يتجاوز حدود دوره الروحي، ما يجعل تحركاته أشبه بادّعاء تمثيل سياسي لا يملك شرعيته.
ومع ذلك، عاد في العام التالي ليطرح في لقائه بالسفير الروسي آلية لإيصال مساعدات من الدروز في الأراضي المحتلة إلى السويداء عبر وساطة روسية مباشرة، في خطوة أعطت انطباعًا بأنه يسعى إلى تثبيت شرعية سياسية خارج الحدود، مدعومة بثقل روسي.
لكن رغم ما أبداه طريف من حماسة لبناء قنوات مع موسكو، بقيت مطالبه، على كثرتها، حبيسة البيانات الدبلوماسية واللقاءات البروتوكولية، دون أن تُترجم إلى خطوات ملموسة على الأرض، ما جعله أقرب إلى ورقة رمزية تستفيد منها روسيا أكثر مما تمنحه نفوذًا حقيقيًا.
ولا يقتصر نشاط طريف على الساحة الروسية، بل يحرص على الظهور المتكرر في الندوات والمؤتمرات الدولية، مقدّمًا نفسه كصوت معبّر عن الدروز وقضاياهم، خصوصًا في سوريا، غير أن هذا الحضور بات أداة سياسية لتكريس نفوذ طريف نفسه كـ”ممثّل عالمي” للدروز، لكن في الوقت ذاته كقناة موازية تخدم أجندات ترتبط بمصالح “إسرائيل” بقدر ما ترتبط بهموم الطائفة.
تجلّى ذلك بوضوح في زيارته الأخيرة إلى باريس، حيث التقى الجالية الدرزية في فرنسا، واجتمع مع المبعوث الأمريكي لسوريا توم باراك، قبل ساعات فقط من اجتماع باراك نفسه مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر.
هذا التزامن اللافت، في لقاء هو الثاني من نوعه بين الثلاثي خلال أقل من شهر، يشي بأن تحركات طريف ليست مجرد مبادرات شخصية أو طائفية، بل حلقة في شبكة اتصالات غير رسمية تُوظَّف لتسهيل اختراق “إسرائيل” للمشهد السوري، وإيجاد قنوات خلفية مع القوى الدولية الفاعلة في الملف السوري.
حماية الدروز أم الارتهان للاحتلال؟
يقدم طريف نفسه راعيًا للطائفة، لكن الأزمة السورية عام 2011 كشفت الوجه الآخر لدوره، حيث استغل التوتر الإقليمي لتعزيز نفوذه، مقدّمًا نفسه كوسيط بين دروز جبل العرب و”إسرائيل”، ومنحه هذا الدور لقب “الممثل العابر للحدود”، لكنه تجاوز الوساطة إلى الدعوة العلنية لتدخل عسكري إسرائيلي في سوريا “لحماية الطائفة”.
هذه الدعوات أثارت جدلاً واسعًا حول حدود سلطته الدينية، وجعلت صورته محل انتقاد واسع: هل هو حامٍ للطائفة أم رمز لارتهانها للاحتلال؟ واعتبر منتقدوه أن موقفه يضع الدروز في سوريا في موقع حساس، إذ يسهّل اتهامهم من قبل النظام السوري بالارتباط المباشر بـ”إسرائيل”.
وبعد سقوط بشار الأسد في سوريا، وفي 14 مارس/ آذار 2025، نسَّق طريف لزيارة نحو 60 شخصية دينية من الطائفة الدرزية السورية من خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى “إسرائيل”، في سابقة هي الأولى منذ أكثر من نصف قرن.
الزيارة أثارت سلسلة من التساؤلات حول خلفياتها وتداعياتها، خصوصًا مع تصاعد محاولات الاستقطاب الإسرائيلي للطائفة، وما يرافقها من انقسامات بين مشايخ العقل وتباين حاد في مواقف القيادات الدرزية حيال السلطات السورية الجديدة وتوازنات المرحلة الراهنة.
ومع وقوع أحداث عنيفة شهدتها السويداء في يوليو/ تموز الماضي، بات موفق طريف كثير الظهور في الإعلام الإسرائيلي، وناشد قادة جيش الاحتلال للتدخل وضرب سوريا لدعم المجموعات المسلحة الدرزية التي يقودها حليفه حكمت الهجري ضد الحكومة السورية، وبحجة حماية المكون الدرزي في جنوب البلاد.
ومثَّل تحريضه على تدخل جيش الاحتلال في العمق السوري مبررًا وغطاءً أخلاقيًا استغلته “إسرائيل” لتنفيذ توغلاتها في سوريا، وقصف مواقع في وسط دمشق بينها مبني الأركان قرب ساحة الأمويين، ما جعل الهجري وطريف أمام السيل من الانتقادات والاتهامات العارمة.
لكن الوجه الإنساني المعلن لموقف طريف يراه بعض الدروز بشكل آخر، ففي لبنان مثلاً، يتهمه الزعيم السياسي وليد جنبلاط بأنه مدعوم من القوى الصهيونية، ويسعي لتكريس واقع تقسيمي للطائفة بين مختلف البلدان.
وتثار أسئلة جدية عن طبيعة طموحات طريف التي يروجها على أنها تهدف إلى ترسيخ مكانة الطائفة الدرزية في “إسرائيل”، وضمان اندماجها في المجتمع، مع الحفاظ على الهوية الدينية والخصوصية الثقافية، غير أن منتقديه يرون أن هذا المشروع يتقاطع مع أجندات لا تمثل الطائفة، ويخدم بالدرجة الأولى تثبيت موقعه زعيمًا مقبولاً لدى الاحتلال، أكثر مما يخدم استقلالية الطائفة نفسها.
هناك فريق من أبناء الطائفة في مناطق مثل سوريا، يرى في تصرفات طريف، وخاصة علاقته الوثيقة بسلطات الاحتلال، وتواصله المستمر مع مؤسساتها، تهديدًا للهوية الوطنية السورية للطائفة، ففي سبتمبر/ أيلول 2018، عندما زار السويداء، اعتبر بعض السكان استقباله “خيانة” بسبب جنسيته الإسرائيلية.
هؤلاء يرون أن تصدّر طريف للمشهد كلما توترت الأوضاع في المدينة يسيء إلى سمعتهم، ويقوّض الخطاب الوطني الذي التزمت به الطائفة منذ اندلاع الثورة السورية، ويخشون من أن أي استغلال عبر علاقاته بـ”إسرائيل” قد يساهم في التشكيك في انتمائهم والتزامهم بالقضية الفلسطينية، خاصة في ظل احتلالها للجولان السوري والأراضي الفلسطينية.
حتى بعض الأوساط الإسرائيلية تقر بأن أي تدخل مباشر في نزاعات الدروز في سوريا قد يجرّ تل أبيب إلى نزاعات طائفية لا تصب في مصلحتها، لكن ذلك لم يمنعها من توظيف طريف كأداة لتحقيق مآربها في سوريا، فيما يوظف هو هذه العلاقة بدوره لتعزيز طموحه في لعب دور “قائد إقليمي” يشمل دروز سوريا ولبنان.
وفي يوليو/ تموز الماضي، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن عددًا من قيادات الطائفة في الداخل استُدعوا على عجل إلى اجتماع مع كبار قادة الجيش والشاباك، من بينهم نائب رئيس الأركان تامير ياداي وقائد المنطقة الشمالية أوري غوردين، في مشهد يعكس حجم التداخل بين المؤسستين العسكرية والدينية.
لكن بعض المشاركين، مثل رئيس مجلس دالية الكرمل رفيق حلبي، خرجوا بانطباع سلبي، معبّرين عن خيبة أملهم من طبيعة الطرح الإسرائيلي، وهو ما يشي بوجود فجوة بين خطاب الطمأنة الإسرائيلي والواقع العملي الذي لا يقدّم للطائفة سوى المزيد من الارتهان.
البراغماتي المفضل لـ”إسرائيل”
الواقع يكشف فجوة واسعة بين خطاب موفق طريف وممارساته العملية، فرغم صورته كـ”زعيم روحي”، يرى البعض فيه رجل براغماتية يضمن مصالح جماعته عبر قربه من مؤسسات الحكم الإسرائيلية، ما يوفر للطائفة مظلة حماية وفرصًا اقتصادية وخدمية.
لكن لماذا تتعامل “إسرائيل” معه بهذه الخصوصية؟ الواقع أن “إسرائيل” تحاول منح طريف خصوصية رمزية وغير معهودة لزعيم ديني من الأقليات، وتسعى – عبر استخدامه كأداة سياسية – لترسيخ فكرة أن الدروز أقلية مخلصة للدولة ومدمجة في المشروع الصهيوني، وبالتالي جرّهم إلى معارك إقليمية لا مصلحة لها فيها.
وتنظر “إسرائيل” إلى طريف ممثلاً لجماعة “مقاتلة وفية”، فيُمنح أدوارًا تكون قاصرة عادة على اليهود، منها حضور في مراسم عسكرية ومدنية، مع خلفية التجنيد الإلزامي، ما يجعله رمزًا للأقلية المخلصة، وهذا رصيد سياسي للدولة داخليًا وخارجيًا.
في أبريل/ نيسان 2018، اختير طريف ليكون أحد مشعلي ما تسمى “شعلة الاستقلال” في الاحتفال الرسمي بمناسبة الذكرى الـ70 لإعلان قيام “إسرائيل”، وهي مشاركة تظهر انفتاحه على الاحتفالات الرسمية الإسرائيلية، رغم ما قد يترتب على ذلك من تحديات للطائفة الدرزية في سياق هويتها الدينية والسياسية.
يُستخدم هذا التتويج الرمزي في السردية الإسرائيلية لإظهار مثال التعايش والولاء، وهذا ليس نهجا حديثًا، بل يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، مع ظهور ما يعرف بـ”حلف الدم“، وهي التسمية التي يفضّل قادة الاحتلال إطلاقها على الرابطة التي يزعمون أنها تجمع بين الجنود اليهود والدروز في صفوف جيش الاحتلال.
وفي الوقت الذي جرى فيه استبعاد العرب السنّة والمسيحيين من نظام التجنيد، واجه القرار رفضًا واسعًا في أوساط الدروز، لكن نفوذ بعض القيادات المحلية مكّن من تمريره قسرًا، مدفوعةً برغبة في تعزيز موقعها لدى المؤسسة الإسرائيلية والاستفادة من وعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للطائفة.
وبعكس بقية الفلسطينيين في الداخل المحتل، أسست “إسرائيل” علاقة أمنية وسياسية خاصة مع الدروز، وفي كل وقت تحتاج إلى شخصية درزية قوية تثبِّت معها هذه القواعد، حتى لو قررت الطائفة الدرزية الاحتجاج على “إسرائيل”، مثل ما حدث إبان إقرار “قانون القومية اليهودية” عام 2018، والذي عُدَّ ترسيخًا للعنصرية تجاه الأقليات، ومنهم الدروز.
ومع تصاعد الغضب الذي أثاره القانون داخل الأوساط الدرزية، حيث وصفه بعضهم بأنه يقوّض فكرة “التعددية”، ويدفع الدروز يدفعهم إلى خانة “المواطنين من الدرجة الثانية”، كانت “إسرائيل” بحاجة لشخصية كرجل دين درزي يضبط خطاب الاحتجاج، فظهر طريف رجلاً يكافح لتعديل القانون، لكن عبر الحوار والطرق التي تحتوي غضب الدروز.
من ناحية أخرى، يعد الشيخ موفق طريف الأداة الأسهل لإيجاد المسوغات لتدخل إسرائيلي في الساحة السورية، إذ تُصغي المؤسسة الأمنية والعسكرية في تل أبيب لصوته، مدفوعة بتأثيره المباشر في الشارع الدرزي داخل الجليل والجولان.
لكن هذا الدور يواجه تحديات كثيرة. داخليًا، يواجه طريف رفضًا متزايدًا داخل الطائفة، خصوصًا بين الشباب الذين يرون أن دعمه لسياسات الاحتلال يضع الطائفة في خدمة مشروع كيان يهودي يستبعد في بنيته العميقة غير اليهود من معادلة المواطنة الكاملة. أما خارجيًا، فيصطدم سعيه للظهور كمرجعية لجميع الدروز في المنطقة بالريبة العميقة لدى معظم دروز سوريا ولبنان.