وقعت شركة “إعمار” الإماراتية عبر رئيس مجلس إدارتها رجل الأعمال الإماراتي المعروف محمد العبار، بجانب شركة “سيتي ستارز” السعودية وصاحبها حسن الشربتلي، مع الحكومة المصرية ممثلة في رئيسها مصطفى مدبولي، عقد مشروع مراسي البحر الأحمر السياحي، الأحد 7 سبتمبر/أيلول الجاري.
المشروع يقع في منطقة سوما باي، واحدة من أهم المناطق السياحية على البحر الأحمر، ويمتد على مساحة 10 ملايين متر مربع وباستثمارات تقدر بـ900 مليار جنيه (18 مليار دولار) وفقًا لبعض التقارير، ويعد امتدادًا لنجاح مشروع قرية مراسي السياحية في الساحل الشمالي.
العبار، وعقب توقيع هذا الاتفاق، أعرب عن رغبته العلنية في الاستثمار في منطقة وسط البلد التاريخية بالقاهرة، مؤكدًا أنها تمثل أولوية خاصة له في استثماراته المقبلة، واصفًا إياها بـ”قلب الأمة العربية”، مضيفًا في مداخلة له مع الإعلامي أحمد موسى في برنامجه المقدم على قناة “صدى البلد” المملوكة لرجل الأعمال والبرلماني المقرب من النظام، محمد أبو العينين: “أنا عاوز وسط البلد، حبي لهذه المنطقة لأنها تدل على عظمة القاهرة، مش عاوز دي حبا في الاستثمار فقط ولكن حبا في القاهرة نفسها”.
تصريحات رجل الأعمال الإماراتي عن منطقة وسط البلد، التي تتمتع بمكانة تاريخية وثقافية لدى المصريين وتشكل ضلعًا أساسيًا في تكوين الهوية البصرية للقاهرة الحضارية، أثارت الكثير من القلق والخوف، لاسيما وأنها تزامنت مع تمرير قانون الإيجار القديم الذي يجرد مستأجري نظام الإيجار القديم، والذين يقع معظمهم في منطقة وسط البلد، من منازلهم.
وبعيدًا عن تنامي الاستثمارات الإماراتية عمومًا في السوق المصري، إذ يصل عدد الشركات الإماراتية في مصر إلى نحو 1730 شركة، بحسب سفيرة الإمارات بالقاهرة مريم الكعبي، وتسهم الدولة الخليجية الصغيرة بنسبة 29% من الاستثمار الأجنبي داخل الدولة المصرية، إلا أن تغلغل العبار ومجموعته، والتي بلغ حجم استثماراتها في مصر 35 مليار دولار، منوعة ما بين عقارات وفندقة وخدمات وصحة وطاقة وغذاء وزراعة، كان الأكثر قلقًا، خاصة في ظل العلاقة الحميمية التي تربطه بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
هذه العلاقة المريبة بين إمبراطور العقارات الإماراتية وتل أبيب دفعت كثيرًا من المصريين للتساؤل حول كيفية منحه كل تلك الاستثمارات اللوجستية في السوق المصري، خاصة في هذا التوقيت الحساس والحرج، والذي تشهد فيه العلاقات المصرية الإسرائيلية فتورًا وتوترًا ملحوظًا وصلت إلى حد تلويح قيادات الكيان باحتلال أجزاء من مصر تحت مسمى حلم “إسرائيل الكبرى”.. فمما يخاف المصريون من نفوذ العبار المتنامي داخل بلادهم؟
إعمار.. نفوذ متنامٍ في السوق المصري
المتابع لخارطة الاستثمارات الإماراتية في مصر يجد أن هناك جهتين حكوميتين تحتكران الجزء الأكبر منها، الأولى: مؤسسة “القابضة ADQ”: وهي صندوق ثروة سيادي حكومي يتبع لإمارة أبوظبي، ويتولى منصب رئيس مجلس إدارته طحنون بن زايد، شقيق رئيس الإمارات محمد بن زايد، والثانية: صندوق أبوظبي للتنمية (ADFD)، والذي يتولى منصور بن زايد، شقيق رئيس الإمارات، منصب رئيس مجلس الإدارة فيه، فيما يتولى عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، منصب نائب رئيس مجلس الإدارة.
وخلف هاتين الجهتين الحكوميتين تأتي مجموعة العبار التي استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية أن تتغلغل في عصب الاقتصاد المصري عبر العديد من المشروعات، على رأسها مجال العقارات، حيث مشروع “ميفيدا” في القاهرة الجديدة، على مساحة حوالي 500 فدان، والذي تقدر قيمة استثماراته بحوالي 100 مليار جنيه مصري (2.08 مليار دولار).
وهناك مشروع (Cairo Gate) في مدينة الشيخ زايد، أحد أبرز المشروعات السكنية الفارهة، والذي يقدم خدمات تجارية وترفيهية عالية، وقدرت قيمة استثماراته بحوالي 11.5 مليار جنيه، بجانب أرض أخرى في نفس المنطقة باستثمارات تقدر بحوالي 37.8 مليار جنيه للأراضي التي تم تخصيصها.
علاوة على ذلك، لدى مجموعة العبار العديد من القرى السياحية الاستثمارية في مراسي في الساحل الشمالي وفندق ذي أدريس، ومشروع قرية سول، ومشروع قرية مراسي ريد سي في البحر الأحمر، بجانب مشروع آخر في القرية الذكية، تلك التي تجعل الشركة الإماراتية تهيمن على ملايين الأمتار في أماكن لوجستية داخل الأراضي المصرية، هذا بخلاف العديد من المشروعات العقارية الأخرى التي ينتوي تدشينها في مصر، والتي سترفع قيمة الاستثمارات إلى 35 مليار دولار تقريبًا.
وبعيدًا عن قطاع العقارات والسياحة، يتحكم العبار بشكل كبير في مزاج المصريين وسوق السجائر، خلال شركته “جلوبال إنفستمنت هولدينج” وبالشراكة مع رجل الأعمال أبو بكر الحسيني، حيث استحوذت على حصة في أكبر شركتين للدخان في مصر: 30٪ من الشركة الشرقية للدخان في مصر وحصة من شركة التبغ المتحدة، الفرع المصري التابع لشركة فيليب موريس للسجائر.
التغلغل العباري في مفاصل الدولة المصرية لم يقتصر على الشق الاستثماري وفقط، فهناك بعد اجتماعي آخر، أثار إلى حد ما بعض التساؤلات، منها مشاركته في عدد من مبادرات المسؤولية الاجتماعية (CSR) مثل مشروع بيوت الخير مع مؤسسة مصر الخير، والذي يهدف إلى تحسين وتجديد منازل الفقراء في محافظات مثل مطروح، البحيرة، أسوان، وقنا، توفير مرافق صحية، كهرباء، وتجديد للمنزل، بجانب مشاركته في خلق مشروعات لزيادة دخول الأسر الصغيرة مثل تربية الدواجن والطيور وخلافه.
العلاقة مع “إسرائيل”.. علامة استفهام
يتمتع رجل الأعمال الإماراتي بعلاقات حميمية وثيقة الصلة مع مسؤولين كبار في القيادة الإسرائيلية، تلك العلاقة التي تمتد لأكثر من عشرين عامًا، كان فيها الصديق الوفي المحب للشعب الإسرائيلي والمساعد له في نكباته وكوارثه، وأحد أبرز الأيادي السخية لدعم المستوطنين نفسيًا وماديًا، كما يُعد من زمرة الداعين للتطبيع وحاملي لواء التقارب مع الكيان المحتل.
في عام 2005 وعقب الانتفاضة الفلسطينية، كانت الزيارة الأولى للعبار للأراضي الفلسطينية المحتلة، لم تكن بهدف دعم الفلسطينيين، لكن لوضع أول لبنة في جدار علاقاته مع الاحتلال، حيث التقى سرًا كل من أرييل شارون (رئيس حكومة الاحتلال في ذلك الوقت) وشمعون بيريز، بتنسيق من وزير النقل في الحكومة حينها، إفرايم سنيه.
في تلك الزيارة ألقى رجل الأعمال الإماراتي أولى أوراق اعتماده لدى “إسرائيل” حيث قدم عرضًا مغريًا لا يمكن رفضه، صفقة لشراء المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منها، عوضًا عن تفكيكها، بما يقلل من خسائر الاحتلال ويعوضهم عن المبالغ التي أنفقوها في بناء تلك المستوطنات.
وقبل تلك الزيارة بأربعة سنوات تقريبًا، كان العبار في استقبال وزير النقل الإسرائيلي إفرايم سنيه، حين أجرى أول زيارة رسمية للإمارات عام 2001، ويشير الوزير الإسرائيلي إلى العبار على أنه “صديقي العزيز”، ويقول إن الاثنين حافظا على العلاقات على مر السنين.
ورغم نفي العبار ما أثير بشأن تلك الزيارة وأنها لم تكن بهدف التمهيد للتطبيع مع تل أبيب، مع التنويه إلى أنها “نبعت من حسه القومي ومن روح المبادئ الوطنية والإنسانية الراسخة التي تنتهجها دولة الإمارات بقيادتها الحكيمة”، إلا أن لجنة الإمارات الوطنية لمقاومة التطبيع مع العدو الإسرائيلي استنكرتها ونددت بلقائه مع مسؤولين إسرائيليين، بينهم شارون، واعتبرت الزيارة بأنها خطوة تطبيعية غير مبررة.
عُرف بدعوته المتكررة لتوسيع التطبيع مع إسرائيل ليشمل الأبعاد الاجتماعية إلى جانب السياسية والاقتصادية، وشارك بفاعلية في ورشة المنامة الاقتصادية 2019 التي ناقشت الشق الاقتصادي من “صفقة القرن”، حيث ركّز على أهمية الاستثمار في المشاريع المرتبطة بالخطة. وخلال المؤتمر، أشاد جاريد كوشنر بالعبار واصفًا إياه بـ”محب الشعب اليهودي”، كما يُنسب إليه تأسيس أول كنيس يهودي في الخليج بدبي.
يقول البروفيسور ورجل الأعمال الإسرائيلي، يتسحاق كريس، إنه التقى العبار خلال مؤتمر “السلام من أجل الازدهار” الذي عقده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في البحرين عام 2019م، والذي وضع الأساس لـ”اتفاقيات أبراهام”، مبديًا إعجابه به، قائلًا: “لقد عرفته على الفور كرجل متواضع ولطيف، فكرته في بناء العلاقات والولاء عبر الحدود مبنية على مبدأ: سأعتني بعائلتك وأنت ستعتني بعائلتي، حسنًا، هذا قوي جدًا”.
لم يترك صاحب شركة “إعمار” فرصة للتطبيع إلا واستغلها، ولا بابًا للتقارب مع الكيان إلا وطرقه، ففي كلمته خلال المؤتمر الاقتصادي الإماراتي – الإسرائيلي، الذي عُقد على هامش معرض جيتكس في ديسمبر/كانون الأول 2020، جدّد العبار دعوته لدمج الإسرائيليين في المجتمع الإماراتي، مشددًا على أن الأولوية بالنسبة له هي بناء علاقات اجتماعية وأسرية قبل أي شراكات اقتصادية.
وقال: “العمل مع إسرائيل أمر حتمي، لكن ما يهمني هو أن تزور أمي وأن أزور أمك الإسرائيلية”، وأضاف أنه يحرص على ما وصفه بـ”لم شمل العائلة”، من خلال تشجيع التعارف بين الشعوب، وزيارات عائلية، وخلق روابط بين الأطفال الإماراتيين والإسرائيليين، وهو الطرح الذي قوبل حينها برفض وعدم ترحيب داخل الشارع الإماراتي.
وفي عام 2021 أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن العبار قدّم تبرعات وُصفت بـ”الكبيرة” لصالح مشروع إسرائيلي يُعنى بمكافحة الفقر والجوع، وذلك من خلال دعم آلاف العائلات الإسرائيلية المحتاجة، وذكر الموقع الاقتصادي الإسرائيلي “كلكالست” (Calcalist) أن مؤتمر “المبادرة الوطنية للأمن الغذائي” المنعقد في تل أبيب كشف لأول مرة عن أسماء خمسة مانحين رئيسيين موّلوا مساعدات بقيمة إجمالية بلغت نحو 550 مليون شيكل (ما يزيد عن 170 مليون دولار).
الصهيوني الوظيفي الذي يخشاه المصريون
قبل ما يزيد على خمسة وعشرين عامًا، توقّع المفكر والباحث الراحل عبد الوهاب المسيري، أحد أبرز روّاد دراسات الصهيونية في العالم العربي، أن يأتي يوم يصل فيه العربي أو المسلم إلى مرحلة يصبح فيها “صهيونيًا وظيفيًا”، أي يؤدي نفس الأدوار التي كان يقوم بها القائد العسكري الإسرائيلي أو التاجر اليهودي الداعم لإسرائيل، مازحًا: “اليهودي الجديد سيأتي ويصلي معنا العشاء في المسجد”.
اليوم ينظر المصريون بعين الريبة لهذا التغلغل الكبير للعبار في مفاصل الاقتصاد المصري، خاصة في ظل العلاقات الحميمية التي تربطه بالكيان الإسرائيلي، وفي هذا التوقيت الحساس من الناحية الاستراتيجية إقليميًا، حيث العلاقات المتوترة بين القاهرة وتل أبيب، والتي يُفترض أن تدفع الجانب المصري إلى توخي الحذر إزاء هذا التوغل الاستثماري المثير للشك.
كما أن تركيز مجموعة إعمار على المشروعات ذات الأهمية اللوجستية، على البحرين الأحمر والمتوسط، بجانب ما يثار بشأن الاستحواذ على قلب القاهرة التاريخية ومنطقة وسط البلد تحديدًا، عمّق من القلق والريبة، وسط تصاعد المخاوف من أن يكون العبار ذلك الصهيوني الوظيفي الذي يقوم بدور الإسرائيلي في مصر وأن يتحول من رجل أعمال إماراتي إلى بوابة لتوسيع النفوذ الإسرائيلي داخل الأراضي المصرية بشكل غير مباشر.
ويعد العبار المولود في الإمارات في 8 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1956 والحاصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة المالية والأعمال من “جامعة سياتل” بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي منحته درجة الدكتوراه الفخرية، أحد أضلاع الاقتصاد الإماراتي، فهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة “شركة إعمار العقارية”، ورئيس مجلس إدارة كل من “شركة إعمار للتطوير”، و”شركة إعمار المدينة الاقتصادية”، وشركة الاستثمار والتطوير العقاري (إيجل هيلز)، التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها، وتتولى تمويل وتطوير مشاريع واسعة النطاق في عدد من الأسواق العالمية.
كما يرأس مجلس إدارة “شركة موارد أفريقيا الشرق الأوسط”، وأحد كبار المؤسسين والمساهمين في “شركة آر إس إتش” في سنغافورة، إضافة إلى كونه مؤسس “منصة نون.كوم”، ويشغل منصب رئيس مجلس إدارة كل من “مجموعة شركات أمريكانا”، و”تريد ويندز” التي تعمل بمجال الضيافة والترفيه في ماليزيا، ومدير بشركة “نمشي” القابضة، وشركة “إيه إن آتش” القابضة “ANH HOLDINGS LIMITED”، في مركز دبي المالي العالمي “DIFC” بدولة الإمارات.
إلى جانب كل هذا، يشغل عضوية مجلس إدارة “مجموعة نور الاستثمارية” التابعة لـ”مجموعة دبي”، وعضوية اللجنة التحضيرية لـ”معرض إكسبو دبي الدولي 2020″، فضلاً عن أنه عضو مجلس إدارة “صندوق الوطن”، كما تولى مناصب رئيس مجلس إدارة “شركة أملاك للتمويل” بين 2004 و2007، ورئيس مجلس إدارة “شركة دبي للكابلات” بين 1993 و2007، ونائب رئيس مجلس إدارة “شركة دبي للألمنيوم” بين 1992 و2003، ونائب رئيس مجلس إدارة “مركز دبي التجاري العالمي” بين 1992 و2002، فضلاً عن توليه رئاسة “اتحاد الإمارات للغولف” منذ 1995 وحتى 2007.
لوبي إماراتي في مصر
منحت الإمارات تحديدًا كل تلك الاستثمارات دون غيرها من دول العالم، لتحل في المرتبة الأولى بقائمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بإجمالي نحو 8.9 مليار دولار، وتقديم كافة التسهيلات الضريبية والإجرائية لها، وفتح الباب على مصراعيه أمام استثماراتها للاستحواذ على المشروعات والكيانات والأصول ذات الأهمية اللوجستية والاستراتيجية وبأسعار زهيدة، دفع بعض المتخوفين للحديث عن وجود ما أسموه “لوبي إماراتي في مصر”.
واستند هذا الفريق في تخوفاته تلك إلى بعض المؤشرات، منها استضافة أبوظبي للعديد من الشخصيات الأمنية السابقة التي كان لها نفوذها القوي في الدولة المصرية قبل سنوات، أبرزهم رئيس المخابرات العامة الأسبق اللواء مراد موافي واللواء محمد إبراهيم، وكلاهما انتقل إلى الإمارات سنة 2017.
كما كانت الإمارات أحد محددات السياسة الخارجية المصرية في كثير من الملفات، على رأسها الملف الليبي، حيث شاركت الأجندة الإماراتية في دعم قوى شرق ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر في مواجهة الحكومة المعترف بها أمميًا في طرابلس، وذلك قبل أن تتراجع القاهرة مؤخرًا عن هذا الاستقطاب بعدما ثبت خطأه.
هذا التشابك في المصالح والعلاقات واحتضان الدولة الخليجية لفئة ليست بالقليلة من رموز الدولة السابقين، بجانب ما تمتلكه من نفوذ إعلامي كبير داخل الأراضي المصرية، أثار الشكوك حول وجود لوبي هدفه تمرير المصالح الإماراتية في مصر وتوجيه السياسات المصرية وفق البوصلة الإماراتية وبما يخدم أهداف وطموحات وأحلام أبناء زايد.
في ضوء هذا المشهد المعقد، يتضح أن استثمارات محمد العبار ومجموعته “إعمار” في مصر تجاوزت حدود النشاط الاقتصادي البحت لتتحول إلى حضور واسع ومتشعب في قطاعات استراتيجية وحيوية، بدءًا من العقارات والسياحة وحتى الصناعات الغذائية والتبغ. هذا التغلغل الكثيف، في توقيت تتسم فيه العلاقات المصرية – الإسرائيلية بالتوتر والفتور، يطرح علامات استفهام عميقة حول طبيعة الدور الذي يمكن أن يلعبه العبار في الداخل المصري، لا سيما مع ما يُثار بشأن علاقاته الوثيقة بتل أبيب ومواقفه الداعمة للتطبيع بمختلف أشكاله.
وما بين المخاوف الشعبية من تحوّل هذه الاستثمارات إلى أداة نفوذ سياسي أو أمني غير مباشر، والشكوك التي ترافق التسهيلات الكبيرة التي تحظى بها الشركات الإماراتية في السوق المصري، يبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل نحن أمام استثمار اقتصادي طبيعي يهدف إلى الربح والتنمية، أم أمام اختراق استراتيجي يفتح الباب أمام دور “الصهيوني الوظيفي” الذي حذر منه المسيري قبل عقود، ليتجسد اليوم بأدوات ناعمة تغلفها شعارات التنمية والتطوير؟