ترجمة وتحرير: نون بوست
توشك أسراب الطائرات المسيّرة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تغيير قواعد المعركة مع إطلاق شركات تقنية متقدمة لبرمجيات متطورة تهدف إلى جعل الهجمات بالأسلحة غير المأهولة أكثر فتكًا من خلال قدرتها على إغراق الدفاعات المعادية.
في هذا التطور الجديد من حروب الطائرات المسيّرة، تستخدم مجموعات من الأسلحة غير المأهولة الذكاء الاصطناعي للتنسيق فيما بينها وتنفيذ هجمات على مواقع العدو.
وقد وصف لورينز ماير، الرئيس التنفيذي لشركة “أوتيريون”، وهي شركة أمريكية ألمانية، ظهور تقنية الأسراب بأنه “لحظة فارقة”، وذلك عقب كشف شركته عن “محرك هجمات لأسراب الطائرات المسيّرة”.
وتقوم هذه التقنية التي أطلق عليها اسم “نيمكس” بتحويل الطائرات المسيّرة الفردية إلى قوة منسّقة واحدة، ويتم تشغيلها عبر نظام تشغيل “أوتيريون” الذي يتوفر كتطبيق، مما يتيح لأي طائرة تحمله الانضمام إلى السرب من خلال ترقية برمجية بسيطة.
ورغم أن البرنامج الجديد لم يُستخدم بعد في ساحات القتال، فإن “أوتيريون” تعتزم إرسال 33,000 وحدة من “مجموعات الضرب” المكونة من مسيرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى أوكرانيا بحلول نهاية العام، ضمن عقد مع وزارة الدفاع الأمريكية. وأكدت الشركة أن هذه الأنظمة قابلة للترقية باستخدام “نيمكس” لتصبح قابلة للانتشار ضمن أسراب منسّقة.
وقال ماير: “تدرك الجيوش أن هذه التقنية ستغمر دفاعاتها”، مضيفًا: “الجميع يتحدث عن الأسراب، والجميع متخوف منها”.
تتيح هذه الأسراب لجندي واحد التحكم في عدة طائرات مسيرة، مما يفتح المجال لإستراتيجيات هجومية تسعى تلقائيًا إلى خداع الدفاعات المعادية وتجاوزها.
قال غوندبرت شيرف، الشريك المؤسس لشركة “هلسينغ”، التي أعلنت الأسبوع الماضي عن تقنيتها الخاصة بالأسراب المدعومة بالذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركة البرمجيات الألمانية “سيستماتيك”، إن “الفكرة الأساسية للأسراب هي مضاعفة القوة، والاستفادة القصوى من العنصر البشري الواحد”.
وبدأت أولى التجارب واسعة النطاق على أسراب الطائرات المسيّرة عام 2016، حين أسقطت طائرات إف-18 التابعة للبحرية الأمريكية طائرات مسيّرة صغيرة، كما عرضت الصين أسرابًا ضخمة منذ عام 2017.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، بدأت عدة شركات أوكرانية بتجربة تقنية الأسراب، أبرزها شركة “سوارمر” التي تتخذ من كييف مقرًا لها، وتقول إن تقنيتها استُخدمت في أكثر من 82,000 عملية قتالية.
يشبّه سيرهي كوبريينكو، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة “سوارمر”، السرب الذكي بالكائن الحي؛ حيث تتواصل الطائرات المسيرة فيما بينها وتتخذ قرارات مستقلة بشأن الطيران وتنفيذ العمليات.
وفي إحدى العمليات القتالية التجريبية العام الماضي، استخدم الجيش الأوكراني برمجيات “سوارمر” مع سرب من الطائرات المسيّرة اقترب من المواقع الروسية وقرر بشكل مستقل اللحظة المناسبة للهجوم.
قال كوبريينكو: “الاستقلالية والأتمتة أصبحتا هما القاعدة”، مضيفًا أن تقنية الأسراب “تستجيب بشكل آني للأوامر والأولويات البشرية الجديدة، والظروف المتغيرة، والمعلومات المكتشفة حديثًا”.
وقد بدأت الجيوش بالفعل باستخدام تكتيكات الأسراب بفعالية كبيرة؛ فعلى سبيل المثال، تعلمت روسيا استخدام طائرات “شاهد” الرخيصة وطويلة المدى في هجمات جماعية على المدن الأوكرانية، مما أدى إلى إغراق الدفاعات الأوكرانية وزيادة معدلات الإصابة.
غير أن البرمجيات الأحدث قادرة على جعل تكتيكات الأسراب أكثر فتكًا، إذ تسمح للطائرات الهجومية المسيّرة بالتعلم. وأوضح شيرف من “هلسينغ” أن “الأنظمة السابقة التي تعتمد على نقل الإشارات بين الطائرات لم تكن تحتوي على ذكاء حقيقي”، حيث كانت طائرة أكبر تتحكم في عدة طائرات عبر إشارات راديو لتمديد نطاق الهجوم.
وبفضل الأرشيف الضخم من تسجيلات الطائرات المسيّرة التي يمكن استخدامها لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، تعتقد شركات الدفاع الأوكرانية أنها تمتلك ميزة حاسمة على منافسيها الأجانب؛ إذ أن الشركات الأوكرانية وحدها لديها حق الوصول إلى قاعدة بيانات سرية للعمليات القتالية لبيانات الطائرات المسيرة القتالية المعروفة باسم “المجموعة العسكرية الشاملة”.
وقالت إيفلين بوتشاتسكي، الشريكة الإدارية في شركة رأس المال الاستثماري “دي3” في كييف، إن “تقنية أسراب الطائرات المسيّرة لطالما اعتُبرت هدفًا طموحًا”.
وأضافت أن “الكمية غير المسبوقة من البيانات القتالية المتاحة لتدريب نماذج الاستقلالية” في أوكرانيا تُعد “الركيزة الأساسية لتقنية الأسراب”.
من جانبه، قال مايكل هولم من شركة “سيستماتيك” إن الاتجاه السائد بين مصنّعي الطائرات المسيّرة هو الاعتماد على أنظمة برمجية مفتوحة، مما يجعل التنسيق بينها أسهل. وأضاف: “نحن نتحدث عن أسابيع، أيام وأسابيع، لتكامل الأنظمة وتشغيل السرب، وليس سنوات وأشهر”.
بالمقابل؛ يحذر منتقدو الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي من أن الخوارزميات التي تدير الأسراب قد تتجاوز حدود السيطرة البشرية على الأسلحة، مما يؤدي إلى تسليم جزء أكبر من قرارات القتال إلى الذكاء الاصطناعي؛ فالأسلحة المستقلة بالكامل، التي لا تتضمن أي تدخل بشري، محظورة بموجب القانون الدولي.
وقال شيرف: “بالطبع قمنا بمنح الاستقلالية للنظام، لكننا حرصنا دائمًا على أن يكون الإنسان جزءًا من الحلقة”، مضيفًا: “هذا هو جوهر الشركات المبنية على القيم الأوروبية والعقيدة الأوروبية”.
ونظرًا لأن الأسراب تتطلب أن تكون الطائرات الفردية على اتصال دائم ببعضها البعض، فإن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه هذه التقنية هو الحرب الإلكترونية؛ حيث يتم تشويش على الترددات المستخدمة للملاحة والاتصالات بين الطائرات المسيرة، وفقًا لتحذيرات الخبراء.
وبعيدًا عن ساحات القتال، يمكن استخدام خوارزميات الأسراب في مجالات الخدمات اللوجستية والزراعة والاستجابة للطوارئ؛ حيث يمكن لعدة طائرات مسيّرة أن تتعاون في فحص خطوط الأنابيب، أو زراعة المحاصيل، أو البحث في مناطق الكوارث بكفاءة أعلى من الوحدات الفردية.
وتجري شركات ناشئة في وادي السيليكون وشنتشن وتل أبيب تجارب على استخدام الأسراب في أتمتة المستودعات ومكافحة الحرائق ومراقبة الحشود، لكن المحللين يشيرون إلى أن الإمكانات التجارية تعتمد على قيام الجهات التنظيمية بوضع معايير للسلامة واستخدام البيانات.
المصدر: فاينانشال تايمز