ترجمة وتحرير: نون بوست
يعرفهم سكان حي ويندرمير الراقي في فلوريدا باسمي بيتر ونانسي، وهما زوجان متقاعدان لطيفان يلقيان التحية على الجيران أثناء النزهات الصباحية، ويستقبلان من حين لآخر ابنتيهما الناجحتين، وإحداهما أستاذة مرموقة في جامعة هارفارد.
لكن خلف جدران قصرهما المطل على البحيرة، والذي تبلغ قيمته 3.6 مليون دولار، يكمن سرّ قاتم. بيتر هو في الواقع برويز ثابتي، الذي يُعتقد أنه كان رئيسا للشرطة السرية وزعيم جلادي حكومة شاه إيران قبل الثورة، وهو يواجه الآن دعوى قضائية بقيمة 225 مليون دولار في فلوريدا بسبب الفظائع التي ارتكبها في سجون طهران وأماكن أخرى.
أمر قاض في إحدى المحاكم المحلية الشهر الماضي بأن يمثل ثابتي (89 عامًا) الذي فرّ من إيران عام 1978 وبنى حياة جديدة ناجحة وبعيدة عن الأضواء في الولايات المتحدة، أمام القضاء لمواجهة اتهامات رفعها ثلاثة إيرانيين يصفون أنفسهم بأنهم سجناء سياسيون سابقون.
وفقاً لوثائق المحكمة، يقول المدّعون إنهم كانوا من بين آلاف الأشخاص الذين اعتقلهم جهاز السافاك، وكالة الأمن الداخلي والاستخبارات الإيرانية المعروفة بوحشيتها، بتهمة معارضة نظام الشاه، وأكدوا تعرضهم لانتهاكات جسيمة بأوامر مباشرة من ثابتي، شملت الاغتصاب والصدمات الكهربائية والغمر في الماء واقتلاع الأظافر.
ومن بين أدوات التعذيب التي وردت في الاتهامات “أبولو”، وهو كرسي كهربائي سُمّي على برنامج الفضاء الأمريكي السابق، وكان مزودًا بخوذة معدنية تضخم صرخات الضحايا في آذانهم.

لم يعلق ثابتي علنًا على الادعاءات الواردة في ملفات المحكمة، لكنه سبق أن أنكر تورط السافاك في تعذيب المعتقلين، مدّعياً أنه “كان دائماً يعارض التعذيب“. بقي مكان ثابتي مجهولاً منذ 45 عامًا، إلا أن موقعه في الحكومة الإيرانية، ومنصبه كمدير لجهاز الأمن الداخلي كان معروفاً.
وقد وصفه تحليل سري أعدته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 1978، ولم يُكشف عنه إلا في 2018، بأنه حليف مخلص بشدة للشاه. وجاء في الدعوى القضائية أنه “من أكثر الرجال نفوذاً وهيبة في نظام الشاه، يتمتع بسلطة اعتقال المعارضين واستجوابهم ومحاكمتهم في جميع أنحاء البلاد”.
تتفاوت التقديرات بشأن عدد ضحايا السافاك منذ تأسيسه عام 1957 وحتى حله عام 1979، لكن من المعروف أن الآلاف تعرضوا للاعتقال والتعذيب، وقُتل المئات منهم على أقل التقديرات.
يزعم المدعون الثلاثة، وهم إيرانيون يعيشون في كاليفورنيا، وتتراوح أعمارهم بين 68 و85 عامًا، أنهم اختُطفوا على يد السافاك في طهران، وتعرضوا للضرب للإدلاء باعترافات كاذبة، ثم قضوا فترات في السجن.
في 12 أغسطس/ آب، رفض القاضي غريغوري بريسنيل، من محكمة المقاطعة الوسطى بولاية فلوريدا، طلب محامي ثابتي بإسقاط القضية بحجة تقادم الدعوى. ومن المحتمل أن تبدأ المحاكمة مطلع العام المقبل.
تُشير الدعوى إلى أن ثابتي “أمضى العقود الأربعة الماضية بعيداً عن الأنظار، يخفي مكانه وهويته”. وربما كان سيظل مختفيا مع زوجته نسرين (75 عاما) لولا تغريدة نشرتها إحدى بناته في فبراير/ شباط 2023، تُظهر مشاركته في مظاهرة بلوس أنجلوس تنديدا بسياسات الحكومة الإسلامية في إيران.
ورغم أن الكشف عن هويته ربما لم يكن مقصودا، وأدى مباشرة إلى تمكن محامي المدعين من تحديد مكانه ورفع الدعوى القضائية، إلا أن البعض يعتقدون أن ذلك كان جزءا من حملة يقودها أفراد من الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة لتلميع صورة حكومة الشاه السابقة، وكسب الدعم لنظام جديد موالٍ للغرب.
وقال رضا بهلوي، نجل الشاه السابق محمد رضا بهلوي، في مقابلة مع صحيفة “الغارديان” عام 2023، في ذروة الاحتجاجات المناهضة للنظام الإيراني، إنه يعمل مع حلفائه لصياغة ميثاق مبادئ ديمقراطية لأي حكومة إيرانية مستقبلية، وقدّم نفسه لاحقًا بديلا للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ورئيسا مؤقتا للدولة.
في هذه الأثناء، عمل ثابتي كمستشار أمني لرضا بهلوي، وذلك وفقاً لمقال نُشر عام 2023 على موقع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو ائتلاف من شخصيات سياسية إيرانية يصف نفسه بأنه “برلمان في المنفى”.
لم تنجح محاولات صحيفة الغارديان للاتصال بثابتي، بما في ذلك عبر رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، والرسائل الموجهة لمحاميه الأربعة المدرجين في وثائق المحكمة.
من المؤكد أن ثابتي وأسرته عاشوا حياة مرفهة في الولايات المتحدة منذ وصولهم إلى فلوريدا عام 1978، بعد فرارهم من طهران قبيل أسابيع من الثورة الإسلامية عام 1979.
وتشير وثائق مسرّبة من وزارة الخارجية الأمريكية إلى أنهم تمكنوا من تحويل مبلغ كبير من إيران – قالت إحدى المصادر إنه يزيد عن 20 مليون دولار – وغيّروا أسماءهم إلى بيتر ونانسي بعد وصولهم.
باستخدام هذه الأسماء المستعارة، أنشأ ثابتي شركة ناجحة لتطوير العقارات في فلوريدا. ويظهر اسم ثابتي وزوجته وابنتيه كمديرين لعدة شركات لا تزال نشطة في قاعدة بيانات الأعمال التجارية لولاية فلوريدا.
وتُظهر السجلات العامة التي اطلعت عليها الغارديان أن عائلة ثابتي تمتلك ما لا يقل عن ثمانية عقارات في مقاطعة أورانج، بما في ذلك قصر ويندرمير المكون من خمس غرف نوم وست حمامات، والذي تم شراؤه في أغسطس/ آب 2005 بمبلغ 3.5 مليون دولار.
لم ترد وزارة الخارجية الأمريكية ولا وكالة الاستخبارات المركزية على أسئلتنا بشأن وضع ثابتي القانوني في الولايات المتحدة، أو الأسس التي تم بموجبها قبوله عام 1978. لكن سجلات الناخبين تُظهر أن كلاً من برويز ونسرين ثابتي يحملان الجنسية الأمريكية، وقد شاركا في التصويت في الانتخابات الرئاسية عام 2024.
وقالت إحدى الجيران إنها كثيراً ما ترى الزوجين، خصوصًا نسرين، في نزهات صباحية، لكنهما حريصان على الخصوصية، إذ يبقى منزلهما هادئاً في معظم الأوقات، باستثناء زيارات ابنتيهما من حين لآخر.
ولم ترد ابنتا ثابتي على طلبات التعليق.
ولم يرد المدعي العام لولاية فلوريدا، الجمهوري جيمس أوثماير، على سؤال حول ما إذا كان سيطلق تحقيقًا جنائيًا في أنشطة ثابتي، كما فعل سابقًا مع أشخاص آخرين في فلوريدا متهمين بارتكاب جرائم في الخارج.
ورحّبت المحامية سارة كولون، التي تمثل المدّعين، بقرار القاضي رفض طلب ثابتي بإسقاط القضية، والحفاظ على سرية هوية موكليها الذين قالوا إنهم تعرضوا للترهيب والتهديد بالقتل منذ رفع الدعوى.
وقالت كولون: “هذه القرارات تمثل انتصارًا للناجين من التعذيب الساعين إلى المساءلة والعدالة. هذه القضية لا تتعلق فقط بإنهاء الإفلات من العقاب، بل بتأكيد حق الضحايا في السعي لتحقيق العدالة واستعادة كرامتهم دون خوف”.
وأعربت منظمة “التجمع الإيراني من أجل العدالة والمساءلة”، وهي منظمة تدافع عن ضحايا التعذيب وعائلاتهم، عن أملها في أن تسهم قضية ثابتي في إنهاء “دائرة العنف” التي شهدتها إيران في عهد الشاه، واستمرت في ظل الحكومة الإسلامية المتشددة التي جاءت بعده.
وقال متحدث باسم المنظمة: “يجب أن تكون الرسالة واضحة وبسيطة: جميع الضحايا يستحقون العدالة، ويجب محاسبة كل من تورط في التعذيب والقمع”.
وأضاف: “إن جذور السياسات الوحشية التي تنفذها الجمهورية الإسلامية اليوم مرتبطة بأساليب التعذيب التي مارسها ثابتي والسافاك، ويجب أن تمثل هذه القضية رفضًا لأي مستقبل في إيران يعيد تأسيس السافاك، أو يمنح عفواً شاملاً لقوات الأمن الحالية المتورطة في التعذيب والقمع”.
وختم قائلا: “من خلال العدالة والمساءلة وحدهما يمكننا تجاوز العنف والقمع المروّع الذي حكم إيران لعقود”.
المصدر: الغارديان