ترجمة وتحرير: نون بوست
أسفرت أيام من الاضطرابات في نيبال عن الإطاحة بحكومة لا تحظى بالشعبية، ومصرع ما لا يقل عن 50 شخصًا.
بدا أن الاحتجاجات التي قادها الجيل زد، وسُمّيت بهذا الاسم بالنظر إلى أن أغلب المتظاهرين من الشباب، هدأت عقب تعيين رئيسة مؤقتة للحكومة في 12 سبتمبر/ أيلول 2025، والإعلان عن إجراء انتخابات مبكرة. لكن الاحتجاجات خلّفت وراءها عشرات المباني الحكومية المحترقة، والمراكز التجارية المدمّرة، وخسائر مالية تُقدّر بمليارات الدولارات.
وقد أبرزت هذه الاحتجاجات أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في نيبال، والتداعيات الناجمة عن محاولات الحكومة التحكم في تدفّق المعلومات عبر الإنترنت.
أنا أدرس حاليا التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لوسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من التقنيات الناشئة. وبحكم إقامتي في كاتماندو، تابعت عن كثب كيف تحوّلت احتجاجات صغيرة بسبب حظر مؤقت لوسائل التواصل الاجتماعي إلى حركة أوسع بكثير، انتهت بالإطاحة برئيس الوزراء كيه بي شارما أولي.
في الواقع، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في هذه الاحتجاجات المتواصلة لسببين. أولًا، شكّل قرار الحكومة في 4 سبتمبر/ أيلول بغلق منصات الواصل الاجتماعي الشرارة المباشرة لاندلاع الاحتجاجات. أثار هذا القرار غضب جيل الشباب الذي يعتمد على الفضاءات الرقمية، ليس فقط من أجل التواصل والتعبير عن الهوية والمواقف السياسية، بل أيضًا من أجل العثور على فرص التعليم والعمل.
ثانيًا، جعل الاستخدام الواسع لهذه المنصات الشباب النيبالي مستعدا لهذه اللحظة الاحتجاجية. فقد أسهم في رفع وعي أبناء الجيل زد بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتجذّرة في البلاد. ومن خلال تداول قصص الفساد والامتيازات وعدم المساواة، لم تكتفِ وسائل التواصل الاجتماعي بتوفير المعلومات، بل حفّزت الشباب النيبالي على التعبئة الجماعية لمواجهة الظلم الممنهج في البلاد.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، تُعد وسائل التواصل الاجتماعي محورًا أساسيًا في الحياة اليومية والتجارة في نيبال، وهي دولة غير ساحلية يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة، وتقع بين عملاقين آسيويين، هما الصين والهند.
تشير الأرقام المسجلة حتى يناير/ كانون الثاني 2025، أن ما يقرب من نصف سكان نيبال يمتلكون حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي. يشمل ذلك نحو 13.5 مليون مستخدم نشط على فيسبوك، و3.6 مليون على إنستغرام، و1.5 مليون على لينكد إن، و466,100 مستخدم على منصة إكس.
في الواقع، تُشكّل منصات التواصل الاجتماعي نحو 80 بالمائة من إجمالي حركة الإنترنت في البلاد، وتُعد هذه المنصات قنوات حيوية للتجارة والتواصل. ويعتمد كثير من المستخدمين في نيبال على هذه المنصات لإدارة أعمالهم والترويج لها.
بالتالي، أثار قرار الحكومة بحظر 26 منصة من منصات التواصل الاجتماعي غضبًا مباشرًا في أوساط الشعب النيبالي.
لم يكن قرار الحكومة مفاجئًا. لطالما أعربت الحكومة النيبالية عن قلقها من النمو المتسارع لمنصات التواصل الاجتماعي.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أصدرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في نيبال لوائح جديدة لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، تُلزم المنصات بالتسجيل لدى الحكومة، وإنشاء نقطة اتصال محلية، وتعيين مسؤول لتلقي الشكاوى، وتعيين موظف للإشراف. كما فُرض على هذه المنصات التعاون في التحقيقات الجنائية، وإزالة المحتوى غير القانوني، والامتثال للقوانين النيبالية.
وأشارت الحكومة النيبالية، مستندة إلى مخاوف تتعلق بالحسابات الوهمية وخطاب الكراهية والمعلومات المضللة والاحتيال، إلى أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز المساءلة وجعل مشغّلي المنصات مسؤولين عن المحتوى المنشور عليها. وفي يناير/ كانون الثاني 2025، قدّمت الحكومة مشروع قانون خاص بوسائل التواصل الاجتماعي يفرض متطلبات إضافية على هذه المنصات.
المخاوف من الرقابة
بغض النظر عن أهدافها، أثارت هذه الإجراءات الحكومية مخاوف فورية بشأن الحريات المدنية. اعتبر معارضون ومنظمات حقوقية أن الحظر ومشروع القانون يشكّلان أدوات للرقابة، ويهددان حرية التعبير وحرية الصحافة والحقوق الأساسية.
وكانت شركة “إن سل”، ثاني أكبر مزوّد لخدمات الاتصالات في نيبال، قد أشارت إلى أن إغلاق جميع المنصات دفعة واحدة يُعد أمرًا صعبًا من الناحية التقنية، وحذّرت من أن هذه الخطوة ستؤثر بشكل كبير على الأنشطة التجارية. وقد أعرب أصحاب المشاريع الصغيرة، الذين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لمنتجاتهم وبيعها، عن قلقهم الشديد، لا سيما مع اقتراب موسم الأعياد.
وكان للحظر أيضًا تداعيات كبيرة على قطاع التعليم. يعتمد العديد من الطلاب على منصات التواصل الاجتماعي للوصول إلى الصفوف الدراسية والمواد البحثية وأدوات التعلم التشاركي. بشكل عام، وجّه النيباليون انتقادات للإجراءات الحكومية بسبب تأثيرها على المستخدمين العاديين.
وبالتالي، فإن اعتماد الشعب النيبالي على وسائل التواصل الاجتماعي حوّل قرار الحظر إلى شرارة أشعلت الاحتجاجات الشعبية.
وسوم حرّكت الجماهير
قبل انطلاق الاحتجاجات في 8 سبتمبر/ أيلول، ساهم الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، والمحتوى الذي يكشف عدم المساواة في المجتمع النيبالي والامتيازات التي تمتع بها النخبة، في تعزيز وعي أبناء الجيل زد بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتجذّرة في نيبال.
قبل بضعة أسابيع من بدء الاحتجاجات، بدأت وسوم #NepoBaby و#NepoKids (أبناء المحسوبية) في الانتشار، مدعومة بمقاطع فيديو تُظهر حياة البذخ التي يعيشها بعض السياسيين.
سلّط هذا المحتوى الضوء على مظاهر عدم المساواة في البلاد من خلال المقارنة بين حياة أبناء النخب، الذين يرتدون الملابس الفاخرة ويقضون عطلاتهم في الخارج، وصور العمال النيباليين المهاجرين العائدين إلى وطنهم في توابيت بعد أداء وظائف خطرة في الخارج.
وقد اكتسبت الوسوم زخمًا على منصّتي تيك توك وريديت، ما أدى إلى دعوات للتحقيق في الثروات، واتخاذ قرارات لمكافحة الفساد، ووصل الأمر إلى المطالبة بنقل ممتلكات الأثرياء إلى الملكية العامة.
وأظهر أحد المقاطع المصوّرة الذي انتشر على نطاق واسع نجل وزير في حكومة محلية وهو يتباهى أمام شجرة تتكوّن من صناديق علامات تجارية فاخرة مثل لويس فويتون وكارتييه وغوتشي.
وساهمت هذه المنشورات في تأجيج الغضب الشعبي إزاء ما يُنظر إليه على أنه امتيازات غير مستحقة للنخب.
وساهمت سرعة منصات التواصل الاجتماعي وحجم التفاعل مع المنشورات في تصاعد موجة الغضب، والتشجيع على التعبئة العامة. وبذلك أدّت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مزدوجًا كمُضخّم ومُسرّع، إذ ربطت بين مظاهر الظلم المتصور والحراك الميداني، وأسهمت في تشكيل المسار حتى قبل انطلاق احتجاجات 8 سبتمبر/ أيلول.
قصة المعاناة والفساد
رغم ذلك، فإن الحراك على وسائل التواصل الاجتماعي لا يستطيع حشد الجماهير إذا لم تكن له جذور في الواقع.
أدّى انعدام الأمن الاقتصادي واستفحال الفساد السياسي على مدى سنوات، إلى شعور واسع بالإحباط بين الشباب النيبالي، مما مهّد الطريق لانطلاق حركة الاحتجاجات الحالية. بلغ معدل البطالة العام في عام 2024 نحو 11 بالمائة، لكن النسبة بين الشباب كانت أعلى بكثير، حيث بلغت 21 بالمائة.
لكن هذه الأرقام لا تكشف سوى جانب محدود من عمق المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها نيبال، والتي تشمل انتشار العمالة الهشّة، أي الوظائف غير الرسمية وغير المستقرة التي تتميز بظروف عمل سيئة وأجور منخفضة، إلى جانب محدودية الفرص التي تعيق الإنتاجية على المدى الطويل.
بين عامي 2010 و2018، حصل أقل من نصف الوافدين الجدد إلى سوق العمل على وظائف رسمية ومستقرة، بينما انخرط الباقون في وظائف غير رسمية أو غير مسقترة، غالبًا ما تفتقر إلى دخل منتظم أو مزايا أو حماية قانونية. تُعدّ معظم الوظائف المتاحة غير رسمية وبأجور ضعيفة، ولا توفر الاستقرار وفرص التطوّر المهني.
بشكل عام، يواجه الأطفال المولودون في نيبال اليوم واقعًا اقتصاديًا قاتمًا. بحلول سن الـ18، من المرجح ألا يحققوا سوى نحو 51 بالمائة فقط من إمكاناتهم الإنتاجية، أي الحد الأقصى من الناتج الاقتصادي الذي يمكنهم بلوغه لو توفرت لهم الخدمات الصحية والتغذية والتعليم بشكل مناسب.
في الوقت ذاته، ينتشر الفساد على نطاق واسع. في عام 2024، احتلت نيبال المرتبة 107 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، حيث يرى 84 بالمائة من السكان أن الفساد الحكومي يمثّل مشكلة كبيرة.
ومن النتائج المباشرة للفساد تصاعد تأثير النخب الاقتصادية ذات النفوذ السياسي، حيث تعمل هذه الفئة على صياغة القوانين واللوائح بما يخدم مصالحها. تحصل هذه الفئة على إعفاءات ضريبية، وتتلاعب بالميزانيات، وتُنشئ آليات احتكار تُعيق المنافسة.
يعيق استحواذ النخب على السياسات الحكومية النمو الاقتصادي، ويُقصي روّاد الأعمال الحقيقيين، ويُفاقم مظاهر اللامساواة، في حين تبقى الخدمات العامة الأساسية غير كافية.
شكّلت هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية أرضًا خصبة للتعبئة الاجتماعية. وبينما ساهمت المعاناة المستمرة في صعود حركة #أبناء_المحسوبية، منحت وسائل التواصل الاجتماعي الشباب النيبالي وسيلة للتعبير عن غضبه.
عندما حاولت الحكومة إسكات الشباب من خلال حظر منصات التواصل الاجتماعي، بدا ذلك تجاوزا للخطوط الحمراء، وأثار موجة غضب واسعة اعتُبرت بمثابة نقطة تحوّل في مسار الاحتجاجات.
المصدر: ذا كونفرسيشن