دخل صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومستشاره البارز، جاريد كوشنر، نادي المليارديرات رسميًا بعدما تجاوزت ثروته حاجز المليار دولار هذا العام مقارنة بـ 900 مليون دولار العام الماضي، بحسب مجلة “فوربس“، لينضم بذلك إلى شقيقه جوش (5.2 مليار دولار) ووالد زوجته، ترامب (7.3 مليار دولار).
فرض كوشنر، رجل الأعمال اليهودي الأرثوذكسي، نفسه على عالم الأضواء والشهرة كلاعب سياسي في المقام الأول، عبر بوابة علاقته الأسرية بالرئيس الأمريكي، وبصفته مستشارًا له خلال ولايته الأولى (2017-2021)، لكن سرعان ما نجح في توظيف السياسة في خدمة أحلامه وطموحه الاقتصادي، ليدخل نادي مليارديرات العالم بينما عمره لم يتجاوز بعد 44 عامًا.
يعود الفضل في تلك القفزة الهائلة في ثروة كوشنر إلى الاستثمارات الخليجية، التي اعتُبرت الجسر الأكبر الذي انتقل من خلاله من عالم المليونيرات إلى المليارديرات، فبعد خروجه من البيت الأبيض عقب نهاية الولاية الأولى لترامب، توقع البعض أن تكون القطيعة بينه وبين حكومات الشرق الأوسط هي المآل الطبيعي بحكم ترك منصبه الرسمي.
لكن المثير للجدل أن تلك العلاقة، خاصة مع قادة دول الخليج، زادت عمقًا ومتانة، وتحولت إلى شراكة اقتصادية هائلة ومريبة في نفس الوقت، خاصة في ظل العلاقة الحميمية التي تربطه بالإسرائيليين بصفته أحد الداعمين الرئيسيين لما أسماه “صلابة الاقتصاد الإسرائيلي”.
راهن كوشنر على ذكائه، كونه ربيب عائلة متمرسة في الاستثمارات، في جذب المستثمرين من جانب، وعلى علاقاته الخليجية القوية من جانب آخر، في دعم طموحه الاقتصادي، فكان له ما كان، لتتحول شركته “أفينيتي بارتنرز” من كيان يبحث عن مكان له في السوق قبل عامين تقريبًا إلى شريك يُعتمد عليه اليوم على حد قوله.
من مطور عقاري إلى ملياردير
دخل كوشنر عالم المال والأعمال حين كان طالبًا في جامعة هارفارد، من باب العقارات الواسع، حيث أتم أول صفقة كبيرة بشراء شقق سكنية بقيمة 9 ملايين دولار، ثم بيعها بسعر مضاعف بعد تطوير المنطقة، وكانت تلك البداية الجيدة الحافز الأول له لاقتحام هذا المجال بكل قوة رغم صغر سنه.
لعب القدر لعبته مع الشاب الطموح اقتصاديًا ليضعه على بداية الطريق نحو الصعود، حين سُجن والده بتهم التهرب الضريبي والتلاعب بالشهود، ليجد نفسه وهو الذي لم يتجاوز 26 عامًا مُجبرًا على تولي شركة العائلة “كوشنر بروبرتيز” عام 2005، وهو ما أهله للزواج من إيفانكا ترامب عام 2009، بعدما نجح في توسيع نطاق عملها ونشاطها من خلال مشروعات عقارية ضخمة.
ونجح رجل الأعمال الشاب في أن يفرض نفسه كأحد أهم المطورين العقاريين في الولايات المتحدة حتى عام 2017 حين غادر مضطرًا عالم العقارات لينضم إلى البيت الأبيض مستشارًا كبيرًا في ولاية ترامب الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة من حياته، جامعًا بين السياسة والاقتصاد، وساعيًا لتوظيف كل طرف في خدمة الآخر، بما يحقق طموحاته وأحلامه.
في سنوات الولاية الأولى الأربعة، وبحكم منصبه السياسي كمستشار للرئيس الذي أوكل إليه ملف عملية السلام في الشرق الأوسط، استطاع كوشنر أن ينفتح على حكومات وأنظمة المنطقة بشكل كبير، خاصة قادة الخليج الذين نجح في بناء علاقات شخصية قوية معهم، سياسيًا واقتصاديًا، تلك العلاقات التي تجاوزت صفتها الرسمية بمسافات كبيرة.
وبعد مغادرته البيت الأبيض، أسس كوشنر شركته “أفينيتي بارتنرز” في ميامي، عام 2021، حيث وضع فيها عصارة خبراته وحصاد علاقاته الناجحة مع قادة ومستثمري العالم خلال سنوات الولاية الأولى لترامب، واستطاع القفز باستثماراتها إلى 4.6 مليار دولار رغم أن قيمتها الأصولية لا تتجاوز 215 مليون دولار.
تمثل “أفينيتي” ثاني أكبر أصول كوشنر بعد حصته في “كوشنر كومبانيز” والبالغة 20% بقيمة 560 مليون دولار، كما له العديد من الأصول العقارية التي ساهمت في رفع ثروته منها منزل في جزيرة “إنديان كريك” بفلوريدا بـ 32 مليون دولار كان قد اشتراه عام 2020، كذلك المنزل الذي يتقاسمه مع إيفانكا والذي تبلغ قيمته الآن نحو 105 ملايين دولار.
ومنذ تأسيسها عام 2021 وحتى نهاية 2023 لم ينفق كوشنر على “أفينيتي” سوى أقل من 500 مليون دولار، إلا أنه وخلال العام الماضي فقط بدأ في الإسراع من وتيرة الاستثمارات التي يضخها في الشركة إذ بلغ إجمالي ما أنفقه حتى أبريل/نيسان الماضي أكثر من ملياري دولار، كما يخطط لاستثمار مليار آخر هذا العام، ليصل حجم الاستثمارات التي تديرها الشركة اليوم 4.8 مليار دولار عبر نحو 25 استثمارًا في ثمانية بلدان تشمل مجالات من التقنية الرياضية إلى تأجير السيارات.
ومن أحدث الاستثمارات التي قامت بها الشركة مؤخرًا شراء 8% من بنك “أوك نورث” الرقمي البريطاني في أغسطس/آب الماضي، والدخول في موجة الذكاء الاصطناعي عبر دعم شركة “يونيفرسال AI” للبنية التحتية، والمشاركة مع مستثمرين كبار مثل إريك شميت (الرئيس التنفيذي السابق لغوغل) وإيلاد جيل.
كما أسس مؤخرًا شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو باسم “برين كو” مع جيل، وقد جمعت 30 مليون دولار من مستثمرين بارزين بينهم براين أرمسترونغ (كوينباس) وريد هوفمان (لينكدإن) وباتريك كوليسون (سترايب)، بجانب اقتراب ضخ استثمارات جديدة في منصة الإعلانات المبوبة “دبيزل” في دبي.
تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم شركاء “أفينيتي” جاؤوا عبر علاقات بناها كوشنر خلال فترة البيت الأبيض من 2017 حتى 2021، كما يحقق من رسوم دعمهم السنوية للشركة ما يزيد عن 60 مليون دولار، ما ساهم بشكل كبير في نجاح الشركة في تحقيق نجاحات مبكرة في استثمارات صناديق الأسهم الخاصة رغم أن اختبارها في الغالب يحتاج لسنوات لتقييم مدى نجاحها.
الخليج كلمة السر
لم يكن لكوشنر وإمبراطوريته الاقتصادية أن تتضخم بهذا الشكل دون الأموال الخليجية التي كانت بمثابة الجسر الأكبر الذي نقل شركته نحو آفاق العالمية، من استثمارات لا تتجاوز 1.3 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار، وذلك بعدما نجح في جذب استثمارات خليجية ضخمة بلغت نحو 3.5 مليار دولار (2 مليار دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، إلى جانب 1.5 مليار دولار من صناديق قطرية وإماراتية).
وشهدت “أفينيتي” قفزة في الأصول الخاضعة للإدارة بنسبة 60 بالمئة العام الماضي، وذلك بعد تلقيها دفعة نقدية من مستثمرين من الشرق الأوسط، بما في ذلك صندوق الثروة السيادية القطري، بحسب وثيقة تنظيمية نشرتها وكالة “رويترز” في مارس/آذار الماضي.
كوشنر نفسه وفي برنامج حواري عن الاستثمارات بُث عبر الإنترنت (بودكاست) في ديسمبر/كانون الأول الماضي قال إن شركته حصلت على 1.5 مليار دولار من رأس المال الإضافي في 2024 من اثنين من مستثمريها الحاليين، وهما شركة “لونيت” التي تتخذ من أبو ظبي مقرًا لها، وصندوق الثروة السيادية القطري “جهاز قطر للاستثمار”.
وبات واضحًا أن علاقة صهر ترامب بالخليج ليست مجرد استثمارات مالية، بل هي شبكة مركبة تجمع السياسة والمال والعلاقات الشخصية، بدأت محطاتها الأولى بالسياسة، ما بين عامي 2017 – 2021، حين كان مستشارًا كبيرًا للرئيس، ولعب دورًا مباشرًا في العديد من الملفات الخليجية منها صفقة الأسلحة مع السعودية (2017) وجهوده لإنهاء الحصار الخليجي على قطر في نفس العام، كما كان له حضوره القوي في اتفاقيات أبراهام 2020 التي فتحت الباب أمام تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين.
ماذا يخطط الثلاثي #كوشنر و #نتنياهو و #ترامب لـ #محمد_بن_سلمان؟#الملك_يحارب_الـفسادhttps://t.co/uEun2nkINq
رابط بديل https://t.co/LNvzqPdXnM pic.twitter.com/x6AYt99cqC
— نون بوست (@NoonPost) November 9, 2017
في تلك المرحلة بنى كوشنر شبكة علاقات شخصية وثيقة مع قادة الخليج، خاصة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وأمير قطر تميم بن حمد، وهي العلاقات التي بُنيت في الأساس على قاعدة براغماتية صرفة، فالقادة الخليجيون ينظرون لصهر ترامب على أنه الجسر الأهم نحو تعميق العلاقات مع الرئيس الأمريكي فيما يهدف رجل الأعمال الشاب إلى تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية من وراء علاقاته القوية بقادة الخليج النفطي.
وبعد خروجه من البيت الأبيض، لم تنقطع العلاقات التي قويت بشكل بات أكبر من السياسة والمناصب، ليصبح صهر ترامب أحد أدوات النفوذ الخليجي في الولايات المتحدة، مستندًا في ذلك إلى شبكة علاقاته الواسعة، اقتصاديًا وسياسيًا، بحكم منصبه القديم واستثماراته الكبيرة في الداخل الأمريكي وخارجه.
وبعد تأسيسه شركته “أفينيتي” عام 2021 كانت السعودية أول من دعمتها عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بضخ استثمار قدره 2 مليار دولار، لحقتها في هذا المسار هيئة قطر للاستثمار ومستثمرون من أبو ظبي وبعض الشركات مثل “لونيت”، وهي الاستثمارات التي أثارت الجدل لاحقًا بعد الكشف عن استخدامها لشراء حصص في شركات إسرائيلية متورطة في بناء مستوطنات غير قانونية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، أبرزها شركتا “فينيكس” و”شلومو” الإسرائيليتان.
داعم الاقتصاد الإسرائيلي
لا يُخفي كوشنر حرصه الدائم على دعم الاقتصاد الإسرائيلي، بل ويجاهر بذلك علنًا، هذا التوجه بدأه مبكرًا حين سعى عام 2014 وبينما لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره شراء 47% من شركة إسرائيلية للتأمين والخدمات المالية، عبر صفقة مبدئية مدعومة بقرض من البائع، إلا أنها لم تكتمل بسبب بعض العقبات التنظيمية التي أوقفتها.
ورغم فشل الصفقة في ذلك الوقت إلا أن صهر ترامب لم يفقد الأمل، لينجح بعد عشرة أعوام كاملة، في الاستحواذ على 4.95% من أسهم الشركة في يوليو/تموز 2024، ثم ضاعف حصته لتصل إلى 9.9% من الأسهم، في صفقة تقدر بـ 940 مليون شيكل (حوالي 250 مليون دولار).
يذكر أنه في عام 2023 استحوذت شركة كوشنر على 15% من أسهم مجموعة “شلومو” القابضة مقابل 110 ملايين دولار، وهو استثمار كان يُنظر إليه على أنه خطوة استراتيجية نحو توسيع أعمال المجموعة في قطاعي السيارات والخدمات المالية داخل الأسواق العربية.
يرى رجل الأعمال اليهودي أن استثماره في الشركات الإسرائيلية هو الأفضل لشركته حتى الآن، وذلك بعدما حقق عائدًا يفوق تسعة أضعاف، الأمر الذي شجعه على ضخ المزيد من الاستثمارات التي كان جزء كبير منها أموال خليجية قدمتها كل من السعودية والإمارات وقطر.
في تحقيق نشرته “ميدل إيست آي” وترجمه “نون بوست” كشف أن شركة “فينيكس” الإسرائيلية تمتلك بدورها حصصًا في 11 شركة إسرائيلية أدرجتها الأمم المتحدة ضمن قائمة الجهات المتهمة بالعمل في مستوطنات غير قانونية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بجانب الجولان السوري المحتل.
وبحسب بيانات بورصة تل أبيب التي راجعتها “ميدل إيست آي” في 12 مارس/آذار الماضي، تبلغ القيمة الإجمالية لحيازات “فينيكس” في الشركات الـ11 العامة نحو 4.5 مليارات دولار، فيما أصبحت “أفينيتي” اليوم أكبر مساهم في المجموعة الإسرائيلية بعد استحواذها على ما يقرب من 10% من أسهمها في الصفقة التي وصفتها كوشنر بأنها “قرار يعكس إيماني بصلابة الاقتصاد الإسرائيلي”.
وقد أثار التورط الإماراتي السعودي القطري في تلك الصفقة جدلًا كبيرًا لدى الشارع العربي حيث دعت منظمة “الحق”، وهي مؤسسة فلسطينية لحقوق الإنسان مقرها رام الله، الدول الخليجية الثلاث إلى “الامتناع عن مشاريع التطبيع، وضمان عدم التورط في استثمارات تسهم في الانتهاكات المستمرة ضد الفلسطينيين”.
في المحصلة، تمثل قصة جاريد كوشنر نموذجًا صارخًا للتداخل المعقد بين السياسة والاقتصاد، حيث أسس علاقاته بالخليج من موقعه كمستشار في البيت الأبيض، ثم حوّلها إلى رافعة مالية قفزت بثروته إلى مصاف المليارديرات. هذا المسار يكشف كيف يمكن للنفوذ السياسي أن يُترجم سريعًا إلى نفوذ اقتصادي، خاصة في بيئة إقليمية تبحث عن تعزيز حضورها داخل الولايات المتحدة عبر قنوات استثمارية واستراتيجية غير تقليدية.
ومع أن نجاح كوشنر الاقتصادي يصعب إنكاره من زاوية الأرقام والاستثمارات، إلا أن الجدل سيبقى حاضرًا حول الشبهات الأخلاقية والسياسية التي تلاحق هذه الصفقات، لا سيما مع ارتباطها بدعم شركات إسرائيلية مثيرة للجدل وبأموال خليجية سيادية. بين الثروة والنفوذ والانتقادات، يظل كوشنر حالة فريدة تختصر معادلة “المال مقابل السياسة” في شكلها الأكثر وضوحًا وإثارة للجدل.