ترجمة وتحرير: نون بوست
لطالما قدّم الحاكم السابق لولاية نيويورك أندرو كومو نفسه بوصفه “داعمًا شرسًا” لإسرائيل، ليس فقط من خلال تبرير حربها في غزة، بل أيضًا من خلال مهاجمة زملائه الديمقراطيين الذين يخالفونه الرأي. لكن مع دخول حملته المتعثرة لمنصب عمدة مدينة نيويورك أسابيعها الأخيرة، بدأت تلوح مؤشرات على تغيّر موقفه.
في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز يوم الاثنين، وصف كومو الوضع في غزة بأنه “مروّع”، ودعا إلى إنهاء الحرب فورًا، كما نأى بنفسه بشكل غير مباشر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الذي كان قد تطوّع للدفاع عنه أمام المحكمة الجنائية الدولية قبل أقل من عام.
وقال كومو: “لا شك أن سكان نيويورك والبلاد بأسرها يشاهدون المجازر المستمرة، وهم منزعجون بشدة ويريدون أن تتوقف، ويعتقدون أنها استمرت أكثر مما ينبغي”.
وأضاف كومو: “يجب أن تنتهي اليوم. أعيدوا الرهائن، وأوقفوا العنف اليوم. أعتقد أنها كان ينبغي أن تنتهي قبل أشهر. إنها مروّعة”.
وجّه العديد من الديمقراطيين، وعلى رأسهم المرشح الأوفر حظاً في سباق عمدة نيويورك، النائب زهران ممداني، انتقادات أشدّ حدّة لإسرائيل وقادتها بعد مرور عامين على حرب غزة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 60,000 شخص، وفقًا لمسؤولي الصحة في القطاع.
لكن تصريحات الحاكم السابق للولاية (67 عامًا) كانت لافتة لأنها من المرات القلائل التي يبدي فيها استعداده للتشكيك في جدوى الحرب، تحت وطأة الضغوط التي سلطها عليه ممداني والناخبون الذين يزدادون ميلا لمواقف عضو الجمعية التشريعية لولاية نيويورك.
في أغسطس/ آب الماضي، على سبيل المثال، بدا أن كومو ينتقد إسرائيل بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، لكنه سارع إلى توضيح تصريحاته، مؤكدًا أنه كان يعبر عن وجهات نظر بعض الأطراف، وأنه لا يُحمّل إسرائيل وحدها المسؤولية عن المجاعة المنتشرة في القطاع.
أمضى كومو، الذي ينتمي للتيار المعتدل، جزءًا كبيرًا من حملته في مهاجمة مواقف ممداني بشأن الحرب، مشيرًا إلى أن دعمه للفلسطينيين وانتقاده للحكومة الإسرائيلية يساهمان في تغذية معاداة السامية في مدينة نيويورك، التي تحتضن أكبر عدد من اليهود خارج إسرائيل.
لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أن مواقف الديمقراطيين، وسكان نيويورك عمومًا، قد تغيّرت بسرعة خلال الحرب، وأن موقف كومو بات متعارضًا مع المزاج العام، مما يسلط عليه عبئًا سياسيًا محتملاً.
وأظهر استطلاع حديث أجرته صحيفة نيويورك تايمز ومركز سيينا أن الناخبين المحتملين في مدينة نيويورك يفضّلون موقف ممداني بشأن الحرب على موقف كومو. كما كشف الاستطلاع أن سكان نيويورك يميلون بشكل عام إلى التعاطف مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وذلك بعد مرور نحو عامين على هجوم حركة حماس الذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص، وبدء إسرائيل حربها في غزة.
قد يشكّل اتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه إسرائيل مخاطرة سياسية بالنسبة لكومو، إذ إنه يتنافس مع العمدة الحالي إريك آدامز – الذي يخوض السباق بشكل مستقل – على كسب شريحة من يهود نيويورك المعروفين بتأييدهم القوي لإسرائيل، ولا يستطيع كومو تحمّل خسارة أصواتهم أو دعمهم المالي.
وفي مقابلة يوم الإثنين مع نيويورك تايمز، حرص كومو على عدم توجيه انتقاد مباشر للجيش الإسرائيلي أو لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، محوّلاً التركيز في عدة مناسبات نحو ممداني. كما أنه لم يوضح الشروط التي يجب أن تتوفر لإنهاء الحرب.
انتقد كومو تعهّد ممداني باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا دخل مدينة نيويورك، وذلك استنادًا إلى مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. وكان ممداني قد صرّح لصحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الماضي بأنه سيأمر شرطة نيويورك باعتقال نتنياهو، ربما عند وصوله إلى المطار.
قال كومو: “لا أعتقد أن على رئيس بلدية نيويورك أن يستخدم منصبه السياسي في اعتقال قادة دول أخرى بناءً على مواقفهم السياسية”.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انضم كومو إلى فريق من المحامين بقيادة آلان إم. ديرشوفيتز للدفاع عن نتنياهو في مواجهة مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. وقال حينها: “هذا هو الوقت الذي يقف فيه الأصدقاء الحقيقيون جنبًا إلى جنب للدفاع عن دولة إسرائيل”، موجهًا انتقادات حادة لحركة حماس.
لكن في مقابلة يوم الإثنين، قال كومو إنه كان مهتمًا بإثارة مسألة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، لا بمناقشة صحة الادعاءات بأن نتنياهو ارتكب جرائم حرب. ونفى أن يكون متحالفا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال: “لم أقف يومًا إلى جانب بيبي”، وأضاف لاحقًا أن العلاقة بينهما لم تكن يومًا سياسية.
وامتنع كومو أيضًا عن توضيح رأيه بشأن ارتكاب الجيش الإسرائيلي جرائم حرب في غزة. وقال: “يتطلب ذلك تحليلاً قانونياً لم أقم به، لكن لا شك أن التحوّل كان كبيرًا، وأعتقد أنه طال الجميع. وأعتقد أنكم ترون المجازر كل ليلة على شاشات التلفاز”.
تناولت مقابلة كومو مع صحيفة نيويورك تايمز مجموعة واسعة من المواضيع، من بينها آراؤه بشأن الرئيس ترامب والوضع الراهن في سباق منصب عمدة نيويورك. وقد حذّر من أن تهديدات الرئيس بالسعي لفرض السيطرة على مدينة نيويورك، بما في ذلك نشر الحرس الوطني، يجب أن تُؤخذ على محمل الجد.
وقال كومو: “الأمر لا يتعلق بالحرس الوطني فحسب. إذا سمحت له بالتدخل، حتى لو ربحت معركة الحرس الوطني، فإنه يمتلك العديد من الأدوات بمجرد أن يتدخل: يمكنه وقف تمويل الإسكان ووقف تمويل الرعاية الصحية ووقف تمويل النقل”.
وأضاف كومو أنه المرشح الوحيد في السباق الذي يعرف كيف يواجه الرئيس ترامب وجهًا لوجه، مشيرًا إلى أنه إذا تم انتخاب ممداني (33 عامًا)، فإن الرئيس سيستغل قلة خبرته وآراءه الاشتراكية.
وقال كومو عن المواجهات المحتملة مع ترامب في حال انتخابه: “إنه الرئيس، ولديه نفوذ أكبر، لكنه يعلم أن المواجهة ستكون قاسية”.
قدّم كومو حجة مشابهة خلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو/ حزيران، لكن الأمر انتهى بهزيمة كبيرة أمام ممداني. والآن، بعد أن أصبح ممداني المرشح الديمقراطي رسميا، وجّه بدوره انتقادات لكومو، متهمًا إياه بالتقارب المفرط مع الرئيس ترامب، في ظل تقارير ظهرت هذا الصيف تفيد بأن الرئيس يسعى للتدخل في السباق الانتخابي، ربما لدعم ترشيح كومو.
وقلّل كومو من أهمية قرار خليفته، الحاكمة كاثي هوشول، وهي أيضًا من التيار المعتدل، بتأييد ممداني يوم الأحد. وقال كومو إنه لا يتوقع أن يكون لرأي هوشول “تأثير فعلي على توجهات الناخبين”، لكنه أشار إلى أن ذلك “يزيد الضغط” على النائب هاكيم جيفريز والسيناتور تشاك شومر، وهما من أبرز قيادات الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ، للانضمام إلى مؤيدي ممداني.
وقدّم كومو الذي حاول في السابق إبعاد هوشول عن الترشح كنائبة له، تقييمًا فاترا لأدائها كحاكمة للولاية. وقال: “أعتقد أنها كانت حاكمة جيدة، لكن ذلك يعتمد على كيفية تعريفك لمفهوم الجيد. هناك طيف واسع من التقييمات لهذا التوصيف”.
وتابع قائلاً: “ما هو الإنجاز الاستثنائي الذي تحقق خلال السنوات القليلة الماضية؟ لم أشاهد إنجازًا يمكن القول إنه سيدخل كتب التاريخ”، مشيرًا إلى أنه حقق عددًا من الإنجازات البارزة خلال فترة توليه منصب الحاكم، قبل أن يستقيل على خلفية اتهامات بالتحرش الجنسي، وهي اتهامات ينفي صحتها. ومن بين تلك الإنجازات التي تحدث عنها: إعادة بناء مطار لاغوارديا وافتتاح قاعة قطارات موينهان في مانهاتن وتقنين زواج المثليين.
وعندما سُئل عمّا إذا كان لديه خطة ذات أثر مماثل في حال انتخابه عمدة لنيويورك، قدّم هدفًا أقل وضوحا، وقال: “أعتقد أن الصورة الكاملة تتمثل في إحداث تحول جذري في أوضاع مدينة نيويورك، واستعادة الثقة بها. أن تُصبح مدينة نيويورك وجهة يقصدها الناس، لا مكاناً يُغادرونه”.
المصدر: نيويورك تايمز