ترجمة وتحرير: نون بوست
تقوم إدارة ترامب بمنح الضوء الأخضر لعملية ضم تدريجية وفعليّة للضفة الغربية المحتلة، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل شنّ هجماتها بشكل علني على جبهات مثل غزة وسوريا، ومؤخرًا قطر.
وبينما تستعد دول أوروبية، بدعم من السعودية، للاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، تواجه الولايات المتحدة اختبارًا لمدى دعمها غير المسبوق لإسرائيل في الأراضي المحتلة: هل ستقبل بعملية الضم الإسرائيلية وتعترف بها رسميًا؟
قال مصدران مطلعان، مسؤول أمريكي وآخر غربي، لموقع “ميدل إيست آي” إن إسرائيل قد تُقدم على ضم وادي الأردن رسميا، وهو شريط واسع من الأراضي على الحدود مع الأردن، وذلك ردًا على التحركات الجارية في الأمم المتحدة.
وقال المسؤول الأمريكي لموقع “ميدل إيست آي” إن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ناقش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مناطق محددة في الضفة الغربية المحتلة قد تُقدم إسرائيل على ضمّها رسميًا هذا الأسبوع، دون أن يوضح موقف الولايات المتحدة من ذلك.
وقال المسؤول الغربي: “أعتقد أن أي منطقة كانت مطروحة على طاولة النقاش ضمن خطة صفقة القرن أصبحت هدفًا مشروعًا من وجهة النظر الإسرائيلية. أما تغاضي الولايات المتحدة عن ذلك أو اعترافها بالسيادة الإسرائيلية، فهذه مسألة أخرى”.
كانت “صفقة القرن” خطة فاشلة صاغها جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، وروّج لها باعتبارها حلًا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقد خصصت الخطة مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة – بما في ذلك وادي الأردن – كأراضٍ ذات سيادة إسرائيلية، ورسمت دويلة فلسطينية منزوعة السلاح على جزء صغير من أراضي الضفة.
ورفض روبيو التعليق علنًا على الرد الأمريكي المحتمل في حال أقدمت إسرائيل على ضم الأراضي المحتلة التي يعيش فيها نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.
وقال خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورجتاون، لموقع “ميدل إيست آي”، إن هذا الموقف يتماشى مع النهج الذي اتبعته الولايات المتحدة في منح إسرائيل زمام القيادة في الشرق الأوسط، مع بعض الاستثناءات المحدودة.
وقال الجندي: “الإجابة عن السؤال حول الطريقة التي تنظر بها الإدارة إلى قضية ما، هو أنها تنظر دائمًا بشكل مطابق لوجهة نظر الحكومة الإسرائيلية في تلك القضية. السياسة المتبعة في الضفة الغربية تتطابق تمامًا مع ما تريده الحكومة الإسرائيلية [من إدارة ترامب]”.
السلطة الفلسطينية والمستوطنات وترامب
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تلاعبت بعض الإدارات الأمريكية بفكرة ضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية إلى الأردن لتشكيل دولة فلسطينية موحدة. لكن تلك الخطط أُهملت في أوائل التسعينيات، بعدما تخلّى الملك حسين بن طلال – والد الملك عبد الله الثاني – رسميًا عن أي مطالبة بتلك الأراضي.
استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن وقطاع غزة من مصر واحتلتهما عقب حرب عام 1967.
وفيما بعد، روّجت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لحل الدولتين، والذي يصوّر الضفة الغربية المحتلة كنواة مستقبلية لدولة فلسطينية. أوجد اتفاق أوسلو شريكا يمكن للولايات المتحدة التعامل معه، حيث تم تأسيس السلطة الفلسطينية انطلاقًا من منظمة التحرير الفلسطينية، التي خاضت صراعًا عنيفًا ضد إسرائيل دام لعقود.
وفي مقابل منح الفلسطينيين حُكمًا ذاتيًا محدودًا في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل وتخلّت عن المقاومة المسلحة. وقد جرى تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق تُعرف باسم المناطق “أ” و”ب” و”ج”، حيث كان من المفترض أن تمارس السلطة الفلسطينية مستويات متفاوتة من الحكم الذاتي، إلى حين قيام دولة فلسطينية.
تشنّ إسرائيل في الوقت الراهن هجمات في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، ومن بين الأهداف المعلنة القضاء على الفصائل المسلحة الناشئة المناوئة للسلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، تتواصل وتيرة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.
شهد بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية زيادة كبيرة بعد اتفاق أوسلو. كان عدد المستوطنين عند توقيع الاتفاق نحو 250 ألفًا، بينما يقترب اليوم من 700 ألف مستوطن.
فقدت السلطة الفلسطينية مصداقيتها على نطاق واسع بين الفلسطينيين، حيث يُنظر إليها باعتبارها أداة فاسدة بيد الاحتلال الإسرائيلي.
ويُعد نهج إدارة ترامب اليوم، في كثير من النواحي، امتدادًا لسياساتها خلال ولايته الأولى. رغم أن الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين الذين سبقوه لم يُحاسبوا إسرائيل على بناء المستوطنات، فإن ترامب قدّم دعمًا غير مسبوق للسياسات التوسعية الإسرائيلية.
في عام 2019، اعترف بضم إسرائيل لهضبة الجولان المتنازع عليها، وهي منطقة استراتيجية استخدمتها إسرائيل في 2024 كنقطة انطلاق لاجتياح جنوب سوريا عقب سقوط الرئيس بشار الأسد.
وأفاد مسؤولون أمريكيون سابقون أن جاريد كوشنر كان يكنّ عداءً شديدًا للسلطة الفلسطينية، وسعى إلى عرقلة أي تعاون أمريكي معها. كما وقّع الرئيس ترامب قانونًا أدى بشكل غير مباشر إلى وقف المساعدات الأمنية الأمريكية المقدّمة للسلطة. وقد اختتم تلك السياسات بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهي خطوة مثيرة للجدل بموجب القانون الدولي.
ويرى بعض المحللين أن ترامب يتعامل مع السلطة الفلسطينية هذه المرة بمرونة أكبر. قال آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق في الشرق الأوسط، لموقع ميدل إيست آي: “الإدارة لا تفعل ما فعلته في رئاسة ترامب الأولى، حين أعلنت حربًا سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية. لكنها في الوقت نفسه حرمت عباس من لعب دور بارز في نيويورك”.
فرضت إدارة ترامب حظرًا كاملًا على منح التأشيرات لمسؤولي السلطة الفلسطينية، بما في ذلك منع الرئيس محمود عباس من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر.
واجتمع السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، هذا الصيف مع نائب الرئيس الفلسطيني والمرشح الأبرز لخلافته، حسين الشيخ. وقد أثار اللقاء دهشة البعض، لأن هاكابي يعتبر صهيونيا مسيحيا إنجيليا، وقد أنكر في السابق وجود هوية فلسطينية، ودعا إلى ضم الضفة الغربية.
في وقت لاحق، صرّح هاكابي لموقع “أكسيوس” بأنه يشعر بالقلق إزاء “انهيار” الاقتصاد الفلسطيني، قائلاً: “لن تكون صفقة رابحة لأي طرف، بل ستؤدي إلى تصعيد التوتر ومزيد من اليأس”.
ويقول الخبراء إن الاجتماع والتصريحات التي أعقبته تعكس النظرة القديمة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية، باعتبارها ضامنًا لأمن إسرائيل.
وقالت تهاني مصطفى، الخبيرة في شؤون السلطة الفلسطينية، لموقع ميدل إيست آي: “هناك قناعة بأنه حتى لو ضمّت إسرائيل الضفة الغربية، فإن وجود السلطة الفلسطينية يبقى ضروريًا طالما هناك جيوب سكانية فلسطينية. لا بد من جهة تتولى السيطرة على أولئك الذين لا ترغب إسرائيل في التعامل معهم”.
يضع هذا التوصيف السلطة الفلسطينية في موقع الفاعل المحلي الذي يفرض ما يعتبره عدد متزايد من خبراء حقوق الإنسان والأكاديميين نظامًا قضائيًا مزدوجًا في الضفة الغربية المحتلة، شبيهًا بما بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقا.
وقال خالد الجندي: “الإدارة تعارض أي دور سياسي، لكنها ترى أن السلطة الفلسطينية دورًا يجب أن تلعبه، ويتمثل في السيطرة على الفلسطينيين وتهدئة السكان لتحقيق مصالح إسرائيل. هذه هي القيمة الوحيدة للسلطة الفلسطينية في نظر إدارة ترامب”.
الضفة الغربية ومبدأ “أمريكا أولًا”
شهدت هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة تصاعدًا غير مسبوق منذ الهجوم الذي شنّته حركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل. ويحظى المستوطنون بحماية الجيش الإسرائيلي خلال اقتحاماتهم للقرى ومنازل الفلسطينيين. ومنذ بداية هذا العام، قُتل ما لا يقل عن 11 فلسطينيًا في تلك الهجمات، وأُصيب أكثر من 696 آخرين.
وقد بدا أن تواطؤ إدارة ترامب مع السيطرة الفعلية الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة يتعارض في بعض الأحيان مع نهجها المعلن في السياسة الخارجية القائم على مبدأ “أمريكا أولًا”. في يوليو/ تموز، أقدم مستوطنون على ضرب الشاب الفلسطيني الأمريكي سيف الدين مسلّط (20 عامًا)، وقتلوه رميا بالرصاص.
وقد أدان هاكابي عملية القتل، لكن لم تُتخذ أي خطوات لمعاقبة إسرائيل، سواء عبر فرض عقوبات، أو فتح تحقيق، أو وقف تصدير الأسلحة.
ويقول الخبراء إنه في حال أولت إدارة ترامب اهتمامًا بالضفة الغربية، فلن يكون ذلك بسبب تعرض مواطنين أمريكيين أو فلسطينيين للاعتداءات هناك، بل بسبب مصالح دول الخليج الغنية بالنفط.
يؤكد محللون ومسؤولون أمريكيون أن إدارة ترامب لا تزال ملتزمة بشدة بتوسيع اتفاقات أبراهام، وهي الاتفاقات التي توسط فيها ترامب عام 2020، وأسفرت عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والمغرب والبحرين.
وقد دعا ترامب السعودية علنًا للانضمام إلى الاتفاقات، لكن الرياض أطلقت حملة دبلوماسية قوية لمنع أي نقاش جاد حول هذه الصفقة. ويؤكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنه لن يُقدم على التطبيع إلا بعد أن تنهي إسرائيل ما وصفه بالإبادة الجماعية في غزة، وتتوفر مسارات حقيقية نحو قيام دولة فلسطينية.
وقال دينيس روس، الذي شغل مناصب رفيعة في ملف الشرق الأوسط ضمن الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة، لموقع ميدل إيست آي: “إذا كان الهدف هو توسيع اتفاقات أبراهام في مرحلة ما، فإن الضم سيقضي على ذلك تمامًا”.
وقد حذّرت الإمارات، أقرب حليف عربي لإسرائيل، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن ضم الضفة الغربية يُعدّ “خطًا أحمر” ضمن اتفاقات أبراهام. لكن خبراء مطلعين على مواقف المسؤولين الإماراتيين، يقولون إن أبوظبي تركت هامشا واسعا للمناورة يسمح بالحفاظ على العلاقات مع إسرائيل.
وذكر آرون ديفيد ميلر، الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن جاريد كوشنر والإمارات استخدموا “ذريعة الضم” كمبرر لتوقيع اتفاقيات إبراهيم. أعلنت الإمارات حينها أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يهدف إلى منع الضم، لكن سفيرها صاحب النفوذ الكبير في واشنطن، يوسف العتيبة، تراجع عن ذلك الالتزام قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
مجال واسع
يقول آرون ديفيد ميلر إن ترامب “منح الإسرائيليين الوقت والمساحة للتحكم في التكتيكات والاستراتيجية” في كلّ من القطاع – حيث تواصل إسرائيل هجومها المدمر على مدينة غزة – والضفة الغربية المحتلة.
ويشير بعض المسؤولين العرب والأمريكيين الذين يتابعون تهديدات إسرائيل بضم الضفة الغربية المحتلة، إلى أن رفع إدارة ترامب جميع القيود قد يدفع إسرائيل إلى مواصلة التوسع الاستيطاني بوتيرة سريعة، دون اللجوء إلى الضم الرسمي الذي قد يثير جدلًا أكبر. وقد يتماشى ذلك مع مصالح ترامب، خاصة في ظل محاولاته لإصلاح العلاقات مع دول الخليج بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته إسرائيل على حركة حماس في قطر الأسبوع الماضي.
وقال مسؤول عربي لموقع ميدل إيست آي: “لو كنا على وشك عملية ضم إسرائيلية واسعة بدعم أمريكي، لسمعنا اعتراضات أردنية أكبر. كانوا سيبدأون بإثارة قضية جوازات السفر”.
تخشى المملكة الهاشمية منذ زمن طويل أن تقدم إسرائيل على طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة نحو المملكة التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة، والتي يشكّل الفلسطينيون فيها غالبية السكان.
يتواصل الضم الفعلي للأراضي الفلسطينية بدعم ضمني من إدارة ترامب، إذ وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي على خطة “إي1” واسعة النطاق، التي تتيح توسعًا استيطانيًا ضخمًا في قلب الضفة الغربية المحتلة.
ومن شأن هذا التوسع أن يعزل القدس الشرقية المحتلة، ويقطع التواصل الجغرافي بين بيت لحم ورام الله، مما يؤدي إلى تفتيت المدن الفلسطينية وتحويلها إلى مناطق منفصلة تُشبه ما كان يُعرف بـ”البانتوستانات” في جنوب أفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري، وهي أحياء مخصصة للسود.
وقال خالد الجندي إن دول الخليج الغنية بالنفط لن تكون بدورها قادرة على دفع الإدارة الأمريكية إلى معارضة تلك الخطط، مضيفًا: “أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لهجوم إسرائيلي على أحد أقرب حلفائها العرب”، في إشارة إلى قطر.
وأضاف: “تقييم إدارة ترامب لتداعيات الإضرار بالعلاقات الأمريكية مع العالم العربي لا يشبه تقييم معظم الأطراف. إنهم يمنحون إسرائيل هامشًا واسعًا جدا للتحرك”.
المصدر: ميدل إيست آي