تشهد مدينة أكادير، معقل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، احتقانًا واضحًا بسبب الأوضاع الصحية، فقد خرج المئات إلى الشارع أمام مستشفى الحسن الثاني، الملقّب محليًا بـ “مستشفى الموت”، مطالبين بتحسين الخدمات الطبية وتوفير الأطر والتجهيزات الضرورية، حيث تتصاعد هذه الاحتجاجات عقب الحوار التلفزيوني الذي ظهر فيه أخنوش مُدافعًا عن حصيلة حكومته، قبل عام واحد من الاستحقاقات الانتخابية.
يرى خصوم أخنوش أن ظهوره الإعلامي الأخير “كان مناسبة لتجميل إنجازات مزعومة”، كما لفت نواب المعارضة إلى أن رئيس الحكومة “يتولى إدارة أكادير عن بُعد”، ويرأس مجلسها الجماعي رغم غيابه المتكرر عن دوراته، ما أثار تساؤلات حول قدرته على معالجة أزمة صحية حادة في مدينة تُعدّ أبرز الواجهات السياحية للمغرب.
تضارب مصالح
من أبرز الملفات التي أثارت جدلًا واسعًا هي صفقة محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، التي رُبطت باتهامات بتضارب مصالح، فقد شدّد إدريس الأزمي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، على أن أخنوش جمع بين أربع مسؤوليات كبرى في هذا الملف؛ فهو رئيس الحكومة، ورئيس مجلس إدارة المكتب الوطني للماء، ورئيس لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ورئيس لجنة الاستثمار.
الصفقة تولاها تحالف تقوده شركة “أكسيونا” الإسبانية، بالشراكة مع شركتين مملوكتين لمجموعة أخنوش، وهما شركتا “أفريقيا غاز” و”غرين أوف أفريكا”، باستثمار إجمالي قدره 6.5 مليارات درهم (613 مليون يورو) في مايو/ أيار الماضي، ما فتح فصلًا جديدًا من الجدل حول تداور النفوذ بين السلطة ورجال الأعمال.
بدوره، دافع أخنوش عن شفافية العملية في مقابلة تلفزيونية مع القناتين الأولى والثانية، مؤكدًا أن طلب العروض فُتح أمام شركات عالمية ومغربية، وترأّسه “مجموعة شركات يقودها طرف إسباني”. وقد أشار إلى أن فوز الشركات المرتبطة به جاء في إطار شفاف تمامًا، حيث تم فتح الأظرفة “بحضور جميع المتنافسين بشكل واضح وشفاف”.
كما اعتبر رئيس الحكومة أن حديث البعض عن “صفقة المليار” غير دقيق، موضّحًا أن الأمر يتعلق باستثمار قدره مليار دولار يُضخّ في المشروع، وليس مبلغًا تمنحه الدولة للمستثمر. واستطرد قائلًا إن المنتقدين لم يسهموا في توفير الماء الصالح للشرب للدار البيضاء من قبل، ويختبئون اليوم وراء المشروع الجاري تمويله، سائلا: “أين المشكلة في أن يستثمر المرء داخل بلده؟”.
في الوقت نفسه، يواجه المواطن المغربي تحديات يومية مرتبطة بغلاء المعيشة وضعف الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، فأسعار السلع والخدمات الأساسية آخذة في الارتفاع، والقدرة الشرائية تتضاءل، ما يجعل التباين بين الخطاب الرسمي والتصوّر الشعبي للوضع مصدر قلق متنامٍ.
أظهرت دراسة استطلاعية حديثة أن 83% من الأسر المغربية رصدت ارتفاعًا في تكلفة المعيشة خلال ثلاثة أشهر فقط العام الماضي، حيث شملت الزيادات بشكل خاص المواد الغذائية الرئيسية؛ إذ أشار الاستطلاع إلى أن 68% من المستطلَعين لاحظوا ارتفاعًا كبيرًا في سعر اللحم الأحمر، و65% في أسعار الدجاج والخضروات، بينما اشتكى 50% من زيادة سعر الأسماك في بلد يمتلك واجهتين بحريتين.
أزمة ثقة
يبدو جليًّا أن الانتقادات الموجّهة لرئيس الحكومة بشأن تضارب المصالح أو غيابه عن البرلمان لا تُقرأ فقط كخطاب معارض، بل كإشارات إلى أزمة ثقة أوسع بين المؤسسة التنفيذية والرأي العام، حيث يأتي ذلك في سياق حساس قد يجعل أيّ إخفاق في تدبير الملفات الكبرى مرشّحًا للتحوّل إلى ورقة ضغط سياسية على الأغلبية الحكومية.
كما تشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن رضا المواطنين عن حكومة عزيز أخنوش محدود للغاية، حيث لا يتجاوز الرضا الجيّد عتبة 1%، فيما بلغت نسبة الرضا المتوسط نحو 12%، بينما أعرب 87% عن عدم رضاهم الكامل بعد أربع سنوات من عمل الحكومة، وذلك وفقًا لتقرير صدر عن المركز المغربي للمواطنة، في شتنبر/ أيلول الحالي.
وبالمثل، كشف استطلاع “أفروباروميتر لعام 2024” أن حوالي 38% صرّحوا بأنهم لا يثقون أبدًا برئيس الحكومة، بينما 28% يثقون به قليلًا، ما يعني أن أكثر من 61% من المواطنين لا يوافقون على أداء الحكومة، بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار.
في المقابل، تؤكد قيادات حزب الأحرار أن الحكومة بذلت جهودًا ملموسة، مثل تعميم الحماية الاجتماعية، ودعم الأسر، وإطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى في الماء والسكن والتعليم، إلا أن نقّاد الحزب الحاكم يشدّدون على أن معظم هذه الأوراش تندرج ضمن “توجيهات ملكية”، وأن أداء الحكومة كان دون مستوى التطلعات.
ومع ذلك، يعتبر خصوم العهد أن النتائج على الأرض لا ترقى لتطلعات المواطنين، فقد نوّه محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، بأن الحكومة ما تزال حبيسة لغة الأرقام وتقارير التنمية على الأوراق، في حين يعيش المغاربة أزمة ثقة عميقة بسبب هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي الشعور بعجز الدولة عن حماية الفئات الضعيفة من الغلاء والتضخّم.
واللافت أن تباطؤ النمو الاقتصادي يُفاقم من مخاوف الشارع، ففي السنوات الثلاث الماضية لم تراوح معدّلات النمو السنوي بين 1.5 و3.8%، وهي أقل من الهدف الحكومي البالغ 4%. وبالموازاة، ازداد معدّل البطالة بشكل ملحوظ، حيث بلغ نحو 13.3% وفق المعايير الرسمية لسنة 2024.
يبدو أن رئيس الحكومة يواجه مرحلة حرجة يمكن وصفها بـ “الورطة السياسية”، ومع أنه لا يزال يحظى بدعم حزبه، إلا أن فقدان التواصل مع الشارع، وإمكانية تآكل القاعدة الشعبية، يضعان الحزب أمام أحد أصعب الاختبارات في تاريخه منذ تأسيسه عام 1978.
سيناريوهات محتملة
في ظل تصاعد الغضب الشعبي وتراجع ثقة المواطنين، تُطرح تساؤلات حول شكل الحكومة القادمة ورئيسها، حيث يراهن أنصار أخنوش على عودة التجمع الوطني للأحرار بالصدارة ليقود المرحلة المقبلة، ما يعني تولّي أخنوش ولاية حكومية ثانية.
ستكون هذه سابقة في المغرب الحديث، إذ لم يسبق لزعيم سياسي مغربي أن قاد حكومة لولايتين متتاليتين، منذ عهد أحمد عصمان (مؤسس التجمع الوطني للأحرار)، الذي ترأّس الحكومة بين 1972 و1979، في ظلّ نظام كانت فيه صلاحيات التعيين الملكي أقوى، ودور الأحزاب محدودًا مقارنةً بالمرحلة الحالية.
من جهة أخرى، قد تلعب الأحزاب الأخرى في التحالف، حزب الاستقلال أو حزب الأصالة والمعاصرة، دورًا أكبر، مع تقديم مرشح جديد لخلافة أخنوش، حيث برزت تكهّنات تفيد بأن التوتر الداخلي بين هذه الأطراف يُنذر بانكشاف خيارات بديلة.
في ذات السياق، حذّرت دراسة استشرافية من احتمال نشوء حالة “بلوكاج” بعد انتخابات 2026، إذا لم تُفرز الانتخابات أغلبية واضحة. وفي مثل هذا الوضع، قد تتأزّم المشاورات الحكومية وتتأخر تشكيل الحكومة، ممّا يُفاقم الاحتقان الشعبي ويُرجّح سيناريوهات وصول أزمة الثقة إلى طريق مسدود، قبل ولوج المرحلة القادمة.
في حال تصاعد الأزمة، يلوح احتمال إشراف الملك على تشكيل حكومة من الخبراء والكفاءات الخارجة عن الأحزاب السياسية، للحفاظ على الاستقرار. إذ سبق أن عرفت البلاد تجارب سابقة لحكومات تكنوقراطية أثناء فترات انتقالية، ولهذا يقترح البعض تسليم الشأن التنفيذي لوجوه جديدة، إذا فشلت الطبقة السياسية الحالية في استعادة الثقة.