مع انطلاق أسطول الصمود العالمي لكسر الحصار عن غزة، انطلقت في مصر مبادرة “أسطول الصمود المصري” على يد عدد من الشباب العامل في المجال العام، كان على رأسهم الشاب خالد بسيوني، المنسق العام لمبادرة الأسطول، الذي يرى أن المبادرة ضرورية لتمثيل الشعب المصري في واحدة من أهم القضايا الإنسانية قبل أن تكون سياسية.
كيف جاءت فكرة أسطول الصمود المصري؟
الفكرة ليست وليدة اليوم، فعلى مدار عامين من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يعيشه أهلنا في فلسطين، كانت الفكرة المسيطرة هي أنه لا بد أن يكون هناك فعل للشعب المصري، فعل حقيقي وواضح يعبر عن الشعب المصري. ومع انطلاق الأسطول المغاربي والأسطول العالمي، فكرنا لماذا لا تكون مصر شريكة في هذا الحدث؟ وأن تخرج سفن من مصر تمثل الشعب المصري، تشارك في الحراك العالمي وتحاول قدر المستطاع كسر الحصار عن أهلنا في غزة.
أنتَ وأغلب المشاركين في الأسطول من الشباب صغار السن، أو كما سُمّيتم “جيل أسطول الصمود”. ما هي الخلفيات المدنية أو السياسية التي تؤهلكم لهذا الدور؟
أغلبنا يعمل في المجال العام منذ فترة طويلة، وقضية فلسطين هي القضية الجامعة لهذا العمل، لأنها قضية لا خلاف عليها. جميعنا نؤمن بقضية تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وبعضنا كان أعضاء في أحزاب ثم استقالوا منها، وبعضنا الآخر انتمى إلى مؤسسات مجتمع مدني قبل أن يستقيل منها أيضًا. لذلك نحن نمثل مجموعة من الشباب المستقلين غير المنتمين إلى أحزاب أو جماعات سياسية، نحمل بالطبع أفكارًا وأيديولوجيات مختلفة، لكن الأسطول ليس ساحة لطرحها في ظل ما تشهده غزة والقضية الفلسطينية.
حتى هذه اللحظة، ما هي الإجراءات التي قامت بها المبادرة لإطلاق الأسطول؟
اتخذنا أيضًا خطوات عملية، منها إرسال خطابات إلى موانئ الإسكندرية وبورسعيد والسويس لتسهيل التحرك. وقد حصلنا بالفعل على مركب يسع 34 راكبًا، وكل هذه الإجراءات جاءت ضمن إطار قانوني ودستوري، في محاولة لضمان الموافقة على خروج “أسطول الصمود” من مصر، ليضم بعض السفن التي ستلتحق بأسطول المشاركين من تونس والمغرب وإسبانيا وإيطاليا وغيرها من دول العالم، بما يضمن مشاركة مصرية في هذا الحدث.
قلت إن الأسطول تسلّم أول مركب، ما مواصفاته؟ وما مدى استعدادكم اللوجستي لتشغيله؟
القارب تبرع به أحد الصيادين، وقد بادر بالاتصال بنا مؤكدًا التزامه بالوقوف معنا حتى آخر نقطة، سواء عند المنع أو في حال صدور رد رسمي برفض خروج الأسطول. وهو أيضًا من سيتكفل بتوفير طاقم التشغيل. تبلغ سعة المركب 34 راكبًا، ويحتوي على 6 غرف مخصصة لتخزين المساعدات. وخلال أيام سنستلم المركب رسميًا ونعلن تفاصيله كاملة، لكننا فضّلنا تأجيل الإعلان حتى الانتهاء من مرحلة استلام المساعدات العينية.
ما هي التفاصيل التي يمكن أن تخصّونا بها؟
ما يمكن تأكيده هو أننا تلقّينا لأول مرة ردًا رسميًا من الدولة يفيد باستلامها طلبات الأسطول، سواء من رئاسة الجمهورية أو من رئاسة الوزراء. لكننا نفضّل حاليًا عدم الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بالمركب، إلى حين الإعلان الرسمي.
هناك متطلبات للموانئ مثل أذونات المراكب أو الجمارك. هل هناك جهة تساعدكم في إنهاء هذه الإجراءات، خاصة وأنكم تفتقرون للخبرة في ذلك؟
نعم، فقد شكّلنا لجنة قانونية موسعة تضم أعضاء من مجلس نقابة المحامين، إضافة إلى عضو من النقابة الفرعية للمحامين في حلوان. هذه اللجنة تتولى دراسة كافة الإجراءات المطلوبة من الموانئ. وخلال الأيام المقبلة سنقدّم لخفر السواحل قائمة تضم أكثر من 34 متطوعًا للإبحار على متن المركب ضمن الأسطول.
هناك مخاوف قانونية، سواء محلية أو دولية، تواجه المبادرة. كيف ستتعاملون معها؟
أبرز المخاوف تتمثل في احتمال تعرّض الأسطول لهجوم من الكيان الصهيوني أو اعتقال المشاركين فيه. ولهذا، نحن بصدد تلقي تدريب قانوني من جهات دولية، بينها الأمم المتحدة، وهي الجهات ذاتها التي أشرفت على تدريب المشاركين في الأسطول الدولي. وقد تواصلنا معهم بالفعل، وأرسلوا لنا أوراقًا للتدريب نعمل على ترجمتها ودراستها ضمن إطار القانون الدولي. كذلك طلبنا من الهلال الأحمر تنظيم دورات تدريبية في مجال الإسعافات الأولية والإغاثة الدولية.
في النهاية، لا نتمنى أن تعترضنا أيّ معوقات، ونسعى لأن يحقق الأسطول هدفه في كسر الحصار عن أهلنا في غزة. ولكن إن حدث أي خطر، فكل مشارك في الأسطول يتحمّل مسؤوليته الشخصية، ومستعدّ أن يقدّم حياته في سبيل محاولة فك الحصار. بعد عامين من الإبادة الجماعية، لا يخشى أي من المشاركين المخاطر.
لماذا رفضتم أي مساهمات أو تبرعات مالية؟
رفضنا قبول المساعدات المالية لأنّ جمع الأموال قد يوقع المشاركين في مشكلات قانونية، إذ يلزم وجود كيان قانوني مرخّص لجمع التبرعات. كما أننا نفضّل أن يشعر الناس بالمشاركة عمليًا أن يأتوا إلى المقر، ويتعرّفوا إلينا ونَتعَرّف عليهم، بدلًا من التعامل المالي المجرد.
كيف تضمنون مطابقة المساعدات للمعايير الدولية، مثل معايير الصليب الأحمر؟
وَضعنا شروطًا واضحة للمساعدات. يجب أن تكون فترة صلاحية المواد أكثر من ستة أشهر، كما نشرنا قوائم بالأدوية والمواد الطبية والاحتياجات الأساسية المطلوبة لسكان غزة، وذلك لضمان أن تكون المساعدات مفيدة ومطابقة للمواصفات والمنظمات الدولية.
هل هناك خطة للنقل البحري للمساعدات؟ من أي ميناء سيتم الخروج؟ وهل هناك جهات دولية ستقدّم دعمًا لوجستيًا في البحر؟
هذه التفاصيل ما زالت مبكرة للإعلان، لكننا على تواصل مستمر مع الأسطول الدولي، ونعقد اجتماعات دورية عبر الفيديو معهم. طلبنا منهم تزويدنا بكل خبراتهم السابقة في إطلاق سفن مثل “مادلين” و”حنظلة”، وقد أرسلوا لنا بالفعل أوراقًا ووثائق بهذا الشأن. حاليًا ينصبّ تركيزنا على استكمال الإجراءات القانونية وفرز المساعدات وحصرها.
ما حجم التبرعات التي تم تلقيها حتى الآن؟
الحجم كبير جدًا، لكن لا يمكن الإعلان عن رقم محدد قبل انتهاء عمليات الفرز. هناك كميات كبيرة في المحافظات، مثل الإسكندرية والدقهلية، إضافة إلى ما وصل عبر مقرات الأحزاب. بعد استكمال الحصر سنعلن بيانًا تفصيليًا. ما يمكن تأكيده أننا لم نتوقع هذا الكم من الدعم الشعبي، ورغم بعض محاولات التضييق، أصرّ المواطنون على المشاركة، حتى أن كثيرين تواصلوا معنا لتسليم المساعدات في الشارع مباشرة، وهو مشهد يعبّر بصدق عن هذا الشعب.
كيف تقيّمون الموقف الرسمي حتى الآن؟
لا يوجد موقف واضح، لا بالرفض ولا بالدعم ولا حتى بالتحفظ. لكننا لا نتصور أن الدولة المصرية سترفض المشاركة، خاصة في ظل التهديدات التي تواجهها مصر حاليًا. الطبيعي أن توافق على انضمام مصر لأسطول يشارك فيه متطوعون من 54 دولة حول العالم. وحتى هذه اللحظة، لا أتوقع شخصيًا، ولا في إطار تنسيقية المبادرة، أن يأتي قرار بالرفض.
اشتركت في المبادرة أحزاب ومؤسسات، لماذا كان ذلك مهمًا؟
أردنا أن تكون المبادرة منفتحة على الجميع، أفرادًا وأحزابًا سواء من الموالاة أو المعارضة، ومؤسسات مجتمع مدني. خاطبنا الأزهر والكنيسة وكافة النقابات لأننا نريد أن تعبّر المبادرة عن الشعب المصري بكل طوائفه. انضم إلينا نقيب الفلاحين وزار المقر وسجل كلمة تضامن. نحرص دائمًا أن تضم المبادرة أحزابًا ونقابات ومؤسسات خيرية وأهلية لتكون تمثيلًا واسعًا لمصر.
ما مدى المشاركة الشعبية من المتطوعين؟
استمارة التطوع تجاوزت 1500 شخص، من بينهم أكثر من 100 بحار، وأكثر من 50 ميكانيكيًا وفنيّ سفن. عدد المتطوعين الذين يحضرون إلى المقر يوميًا ضخم جدًا، وما زلنا نبحث آلية للصعود على المركب. المصريون يريدون المشاركة فعلاً.
ما هو الهدف الأساسي من الأسطول؟ هل هو كسر الحصار بالفعل أم إرسال رسالة رمزية وسياسية؟
الهدف مزيج من الاثنين. رمزي وسياسي، لكن الهدف الرئيسي والأولوي هو كسر الحصار عن أهلنا في غزة، الذي يستمر منذ عامين بريًا وبحريًا وجويًا.
ما مقياس نجاح المبادرة؟ وما هو المدى الزمني لانطلاق الأسطول؟
المدى الزمني هو مسألة أيام، إذ نطمح للانطلاق في أواخر سبتمبر/ أيلول للقاء الأسطول الدولي في نقطة بحرية. أما مقياس النجاح فهو المشاركة الشعبية حين تأتي سيدات في الإسكندرية يبكين أمام المقر ويصرحن برغبتهن في المساعدة، أو حين يتبرع شخص بشريط دواء ربما يحتاجه لعلاجه، فذلك يعكس حجم التضامن. هذه المشاهد بحد ذاتها نجاح، حتى لو لم يتحرك الأسطول، لأنها تردّ عمليًا على السؤال الذي كان يُطرح منذ شهور: أين مصر؟ وهنا يقول الشعب: هذه هي مصر.