ترجمة وتحرير: نون بوست
قال توم باراك في مقابلة هذا الأسبوع إن “إسرائيل تهاجم الجميع”، مشيرًا إلى سوريا ولبنان وتونس، ولفت إلى أن الضربة الأخيرة التي وجهتها إسرائيل إلى قطر كانت “غير جيدة” أيضا.
وقد أثار سفير إدارة ترامب لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا الجدل مؤخرا بسبب تعليقاته الصريحة بشأن الحروب التي تشنها إسرائيل والتقارب الشديد بين واشنطن وتل أبيب، حيث وصف السلام بأنه “وهم”، واعتبر الحدود “ورقة تفاوض”.
وقبل أسابيع قليلة، قال باراك: “في نظر إسرائيل، هذه الخطوط التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو لا معنى لها”، مضيفًا أن الإسرائيليين “سيذهبون حيث يشاؤون، ومتى يشاؤون، ويفعلون ما يشاؤون لحماية… حدودهم”.
وبعد تجريد التصريحات من طابعها الاستفزازي، يتضح تقييم مباشر: منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يتبع النظام الصهيوني استراتيجية هيمنة تتجاوز الخرائط الاستعمارية القديمة.
منذ أواخر عام 2023، قام بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المتهم بارتكاب جرائم حرب، بإضفاء الطابع الرسمي على ما يُعرف بعقيدة “اليوم التالي”، التي تربط نهاية حرب الإبادة في غزة بتحقيق الهيمنة الإسرائيلية الكاملة. وقد تحوّلت تلك الحرب إلى حملات متتالية في أنحاء المنطقة، في محاولة للقضاء على جميع أعداء إسرائيل وإعادة رسم الخرائط لشرق أوسط جديد.
وقبل أن يتوجّه للقاء دونالد ترامب في أوائل فبراير/ شباط، في أول زيارة له منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة هذا العام، صرّح نتنياهو من على مدرج مطار بن غوريون: “قراراتنا أعادت رسم الخريطة… وبالعمل مع ترامب، يمكننا أن نواصل إعادة رسمها”.
بعد أكثر من قرن على تقسيم العالم العربي بموجب اتفاقية سايكس بيكو، تواصل إسرائيل مشروعها للهيمنة على المنطقة، حيث تُخضع الحدود لمنطق السيطرة والتوسع. وبدعم من واشنطن، تعتمد هذه الاستراتيجية على تفتيت الدول واستغلال الانقسامات لضمان الهيمنة الإقليمية.
إعادة رسم الخرائط
في مطلع عام 2024، نشر نتنياهو أول تصور رسمي لما بعد الحرب. يقتضي هذا التصور بأن يحتفظ النظام الصهيوني بالسيطرة الكاملة على جميع الأراضي الفلسطينية، وأن يتم تفكيك وكالة الأونروا، في إطار حملة التطهير العرقي في غزة ومعظم مناطق الضفة الغربية، لا سيما المنطقة “ج”، في انتهاك صارخ للقانون الدولي واتفاقيات أوسلو.
وبحلول يوليو/ تموز 2024، أعلن نتنياهو خلال زيارة أخرى إلى واشنطن أن “علينا، في المستقبل القريب، أن نحتفظ بسيطرة أمنية شاملة [في غزة]”.
وخلال عامي 2024 و2025، تصرفت الحكومة الإسرائيلية وفقًا لهذا المخطط. بسيطرتها على ممر فيلادلفيا الحدودي بين غزة ومصر، في انتهاك لمعاهدة السلام الموقعة عام 1979 مع القاهرة، سعت إسرائيل إلى توسيع نطاق المنطقة العازلة.
وأفاد مسؤولون بأن هذه السياسة ستستمر حتى بعد تنفيذ أي هدنة، في الوقت الذي يتم فيه الترويج لسياسات الطرد والتهجير القسري للفلسطينيين من غزة.
وبعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله في نوفمبر/ تشرين الأول 2024، أعلنت إسرائيل أنها ستبقى في خمسة مواقع استراتيجية في جنوب لبنان لتوسيع نطاق المنطقة العازلة في الشمال. ومنذ ذلك الحين، انتهكت إسرائيل هذا الاتفاق آلاف المرات.
وفي غضون أيام من سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، اجتاحت القوات الإسرائيلية سوريا واستولت على أكثر من 600 كيلومتر مربع من الأراضي السورية، أي ما يزيد عن نصف مساحة هضبة الجولان التي تحتلها منذ عام 1967.
وعقب هذا الاجتياح، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن الجيش الإسرائيلي “مستعد للبقاء في سوريا إلى أجل غير مسمى”، وأنه سيُبقي على “منطقة أمنية في جبل الشيخ ويتأكد من أن المنطقة الأمنية جنوب سوريا منزوعة السلاح وخالية من الأسلحة والتهديدات”.
ومنذ ذلك الحين، أكد نتنياهو أن إسرائيل تعتزم احتلال هذه الأراضي بشكل دائم، حيث قال بوضوح: “ستواصل إسرائيل التمسك بالجولان، وتجعلها تزدهر، وتستوطن فيها”.
أنشأت إسرائيل أيضًا ما لا يقل عن ست قواعد عسكرية في المنطقة العازلة منزوعة السلاح، وأكد نتنياهو أن اتفاق عام 1974 الذي حدّد هذه المنطقة لم يعد صالحًا لأنه أُبرم مع حكومة الأسد السابقة.
استراتيجيات قديمة
إذا بدا تصريح باراك مألوفًا، فذلك لأن نسخًا من هذا التوجه الاستراتيجي سبقت 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وسبقت اتفاقية أوسلو. في عام 1982، نشر عوديد ينون، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، مقالًا بعنوان “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات” في إحدى دوريات المنظمة الصهيونية العالمية. وسرعان ما أصبحت “خطة ينون” بمثابة المخطط الأيديولوجي لطموحات الهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
وقد تصوّرت الخطة نظامًا إقليميًا لا يقوم على حدود سايكس بيكو الاستعمارية، بل على كيانات مجزأة وطائفية تحيط بالدولة الصهيونية، وهي في جوهرها، دعوة إلى تفكيك النظام الإقليمي بأكمله.
اقترح ينون تقسيم لبنان إلى خمس أقاليم، مقدّمًا ذلك كنموذج يُحتذى لبقية العالم العربي. وتخيّل أن سوريا والعراق سيتفككان إلى كانتونات عرقية أو دينية، باعتبارهما الهدفين الأساسيين لإسرائيل في الجبهة الشرقية.
أما على الجبهة الغربية، فقد دعا إلى تفكيك مصر إلى مناطق جغرافية منفصلة، متنبئًا بأنها إذا ما تفككت، فلن تتمكن دول مثل ليبيا والسودان من الاستمرار بشكلها الحالي.
ورغم أن هذا المخطط العام لا ينقل النبرة الجدلية الكاملة للوثيقة، إلا أنه يعبّر عن جوهرها: الهيمنة الإسرائيلية من خلال إضعاف العالم العربي سياسيًا وتفتيته على أسس طائفية وعرقية.
وبعد عقد من الزمن، قدّم المفكر الاستراتيجي الصهيوني برنارد لويس رؤية مشابهة. في عام 1992، بعد انتهاء الحرب الباردة، رسم لويس مسارين محتملين للمنطقة: إما هيمنة عربية إقليمية موحدة، وهو سيناريو يجب على الولايات المتحدة أن تمنعه، كما فعلت ضد صدام حسين في العراق، أو تفكك الدول الإقليمية في عملية أطلق عليها اسم “اللبننة”.
وقد رأى لويس أن العديد من دول الشرق الأوسط هي كيانات مصطنعة حديثة العهد، تتسم بضعف التماسك الاجتماعي وغياب الهوية المشتركة. وكتب أنه إذا ما انهارت السلطة المركزية في أي دولة، فإنها ستتفكك إلى طوائف وقبائل ومناطق وأحزاب. وفي وقت لاحق من ذلك العام، عرض هذه الخطة بشكل موسع في مجلة “فورين أفيرز” تحت عنوان “إعادة التفكير في الشرق الأوسط”.
وخلال أقل من عقد، لعب عدد من تلاميذه من المحافظين الجدد، مثل بول وولفويتز وريتشارد بيرل ودوغلاس فايث وديفيد ورمسر، أدوارًا رئيسية في تفكيك العراق وتدمير المنطقة خلال إدارة جورج بوش الابن. ولم يُخفِ هؤلاء أن هذه السياسات كانت تُنفّذ أساسًا لخدمة النظام الصهيوني.
عقيدة المحيط
قبل ظهور خطة ينون، سعى ديفيد بن غوريون من خلال ما يُعرف بعقيدة المحيط إلى إقامة تحالفات مع دول غير عربية وأقليات تقع على أطراف العالم العربي، مثل إيران قبل ثورة 1979، وتركيا قبل حكم حزب العدالة والتنمية، وإثيوبيا. كما اعتمدت هذه العقيدة على جهات فاعلة خارج نطاق الدولة، مثل الأكراد في شمال العراق، وجيش التحرير الشعبي السوداني في جنوب السودان، والموارنة في لبنان.
منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، بدأت هذه السياسة تتجسّد في علاقات سرّية مع أكراد العراق، ومن خلال التنسيق مع الميليشيات المسيحية في لبنان، وهو ما بلغ ذروته في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
وقد عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن عن منطق التحالف مع الأقليات بشكل صريح عام 1980، حين قال: “إذا تعرّضت الأقلية المسيحية في لبنان لهجوم… فلن تبقى إسرائيل مكتوفة الأيدي”.
وبعد أكثر من أربعة عقود، شن النظام الصهيوني هجمات متكررة على سوريا بذريعة حماية الأقلية الدرزية. وفي محاولة لتبرير قصف الأصول العسكرية السورية والاستيلاء على مزيد من الأراضي داخل سوريا، وجّه نتنياهو قبل شهرين نداءً إلى الطائفة الدرزية السورية، مدّعيًا أن إسرائيل “تتحرك لإنقاذ [إخوانهم] الدروز والقضاء على عصابات النظام”.
وفي سوريا، كما في العراق، تعكس السياسات التي فرضتها قوى خارجية خلال العقدين الماضيين – من تغيير الأنظمة وإثارة الفوضى وتأجيج الحروب الأهلية وتشجيع الكيانات القائمة بحكم الأمر الواقع – أجزاءً من خريطة ينون. وقد أسفرت هذه السياسات عن مناطق كردية ذات حكم ذاتي، ومناطق درزية وعلوية، ومعاقل سنية وشيعية منهكة.
وبعد خمسة أشهر من تقسيم السودان في يوليو/ تموز 2011، قال رئيس جنوب السودان سلفا كير خلال أول زيارة رسمية له إلى إسرائيل: “لولاكم، لما أسسنا دولتنا”.
الحدود “الأمنية”
على امتداد الطيف السياسي الإسرائيلي، دأب المسؤولون على تصوير الحدود باعتبارها ضرورات أمنية، لا خطوطًا دولية لا يجوز المساس بها. خلال خطة انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء عام 1975، التي أُدرجت لاحقًا ضمن معاهدة السلام الموقعة مع مصر عام 1979، أصرّ القادة الإسرائيليون على تحويل سيناء إلى منطقة عازلة. وقد صرّح وزير الدفاع آنذاك شمعون بيريز بأن إسرائيل بحاجة إلى “مناطق عازلة ومنطقة يديرها المصريون مدنيا”.
وفي غضون أيام من غزو لبنان في يونيو/ حزيران 1982، اعترف مناحيم بيغن بالسبب الحقيقي وراء الهجوم العسكري، عندما قال أمام الكنيست: “ما إن يُقيم الجيش الإسرائيلي منطقة آمنة بعمق 25 ميلًا شمال الحدود، سنكون قد أتممنا المهمة”.
وبالمثل، صرّح رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين أمام الكنيست في أكتوبر/ تشرين 1995 – بعد اتفاقية أوسلو – بأن “الحدود الأمنية لدولة إسرائيل ستكون في غور الأردن، بأوسع ما تحمله هذه العبارة من معنى”. وبعد ثلاثة عقود، حدّث نتنياهو هذه الصيغة في حديثه عن غزة، حين قال عام 2024: “علينا أن نحتفظ بسيطرة أمنية شاملة [هناك] في المستقبل القريب”.
هذه التصريحات الممتدة عبر عقود من العمليات التوسعية والسياسات المزعزعة للاستقرار، تضفي عمقًا تاريخيًا على تصريح توم باراك. وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو قد رسمت خطوطًا مستقيمة على خريطة المنطقة، فإن القادة الإسرائيليين المتعاقبين قد رسموا منحنيات للسيطرة – من ضمّ أراض وممرات ووديان وأحزمة ومناطق عازلة – تحددها الأراضي التي ترعب بها إسرائيل، وضرورات المراقبة، وسهولة الوصول، والقدرة على الضرب دون قيود.
إن عبارة باراك حول “الخطوط التي لا معنى لها” لا تتعلق بمحو الحدود على الورق، بل بإخضاعها لمساعي إسرائيل نحو الهيمنة الإقليمية.
صدمة الحدود
بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 المفاجئ، اهتزّت العقيدة المقدّسة للنظام الصهيوني بشأن “الحدود القابلة للدفاع”. في يوليو/ تموز 2024، حمل نتنياهو الرسالة المليئة بالتهديدات إلى الكونغرس الأمريكي. لخّصت خدمة الأبحاث التابعة للكونغرس الموقف بدقة، مشيرة إلى أن نتنياهو “أصرّ على أن تحتفظ إسرائيل بسيطرة أمنية كاملة على جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن، وبسيطرة أمنية شاملة على غزة في المستقبل القريب”.
على الأرض، يُظهر إنشاء الجيش الصهيوني ما يُسمى بمنطقة أمنية في شمال غزة، وفرض ما يُعرف بمناطق “إعادة التوطين الإنسانية” مثل منطقة المواصي، كيف يُعاد تشكيل الحدود لتصبح مناطق قتل وممرات وقنوات مغلقة، بدلًا من أن تكون خطوطًا فاصلة كلاسيكية بين الدول.
لقد قدّمت خطة ينون منذ زمن طويل الإطار الأقصى لهذا التوجه، بينما وفّرت استجابة إسرائيل لهجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول ذريعة للإبادة الجماعية.
على مدى نحو عامين، وبينما يواصل النظام الصهيوني قتل السكان وتهجيرهم، فإنه يسعى علنًا إلى تنفيذ أجندته التوسعية، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو الأعراف الدبلوماسية، وبالاعتماد على دعم أمريكي غير مشروط.
ضمن هذا المسار، مارست إسرائيل حرية عسكرية كاملة في التحرك، وسعت إلى إضعاف الدول المجاورة وتفتيتها، كما عزّزت علاقاتها مع الأقليات والأطراف بهدف تقويض الأغلبية العربية والإسلامية.
ومن هنا، فإن وصف باراك لاتفاقية سايكس بيكو بأنها “خطوط لا معنى لها” يسلّط الضوء على منطق الهيمنة الإسرائيلي، الذي يسعى بوقاحة وتهوّر إلى فرض السيطرة السياسية والعسكرية والإقليمية، أو ما يُسمى بـ”السيطرة الشاملة”.
التداعيات المحتملة
تترتب على منح إسرائيل حرية متابعة مشروعها للهيمنة الإقليمية تداعيات خطيرة على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فإذا تم السماح لإسرائيل بالسيطرة على ممر فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر، فإن ذلك سيزيد من حدة التوتر مع شركاء واشنطن الإقليميين.
كما سيعقّد ذلك دور مصر الأمني والدبلوماسي، وهو ثمن سياسي ستدفعه الولايات المتحدة في نهاية المطاف في علاقتها مع القاهرة وعواصم الخليج التي تعتمد عليها في استقرار المنطقة وحماية مصالحها.
إذا استمرت غزة تحت وطأة سياسة الإبادة الإسرائيلية وسيطرتها العسكرية، في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات الاستيطان والضم في الضفة الغربية، فإن الولايات المتحدة ستكون في مواجهة مع معظم دول العالم، إذ تصبح راعية ومُدافعة عن مشروع استيطاني استعماري يشبه نظام الفصل العنصري، بدلًا من أن تقود مسارًا نحو تسوية سياسية.
ومن المؤكد أن هذا المسار سيعقّد جهود واشنطن الرامية إلى دفع عجلة التطبيع مع السعودية ودول إقليمية أخرى. ومع تصعيد إسرائيل هجماتها في الأراضي الفلسطينية، واستمرار الاشتباكات في لبنان وسوريا واليمن وربما إيران – إلى جانب الضربات المتفرقة في تونس وقطر – فإن واشنطن لن تفقد نفوذها في المنطقة فحسب، بل ستواجه أيضًا تهديدًا لمصالحها الأمنية والاقتصادية.
وكلما أنفقت الولايات المتحدة مواردها في دعم إسرائيل، تقل قدرتها على احتواء أو مواجهة خصومها على المستوى العالمي، مثل الصين وروسيا.
أي تحدٍّ جاد لمشروع الهيمنة الإسرائيلية يجب أن يطالب باستعادة الحقوق في المجتمعات والدول التي انتهكتها إسرائيل، وأن يؤكد على شرعية المقاومة باعتبارها الوسيلة الأساسية للنضال.

يجب أن يكون هذا المسعى نابعا من الفاعلين الإقليميين، لا أن يعتمد على التحالفات مع القوى الخارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل. منذ بدء حملة الإبادة الجماعية في غزة، استيقظ العالم على عدالة القضية الفلسطينية، وتم تفنيد الرواية الصهيونية وكشف زيف حملاتها الدعائية.
أدانت مؤسسات دولية، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، سياسات إسرائيل التوسعية وسلوكها الإبادي، وأعادت التأكيد على الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك حق العودة. كما أصدرت منظمات حقوقية، مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، تقارير تدين ممارسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية وفي أنحاء أخرى من المنطقة.
إن استعادة هذه الحقوق ليست مجرد ضرورة قانونية قائمة على حق تقرير المصير والحماية المتساوية وحق العودة، بل هي أيضًا شرط استراتيجي لا غنى عنه لأي نظام إقليمي مستقر. دون استرداد كامل للأرض والحياة والحرية – بما يشمل إنهاء الاحتلال والحصار والتهجير وممارسات الفصل العنصري – ستعم حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
لذلك، فإن المقاومة المستندة إلى القانون الدولي والمتمحورة حول التعبئة الشعبية والسياسية والقانونية والمدنية، هي الأداة التي لا غنى عنها لكبح الهيمنة الإسرائيلية، فهي تعيد تكسر حالة الإفلات من العقاب وتفرض المساءلة.
ما وراء سايكس بيكو
في لحظة صراحة نادرة، صرّح نتنياهو مؤخرًا لأحد الصحفيين باللغة العبرية بأنه في “مهمة تاريخية وروحية”، وأنه “مرتبط بشدة برؤية أرض الميعاد وإسرائيل الكبرى”. وقد جسّدت تصريحاته الأيديولوجيا التي تحرك حروب إسرائيل، من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى لبنان وسوريا.
وقبل ذلك، انتشرت تصريحات توم باراك لأنها عبّرت عن خطة طويلة الأمد تم تفعيلها: بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، تُعدّ الحدود المعترف بها دوليًا “خطوطًا لا معنى لها” يمكن انتهاكها متى شاءت، بينما الحدود الوحيدة التي تلتزم بها هي تلك التي ترسم رؤيتها التوسعية لإسرائيل الكبرى وتخدم استراتيجيتها الصهيونية.
لكن انسجام هذه السياسات مع المصالح الأمريكية يعتمد على الأهداف والأطر الزمنية. فإذا كان الهدف هو استراتيجية قصيرة المدى عبر دعم النظام الإسرائيلي وعرقلة وقف إطلاق النار وحصر الأزمة في ممرات المساعدات، فإن السياسة الأمريكية الحالية لن تؤدي إلا إلى تقويض ما تبقى من مصداقيتها وتعميق حالة عدم الاستقرار، بينما تواصل منح إسرائيل تفويضا غير محدود.
أما إذا كان الهدف هو بناء نظام إقليمي مستدام، فعلى واشنطن أن تواجه شريكًا تقوم استراتيجيته للهيمنة على التفتيت والقوة العدوانية والتعالي، وأن تقرر مدى استعدادها لتمويل هذا المشروع وحمايته.
وبالنسبة لشعوب المنطقة، فإن الحل لا يكمن في إحياء اتفاقية سايكس بيكو، بل في تجاوزها، عبر بناء نظام ما بعد سايكس بيكو قائم على السيادة والاستقلال، حيث تكون الوحدة أساس القوة، وتكون الممرات وسيلة لنقل المساعدات والتجارة، لا لمرور الدبابات.
نظام يرفض خريطة الهيمنة التي أعادت إسرائيل رسمها، هو وحده القادر على حماية الأرض وتحقيق الحرية، وضمان العدالة لفلسطين، والاستقرار للمنطقة.
المصدر: ميدل إيست آي