ترجمة وتحرير: نون بوست
كشفت دراسة حديثة أن المدنيين في غزة يتعرضون لإصابات من النوع والحجم الذي يُشاهد عادة لدى الجنود المحترفين المشاركين في عمليات قتالية عنيفة.
ووجدت الدراسة التي نُشرت في المجلة الطبية البريطانية (BMJ) أن بعض أنواع الجروح – مثل الحروق أو إصابات الساقين – كانت أكثر شيوعًا بين المدنيين في غزة منها بين الجنود الأمريكيين الذين قاتلوا في الحروب الأخيرة في العراق وأفغانستان.
قال بلال عرفان، الباحث في الأخلاقيات الحيوية في جامعة ميشيغان وأحد مؤلفي الدراسة: “يعاني المدنيون المصابون في غزة من أنماط إصابات تُتوقع عادة في معارك ضارية بين عسكريين محترفين. توزيع الإصابات وطبيعتها متماثلان تقريبًا أو أسوأ”.
واستندت الدراسة التي خضعت لمراجعة علمية، وهي الأولى من نوعها، إلى بيانات جُمعت بين أغسطس/ آب 2024 وفبراير/ شباط 2025 من عشرات الأطباء الدوليين الذين عملوا في غزة خلال النزاع المستمر منذ نحو عامين.
وأوضح عرفان أن البيانات لا تشمل معظم الإصابات القاتلة، مضيفًا: “هذه بيانات للمرضى الذين وصلوا إلى المستشفيات ونجوا. لا نملك صورة كاملة عن الإصابات الخطيرة لمن ماتوا دون تلقي أي رعاية طبية”.

اندلعت الحرب إثر هجمات حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل 1,200 شخص، معظمهم من المدنيين، وأسر 251، لا يزال نحو 50 منهم في غزة، ويُعتقد أن حوالي 20 منهم على قيد الحياة.
وأسفرت الحملة العسكرية الإسرائيلية اللاحقة عن مقتل أكثر من 65,000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وإصابة أكثر من 160,000. كما دمرت أجزاء واسعة من القطاع وتسببت في تهجير معظم السكان لأكثر من مرة في كثير من الحالات.
ومن المتوقع أن تزيد الدراسة الجديدة من الضغط على إسرائيل، التي تواجه عزلة متزايدة بسبب طريقة إدارتها للحرب في غزة. وقد أفادت الدراسة أنه تم الإبلاغ عن نحو 24,000 إصابة ناجمة عن الصدمات، 18 بالمائة منها كانت حروقًا، فيما نتج نحو ثلثي الإصابات عن الانفجارات.
ووجد المؤلفون أن الحروق كانت شائعة وشديدة على نحو خاص، لا سيما بين الأطفال، وكان أكثر من عُشر حالات الحروق من الدرجة الرابعة، أي أنها اخترقت جميع طبقات الأنسجة وصولًا إلى العظم.
وأشارت الدراسة إلى أن شدة الإصابات الناجمة عن الصدمات “تعكس تأثير القصف الجوي العشوائي والقصف بالمتفجرات الثقيلة على المناطق المدنية”.
وشكلت الإصابات بالأسلحة النارية نحو 30 بالمائة من إصابات الحرب، وهي نسبة مماثلة لما تم توثيقه في الحرب الأهلية السورية، حيث كان المدنيون يُستهدفون بشكل مكثف على مدار عقد من العنف. وأُصيب أقل من 10 بالمائة من ضحايا إطلاق النار في الرأس.
وشارك في تقديم البيانات 78 خبيرًا من 22 منظمة غير حكومية من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، من بينهم متخصصون في عدة مجالات. وأفاد عرفان بأنهم أجروا مقابلات أو قدموا بيانات خلال ثلاثة أشهر من فترة خدمتهم في غزة. وتمت مقارنة أنماط الإصابات في غزة بدراسات سابقة لجنود أمريكيين شاركوا في حروب أفغانستان والعراق.
وقالت الدكتورة فيكتوريا روز، استشارية جراحة التجميل في مستشفى سانت توماس ومستشفى كينغز كوليدج في لندن، وأحد مؤلفي المقال المنشور في المجلة، إن النتائج “يجب أن تدق ناقوس الخطر بين الحكومات في جميع أنحاء العالم والمجتمع الإنساني”.
ويصر المسؤولون العسكريون الإسرائيليون على أنهم يتصرفون وفقًا للقانون الدولي، لكنهم يعترفون بوجود “تضارب” بين حماية المدنيين و”متطلبات العمليات العسكرية السريعة”.
ويقول القادة العسكريون الإسرائيليون: “نحن نخوض حربًا مختلفة تمامًا عن أي صراع سابق خاضه أي طرف في العالم… هناك قواعد اشتباك صارمة، لكن ما تغير هو السياسة التي صُممت للحروب الصغيرة التي كان هدفها الردع… نحن الآن نقاتل في غزة لضمان عدم حكم حماس للقطاع”.
تشير البيانات التي جمعتها منظمة “أكليد” المستقلة المعنية بتتبع العنف إلى أن 15 من كل 16 فلسطينيًا قتلهم الجيش الإسرائيلي منذ بدء هجومه الجديد على غزة في مارس/ آذار قد يكونون من المدنيين. وكشفت صحيفة الغارديان الشهر الماضي أن البيانات الداخلية للجيش الإسرائيلي تشير إلى أن 83 بالمائة من القتلى بين اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ومايو/ أيار من هذا العام هم من المدنيين.
فرضت إسرائيل قيودًا صارمة على دخول الإمدادات إلى غزة طوال فترة الحرب. وفي الشهر الماضي، أكد خبراء الأمن الغذائي المدعومون من الأمم المتحدة وجود مجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها.
ووجد الأطباء الذين ساهموا في الدراسة الجديدة أن سوء التغذية أدى إلى تدهور حالة المرضى، “وتأخر التئام الجروح ووفاة حالات كان من الممكن علاجها”.
ويقول الأطباء إن المستشفيات والعيادات القليلة المتبقية في وسط وجنوب غزة تغرق الآن في “تسونامي” من المرضى والمصابين الفارين من هجوم إسرائيلي جديد في شمال القطاع المدمر.
وقال دونالد ترامب يوم الخميس إنه يعتقد أن اتفاقًا لإنهاء الحرب في غزة بات قريبًا، وأضاف في البيت الأبيض: “عليّ أن ألتقي بإسرائيل.. أعتقد أننا نستطيع إنجاز ذلك. آمل أن ننجزه. هناك الكثير من القتلى، لكننا نريد استعادة الرهائن”.
المصدر: الغارديان