في خضمّ الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من ثمانية أعوام، تحولت ليبيا إلى نقطة عبور حاسمة لمئات الشباب اليمني الباحثين عن ملاذٍ آمن أو فرصةٍ للهجرة إلى أوروبا، في ظل انقساماتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ داخليةٍ عميقة. هذه الظاهرة ليست مجرد مأساة إنسانية، بل مرآةٌ لحالة الفوضى السياسية في المنطقة، حيث تتصارع حكومتان وجهازان رسميان للهجرة غير الشرعية، ويُصبح المواطن اليمني عرضةً للاستغلال من قِبل مهربين يفتقرون إلى أيّ رادعٍ قانوني.
في هذا الحوار الحصري، يُقدّم الدكتور حسن محمد الحرد، سفير فوق العادة ومفوض الجمهورية اليمنية لدى دولة ليبيا، قراءةً شاملةً لملف اليمنيين المحتجزين في ليبيا، من حيث عددهم، ظروف احتجازهم، المخاطر التي يواجهونها، وسبل التعاون مع السلطات الليبية والمنظمات الدولية. كما يُسلّط السفير الضوء على العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تدفع الشباب اليمني للمخاطرة بحياتهم، ويطرح بدائل شرعية وآمنة للحدّ من هذه الظاهرة، موضحًا مسؤولية السلطات اليمنية والدولية في حماية مواطنيها ومواجهة شبكة المهربين التي تتكاثر في غياب الرقابة.
بحسب آخر الإحصاءات، كم عدد اليمنيين المحتجزين حاليًا في ليبيا، وما عدد الذين تم الإفراج عنهم وترحيلهم منذ بداية العام؟
معظم اليمنيين الذين يدخلون ليبيا بطرقٍ غير شرعية عبر مصر والسودان، ويصلون إلى الأراضي الليبية الشرقية، ونحن في السفارة نعرف عن وجودهم عندما يتم حجزهم في مراكز الإيواء التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بليبيا. يتم إبلاغنا عنهم إمّا عبر أهاليهم أو أصدقائهم، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر المنظمات الدولية مثل منظمة الهجرة الدولية، أو عبر المؤسسات الليبية ذات العلاقة، أو منظمات أهلية مثل منظمات حقوق الإنسان ومنظمات اللاجئين ومنظمة الهلال الأحمر الليبي، أو عبر من تم الإفراج عنهم الذين يعرفون عن أشخاصٍ آخرين محتجزين في أماكن أخرى. وبالطبع، من يدخل ليبيا بطريقةٍ غير شرعية لا يصل إلى السفارة أو يعلن عن نفسه، لأن هدفه الهجرة إلى أوروبا عبر طرقٍ غير شرعية.
لا توجد إحصائية ثابتة إلا بعد احتجازهم في المراكز الخاصة بالإيواء، فكلما ننتهي من ترحيل معظمهم، نفاجأ بعددٍ آخر تم القبض عليهم. خلال هذا العام، من يناير 2025 وحتى الآن، تم الإفراج وترحيل 73 شخصًا، وخلال هذا الأسبوع سيتم ترحيل 13 شخصًا، ويبقى حوالي 4 محتجزين سيتم ترحيلهم في بداية شهر أكتوبر، حسب مواعيد الطيران ما بين بنغازي والقاهرة وعدن.
كما علمنا يوم 22 سبتمبر/ أيلول 2025، أن هناك مهاجرًا يمنيًا غرق مع مهاجرين سودانيين بسبب انقلاب المركب قبالة سواحل مدينة طبرق شرقي ليبيا. ونحن نتابع الموضوع مع السلطات الليبية عبر الجالية. بالإضافة إلى ذلك، هناك عددٌ من اليمنيين الذين خاطروا بحياتهم للهجرة إلى أوروبا عبر البحر وغرقوا في البحر، حيث بلغ عدد الضحايا 4 في عام 2019.
ما طبيعة الظروف التي يعيشها اليمنيون المحتجزون في مراكز الهجرة غير الشرعية، وهل هناك دعم طبي وإنساني لهم؟
بالنسبة للمهاجرين اليمنيين غير الشرعيين المحتجزين بمراكز الإيواء التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومن خلال زياراتنا لهم سواء عبر السفارة في المناطق الغربية من ليبيا أو عبر الجالية اليمنية في المناطق الشرقية والجنوبية، فحقيقةً يتم معاملتهم بشكلٍ لائق. تلك الأجهزة متفهمة للوضع في اليمن، واليمنيون يحظون باحترامٍ ومعاملةٍ حسنة من قِبل إخوانهم الليبيين. معظم المؤسسات الحكومية الليبية متعاونة مع السفارة والجالية اليمنية، ولا توجد أية صعوبات في مسألة الزيارة والترحيل، خاصةً وأنّ معظمهم عليهم أحكام أو أوامر بالترحيل، ويتم التنسيق دائمًا مع المؤسسات المختصة. أمّا الذين ليس عليهم أوامر ترحيل، فيتم الإفراج عنهم بضمانة السفارة أو الجالية حتى يتم تسوية أوضاعهم وسفرهم.
هل هناك فروق إدارية وسياسية بين المناطق الشرقية والغربية في ليبيا، كيف تؤثر هذه الفروق على اليمنيين المحتجزين؟
نتيجةً للانقسام السياسي في ليبيا، توجد حكومتان: حكومة الوحدة الوطنية في الغرب الليبي المعترف بها دوليًا، وحكومة الاستقرار الوطني في الشرق الليبي غير المعترف بها دوليًا. جميع المؤسسات التابعة للحكومة الشرقية نتعامل معها عبر الجالية اليمنية باعتبار أن عمل الجالية عملٌ شعبي. أمّا من يتم القبض عليهم في طرابلس والمناطق الغربية، فيتم مخاطبة الجهات المختصة للإفراج عنهم أو ترحيلهم إلى اليمن. الجهات المختصة في ليبيا متفهمةٌ للوضع اليمني وتستجيب لمطالبنا، وتقوم السفارة والجالية بزيارة المحتجزين، والاطمئنان عليهم، والتنسيق مع مراكز مكافحة الهجرة غير الشرعية لترحيل من يتم إبعاده، وصرف وثائق سفرٍ مؤقتة لمن فقدوا جوازاتهم.
هل تواجه السفارة صعوبات في التواصل مع المحتجزين أو مع السلطات الليبية في مناطق معينة؟
معظم المهاجرين اليمنيين هم من فئة الشباب (20–35 سنة)، الذين يسعون لتغيير أوضاعهم المعيشية، ويفضلون الهجرة إلى أوروبا عبر ليبيا، بمخاطر الهجرة غير الشرعية، والتعامل مع مهربين للبشر، ويصبحون ضحايا للاستغلال والابتزاز. هناك عددٌ قليل فقط يستطيع الوصول إلى أوروبا، ومعظمهم يتم القبض عليهم وإعادتهم إلى بلدانهم. من يدخل الأراضي الليبية بطريقةٍ غير شرعية يتعرض لمخاطر كبيرة، سواء في التنقل البري أو البحري، وتزداد خطورة الهجرة غير الشرعية لأنها تتم عبر قواربَ مطاطيةٍ مهلكة، لمهربين هدفهم مادي، وفي بعض الأحيان يتم التخلص من المهاجرين في وسط البحر، وأحيانًا يتم رميهم بالقرب من السواحل التونسية على أساس أنها سواحل أوروبية، فيكتشفون لاحقًا أنهم محتجزون لدى خفر السواحل التونسية. هذه الظاهرة في تزايدٍ مستمر، ومن استطاع الوصول يُشجّع الآخرين على المخاطرة، ونواجه تحدياتٍ كبيرة، خصوصًا من يتم القبض عليهم في الشرق والجنوب الليبي، ولا نستطيع زيارتهم إلا عبر الجالية اليمنية، مع شُحّة الإمكانيات المادية للسفارة.
ما الأسباب الرئيسة التي تدفع اليمنيين للمخاطرة بالهجرة غير الشرعية إلى ليبيا، رغم المخاطر الجسيمة؟
نحن لا ننصح المواطنين اليمنيين بدخول ليبيا بطرقٍ غير شرعية، خوفًا على سلامتهم واستغلالهم، رغم تعاون المؤسسات الليبية مع السفارة. السفارة تعمل على إعادة المحتجزين إلى موطنهم، وليس تشجيعهم على الهجرة إلى أوروبا. إذا كانت الهجرة ضرورية، فيجب أن تتم بطرقٍ شرعيةٍ وقانونية، سواء لدخول ليبيا أو الهجرة إلى أوروبا. نحن بصدد فتح آفاقٍ جديدة للعمل بليبيا للمغتربين اليمنيين بطرقٍ شرعيةٍ وقانونية، عبر الاستقدام والضمانات اللازمة لحمايتهم.
كيف تقيّمون مستوى التعاون بين السفارة اليمنية والسلطات الليبية في الإفراج عن المحتجزين وترحيلهم؟ وهل هناك تعاون متوازن بين الجهات المختلفة في الشرق والغرب؟
معظم المؤسسات الحكومية الليبية متعاونة مع السفارة والجالية اليمنية، ولا توجد صعوباتٌ في مسألة الزيارة والترحيل، خاصةً لمن عليهم أحكام أو أوامر ترحيل. أمّا الذين ليس لديهم أوامر، فيتم الإفراج عنهم بضمانة السفارة أو الجالية. الجهات المختصة متفهمةٌ للوضع اليمني وتستجيب لمطالبنا، وتقوم السفارة والجالية بزيارة المحتجزين، والتنسيق مع مراكز مكافحة الهجرة غير الشرعية لترحيل من يتم إبعاده، وصرف وثائق سفرٍ مؤقتة لمن فقدوا جوازاتهم. منظمة الهجرة الدولية قامت سابقًا بترحيل عددٍ من اليمنيين، لكنها امتنعت لاحقًا عن الترحيل تحت مبرر أنها لا ترحّل مهاجرين من منطقة نزاع إلى أخرى، باعتبار أن كلًّا من ليبيا واليمن مناطقُ نزاع.
ما الإجراءات التي تتخذها السفارة لضمان حماية اليمنيين المحتجزين، خاصةً أولئك الذين قد يكونون ضحايا الاتجار بالبشر أو الابتزاز المالي؟
كلُّ من يتم احتجازه، فالسفارة مهمتها إعادته إلى موطنه، وليس تشجيعه للهجرة إلى أوروبا. إذا كان لا بد من الهجرة، فيجب أن تتم بطرقٍ شرعيةٍ وصحيحة، سواء للدخول إلى ليبيا أو الهجرة إلى أوروبا. نحن بصدد فتح آفاقٍ جديدة للعمل بليبيا للمغتربين اليمنيين، وبطرقٍ شرعيةٍ وقانونية، عبر الاستقدام والضمانات اللازمة لسلامة المغترب اليمني. السفارة أيضًا تتابع حالات الضحايا المشتبه بأنهم وقعوا ضحايا الاتجار بالبشر أو الابتزاز المالي، وتعمل على توفير الضمانات القانونية والإنسانية لإعادتهم بسلام إلى اليمن.
هل لدى السفارة آليات واضحة لتوثيق حالات المفقودين أو المحتجزين لفترات طويلة؟ وما دور الجالية اليمنية في تسهيل التواصل معهم؟
السفارة تقوم بتوثيق حالات المحتجزين والمفقودين، وترفع تقارير دورية عن المحتجزين والمفقودين والمرحلين إلى وزارة الخارجية، والتي تقوم بدورها بإبلاغ الوزارات المعنية في البلاد. أمّا بالنسبة للجالية اليمنية، فلها دورٌ محوريٌّ وكبيرٌ جدًا، خاصةً في المناطق الشرقية والجنوبية من ليبيا، حيث لا تستطيع السفارة الوصول، فتقوم الجالية بعملٍ جبارٍ من دخلها الخاص للتواصل مع المحتجزين، ومساعدتهم في توفير الاحتياجات الأساسية، وتسليمهم المعلومات، والتنسيق مع السفارة لترحيلهم، وكذلك تقديم الدعم النفسي والمعنوي لهم خلال فترة الاحتجاز.
كيف يمكن تحسين التمثيل الدبلوماسي لليمنيين في ليبيا لضمان حماية أفضل لهم وحل مشاكل الاحتجاز والابتزاز؟
نحن نعاني كثيرًا في السفارة من هذه المشكلة، وخصوصًا من يتم القبض عليهم في الشرق والجنوب الليبي، ولا نستطيع زيارتهم إلا عبر الجالية اليمنية. الحل يكمن في دعم السفارة بإمكانياتٍ ماديةٍ وبشريةٍ أكبر، وتعزيز التواصل بين السفارة والسلطات الليبية في كل المناطق. كما أن التنسيق بين السفارتين في طرابلس والقاهرة مهمٌّ جدًا للحد من دخول اليمنيين إلى ليبيا من مصر بطرقٍ غير شرعية، وأيضًا أثناء ترحيل المبعدين من ليبيا لأنه يتم عبر مطار القاهرة. زيادة الدعم المالي واللوجستي يمكن أن يساعد السفارة على تحسين التمثيل الدبلوماسي وحماية المواطنين من الابتزاز والاستغلال.
ما أبرز المخاطر التي يواجهها اليمنيون أثناء محاولتهم الانتقال من ليبيا إلى أوروبا؟ وهل هناك بيانات دقيقة عن حالات الغرق أو الضحايا منذ عام 2019؟
أبرز المخاطر التي يواجهها اليمنيون أثناء محاولتهم الانتقال من ليبيا إلى أوروبا هي الدخول غير الشرعي إلى الأراضي الليبية، وهو ما يعرّضهم للمساءلة القانونية وإصدار أحكامٍ وأوامرَ بالترحيل بعد سجنهم أولًا واحتجازهم ثانيًا بمراكز الإيواء التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومن ثم ترحيلهم وإعادتهم إلى بلدهم. كما أنهم يدخلون الأراضي الليبية بطرقٍ غير شرعية عبر مهربين وتجار بشر، مما يجعلهم عرضةً للاستغلال والابتزاز وطلب الفدية، وأحيانًا يتم القذف بهم في وسط البحر بدون أية ضمانات أو إجراءات سلامة. ومنذ عام 2019م، لدينا معلومات عن غرق أربعة يمنيين أثناء محاولتهم الهجرة عبر البحر، وهذا يؤكد خطورة الوضع.
ما الرسالة التي توجهها للشباب اليمني حول مخاطر الهجرة غير الشرعية، وما البدائل المتاحة لهم؟
نحن لا ننصح بدخول المواطنين اليمنيين إلى ليبيا بطرقٍ غير شرعية، خوفًا على سلامتهم واستغلالهم، رغم تعاون المؤسسات الليبية مع السفارة وتفهّمهم للأوضاع اليمنية الحالية. كلُّ من يتم احتجازه، فالسفارة مهمتها إعادة الشخص إلى بلده، وليس تشجيعه على الهجرة إلى أوروبا. رسالتنا للشباب اليمني أن يتجنبوا طرق الهجرة غير الشرعية، وأن يبحثوا عن فرص العمل بطرقٍ شرعية، سواء للعمل في ليبيا بشكلٍ قانوني، أو السفر إلى أوروبا عبر القنوات الرسمية والآمنة. نحن بصدد فتح آفاقٍ جديدة للعمل بليبيا للمغتربين اليمنيين، وبطرقٍ شرعيةٍ وقانونية، عبر الاستقدام والضمانات اللازمة لسلامتهم.
كيف يمكن التنسيق بين الحكومة اليمنية، المنظمات غير الحكومية، والإعلام لتسليط الضوء على أوضاع اليمنيين المحتجزين ومنع نسيان ملفهم؟
التنسيق بين الحكومة اليمنية، المنظمات غير الحكومية، والإعلام أمرٌ في غاية الأهمية. الحكومة مطالبةٌ بدعم السفارة بإمكانياتٍ أكبر، لضمان حماية المواطنين في الخارج. المنظمات غير الحكومية تستطيع تسليط الضوء على قضايا المحتجزين اليمنيين في المحافل الدولية، والمطالبة بحقوقهم. الإعلام يلعب دورًا رئيسيًا في رفع مستوى الوعي وإبراز معاناة المحتجزين، وفضح الانتهاكات التي قد يتعرضون لها. إذا تم تكامل هذه الجهود، يمكن الحدّ من المخاطر، وتحسين حماية اليمنيين المحتجزين في ليبيا، وضمان حقوقهم الإنسانية والقانونية.
هل هناك خطوات لتوثيق تجارب اليمنيين في ليبيا ودعمهم للعودة أو استثمار مهاراتهم بعد الإفراج عنهم؟
نعم، نقوم بتوثيق حالات المحتجزين والمرحلين بشكلٍ دوري، ونرفعها إلى وزارة الخارجية في صنعاء، والتي تُبلغ الوزارات المعنية في البلاد. بعد الإفراج عنهم، نسعى بالتعاون مع الجالية اليمنية لمساعدتهم على العودة إلى حياتهم الطبيعية، وتأمين احتياجاتهم الأساسية، وتوفير فرص عملٍ قانونية لهم. كما أننا نؤكد على ضرورة استثمار هذه التجارب في التوعية لبقية الشباب في اليمن، حتى لا يقعوا في نفس المخاطر، ونستفيد من خبرات المفرج عنهم لتطوير برامج حمايةٍ وتوعيةٍ فعالة، وتعزيز ثقافة السفر القانوني والآمن.