ترجمة وتحرير: نون بوست
تقدّم المدرجات والموانئ الجديدة لمحة واضحة عن الطموحات الإقليمية لأبوظبي وتعميق علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل
من جزر سقطرى في المحيط الهندي إلى سواحل الصومال واليمن، تكشف صور الأقمار الصناعية التي حللها موقع ميدل إيست آي عن شبكة موسعة من القواعد العسكرية والاستخباراتية التي بنتها الإمارات العربية المتحدة.
وقد شهدت هذه الحلقة من السيطرة توسعًا سريعًا منذ هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول وما تلاها من حرب في غزّة.
وشارك حلفاء الإمارات، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة، في إنشاء هذه القواعد وتوسيعها. كما تواجد ضباط إسرائيليون على الأرض في الجزر، فيما تتيح أنظمة الرادار الإسرائيلية والأجهزة العسكرية والأمنية للإمارات مراقبة ومنع الهجمات التي يشنها الحوثيون، الحركة المدعومة من إيران، والتي أطلقت صواريخ على إسرائيل تضامنًا مع الفلسطينيين واستهدفت السفن المارة في البحر الأحمر وخليج عدن.
وتملك الإمارات وإسرائيل منصة لتبادل المعلومات الاستخباراتية تُعرف باسم “كريستال بول”، حيث يقوم الطرفان “بتصميم ونشر وتمكين تعزيز الاستخبارات الإقليمية” بالشراكة، وفقًا لعرض تقديمي يروّج لهذه الاتفاقية.
وقال ألون بينكاس، دبلوماسي إسرائيلي شغل منصب مستشار لأربعة وزراء خارجية: “كانت العلاقة بين الإمارات وإسرائيل متطورة جدًا حتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، لكنها ظلت بعيدة عن الأضواء. لم تكن سرية، بل هادئة فقط.”
لم تُشَيَّد هذه القواعد على أراضٍ تخضع رسميًا لسيادة الإمارات، بل أقيمت في مناطق تقع اسميًا تحت سيطرة حلفائها، ومن بينهم المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، والقائد العسكري اليمني طارق صالح، إضافة إلى الإدارتين الإقليميتين في أرض الصومال وبونتلاند، وكلتاهما تتبعان للصومال، الدولة التي تعيش حكومتها حالة خلاف مع الإمارات.
تم تشييد أو توسيع قواعد عسكرية ومدارج ومنشآت أخرى في جزيرتي عبد الكوري وسمحة التابعتين لأرخبيل سقطرى، الذي يخضع حاليًا لإدارة المجلس الانتقالي الجنوبي؛ وفي مطاري بوصاصو وبربرة في بونتلاند وأرض الصومال؛ وفي مدينة المخا باليمن؛ إضافة إلى جزيرة ميون البركانية الواقعة في مضيق باب المندب، الذي تمر عبره 30 في المئة من إمدادات النفط العالمية.
تُسهّل هذه الشبكة من القواعد سيطرة الإمارات وحلفائها على هذا الممر البحري الحيوي، وقد جرى تطويرها بتنسيق وثيق مع إسرائيل، وفقًا لمصادر إسرائيلية.
كما تتيح هذه القواعد إنشاء شبكة موحدة للدفاع الصاروخي وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين إسرائيل والإمارات وحلفائهما الآخرين.
وكما يوضح معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مؤسسة فكرية أمريكية مؤيدة لإسرائيل: “أصبحت التحالفات متعددة الأطراف للدفاع الجوي عنصرًا رئيسيًا في المشهد الدفاعي للشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث تتشارك الدول الرادارات والمعلومات الاستخباراتية وأنظمة الإنذار المبكر”.
ورغم أن هذه السلسلة من القواعد تُعد بالغة الأهمية في مراقبة حركة الشحن العالمية ورصد أي أنشطة للحوثيين أو إيران في المنطقة، فإن بوصاصو وبربرة أصبحتا، وفقًا لمصادر دبلوماسية ومحلية متعددة، تكتسبان أهمية متزايدة بالنسبة للدور الإماراتي في دعم قوات الدعم السريع شبه العسكرية في حرب السودان.
إن إنشاء شبكة من القواعد تحيط بالبحر الأحمر وخليج عدن يعكس استراتيجية الإمارات في استخدام قوتها المالية الهائلة لإنشاء مواقع نفوذ في عدد من الدول المحيطة بالسودان، بما في ذلك الجزء الجنوبي الشرقي من ليبيا الخاضع لسيطرة الجنرال خليفة حفتر، وتشاد، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وأوغندا، وإثيوبيا، وكينيا.
كما تمتلك الإمارات قاعدتين داخل السودان، الذي يشهد نزاعًا مستمرًا منذ أبريل / نيسان 2023: الأولى في نيالا بجنوب دارفور، والثانية في الملحة على بُعد 200 كلم من الفاشر، عاصمة شمال دارفور، والتي تتعرض منذ أكثر من 500 يوم لحصار قاسٍ من قوات الدعم السريع.
رغم إنكارها الدائم، اعتبرت الأمم المتحدة عدة تقارير متعمقة – من بينها تقارير موقع “ميدل إيست آي – حول رعاية الإمارات لقوات الدعم السريع، التي قالت الولايات المتحدة إنها ترتكب إبادة جماعية في السودان، تقارير موثوقة.
وقد تواصل ميدل إيست آي مع وزارة الخارجية الإماراتية وسفارتها في المملكة المتحدة للتعليق.
وكانت الإمارات قد صرحت سابقًا بأن “أي وجود للإمارات في جزيرة سقطرى قائم على أساس إنساني، ويتم بالتعاون مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية.”
الثروة والسلطة
خلال معظم هذا القرن، سعت الإمارات العربية المتحدة، بقيادة إمارة أبوظبي ومحمد بن زايد، إلى توسيع نفوذها من الخليج إلى القرن الإفريقي.
وينتمي محمد بن زايد إلى عائلة آل نهيان، الحاكمة لأبوظبي منذ القرن الثامن عشر، ويُعد خصمًا لا يلين للإسلام السياسي وحليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، التي تعتمد بشكل كبير على الإمارات في رسم سياساتها الإقليمية.
ويبلغ عدد سكان الإمارات 10 ملايين نسمة، بينهم مليون مواطن إماراتي فقط، فيما يشكل المقيمون والعمالة الأجنبية الأغلبية.
قال جليل هرشوي، المحلل المتخصص في شمال إفريقيا والاقتصاد السياسي، لموقع “ميدل إيست آي”: “نظرًا لأن دولًا مثل إثيوبيا وليبيا واليمن والصومال والسودان تعاني من انقسامات متزايدة وسوء إدارة، فإن الإمارات قادرة على ممارسة نفوذ بمستوى يصعب تحقيقه لو كانت هذه الدول تشبه حكومة الجزائر، على سبيل المثال، مع سيطرة كاملة على أراضيها”.
وأضاف هرشوي: “السودان وليبيا مثالان على هذه الأزمة: مناطق يمكن لدولة أجنبية مسلحة بثروة هائلة، وقوة ضغط دبلوماسية، ونفوذ معاملاتي، أن تمارس فيها تأثيرًا غير متناسب”. وأشار إلى تدخل الإمارات في ليبيا عام 2011 وفي السودان إلى جانب قوات الدعم السريع.
وأوضح هرشوي: “إضافة إلى ذلك، على الرغم من استمرار الولايات المتحدة في “مشاريع تدخلية معزولة مثل إسرائيل وغرينلاند”، إلا أنها تخلت عن أي مفهوم للهيمنة الليبرالية أو المثالية الديمقراطية عالميًا”.
وقال هرشوي لموقع “ميدل إيست آي”: “فهم محمد بن زايد هذه الديناميات حوالي 2009-2011. ورغم صغر حجم الإمارات وغياب جيش بارز، أدركت الدولة قوتها، والأهم من ذلك، نقاط ضعفها إذا ظلت سلبية”. وأضاف: “في هذا السياق، أطلقت الإمارات مشروعًا هيمنيًا شرسًا وعنيفًا يمتد على جانبي البحر الأحمر”.
على مدى العقد الماضي، أصبحت الإمارات أكبر مستثمر في الموانئ الإفريقية، حيث تستقبل سنويًا نحو 400 طن من الذهب المهرب من القارة، وتتدخل في النزاعات، وبنت إمبراطورية نفوذ ناعم تشمل ملكية نادي مانشستر سيتي لكرة القدم.
وقال دبلوماسي غربي لموقع “ميدل إيست آي”: “إذا أردت فهم ما تفعله الإمارات في إفريقيا، اقرأ كتاب ويليام دالريمبل ‘الفوضى’“، في إشارة إلى السرد التاريخي للمؤرخ الاسكتلندي عن استيلاء شركة الهند الشرقية البريطانية على الهند. “إنه نفس النهج تمامًا”.
وتشكل اليمن محور السياسة الخارجية الإماراتية. ففي 2015، قادت الإمارات، إلى جانب السعودية، تحالفًا شارك في الحرب اليمنية لدعم الحكومة ضد حركة الحوثي المدعومة من إيران.
وكجزء من ذلك، انضم مقاتلو قوات الدعم السريع السودانية إلى التحالف الإماراتي-السعودي في اليمن.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، اجتاح الإعصار تشابالا اليمن والمنطقة المحيطة، بما في ذلك أرخبيل سقطرى، الذي تقع جزيرته الرئيسية على بعد نحو 400 كلم جنوب البر اليمني ويقطنه نحو 50 ألف نسمة. وأعلنت الإمارات أنها هناك لمساعدة ضحايا الإعصار، ونشرت قواتها في الأرخبيل.
وسقطرى، المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو والمعروفة بأشجار دم التنين الغريبة، وقد احتلتها بريطانيا والبرتغال في فترات مختلفة من تاريخها، رحبت في البداية ببناء بنية تحتية أساسية من قبل الإمارات.
لكن التواجد الإماراتي أصبح متجذرًا، ففي يونيو/ حزيران 2020 سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف للإمارات، على أرخبيل سقطرى من الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية. ومنذ ذلك الحين، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن الإمارات عززت نشاطها العسكري والاستخباراتي على الجزر، مع تصاعد العمل منذ بدء الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزّة.
تقع جزيرة عبد الكوري غرب سقطرى، وهي إحدى جزر الأرخبيل، وتمثل مساحة صخرية ترتفع من المحيط الهندي قرب مدخل خليج عدن، ويبلغ عدد سكانها نحو 500 شخص.
وتقع الجزيرة على ممر الشحن من المحيط الهندي إلى مضيق باب المندب، ما يجعلها نقطة مراقبة مبكرة للسفن القادمة من الجنوب الشرقي، وقد تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى منشأة عسكرية استراتيجية.
في أواخر أغسطس/ آب 2020، وقبل توطيد العلاقات بين إسرائيل والإمارات ضمن اتفاقيات أبراهام برعاية الولايات المتحدة، وصل ضباط استخبارات من كلا البلدين إلى الجزيرة.
وفي فبراير/ شباط 2021، وصل عشرات الضباط والجنود الإسرائيليين إلى سقطرى على متن طائرات إماراتية، وفقًا لمصادر محلية ودبلوماسيين إقليميين.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس السنة، نفذت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية تمرينًا بحريًا في البحر الأحمر بمشاركة البحرين والإمارات وإسرائيل، وهو أول تمرين عسكري معلن بين دول موقعة على اتفاقيات أبراهام.
وفي إيجاز صحفي آنذاك، قال ضابط بحري إسرائيلي إن التمرين “سيزيد من التعاون ويعزز أمن البحر الأحمر، وليس فقط البحر الأحمر، لأننا نتعامل مع الإرهاب الإيراني” في المنطقة الأوسع.
ووفقًا لصور الأقمار الصناعية، بدأ بناء قاعدة جوية على الساحل الشمالي لعبد الكوري أواخر عام 2022، ومع بدء هذا البناء، ازدهرت التعاونات بين الإمارات وإسرائيل.
أعلنت الشركة الإماراتية التابعة لشركة الأسلحة الإسرائيلية “إلبيت سيستمز” عن تزويد القوات الجوية الإماراتية بأنظمة دفاعية. كما نشرت إسرائيل أنظمة رادار للإنذار المبكر في الإمارات، وفي فبراير/ شباط 2023، كشف البلدان عن سفينة بحرية بدون طيار تم تطويرها بشكل مشترك، قادرة على المراقبة والاستطلاع والكشف عن الألغام.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تم إنشاء ممر جوي جديد بطول حوالي 2.41 كيلومتر مع امتداد ترابي طوله ثلاث كيلومترات على جزيرة عبد الكوري. وفي مارس/ آذار 2024، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة “أسوشيتد برس” عبارة “أحب الإمارات” مكونة من أكوام رملية بجانب المدرج.
وبحلول مارس/ آذار 2025، أظهرت صور الأقمار الصناعية لموقع “ميدل إيست آي” أن المدرج، الذي صُمم لاستقبال طائرات النقل والاستطلاع الكبيرة في نهايته الشمالية، أصبح مكتملًا.
ويستطيع المدرج الآن استقبال طائرات النقل العسكري متوسطة إلى ثقيلة، بما في ذلك الطائرات الأمريكية، والطائرات الروسية، والطائرات المسيرة الإسرائيلية.
وفي الوقت الحالي، تجري شركة المقاولات العسكرية الإماراتية المملوكة للدولة محادثات مع الشركة الإسرائيلية المصنعة للطائرات المسيرة بشأن شراء هذه الطائرات.
المدارج والصخور
بينما كانت أعمال البناء متواصلة في جزيرة عبد الكوري، كانت تسير بوتيرة متسارعة أيضًا في جزيرة سمحة، أصغر جزر سقطرى الثلاث المأهولة والواقعة في أعماق بحر العرب.
تكشف صور الأقمار الصناعية أن الإمارات شرعت في إنشاء مدرج للطائرات على الجزيرة عام 2024، واكتمل العمل به في أبريل / نيسان 2025، إلى جانب شق الطرق وبناء المرافق الأساسية الداعمة.
ونظرًا لطبيعتها الصخرية والجبلية الوعرة، لا تسمح سمحة بإنشاء مدارج طويلة، ما يرجح استخدامها في مهام الاستطلاع الدوري والسريع أكثر من النقل الثقيل. وبإمكانها استقبال وتشغيل طائرات هيرمس 900، فضلًا عن دعم عمليات الاستطلاع الإلكتروني والمراقبة البحرية.
ويمثل موقع الجزيرة نقطة مثالية لمتابعة الممر البحري الرابط بين خليج عدن وبحر العرب، الذي يمر عبره ما يقارب 12 في المئة من حركة التجارة العالمية.
وبين 25 مارس/ آذار و4 أبريل / نيسان 2025، رصدت صور الأقمار الصناعية ظهور شريط رملي مؤقت على الساحل الغربي للجزيرة، لم يكن موجودًا في صور سابقة اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي”. ويبدو أن هذا الشريط أُنشئ لتصريف مؤقت للمياه البحرية، وهو إجراء شائع في مشاريع البناء العسكرية المعزولة.
خلال هذه الفترة، ظهرت سفينة الإنزال “يونغ ستار”، المسجلة تحت علم جزر القمر بالرقم 1095973، وهي على الأرجح كانت تستخدم لتفريغ المعدات الخاصة بتجهيز المدرج، راسية قبالة الساحل الغربي للجزيرة.
وتشير بيانات تتبع السفن إلى أن “يونغ ستار” تواصل التحرك بشكل دوري بين سمحة وعبد الكوري وسقطرى، مع التوقف في الموانئ اليمنية المجاورة قبل العودة إلى أبوظبي.
كما تم رصد سفن أخرى، بينها “تكريم” و”المبروكة 2”، وهي تتحرك بين الجزيرة الرئيسية لسقطرى وسواحل اليمن وعبد الكوري وبوصاصو، بما يعزز شبكة السيطرة الإماراتية.
ورغم أن جزر عبد الكوري وسمحة وسقطرى تشكل ركائز أساسية في هذه الشبكة من القواعد، إلا أن جزيرة ميون (المعروفة أيضًا باسم بيريم)، البركانية الواقعة في مضيق باب المندب، تمثل الموقع الأكثر استراتيجية.
ويُعرف المضيق بـ”بوابة الدموع” بسبب صخوره البارزة وأمواجه العاتية، وهو يقع بين القرن الإفريقي والطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، حيث يجاوره اليمن من جهة، ومن الجهة الأخرى إريتريا وجيبوتي التي تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية كبرى إلى جانب قوات غربية، بينها البريطانية.
يُعد مضيق باب المندب أحد أبرز الممرات البحرية الحيوية لنقل شحنات الطاقة والبضائع التجارية عالميًا، وقد تأثر بشكل كبير منذ بدء هجمات الحوثيين فيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
ورغم توقيع الولايات المتحدة والحوثيين اتفاقًا في مايو/ أيار من هذا العام أوقف الهجمات، بالإضافة إلى حملات القصف التي كانت تقودها واشنطن في اليمن، لا تزال حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب دون المتوسط اليومي البالغ 72-75 سفينة الذي كان مسجلاً قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
ويتمتع المضيق بأهمية استراتيجية منذ قرون، حتى قبل افتتاح قناة السويس عام 1869؛ إذ سيطرت شركة الهند الشرقية على جزيرة ميون عام 1799، قبل أن تستولي عليها بريطانيا رسميًا في 1858 وتحتفظ بها حتى عام 1967.
ومنذ 2021، برزت تقارير ظهرت تقارير عن بناء “قاعدة جوية غامضة” على ميون، دون أن تعلن أي دولة مسؤوليتها عن المشروع. وأشارت التقارير إلى أن المدرج “يمنح من يسيطر عليه القدرة على بسط النفوذ في المضيق وشن ضربات جوية بسهولة على البر اليمني… كما يوفر قاعدة لأي عمليات في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق إفريقيا القريب.”
وتُظهر صور الأقمار الصناعية من عام 2023 وحتى الوقت الحالي أن مدرج قاعدة ميون الجوية يمتد حاليًا لنحو 1.85 كيلومتر، مائلًا من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي على الساحل الغربي للجزيرة، ومكونًا من سطح مرصوف داكن اللون مناسب للطائرات متوسطة الحجم أو الطائرات المسيّرة الكبيرة وطائرات الاستطلاع المأهولة.
ورغم عدم رصد تغييرات في المدرج خلال عامي 2023 و2024، أظهرت صور عام 2025 تغييرًا واضحًا، ما يشير إلى تنفيذ أعمال تسوية السطح وإعادة الرصف.
تضم القاعدة سلسلة من الحظائر الكبيرة، أكبرها يبلغ طولها 660 مترًا وعرضها 100 متر، وهي قادرة على استيعاب الطائرات المسيّرة وربما طائرات الاستطلاع. وتُظهر صور الأقمار الصناعية أيضًا وجود مرافق سكنية داخل القاعدة، ما يتيح نشر عشرات العسكريين والفنيين.
خطوط المراقبة والإمداد
ترتبط القواعد القائمة على الجزر عبر طرق بحرية، وأنماط بنى تحتية، ومنشآت استخباراتية بالحضور العسكري الإماراتي في بوصاصو وبربرة، وهما ميناءان في منطقتي بونتلاند وأرض الصومال في الصومال.
وقد أدى استخدام هاتين المنطقتين، اللتين تنشط فيهما حركات انفصالية تسعى للانفصال عن الصومال، إلى وضع الإمارات في مواجهة حكومة حسن شيخ محمود في مقديشو.
وفي سبتمبر/أيلول، أفادت مجلة أفريكا كونفيدنشال بوجود “عداء مزمن” بين محمد بن زايد والرئيس الصومالي، مشيرة إلى أن ذلك يعود جزئيًا إلى “الطموحات الإماراتية الهيمنية” في القرن الإفريقي.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن إدارة الإمارات في قاعدة بوصاصو الجوية، المجاورة لمطار بوصاصو الدولي، أنشأت منشأة رادار، ومستودعات ذخيرة محصنة، ومنطقة مخصصة لطائرات النقل الثقيلة من طراز إيل-76، ومستشفى ميداني، وساحة لتخزين المركبات تضم عشرات الشاحنات الصغيرة، وحظائر للطائرات، بالإضافة إلى الحظيرة الأصلية لقوات الشرطة البحرية في بونتلاند.
وكانت قوات الشرطة البحرية في بونتلاند تُدار في البداية من قبل شركة مقرها الإمارات، بما يخالف حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وكانت ترفع تقاريرها مباشرة إلى رئيس بونتلاند، متجاوزة سلطة الحكومة الفيدرالية الصومالية.
وتُظهر صور غوغل إيرث أعمال بناء مكثفة وسريعة على الطرف الشرقي لقاعدة بوصاصو بين يناير/ كانون الثاني2024 ويناير/ كانون الثاني 2025، شُيدت خلالها ثلاث منصات مروحيات، ومجموعة من الحظائر المغلقة الكبيرة القادرة على استيعاب الطائرات المسيّرة، إضافة إلى ساحة عمليات مرصوفة بالكامل متصلة بهذه الحظائر.
كما تُظهر الصور الفضائية للجزء الشمالي من القاعدة ما يبدو أنه رادار فرنسي الصنع من طراز جي إم 403 تديره الإمارات، رغم ورود تقارير تفيد باستخدام نظام إسرائيلي من طراز إي إل إم – 2084 وهو نفسه المستخدم في منظومة “القبة الحديدية”.
ويستطيع كلا النظامين الفرنسي والإسرائيلي تعقب أكثر من ألف طائرة مسيّرة أو طائرة أو صاروخ أو قذيفة مدفعية على مدى يتجاوز 400 كيلومتر، ما يعني في بوصاصو تغطية خليج عدن ومدخل البحر الأحمر.
وفقًا لعدة مصادر سودانية ودبلوماسية ومحلية، تستخدم الإمارات أيضًا قاعدة بوصاصو لنقل الأسلحة والذخائر إلى قوات الدعم السريع في السودان.
وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية وجود طائرات نقل من طراز إيل-76 متوقفة على مدرج بمطار مدني جنوب شرق قاعدة بوصاصو الجوية. كما رُصدت في الصور طائرة هيركوليس سي-130، وهي طائرة نقل عسكرية مخصصة لنقل المعدات الثقيلة.
وفي مطلع 2024، كانت تصل إلى القاعدة ما بين رحلتين إلى ثلاث رحلات يوميًا، بينما بحلول منتصف 2025 انخفضت وتيرة هذه الرحلات إلى حوالي 15 رحلة شهريًا.
ويوم الاثنين الماضي، أظهرت بيانات تتبع الرحلات وصول طائرة بوينغ 737-436 إلى بوصاصو الساعة 8:50 صباحًا بتوقيت غرينتش، قبل أن تعود في رحلتها إلى أبوظبي.
تحالف معقد
يمتد انخراط الإمارات في أرض الصومال، التي تُعد ربما المنطقة ذات الحركة الاستقلالية الأقوى داخل الصومال، إلى عام 2017.
ولتأكيد طموحاتها في تعزيز استقلالية المنطقة، وافقت حكومة أرض الصومال على عرض إماراتي لإنشاء قاعدة عسكرية في بربرة، لتصبح جزءًا من الشبكة التي تربط جزر اليمن بقاعدة بوصاصو.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن القاعدة البحرية في بربرة تحولت بهدوء من مشروع متوقف إلى منشأة شبه مكتملة، تضم بنى تحتية متقدمة تشمل ميناءً عسكريًا حديثًا، ورصيفًا عميق المياه، ومدرجًا للطائرات مزودًا بحظائر ومنشآت دعم متكاملة.
يبلغ طول المدرج في بربرة 4 كيلومترات، ما يجعله قادرًا على استقبال طائرات النقل الثقيلة والمقاتلات الحربية. وقد حول إنشاء هذه المنشآت جميعها بربرة إلى محور استراتيجي مهم إقليميًا.
وفي حزيران/ يونيو، أنهت أبوظبي اتفاقًا لإنشاء خط سكة حديد يربط ميناء أرض الصومال بإثيوبيا، وهو مؤشر إضافي على سيطرتها المتنامية في القرن الإفريقي.
وقال الخبير هرشوي لـ”ميدل إيست آي”: “الواقع الحالي يجمع بين عدة عناصر: آلة الإمارات الدعائية واللوبي غير العادية، واستعدادها للتدخل العسكري في مسارح متعددة، وقدراتها المالية، وتجاهلها التام للأعراف الدولية وقرارات حظر الأسلحة الصادرة عن مجلس الأمن”.
واتفق الدبلوماسي الإسرائيلي بينكاس على أن التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل قائم على تقاطع المصالح الإقليمية مثل “الاستقرار، مكافحة الإرهاب والتطرف، وردع إيران”، لكنه أشار إلى أن العلاقة ليست محصنة من التوترات التي كشف عنها صراع إسرائيل في غزّة وهجماتها على دول عدة منها لبنان وإيران وسوريا واليمن وقطر.
وقال بينكاس لـ”ميدل إيست آي”: “من الناحية النظرية، ما زالت هذه المصالح قائمة، لكن الحرب المستمرة والدمار في غزة، إلى جانب النهج العدواني لإسرائيل، يعقد هذا التحالف العلني”، مضيفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “المتعجرف والمتعالي والذي لا يمكن الوثوق به” ألحق مؤخرًا ضررًا بالعلاقة.
وبينما تدير الإمارات دبلوماسية علنية مع إسرائيل، فإن عملياتها في خليج عدن والبحر الأحمر مستمرة، حيث تتنقل السفن والطائرات بين القواعد التي تشكّل طوق نفوذها، وهو ما يعكس بوضوح حجم طموح هذه المملكة الصغيرة.
المصدر: ميدل إيست آي