بينما يتابع العالم أحوال الطقس وأسعار العملات، يترقب الفلسطيني يوميًا أحوال الطرق، وسؤاله الدائم: “كيف الطريق؟ هل البوابة مغلقة أم مفتوحة؟” سؤال بسيط في ظاهره، ثقيل في واقعه.
بوابة حديدية تذكّر الفلسطيني بأن حريته ليست بيده، بل مرهونة بأوامر وأهواء جندي إسرائيلي يتحكّم بأنفاسه وخطواته. وبكبسة زر قد تعني عبورًا إلى الحياة أو تأجيلًا ليوم آخر، هكذا يُصبح الطريق امتحانًا يوميًا للإرادة وللصبر وللأمل.
مشروع “آلون” وتقسيم الضفة
أشار صلاح الخواجا، مساعد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في حديثه لـ”نون بوست”، إلى أن تقسيم الضفة الغربية بدأ منذ احتلال الأراضي عام 1967، مع إطلاق مشروع “آلون” الإسرائيلي، الذي سعى إلى تقسيم ما تبقى من فلسطين التاريخية إلى سبع ولايات. وقد تضمّن المشروع عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وعزل القدس عن محيطها، والسيطرة على منطقة الأغوار، وتقسيم ما تبقى إلى معازل و”كنتونات”.
وأضاف أن المشروع تطوّر لاحقًا من قبل دائرة في جيش الاحتلال، ليصل إلى تقسيم الضفة إلى 176 كنتونًا، تحوّلت إلى ما يشبه “سجونًا مفتوحة” يُحتجز فيها الفلسطينيون عبر الجدران والمستوطنات والبؤر الرعوية والبوابات الحديدية.
منذ تأسيسها، اعتمدت “إسرائيل” سياسة “تحالف الأقليات” كوسيلة لإضعاف الروابط العربية وتقسيم المنطقة إلى كيانات طائفية منفصلة.. إليك قصة مخطط آلون الذي يسعى #نتنياهو لإحيائه مجددًا في الجنوب السوري #السويداء #الدروز pic.twitter.com/aFSgpoAlDH
— نون بوست (@NoonPost) March 7, 2025
وبيّن الخواجا أن هذه السياسة تعيد إلى الأذهان ما مارسته الأنظمة النازية والفاشية، وكذلك ما قامت به الولايات المتحدة ضد السكان الأصليين، وهي جزء من منظومة تهدف إلى قتل الحياة الفلسطينية وتعطيل قدرة الناس على التخطيط لحياتهم اليومية، عبر الحواجز والبوابات العسكرية المنتشرة.
وأشار إلى أن ما يحدث ليس أمرًا معزولًا، بل يندرج ضمن خطة متكاملة تتقاطع فيها البؤر الاستيطانية والطرق الالتفافية والجدار العازل، لحبس الفلسطينيين في تجمعات مغلقة وضرب آمالهم الوطنية.

وأكد الخواجا أن هذه السياسة تمثّل تطورًا خطيرًا في فرض الأمر الواقع والسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بما في ذلك المناطق المصنفة (ج) بموجب اتفاقية أوسلو، إلى جانب القرى والبلدات والمخيمات. وأشار إلى وجود أكثر من 950 حاجزًا وبوابة عسكرية تخنق المناطق الفلسطينية، فضلًا عن البوابات الحديدية في المناطق المحاذية للبؤر الاستيطانية الرعوية، كما حدث في قرى دير نظام ودير مشعل قرب رام الله، وبيت دجن شرق نابلس، حيث مُنع المزارعون من الوصول إلى أراضيهم، الأمر الذي يعزز مساعي الاحتلال لفرض خارطة جغرافية جديدة تسمح بسيطرة المستوطنين.
وأوضح أن الهدف من هذه السياسات لا يقتصر على السيطرة على أراضٍ مصنفة (ج)، بل يتجاوز ذلك إلى التهجير القسري، كما يحدث في التجمعات البدوية، في محاولة لتجريد الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، لا سيما تلك القريبة من المستوطنات أو من الطرق الالتفافية مثل شارع 60 وشارع آلون. وأضاف أن هذا جزء من نظام فصل عنصري (أبارتهايد) ممنهج، يُعدّ من أسوأ الأنظمة التي عرفتها البشرية.
وفي منشور على منصة “إكس”، أوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد أن ألوان البوابات التي يضعها الاحتلال في الضفة الغربية ترمز إلى درجات مختلفة من القيود:
-
الأصفر: بوابات يُسمح بالمرور منها أحيانًا وبشروط.
-
الأخضر: مرور ممكن لكن بتفتيش مشدد.
-
الأحمر: مغلقة بالكامل وممنوع العبور.
-
الأزرق أو الأسود: بوابات عسكرية مغلقة تمامًا أمام المدنيين.
وفي السياق ذاته، أشار الخواجا إلى أن تلوين البوابات الحديدية يحمل دلالة أمنية وفق تصنيفات جيش الاحتلال، إذ تُستخدم هذه الألوان للتعامل مع ما يُسمى “المناطق الساخنة” أو الخالية من السكان في مناطق (ج). وأضاف أن الاحتلال يتفنن في أساليب الضغط النفسي على الفلسطينيين، ومنها تداول رمزية ألوان البوابات على مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد أن هذه البوابات العسكرية تسهّل الاقتحامات اليومية لكل قرية على حدة، وتفرض تضييقًا متواصلًا على السكان الفلسطينيين، مع احتمال أن تكون مقدمة لعمليات الضم التدريجي عبر الضغط على السكان وتهجيرهم قسريًا وقطع أي أمل في إقامة كيان فلسطيني متصل جغرافيًا.
وشدّد الخواجا على أن الاحتلال يروّج دوليًا بأن الضفة الغربية ليست أرضًا محتلة، بل ما يُسمى “يهودا والسامرة”، مدّعيًا أنه “يحررها” من الفلسطينيين، في انسجام مع الرواية التوراتية الصهيونية. وأكد أن ما يجري ليس صراعًا على حلّ، بل صراع على الوجود، مشددًا على أهمية تعزيز الدعم العالمي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء الاحتلال.
وفي هذا السياق، أعلن وزير المالية الإسرائيلي والوزير المسؤول عن الاستيطان في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، أمام قادة المستوطنين عن مخططه لضم الضفة الغربية إلى “إسرائيل”، وقال بشكل واضح إن هذا ليس ضمًا لأجزاء من الضفة أو للكتل الاستيطانية، ولا حتى ضمًا للمناطق (ج) التي تعادل 60% من مساحة الضفة، بل يشمل ضم 82% من الضفة، أي كامل الضفة تقريبًا باستثناء المدن الفلسطينية الكبرى وضواحيها.
الإمارات تحذر من تنفيذ الاحتلال قرار ضم الضفة الغربية وتغيّر في موقفها المعهود.. فما تفسير تناقض موقفها بين غزة والضفة؟ pic.twitter.com/vnEWEuh1Mn
— نون بوست (@NoonPost) September 5, 2025
وتهدف خطة سموتريتش إلى فرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية ومنع قيام أي كيان سياسي فلسطيني، عبر دعم برامج التهجير الطوعي للفلسطينيين، واستخدام الحسم العسكري ضد من يرفضون الهجرة أو الخضوع لحكم “إسرائيل”. كما تتضمن الخطة العمل على رفع عدد المستوطنين ليصل إلى مليوني مستوطن داخل البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وربط هذه المستوطنات ببعضها البعض من خلال شبكة طرق التفافية.
بين أنياب الاستيطان وأشباح الجدران… سنجل تنزف ببطء
تحاصر خمسة مستوطنات بلدة سنجل على شكل حزام استيطاني ناري (معاليه ليفونه، عيليه، هارواة، جعفات هاروئيه، شيلو)، إضافةً إلى ثلاث بؤر رعوية استيطانية في المناطق الشمالية، ما يزيد من الخناق المفروض على البلدة وسكانها الذين باتوا يتجرعون مرارة الاستيطان صباحًا ومساءً. وتقدَّر مساحة بلدة سنجل بنحو 16 ألف دونم، لا تزيد المساحة المخصَّصة لسكن أهلها ومصدر معاشهم على 5 آلاف دونم فقط، بينما صادَر الاحتلال ما يزيد على 8 آلاف دونم من أراضيها.
ولم يكتفِ الاحتلال بزحف الاستيطان، بل أغلق البلدة بالبوابات الحديدية، وأحكم الطوق عليها بجدران من الأسلاك الشائكة، تلتف حولها كأفعى سامة تنشب أنيابها في خاصرة البلدة لتخنق أنفاس الحياة فيها.
تحدث نائب رئيس بلدية سنجل، بهاء فقهاء، لـ”نون بوست” قائلًا: “بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق مداخل بلدة سنجل بسواتر ترابية وبوابات حديدية على كل من المدخل الشرقي والشمالي للبلدة، وأحاطتها بجدار من الأسلاك الشائكة من الجهة الشرقية بطول 1500 متر وبارتفاع 4 أمتار، بعد استيلائهم على 30 دونمًا من أراضي البلدة واقتلاعهم أشجار الزيتون المعمّرة التي يزيد عمرها على 200 عام، إلى جانب أشجار اللوزيات والتين”.
وأوضح أنه بإقامة هذا الجدار تحوّلت البلدة إلى سجن معزول عن باقي البلدات والقرى المجاورة، ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل أبلغ البلدية بنيته إقامة جدار آخر على الجهة الشمالية من البلدة، على ما يُعرف بشارع نابلس القديم المؤدي إلى مستوطنة معاليه ليفونه، بطول 1200 متر، ما يعني الاستيلاء على 10 دونمات إضافية من أراضي البلدة، وعزلها بالكامل من الجهة الشمالية.
– نفّذت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، واعتقلت أكثر من 100 فلسطيني بعد مداهمة محال تجارية ومنازل وسط المدينة.
– فرضت قوات الاحتلال حظر تجول شامل وأغلقت جميع مداخل المدينة الشرقية والجنوبية، وأجبرت المواطنين على ترك مركباتهم والمشي لمسافات… pic.twitter.com/K82gkkv32r
— نون بوست (@NoonPost) September 12, 2025
أدى بناء جدار الأسلاك الشائكة من الجهة الشرقية إلى فصل 47 منزلًا ملاصقًا لشارع 60 عن البلدة، في مشهد أشبه بمقصلة إعدام تفصل الرأس عن الجسد. ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل كثّف المستوطنون اعتداءاتهم على السكان في محاولة للضغط عليهم لترك منازلهم وأراضيهم بهدف السيطرة عليها.
وبيّن فقهاء أن بلدية سنجل اضطرت، نتيجة هذه الاعتداءات المتكررة، إلى دعوة سكان تلك المنازل، خاصة العائلات التي تضم أطفالًا وذوي احتياجات خاصة، لإخلائها ليلًا والمبيت داخل البلدة، خوفًا من التعرّض لهجمات مفاجئة. وقد استجابت بعض العائلات، في حين رفض آخرون خشية استغلال المستوطنين غيابهم للاستيلاء على المنازل.
واستذكر فقهاء ما جرى عام 2013، حين دهس مستوطن طفلتين أثناء عبورهما شارع 60 بعد خروجهما من المدرسة، ما أدى إلى استشهاد إحداهما وإصابة الأخرى بإعاقة دائمة. ولم يكن ذلك الحادث الوحيد، إذ استشهد مسنّ آخر في حادث دهس مماثل على المدخل الشمالي للبلدة.
كما أفاد فقهاء أن إغلاق البوابات الحديدية لا يُشكّل عقابًا جماعيًا لبلدة سنجل وحدها، بل يمتد أثره إلى جميع القرى الواقعة غربها، إذ إن المدخل الشرقي للبلدة يخدم نحو عشر قرى، من بينها جلجيليا وعبوين وعارورة ومزارع النوباني وغيرها.
وأضاف: “أذكر في بداية العام، أن مسنًا مريضًا يبلغ من العمر 70 عامًا احتاج إلى نقله إلى المستشفى، لكن بسبب إغلاق البوابات اضطررنا لسلوكه عبر طريق طويل يمر بعدة قرى، ما استغرق أكثر من ساعة ونصف، في حين أن الطريق الطبيعي من سنجل إلى رام الله لا يتجاوز 20 دقيقة”. وأشار إلى أن الاحتلال يمنع المواطنين من عبور البوابة حتى سيرًا على الأقدام، إذ يتعرضون للاعتداء من قبل جنوده والمستوطنين.
بين الهوس الأمني ومشاريع الضم… غور الأردن في قلب الأطماع الإسرائيلية القديمة والمتجددة.
📌للإجابة على سؤال لماذا تصر “إسرائيل” على ضم غور #الأردن؟ زر موقعنا الإلكتروني واقرأ التقرير كاملًا 👇https://t.co/mO87zeQKa3 pic.twitter.com/ugvKQS57mo
— نون بوست (@NoonPost) September 29, 2025
وأوضح فقهاء أن الأوضاع الاقتصادية بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ازدادت سوءًا، خاصة بعد منع العمال الفلسطينيين من العمل داخل الأراضي المحتلة. وكنتيجة لذلك، لجأ العديد من أهالي سنجل إلى أراضيهم كمصدر رزق بديل، معتمدين على الزراعة، لا سيما في قطف الزيتون والعنب واللوزيات.
ومع اقتراب موسم قطف الزيتون لهذا العام، أعاد فقهاء التذكير بصعوبة موسم العام الماضي، الذي وصفه بـ”المرعب”، في ظل اعتداءات الاحتلال والمستوطنين ومنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم. ونتيجة لذلك، خسرت البلدة نحو 3000 تنكة زيت زيتون في عام 2024، بحسب قوله.
خسائر بمئات الملايين وساعات تُبدد كل يوم
تشير دراسة صادرة عن معهد الأبحاث التطبيقية – أريج إلى أن الحواجز العسكرية وقيود الحركة تُكلّف الاقتصاد الفلسطيني نحو 60 مليون ساعة عمل سنويًا، ما يُترجم إلى خسائر مالية تُقدَّر بـ270 مليون دولار. كما تؤدي هذه الإغلاقات إلى استهلاك إضافي للوقود يُقدَّر بـ80 مليون لتر سنويًا، بتكلفة تتجاوز 135 مليون دولار.
من جهته، وثّق معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) أثر الحواجز والبوابات الحديدية على الحياة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية. ووفقًا للدراسة، يخسر الفلسطينيون يوميًا 191,146 ساعة عمل نتيجة اضطرارهم لسلوك طرق التفافية طويلة بفعل الحواجز والإغلاقات العسكرية. ويُقدَّر مجموع ساعات العمل المهدورة شهريًا بأكثر من 4.2 مليون ساعة، ما يعادل 526 يوم عمل على مستوى سوق العمل العام.
وفي سياق متصل، غيّرت البوابات الحديدية التي أقامها جيش الاحتلال على مداخل قرية كفر مالك معالمها الجغرافية، وقطّعت أوصالها، إذ فصلت البوابة الأولى بين القرية ومناطقها الزراعية في عين سامية، ما أدى إلى اقتلاع المزارعين من أراضيهم وحرمان البلدة من ينابيعها الطبيعية، والأهالي من متنفسهم الوحيد.
أما البوابة الثانية فقد أغلقت المدخل الرئيسي للقرية، وعزلتها عن القرى المجاورة، ووصفت بأنها “كالسكين في قلب القرية”. بينما أغلقت البوابة الثالثة الطريق الواصل إلى الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون. ومع اقتراب موسم قطف الزيتون، يخشى الأهالي من تعذّر الوصول إلى أراضيهم ما لم يسمح الاحتلال بفتح البوابة، وهو ما يجعل هذا الموسم الأصعب عليهم منذ سنوات.
ماجد معدي، نائب رئيس مجلس قروي كفر مالك، تحدث لـ”نون بوست” عن الأثر المباشر لهذه البوابات على تنقل السكان، قائلاً إن المسافة إلى قرية دير جرير المجاورة، والتي كانت تستغرق دقائق معدودة وتكلّف بضعة شواكل، باتت اليوم تستغرق 15 دقيقة وتكلف 20 شيكلًا.
أما الطريق إلى قرية الطيبة، حيث يدرس عدد من أطفال القرية في مدارسها الخاصة، فقد تضاعف أربع مرات، من 10 دقائق إلى 40 دقيقة يوميًا. وأضاف معدي: “هذا بالنسبة للقرى القريبة، فما بالك برام الله؟ كنا نصلها في ربع ساعة وبتكلفة 8 إلى 10 شواكل، أما اليوم فنقطع مسافة طويلة بين القرى، مرهقة جسديًا ونفسيًا، وتستغرق ساعة كاملة بتكلفة تصل إلى 30 شيكلًا ذهابًا وإيابًا – هذا إذا لم يصادفنا حاجز عسكري”.
وأشار إلى أن الموظفين والتجار والمعلمين والطلاب جميعهم يعانون من هذا الإغلاق، إذ أصبحوا يقطعون يوميًا ما بين 35 و40 كيلومترًا للوصول إلى رام الله، بدلًا من المسافة الأصلية البالغة 16 كيلومترًا فقط. وتابع: “إغلاق المدخل يعني طريقًا أطول، وساعات إضافية من التعب، وتكاليف مواصلات أثقل على كاهل الناس”.
وللتخفيف من المعاناة، بادر أهالي كفر مالك – بدعم من أهالي القرية ومتبرعين من القرى المجاورة – إلى شق طريق بديلة من داخل القرية، لتقليل الوقت والمسافة التي يقطعها السكان يوميًا في تنقلاتهم.
مها أيوب شني، معلمة في مدرسة كفر مالك للبنات، تسكن في مخيم الجلزون، وتعاني يوميًا من القلق والخوف المستمر نتيجة إغلاق المدخل الرئيسي للقرية. فبعد أن كان الطريق إلى مدرستها لا يستغرق أكثر من ربع ساعة، أصبحت الآن تحتاج لأكثر من ساعة للوصول، في رحلة شاقة ومرهقة نفسيًا وجسديًا وماديًا.
هذا الواقع دفعها أحيانًا للتأخر عن دوامها، أو حتى التغيب عن العمل، بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة. تقول مها لـ”نون بوست”: “هذه أصعب سنة مرت عليّ، لدرجة أنني تقدّمت بطلب نقل إلى وزارة التربية والتعليم، لأنتقل إلى مدرسة أقرب إلى مكان سكني. الطريق الطويل الذي أُجبرت على سلوكه يوميًا أرهقني تمامًا، خاصة مع ارتفاع تكلفة المواصلات التي كانت لا تتجاوز 16 شيكلًا ذهابًا وإيابًا، وأصبحت اليوم تتعدى 30 شيكلًا، أي أكثر من 600 شيكل شهريًا. وفي بعض الأيام أتأخر عن عملي في المدرسة وحتى عن أطفالي، بسبب الحواجز الإسرائيلية المفاجئة”.
وتضيف: “في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، وعدم صرف الرواتب كاملة من قبل الحكومة الفلسطينية، أصبح الوضع لا يُطاق. أنا المعيلة الوحيدة لأطفالي بعد وفاة زوجي، ولدي طفل رضيع، وأسكن في مخيم الجلزون الذي يشهد بشكل دائم اقتحامات وتصادمات مع قوات الاحتلال. وعندما أسمع عن اقتحام للمخيم، يتشتت ذهني تمامًا أثناء التدريس، فلا أستطيع التركيز لأن قلبي وعقلي يكونان منشغلين بأطفالي، وكيف سأتمكن من العودة إليهم بسلام”.
أثر إغلاق البوابة الحديدية في ترمسعيا على السكان والخدمات
أكد رئيس بلدية ترمسعيا، لافي أديب شلبي، في حديثه لـ”نون بوست”، أن البوابة الحديدية المُقامة على المدخل الرئيسي للبلدة وإغلاقها المتكرر يُشكّل نوعًا من العقاب الجماعي، لا يطال سكان ترمسعيا وحدهم، بل يمتد أثره إلى جميع سكان الضفة الغربية، حسب قوله.
وأوضح شلبي أن مدخل البلدة يُعد شريانًا حيويًا يربط شمال الضفة بجنوبها، خاصة عند إغلاق الطرق الرئيسية الواصلة بين رام الله والمحافظات الشمالية والجنوبية، الأمر الذي يدفع المواطنين إلى استخدام طريق ترمسعيا كمسار بديل.
وأشار إلى أن إغلاق البوابة يعيق وصول ما بين 300 إلى 400 مريض من مختلف أنحاء الضفة الغربية إلى مستشفى “هوغو تشافيز”، المستشفى الوحيد المتخصص في طب العيون بالضفة، والواقع على مقربة من المدخل.
وأضاف شلبي أن هذا الإغلاق يُجبر المرضى على السير على الأقدام أو سلوك طرق بديلة طويلة بين القرى، فيما يضطر بعضهم إلى استخدام طريق فرعي وعر بجانب البوابة، قد يشكّل خطرًا على حياتهم، خاصة في حال تواجد جنود الاحتلال أو المستوطنين في المنطقة.
وتحدث شلبي عن الاعتداءات المستمرة من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين على البلدة وأهلها، كان آخرها قبل أيام، مشيرًا إلى أن 85% من سكان البلدة يحملون الجنسية الأميركية، ومع ذلك يواجهون اليوم عزلاً تامًا عن محيطهم. ولفت إلى ارتقاء عدد من الشهداء في مواجهات مع الاحتلال ومستوطنيه، من بينهم الطفل الأميركي الفلسطيني عامر سعادة، إضافة إلى إصابة آخرين، في حادثة هزّت الرأي العام المحلي والدولي.
تقترب حكومة الاحتلال من تحويل الضفة الغربية إلى أراضٍ “ذات سيادة إسرائيلية”، وسط صمت أمريكي، مشروع الضم الذي كان مؤجلًا أصبح اليوم على الطاولة، لا كخيار سياسي، بل كمسار وجودي لمحو الدولة الفلسطينية من الجغرافيا.
📍بعد اطلاعك على الشرائح، زر موقعنا الإلكتروني لتفاصيل أكثر 👇… pic.twitter.com/Sft4GSAVI1
— نون بوست (@NoonPost) September 8, 2025
في الختام، أجمع المتحدثون على أن تكثيف إقامة البوابات يهدف إلى إحكام السيطرة على الضفة الغربية وتقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية مترابطة جغرافيًا، وهو جزء من مشروع E1 الرامي إلى فصل جنوب الضفة عن وسطها وشمالها، تمهيدًا لضمها إلى الاحتلال الإسرائيلي وتقطيع أوصالها، وأكدوا أن أي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية لن يغيّر من حقيقة الواقع وما يجري على الأرض، إذ يضرب الاحتلال بعرض الحائط كل المواثيق الدولية، ويُجزّئ الضفة كما لو كانت كعكة إلى أجزاء صغيرة يسهل السيطرة عليها والتحكم فيها.