تحسنت حياة صيادي السمك على ضفاف بحيرة “تنجانييكا” في بوروندي بعد أن اكتشفوا تقنية “التجفيف المرتفع”، والتي أعادت لهم الأمل في الحصول على إيرادات تمكّنهم من مجابهة متطلّبات حياتهم الصعبة.
والتقنية الجديدة هي عبارة عن أسلوب مبتكر من قبل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، حيث انطلقت المبادرة في شهر يوليو/ تموز الماضي، وتمثلت في رفع الأسماك إلى متر واحد فوق سطح الأرض على رفوف معدنية؛ مما أدى إلى تقليص الوقت المخصّص لتجفيف الأسماك من ثلاثة أيام إلى ثمانية ساعات فقط، مما يسمح بحفظ الأسماك بشكل أفضل، ويحسن من جودتها.
وعلاوة على ذلك، مكّنت الطريقة الجديدة من التخفيف من أعباء العمل بالنسبة لمجفّفي السمك في بوروندي، وهو ما انعكس إيجابًا على إيراداتهم، فتضاعفت خلال وقت وجيز.
وأولى تطبيقات هذه التقنية المستحدثة كانت على ضفاف بحيرة “تنجانييكا”، في “مفوغو”، وهي قرية أسّسها الصيادون، وتقع على بعد 102 كم من العاصمة “بوجمبورا”، في بلدية “نيانزت لاك”، التابعة لمقاطعة “ماكامبا”، حيث ترسو يوميًا المئات من الزوارق، والمعروفة محليًا باسم “إيبيب”، على الشاطئ، في انتظار حلول الليل لغزو مياه البحيرة الشهيرة بوفرة الأسماك فيها.
وفي محيط الشاطئ تتناثر البيوت المغطاة بأسقف من البلاط أو من الحديد الذي اعتلاه الصدأ بفعل العوامل الطبيعية والإهمال .. وهناك جعلت وفرة السمك في البحيرة، من الساحل وجهة للصيادين من مختلف الدول، وخاصة من جمهورية الكونغو وتنزانيا وزامبيا، إلى جانب المواطنين البورونديين، الذين تحولت التقنية الجديدة إلى منبع لسعادتهم، صيادين وباعة على حدّ سواء.
“لونجين سيندايهيبورا” صياد وعضو في اتحاد الصيادين في بوروندي، قال للأناضول: “حاليًا، لا نتوقّع خسائر فيما يتعلّق بالسمك، لأنّ الدعامات مغطاة بالقماش المشمّع، كما أنّ وقت التجفيف تقلّص إلى حدّ كبير، وهذا ما يسمح لنا بتجفيف دفعات عديدة من السمك يوميًا”، مشيرًا إلى ما كان الصيادون يلاقونه من مشقة وخسائر في منتوجهم اليومي، قائلاً: “في السابق، كنا نخسر إنتاجنا بشكل شبه كامل، حيث تتسبّب الأمطار في انجراف السمك، بما أنّ الأسماك الفضية (يطلق عليه محليًا اسم نداغالا) تتطلّب التجفيف على الأرض وفوق الرمال، وهو ما جعلها دائمًا عرضة للميكروبات، ويعرّض – بالتالي – صحة المستهلك للخطر”.
وتابع الصياد حديثه قائلاً “عند هطول المطر، تغمر الأخيرة الأسماك، فتتسبّب في تعفنها؛ وتبعا لذلك، كانت خسائرنا هائلة”، مضيفًا: “أمّا الآن، فجودة الأسماك أفضل بكثير، وهي من دون حصى، لأنّها تجفّف في ظروف صحية، كما أنّ المستهلكين لن يجدوا حبات الرمل في الأسماك التي يقتنون .. لقد مكّن هذا المشروع أيضًا من خلق مواطن شغل، فالفقراء استطاعوا الحصول على عمل في تجفيف الأسماك، وعملية سداد أجورهم تكون إما نقدًا أو عينيًا”.
ومن جانبه، رأى منسّق المشروع في منظمة الأغذية والزراعة “بروسبير كيوكو” أنّ هذا الأسلوب الجديد “فعّال للغاية”، موضحًا: “السمك بهذه الطريقة محمي من التلوث، ويتمتّع بأفضل ظروف التهوية بعد تجفيفه، وهذا ما يحافظ على جودته، ويمكن بالتالي من تخزينه لأكثر من ستّة أشهر”، متابعًا: “قبل تطبيق هذه التقنية، كانت مخاطر التلوث والتلف كبيرة جدًا، فالسمك كان من نوعية رديئة، وفترة حفظه الممكنة قصيرة لا تتعدّى الأسبوعين، فيما قدّرت الخسائر بنحو 15٪ من إجمالي الإنتاج”.
وكمثال على ذلك، استحضر “كيوكو” وضعية مقارنة شملت فترة سابقة، قائلاً: “في العام 2000، قدّرت الخسائر بنحو 3 آلاف طن، من أصل إنتاج إجمالي في السنة يناهز الـ20 ألف طن، وهو ما شكّل خسارة كان يمكن للبلاد تجنّبها، وضمّها إلى قائمة الأرباح، لكن ومع تقنية التجفيف الحديثة، فقد انخفضت خسائر ما بعد الصيد بشكل ملحوظ لصالح جودة وتوافر الأسماك على المدى الطويل”.