أُعلنت مساء البارحة نتائج الانتخابات البرلمانية السورية الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد، وسط متابعة إقليمية ودولية حذرة. ورغم الجدل الواسع الذي سبق هذه الانتخابات، حول أطر الإشراف وآلية الاختيار، فإن ما جرى يمثل لحظة سياسية مفصلية تشكّل اختبارًا فعليًا لقدرة السلطة الانتقالية على إدارة عملية سياسية مفتوحة على احتمالات عديدة.
مما يلفت في هذه الدورة الانتخابية، طبيعة بعض الترشيحات غير المسبوقة التي ظهرت ضمن القوائم المعلنة. أبرزها ترشّح السيدة غدير محمد مرعي، وهي أول امرأة منقبة تترشح رسميًا لعضوية مجلس الشعب، ما أثار نقاشًا حول حدود الانفتاح الجديد في الحياة العامة. كذلك ترشح هنري حمرة، رجل أعمال يهودي، وهو أول مرشح يهودي لمجلس الشعب منذ نحو سبعين عامًا.
وعلى الرغم من ارتفاع نسب الترشّح بين النساء إلا أنه لم يُسجّل أي فوز نسائي في محافظات حلب ودمشق وريف دمشق، ما يثير تساؤلات جادة حول فعالية التمثيل النسائي وآليات اختيار القوائم الفائزة، خاصة في مناطق يفترض أنها شهدت تحوّلات اجتماعية كبيرة منذ عام 2011.
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن لجنة الإشراف العليا، فقد تم انتخاب 180 عضوًا في المجلس الجديد، على أن يستكمل رئيس الجمهورية أحمد الشرع تعيين 70 عضوًا إضافيًا وفقًا للصلاحيات المنصوص عليها في الدستور الانتقالي، ليصل عدد أعضاء المجلس إلى 250 نائبًا. ومن المتوقع أن تشكل التعيينات القادمة فارقًا كبيرًا، كونها سترسم ملامح التوازن النهائي داخل البرلمان.
كيف تمت العملية الانتخابية؟
اعتمدت عملية الانتخابات البرلمانية السورية على مجموعة من الإجراءات القانونية والتنظيمية الجديدة، صيغت في أطر إعادة بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطنين بعد عقود من الانغلاق السياسي، حيث شكّلت اللجنة العليا للانتخابات لجانًا فرعية في مختلف المحافظات تولّت مهمة الإشراف على الخطوات الإجرائية الأساسية، من تحديد آلية الترشّح والفرز، إلى اعتماد القوائم النهائية.
وكان من أبرز ملامح العملية، اعتماد نموذج الهيئات الناخبة بدلًا من الاقتراع العام المباشر، وهو ما فُسّر من قبل اللجنة بأنه حل مرحلي يناسب الظروف اللوجستية والديمغرافية التي تمر بها البلاد. حيث تنافس 1578 مرشحًا، منهم نحو 14% من النساء.
وتكوّنت الهيئات الناخبة من أفراد تم اختيارهم من بين المتقدّمين للترشّح لعضويتها، تمهيدًا لتشكيلها رسميًا لتتولى لاحقًا مهمة انتخاب أعضاء مجلس الشعب. ووفقًا للنظام المعتمد، كان لكل عضو في الهيئة الناخبة الحق في الترشّح لعضوية مجلس الشعب، بالإضافة إلى التصويت لاختيار من يمثله. وقد فتحت اللجنة باب الترشّح لهذه الهيئات أمام جميع المواطنين الذين تتوافر فيهم الشروط القانونية، مع تحديد عدد مقاعد مخصص لكل محافظة.
واعتمدت اللجنة العليا للانتخابات في ذلك على إحصائيات السكان والتقسيمات الإدارية المنصوص عليها في قانون الإدارة المحلية رقم 1378 لعام 2011، لتقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية، وتحديد عدد النواب الممثلين لكل منطقة. وكان لكل دائرة عدد محدد من المرشحين المطلوب انتخابهم، وفقًا لحجمها السكاني، دون النظر إلى الانتماءات السياسية أو الحزبية، في ظل غياب قوانين تنظم العمل الحزبي بعد انهيار النظام البعثي.
كما تم اتباع آلية رسمية للاعتراض وتقديم الطعون، خضعت خلالها ملفات جميع أعضاء الهيئة الناخبة لمراجعة دقيقة. وقد أفضت هذه الآلية إلى استبعاد عشرات المرشحين بعد التحقق من وجود أدلة موثقة تُثبت عدم استيفائهم للمعايير والشروط المنصوص عليها في النظام الانتخابي. وسجّلت محافظة حمص أعلى عدد من الطعون على مستوى البلاد، بواقع 50 طعنًا. وقد فُتح باب الطعون لمدة 3 أيام، حيث كان قبول الطعون مشروط بتقديم أدلة قانونية واضحة.
أما بالنسبة للثلث غير المنتخب من المجلس، والذي سيتم تعيينه مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، فقد أوضح نوار نجمة، عضو اللجنة القانونية العليا، أن هذا التعيين “سيكون مستندًا إلى نتائج انتخاب الثلثين الآخرين، بهدف تحقيق توازن في التمثيل، وضمان مشاركة أوسع للفئات المجتمعية المهمشة، لا سيما النساء، وأبناء المناطق التي تعذّر فيها إجراء انتخابات كاملة، بسبب الظروف الأمنية أو اللوجستية”.
من هم أبرز النواب الجدد؟
أفرزت نتائج الانتخابات تركيبة من النواب الجدد عكست تغيرات اجتماعية في بعض المناطق. ورغم غياب القوائم الحزبية بسبب غياب قانون الأحزاب، جاءت القوائم الفائزة لتضم مزيجًا من رجال الأعمال، والناشطين المحليين، إلى جانب ممثلين عن منظمات مدنية ظهرت بعد عام 2011.
دائرة درعا: نزار عبد الرزاق الرشدان، عبد الرحمن خالد الحريري، عدنان أحمد المسالمة.
دائرة حلب: عزام خانجي، عبد الكريم عكيدي، مهيدي عيسى، عبد القادر خوجة، علي الجاسم، عارف رزوق، عقيل حسين، تمام لودعمي، محمود مصطفى السيد، عبد العزيز مغربي، محمد رامز كورج، عمار طاووز، بشر حاوي، احمد حريري. دائرة عفرين: رنكين محمد عبدو، شيخ سعيد زاده، محمد سيدو سيدو.
دائرة دمشق: حسان نذير الشيخة، رضوان محمد السبيناتي، عدنان محمد جمال الدين الخطيب، عمار أسامة شرقطلي، محمد باسل محي الدين هيلم، محمد سعدي سكرية، محمد عامر الحلبي، محمد وسام زغلول، نزار يونس المدني، هشام حسني الأفيوني.
دائرة دير الزور: عامر البشير، خالد الخلف، فجر السالم، أكرم العسّاف، أحمد شلاش.
دائرة البوكمال: محمود العويص 50 صوت، أمير الدندل 44 صوتاً، أسامة العساف 42 صوت.
دائرة حمص: وضاح نجيب رجب، قتيبة أحمد العيسى، ناصر محمد عيد المحيميد، كنان محمد لبيب النحاس، عبد الله محمد خالد غنوم، نور جندلي، محمد وليد الباكير، نادر محمد راتب صنوفي.
دائرة ريف دمشق ويبرود: محمد سليمان الدحلا، محمد عزام حيدر، حسان أحمد سيف الدين عطايا.
دائرة اللاذقية: سامر دوران قره علي، رولا عبدالله داية، جمال عبدالرحمن مكيس.
دائرة إدلب: حسام الدين دبيس، مازن أحمد غزال، عبد الرزاق أسعد عوض.
قراءة سياسية للانتخابات
تتباين القراءات حول الدلالات السياسية لنتائج هذه الانتخابات وموقعها ضمن مسار التحوّل السوري الراهن. فبين من رأى فيها خطوة تأسيسية نحو بناء حياة سياسية جديدة، ومن اعتبرها إعادة إنتاج للسلطة القديمة بوجوه مختلفة، يُحسب للسلطة الانتقالية نجاحها في تنظيم انتخابات اتسمت بدرجة من الانضباط والإدارة الجيدة، قياسًا إلى الواقع الديمغرافي المعقّد الذي تعيشه البلاد.
غير أن هذه الانتخابات، كما تشير الدكتورة رهف الدغلي، الأكاديمية والباحثة في سياسات الشرق الأوسط، لا يمكن قراءتها بمعزل عن البنية العميقة للسلطة في سوريا. تقول الدغلي للجزيرة:
“الانتخابات السورية الحالية تُعدّ من الناحية الإجرائية خطوة إلى الأمام، لكنها من حيث الجوهر تمثل نموذجًا لما يمكن وصفه بـ الانتخابات الهجينة — انتقائية في مضمونها، هرمية في بنيتها — إذ تتيح هامشًا محدودًا من التعدد، لكنها تبقي السيطرة في يد المركز. ومع ذلك، فهي تُشكّل الخطوة الأولى، وإن كانت حذرة، نحو تحقيق توافقات سياسية واجتماعية داخل سوريا.”

وتضيف الدغلي أن الخطاب الرسمي الذي رافق العملية الانتخابية بدا ناقصًا في بعده الرمزي، موضحةً أنه “كان من الضروري أن تتضمّن الدعوات الرسمية للانتخابات إشارات أو دعوات صريحة إلى مناطق شمال شرق وجنوب سوريا، حتى وإن كانت تلك الدعوات ستُقابل بالرفض. فالقيمة السياسية في مثل هذه الخطوات تكمن في الرسالة، لا في النتيجة، وفي الإيحاء بأن سوريا الجديدة تسعى لأن تشمل جميع أبنائها بلا استثناء.”
في المحصلة، تعكس هذه الانتخابات، بكل ما شابها من قراءات، بداية مرحلة سياسية جديدة أكثر منها نهاية حقبة سابقة. ورغم أن المجلس الجديد لا يغيّر جوهر توازنات القوة، فإنه يفتح بابًا لعودة السياسة إلى الفضاء العام ولو بحدود ضيقة، وهي عودة كانت ضربًا من الخيال قبل عام.
ومن هنا تبرز أهمية الدور المنوط بهذا المجلس في إدارة المرحلة الانتقالية وترسيخ قواعد العمل السياسي الجديد. إذ تبلغ مدة ولايته ثلاثين شهرًا قابلة للتجديد، ضمن مرحلة انتقالية تمتد لأربع سنوات، مع احتمال تمديدها سنة إضافية عند الحاجة. ويُناط به دور تشريعي واسع يشمل اقتراح القوانين وإقرارها، وتعديل أو إلغاء التشريعات السابقة، والمصادقة على المعاهدات الدولية، وإقرار الموازنة العامة والعفو العام.
غير أن المهمة الأبرز لهذا المجلس تكمن في تشكيل لجنة إعداد الدستور الدائم، الذي يُفترض أن يُعرض على استفتاء عام حين تتوفر الظروف الأمنية لضمان مشاركة جميع السوريين. حيث ستجرى على أساسه، انتخابات برلمانية ومحلية ورئاسية إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من الشرعية الدستورية.