كل صفقة لتبادل الأسرى تحمل في طيّاتها بوابة أملٍ كبرى لمئات العائلات الفلسطينية التي اكتوت بنار الفقد والحرمان، بفعل سياسات السجن والقهر الإسرائيلية التي سعت على الدوام إلى كسر إرادة المناضلين وصهر الوعي الجمعي الفلسطيني، عبر تحويل الأسرى إلى رموزٍ للمعاناة بدلًا من أن يكونوا رموزًا للحرية.
لكن ما لا يُدركه الاحتلال، أن كل صفقة تبادل تأتي لتُكذّب روايته من جديد؛ فهي لا تُعيد فقط الأسرى إلى بيوتهم، بل تُعيد الروح إلى فكرة المقاومة، وتُعيد الاعتبار للإنسان الفلسطيني بوصفه قادرًا على قلب موازين القوة بالإرادة لا بالسلاح وحده.
لقد شكّلت صفقات التبادل عبر التاريخ الفلسطيني الخرق الفعلي لجدران القهر الإسرائيلية، وكسرت معادلة القتل البطيء التي حاول الاحتلال أن يفرضها داخل السجون، فالحركة الأسيرة الفلسطينية، التي حوّلت الزنازين إلى مناراتٍ للتعبئة الوطنية والثقافية والفكرية، أثبتت أن السجن لا يطفئ الفكرة، بل يصقلها. ومع كل عملية تحرير تُفرض بالقوة، يتجدد المعنى الحقيقي للإرادة الفلسطينية: إرادة لا تعرف الانكسار.
في هذا السياق، يبرز اسم الأسير نادر صدقة “السامري” بوصفه حالة استثنائية في تاريخ الحركة الأسيرة، فالرجل الذي جمع بين الانتماء الوطني العميق والأصل الديني السامري، تحوّل في نظر الاحتلال إلى خطٍ أحمر لا يُسمح بتجاوزه، إذ رفضت إسرائيل إطلاق سراحه في أكثر من صفقة سابقة، من صفقة “وفاء الأحرار” إلى الدفعات الأولى من “طوفان الأحرار”، خشية أن يتحوّل إلى رمزٍ ينسف جوهر سرديتها العنصرية، ويُظهر للعالم أن الشعب الفلسطيني، بكل مكوناته الدينية والاجتماعية، يقف كتلةً واحدةً في مواجهة الاحتلال وعدوانه.
اليوم، وبعد أكثر من عقدين من الأسر، يقف نادر صدقة على أعتاب لحظةٍ جديدة من تاريخه النضالي، موعدٍ مع الحرية التي طال انتظارها، ومرحلةٍ جديدة من النضال خارج القضبان، يواصل فيها الدفاع عن قضيته وعن هويةٍ فلسطينيةٍ واحدةٍ لا تنكسر، لا في السجن، ولا في الجبل، ولا على حدود الوطن الأسير.
المولد والنشأة
وُلد نادر صدقة عام 1977 في مدينة نابلس، على سفح جبل جرزيم المهيب، حيث تتعانق الذاكرة الدينية بالتاريخ الإنساني، وتختلط بقايا الحضارات القديمة برائحة الأرض التي لم تهدأ يومًا.
هناك، على الجبل الذي يراه السامريون مقرًّا لمذبح إسحاق ومقام الأسباط الاثني عشر، كبر الفتى الذي سيحمل لاحقًا لقب “السامري”، لا لانتمائه فقط إلى طائفةٍ صغيرةٍ لا يتجاوز عددها الألف، بل لانتمائه الأعمق إلى فلسطين كلها، بإنسانها وترابها وتاريخها.
نشأ نادر في بيئةٍ متجذّرة في أصالتها الفلسطينية رغم خصوصيتها الدينية، ودرس المرحلة الابتدائية في مدرسة ابن الهيثم في نابلس، وأكمل الثانوية في مدرسة الملك طلال، قبل أن يلتحق بجامعة النجاح الوطنية، حيث درس لنيل درجة البكالوريوس في التاريخ وعلم الآثار، تخصصٍ يعكس شغفه بفهم تاريخ المكان الذي يعيش فيه، وتوثيق جذور الانتماء التي حاول الاحتلال محوها.
في سنوات دراسته، برز نادر كأحد النشطاء البارزين في صفوف الحركة الطلابية المناهضة للاحتلال، وكان من أوائل المشاركين في فعاليات انتفاضة الحجارة. هناك، تشكّلت ملامح وعيه الوطني، وصار يُنظر إليه كصوتٍ جريء بين أبناء جيله، يجمع بين ثقافةٍ رصينة وروحٍ متمرّدة على الظلم.
أما الطائفة السامرية التي ينتمي إليها، فهي طائفة دينية فلسطينية تُعدّ من أقدم الجماعات في المنطقة، وتختلف في عقيدتها عن اليهود الآخرين باعتقادها أن جبل جرزيم هو المكان المقدّس وليس القدس. يحتفظ السامريون بأقدم نسخة معروفة من التوراة، تُقدّر بنحو 3646 سنة عبرية، وتُشكّل جزءًا من الذاكرة الروحية لتاريخ فلسطين المتعدد والمترابط.
من دراسة التاريخ إلى صناعته
من بين أروقة جامعة النجاح الوطنية، حيث درس نادر صدقة التاريخ والآثار، بدأ الوعي السياسي لديه يتبلور ويأخذ شكله الثوري، إذ لم تكن دراسته للتاريخ مجرّد اهتمام أكاديمي بالماضي، بل كانت نافذة لفهم الحاضر، وجسرًا نحو الفعل المقاوم.
في ساحات الجامعة، انتقل من النضال العفوي إلى العمل المنظّم، فانخرط في صفوف جبهة العمل الطلابي التقدمية، الإطار الطلابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ليصبح من أبرز نشطائها وأكثرهم تأثيرًا بين زملائه.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، غادر نادر مقاعد الدراسة إلى ميادين المواجهة، فالتحق بالجبهة الشعبية عضوًا فاعلًا، قبل أن يصبح خلال فترةٍ قصيرة قائدًا لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى في مدينة نابلس، الجناح العسكري للجبهة. جمع بين الوعي الفكري والانضباط الثوري والشجاعة الميدانية، فكان عنوانًا لجيلٍ جديد من المقاتلين الذين حملوا فكر اليسار الفلسطيني بلغة الرصاص والفعل المقاوم.
لكن طريق البطولة كان محفوفًا بالخطر؛ فبعد انكشاف أمر مجموعته، أصبح نادر ورفاقه مطاردين من قبل الاحتلال الإسرائيلي لما يقارب العامين. عايش خلالهما قسوة المطاردة والاختباء، وشهد استشهاد رفاقه المقرّبين: يامن فرج، أمجد مليطات (أبو وطن)، جبريل عواد، وفادي حنني، وغيرهم من أبناء الكتائب الذين صاروا أيقونات للانتفاضة.
كان يغيّر أماكنه باستمرار، يعيش على الحافة بين الحياة والشهادة، إلى أن داهمت قوات الاحتلال مخيم العين في 17 أغسطس/آب 2004، واعتقلته بعد عمليةٍ عسكريةٍ معقّدة.
مسمع صوتي يعود إلى المناسبة بالصورة – نابلس ، يناير عام 2004 – أربعين الشهداء القادة في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى : فادي حنيني و جبريل عواد ، و رفيقهم الذي ثأر لدمهم بعد أربعة أيام من اغتيالهم الشهيد سائد حنني .
المتحدث هو القائد في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الأسير نادر صدقة . pic.twitter.com/qFy6cUo97P— نجلاء . (@Gredtoo) July 8, 2024
في أقبية مركز تحقيق “بيتاح تكفا” سيّئ السمعة، واجه نادر أقسى صنوف التعذيب النفسي والجسدي، لكنه لم يعترف بشيءٍ رغم شهورٍ من التحقيق القاسي، وأظهر صمودًا استثنائيًا جعل المحقّقين أنفسهم يصفونه بـ”الصخرة”، قبل أن تُصدر المحكمة العسكرية حكمها القاسي عليه: ستة مؤبدات، بعد أن وجّهت له النيابة لائحة اتهام طويلة تضمنت 35 بندًا، من بينها التخطيط لهجمات على حواجز عسكرية إسرائيلية، أبرزها حاجز الحمرا في غور الأردن الذي قُتل فيه جنديّان إسرائيليان.
“السامري الشرير”: حين تتحوّل الهوية إلى مقاومة
منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، لم يكن نادر صدقة أسيرًا عاديًا في نظر الاحتلال الإسرائيلي، بل “السامري الشرير” الذي كسَر الصورة النمطية لطائفةٍ حاولت إسرائيل طيلة عقودٍ أن تُبقيها على هامش الصراع، وأن تُقدّمها كنموذجٍ للطاعة والتعايش. لكن نادر، السامري الذي آمن بفلسطين قبل كل شيء، قلب المعادلة، فصار هدفًا لانتقامٍ مضاعف: لأنه مقاوم، ولأنه سامري.
بعد مطاردةٍ طويلة، وقع نادر في قبضة الاحتلال، لتبدأ مرحلة جديدة من الانتقام الإسرائيلي الممنهج. خلال محاكمته، رفض الوقوف للقاضي، فكان المشهد كاشفًا لصلابته؛ إذ حين صدر الحكم الأول بالسجن أربع مؤبدات، ردّ نادر على القاضي بشتيمةٍ غاضبة، فما كان من الأخير إلّا أن ضاعف العقوبة إلى ست مؤبدات و45 عامًا، في مشهدٍ يختزل عنف الاحتلال وغطرسته.
يحكي والده، صدقة، بين حرقةٍ وفخر، أن ابنه لم يُظهر ضعفًا لحظةً واحدة، ولم يطلب عفوًا، رغم إدراكه أن عقوبته صُمّمت لتكون “عبرةً لكل سامريٍ يفكّر بالتمرد”.
لم يكتفِ الاحتلال بالحكم القاسي، فعزله لاحقًا في زنزانةٍ انفرادية بعد اتهامه بتلقّي رسالة من الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ومنذ ذلك الحين، تعاملت السلطات الإسرائيلية مع نادر وكأنه حالةٌ شاذة يجب سحقها قبل أن تتحوّل إلى مثالٍ يُحتذى. بل رفضت كل الوساطات التي تقدّمت بها شخصياتٌ سامرية لإطلاق سراحه، وواصلت رفض الإفراج عنه في صفقة “وفاء الأحرار” (شاليط)، ثم في الدفعات الأولى من صفقات “طوفان الأحرار” خلال الحرب على غزة.
وراء هذا الرفض بعدٌ أعمق من مجرد انتقامٍ شخصي؛ فهو مرتبط بمحاولة الاحتلال منع ولادة “نموذجٍ مقاومٍ سامري” يمكن أن يُربك الحسابات الأمنية الإسرائيلية، ويكسر الجدار الرمزي الذي رسمته حول الطائفة السامرية، تلك الطائفة التي تعيش فوق جبل جرزيم وتُحاصر بحاجزٍ عسكريٍّ لا يُسمح بتجاوزه إلّا بإذنٍ خاص، يُفتح في السابعة صباحًا ويُغلق في السابعة مساءً، ليعزلهم فعليًا عن محيطهم الفلسطيني في نابلس.
رغم كل ذلك، ظلّ السامريون يعتبرون أنفسهم فلسطينيين أصلاء، عاشوا بين أهالي نابلس، وتشاركوا معهم الأسواق والعادات واللغة، حتى أن لهجتهم نابلْسية بامتياز، ويحمل بعضهم الهوية الإسرائيلية والجنسية الأردنية في آنٍ واحد، ورفضوا التخلي عن الجنسية الفلسطينية، لكنهم لم يتخلّوا عن انتمائهم الوطني، بل عبّروا في أكثر من مناسبة عن قناعتهم بأن لا سلام دون دولةٍ فلسطينيةٍ حرة.
تاريخيًا، يُعدّ السامريون من أقدم الطوائف الدينية في العالم، ويعتبرون أنفسهم الامتداد الحقيقي لبني إسرائيل القدماء، من نسل أسباط لاوي ومنسّى وأفرايم، وهم يرون في جبل جرزيم قبلتهم الأبدية ومقرّ إيمانهم الأول، لا القدس. لذلك، يخوض الاحتلال منذ سنواتٍ حربًا ناعمةً لطمس معالم هذا الجبل الذي يحجّون إليه، عبر التنقيب عن آثاره ومحاولة نسبتها للتاريخ اليهودي الحديث.
يبلغ عدد السامريين اليوم نحو 785 نسمة، يقيم نصفهم تقريبًا على جبل جرزيم قرب نابلس، والنصف الآخر في منطقة حولون داخل فلسطين المحتلة. وعلى صِغر عددهم، شكّلوا حالة تماسكٍ اجتماعيٍّ وثقافيٍّ لافتة، تجمع بين اللغة العربية والعبرية القديمة، والتواصل الإنساني الوثيق مع محيطهم الفلسطيني.
لكن حالة نادر صدقة تظلّ استثنائية، فهي المرآة التي تعكس عمق التناقض في السلوك الإسرائيلي؛ نظامٌ يزعم حماية الأقليات، لكنه لا يحتمل أن ينبثق من داخلها صوتٌ مقاوم. وهكذا، صار “السامري الشرير” في روايتهم، هو ذاته “السامري النبيل” في وجدان شعبه.
مفكر خلف القضبان: حين تتحول الزنزانة إلى منبرٍ للوعي
داخل جدران السجن الصامتة، لم يختر نادر صدقة أن يكون مجرّد رقمٍ في سجلات الاحتلال، بل اختار أن يكون صوتًا للعقل والمقاومة في آنٍ واحد. ومع مرور السنوات، صار يُعرف بين الأسرى بلقب “المفكر”، فهو الأسير الذي جمع بين عمق الفكر ودقة المعرفة وصلابة الموقف.
منذ لحظاته الأولى خلف القضبان، استثمر نادر خلفيته الأكاديمية في التاريخ والآثار، وشغفه بالقراءة، ليحوّل زنزانته إلى ورشةٍ فكريةٍ مفتوحة، يحاضر فيها رفاقه عن تاريخ فلسطين، جذور الصراع، وتحوّلات الحركة الوطنية. إذ لم يكن التعليم بالنسبة له ترفًا، بل فعل مقاومةٍ متواصل ضد محاولات الاحتلال لتجهيل وطمس وعي الأسرى.
عرفه رفاقه مثقفًا واسع الأفق، منفتحًا على الحوار، متقبّلًا للاختلاف، يُجالس الأسرى من مختلف الفصائل الفلسطينية دون تعصّبٍ أو تحزّب، يؤمن أن الوحدة داخل الأسر مقدّمةٌ للحرية خارجه. وبرغم أحكامه العالية، ظلّ يحتفظ بروحٍ مرِحةٍ وحيويةٍ تُخفّف عن رفاقه وطأة السجن، حتى صار حضوره بين الأسرى مصدر طاقةٍ وصبرٍ وثقةٍ بالمستقبل.
شارك نادر في جميع الإضرابات الجماعية للأسرى، وكان في كثيرٍ من الأحيان منسّقًا ميدانيًّا داخل الأقسام، مستخدمًا إتقانه للغة العبرية في الدفاع عن حقوق الأسرى أمام إدارة السجون، وفي تفنيد مزاعم السجّانين ومطالبهم. هذه القدرة جعلته صوتًا قويًا ومهابًا داخل السجن، لا يُجيد فقط المواجهة الجسدية، بل المواجهة الفكرية أيضًا.
لم تُطفئ سنوات العزلة والحرمان جذوة الأمل لديه، ورغم رفض الاحتلال المتكرّر إدراجه في صفقات التبادل، ظلّ نادر موقنًا أن الحرية قادمة، وأن الزمن وحده هو ما يفصل الأسرى عن فجرهم المنتظر.
كان يقول لرفاقه إن “الحرية ليست هبةً من أحد، بل حقيقةٌ مؤجّلة لا بد أن تأتي”، ويؤمن أن كسر القيود مسألةُ وقتٍ لا أكثر. لم تتوقف رسالته عند حدود الجدران؛ فقد نُشرت له مقالاتٌ سياسية وتحليلاتٌ فكرية في صحفٍ ومواقعَ فلسطينية، تُظهر عمق إدراكه للمشهد الوطني وتمسّكه بالموقف الثابت من الاحتلال ورفض التطبيع، كما ساهم برسوماتٍ ونصوصٍ أُدرجت في كتبٍ كتبها زملاؤه الأسرى وجرى تهريبها من داخل السجون، ليبقى أثره حاضرًا في كل ما يُخلّده الفكر المقاوم.
وهكذا، تجاوز نادر صدقة حدود الزنزانة الضيقة، ليصبح رمزًا للأسير المفكّر والمثقّف الحرّ، الذي آمن بأن الوعي هو سلاح المقاومة الأول، وأن كل صفحةٍ تُكتب خلف القضبان هي جبهةٌ أخرى في معركة التحرر.
حين يفتح الأمل أبواب الحديد
بعد أكثر من عشرين عامًا خلف القضبان، بقي نادر صدقة يقف على بوابة الأمل، ثابتًا كما عرفه رفاقه دائمًا، مؤمنًا بأن الشمس التي تغرب خلف أسوار السجون ستشرق يومًا عليه وعلى جميع الأسرى. لم تكسر العزلة إرادته، بل صقلته التجربة الطويلة ليصبح صوتًا للحياة داخل جدران الموت البطيء.
يرى نادر في الحرية حقًّا لا يُمنح، بل يُنتزع، ولطالما آمن بأن كل صفقة تبادل هي ترجمةٌ عملية للإرادة الفلسطينية، وليست منّةً من أحد، ولهذا بقي متفائلًا رغم تجاهله في الصفقة تلو الأخرى، مقتنعًا بأن زمن القيد مهما طال فمصيره الانكسار.
تعيش عائلته على الجبل ذاته الذي شهد طفولته، جبل جرزيم، تتطلع من أعلاه نحو الأفق الذي يربط نابلس بالسماء، تنتظر اليوم الذي يُفتح فيه الباب الحديدي الكبير، ليعود إليهم ابنهم الذي صار رمزًا لجيلٍ لم يعرف الراحة، ولم يساوم على انتمائه.
في كل صفقة تبادل أو خبرٍ عن مفاوضاتٍ جديدة، تتجدد في بيت صدقة شعلةُ الأمل، وتُعاد الحياة إلى الصور المعلّقة على الجدران، ويبدو أن هذا الانتظار الطويل يقترب من نهايته في صفقة “طوفان الأحرار”، التي ستفتح الطريق أمام تحرّره بعد سنواتٍ من الصمود والحرمان.
ومع ذلك، تُظهر المعطيات أن الاحتلال سيمنع نادر من العودة إلى جبل جرزيم بقرار إبعادٍ قسري، في محاولةٍ لطمس رمزيته وقطع الصلة بينه وبين المكان الذي شكّل جزءًا من هويته الوجودية.
لكن مهما حاول الاحتلال أن يُطفئ هذه الرمزية، سيبقى نادر عنوانًا للفلسطيني الأصيل المتمسّك بهويته الوطنية، ورمزًا لتماسك هذه الهوية التي جمعت الفلسطينيين من مختلف المكونات والطوائف، في الجبل والسهل والساحل، من المسلمين والمسيحيين واليهود الفلسطينيين الذين انتموا إلى هذه الأرض قبل أن يُشوّه الاحتلال معاني الانتماء والديانة.
نادر صدقة لم يكن مجرد أسير، بل روايةٌ كاملة عن الإنسان الفلسطيني الذي واجه المستحيل بالإيمان، وواجه السجّان بالفكر، وحوّل الألم إلى مدرسةٍ للتحدي، وعندما يخرج من السجن، وإن أُبعد عن الجبل، سيظلّ رمزًا للثبات الوطني، شاهدًا على أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بأقل من أرضه كاملةً، حرّةً، ومستقلةً، من البحر إلى النهر، ومن الجرح إلى الفجر.