ترجمة وتحرير: نون بوست
تواجه المحكمة الجنائية الدولية المزيد من التدقيق بشأن تعاملها مع شكوى ضد المدعي العام كريم خان تتعلق بسوء سلوك جنسي. ويكشف موقع “ميدل إيست آي” أن المرأة التي قدمت الشكوى كانت على اتصال بمسؤول رفيع في الهيئة الإدارية للمحكمة، قبل أن تأمر الهيئة بإجراء تحقيق خارجي في هذه المزاعم تشرف عليه الأمم المتحدة.
وتفيد معلومات “ميدل إيست آي” أن المرأة التي قدمت الشكوى ضد خان التقت بمارغريتا كاسانغانا، نائبة رئيس جمعية الدول الأطراف، وهي الهيئة الرقابية للمحكمة، لمناقشة القضية قبل أن تتخذ قيادة الجمعية قرارًا بإحالة التحقيق إلى مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة.
وقد أثار القرار الذي صدر في أواخر عام 2024 بإحالة القضية علنًا إلى مكتب الأمم المتحدة، جدلًا واسعًا، وسط مخاوف من أن خان قد حُرم من حقه في الإجراءات القانونية الواجبة وحقه في الخصوصية أثناء التحقيق في المزاعم.
ومن المرجح أن تثير تفاصيل اللقاءات غير التقليدية التي جمعت كاسانغانا بالمرأة المدعية قبل بدء هذا الإجراء مزيدًا من التساؤلات حول التحقيق الجاري.
ولم تكن كاسانغانا، السفيرة البولندية لدى هولندا، قد ردّت على طلب “ميدل إيست آي” للتعليق حتى وقت نشر التقرير.
عندما سُئلت عمّا إذا كانت قد تحدثت على انفراد مع كاسانغانا، امتنعت المدعية عن التعليق على الأمر، وقالت إنها “سعت إلى المساءلة وطلبت إجراء تحقيق مستقل ومحايد عبر القنوات المؤسسية الرسمية والملائمة، بما في ذلك جمعية الدول الأطراف”.
يأتي ذلك في وقت تكشف فيه “ميدل إيست آي” أيضًا عن تفاصيل شكاوى قُدّمت إلى جمعية الدول الأطراف، تتهم عضوًا آخر في مكتب القيادة بسلوك “متهور” و”منحاز”، وذلك بعد ظهور تسجيل صوتي يُظهرها وهي تدلي بتعليقات فاحشة عن المرأة التي قدمت الشكوى ضد خان، بدت فيها وكأنها تفترض مسبقًا إدانته.
تم تقديم الشكوى في رسالة وصلت الشهر الماضي إلى رئيسة الجمعية، بايفي كاوكورانتا، من منتدى لمسؤولي أعمال أفارقة، أفاد أنه تلقى التسجيل من أحد المبلغين عن المخالفات.
مخاوف عميقة بشأن التحقيق
تتعلق الرسالة التي اطّلع عليها “ميدل إيست آي” بتصريحات أدلت بها ميريام بلاك، سفيرة أوغندا لدى كل من هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والاتحاد الأوروبي، وعضو في مكتب جمعية الدول الأطراف.
وفي مكالمة هاتفية مسجّلة، استمع إليها “ميدل إيست آي”، زعمت بلاك أن كريم خان سارع في تقديم طلبات إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين على خلفية الحرب في غزة، بهدف الادعاء لاحقًا بأنه كان ضحية “فخ جنسي” بعد ظهور الاتهامات ضده.
هذا الادعاء الذي يربط بين مذكرات التوقيف والاتهامات الموجهة إلى كريم خان، والذي سبق أن طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تم دحضه على نطاق واسع خلال الأشهر الماضية.
وفي رسالة موجّهة إلى بايفي كاوكورانتا بتاريخ 20 سبتمبر/ أيلول، قال منتدى الأعمال الأفريقي “إنه يشعر بقلق عميق” بشأن التحقيق في قضية خان، مشيرا إلى تصريحات بلاك كدليل على أن إدانته كانت “محسومة مسبقًا”.
وقال المنتدى إن سلوك بلاك “لا يقتصر على تقويض شرعية التحقيق، بل يهدد أيضًا بتحويل العملية برمتها إلى مجرد ستار لقرار تم اتخاذه مسبقًا”.
لم تكن بلاك قد ردّت على طلبات التعليق حتى وقت نشر التقرير.
وفي رسالته، وصف منتدى الأعمال الإفريقي نفسه بأنه “هيئة قارية تدافع عن الحوكمة الرشيدة وسيادة القانون والاستقرار الذي تعتمد عليه التنمية الاقتصادية في أفريقيا”، وأكد أنه يعتبر المحكمة الجنائية الدولية “مؤسسة محورية للعدالة الدولية”.
يُذكر أن خان في إجازة منذ منتصف مايو/ أيار، في انتظار نتائج تحقيق مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة.
”فاتنة وجميلة جدًا“
في المكالمة الهاتفية التي جرت مع مسؤول أوغندي خلال صيف عام 2025، قالت بلاك: “أعتقد أن [خان] قد لا يعود. بصراحة، أعتقد أنه قد لا يعود.” وأضافت أن المكتب لا يزال “ينتظر” تقرير مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة.
وفي تعليقات يبدو أنها كانت تهدف إلى استفزازها، سأل المسؤول بلاك عمّا إذا كانت قضية المُشتكية مرتبطة بضغط تمارسه الولايات المتحدة وإسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية. وأشار إلى ما وصفه بـ”الترهيب الأمريكي للمحكمة الجنائية الدولية”، وتطرّق إلى “نفوذ إسرائيل” في أوروبا.
وكان كريم خان والمحكمة الجنائية الدولية قد تعرضا لحملة منسّقة على خلفية التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، حيث فُرضت عقوبات أمريكية على المدعي العام في فبراير/ شباط الماضي.
وتساءل المسؤول: “كيف يمكننا أن نثق في أن هذه المرأة لم يتم شراؤها.. لتوجّه اتهامات ضد المدعي العام؟”.
ردّت بلاك قائلة: “لا، لا، لا. آسفة، انسَ الأمر، حسنًا؟ نحن جميعًا نعرف هذا، نعرفها، تلك الفتاة الصغيرة. إنها فاتنة، جميلة للغاية. أعتقد أنه سيكون من الصعب على أي رجل أن يقاوم…”.
فقاطعها المسؤول، مازحًا على ما يبدو: “حتى أنا؟ حتى أنا، المسلم المتشدد؟”، فأجابت بلاك ضاحكة: “خصوصًا أنت”.
سألها المسؤول مرة أخرى عمّا إذا كانت المُشتكية، التي يُعتقد أنها في الثلاثينيات من عمرها، “قد زُرعت عمدًا”، فقالت بلاك: “قطعًا لا، قطعًا لا. لا، لا، لا”.
“سلوك متهور ومنحاز”
واصلت بلاك حديثها مدعية أن خان استخدم مذكرات التوقيف ضد نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك، يوآف غالانت، لصرف الأنظار عن الاتهامات الموجهة إليه.
لكن، كما سبق أن أفاد موقع “ميدل إيست آي”، فإن قرار المدعي العام بالتقدم بطلبات إصدار المذكرات جاء قبل ستة أسابيع من ظهور الاتهامات ضده في أواخر أبريل/ نيسان.
وعندما تساءل المسؤول الآخر عمّا إذا كان خان قد وقع ضحية “فخ جنسي”، ردّت بلاك: “أعلم، الفخ الجنسي سهل جدًا، لكن هذا ما حدث، هذا ما حدث – وكما ترى، لقد كان ذكيًا جدًا، صديقنا كريم خان، المدعي العام. لقد كان ذكيًا جدًا”.
وأضافت بلاك: “لأنه كان يعلم أن سيف ديموقليس مسلطا فوق رأسه، لأنها كانت قد تحدّثت، وبعض الأشخاص الآخرين كانوا.. يقرعون الجرس”.
وتابعت: “لذلك، سارع فعليًا إلى إصدار مذكرات التوقيف حتى يتمكن من استخدام ما كنت تشير إليه كذريعة، لقد كان ذكيًا جدًا… حتى يتمكن لاحقًا من القول إنه وقع في فخ جنسي”.
في رسالته إلى بايفي كاوكورانتا، أشار منتدى الأعمال الإفريقي إلى تصريحات بلاك في المكالمة الهاتفية كدليل على أن أعضاء مكتب جمعية الدول الأطراف قد “تعرّضوا للاختراق”.
ووصف المنتدى تصريحاتها بأنها “متهورة ومنحازة وتدمّر مبدأ براءة المتهم حتى تثبت الإدانة”. وأضافت الرسالة: “لدينا أسباب تدفعنا للاعتقاد بأن مشاعر مماثلة قد عبّرت عنها بلاك أمام أعضاء آخرين في المكتب وأفراد من السلك الدبلوماسي.. مثل هذا السلوك لا يقتصر على تقويض شرعية التحقيق، بل يهدد أيضًا بتحويل العملية برمتها إلى مجرد ستار لقرار تم اتخاذه مسبقًا”.
وطالب المنتدى في رسالته باستبعاد بلاك من “أي اجتماعات للمكتب أو جمعية الدول الأطراف تتعلق بالمدعي العام خان”، وبإجراء “تحقيق مستقل في جميع الإحاطات والاتصالات التي عبّرت فيها السفيرة بلاك عن آراء منحازة أو ناقشت فيها التحقيق المتعلق بخان”.
ودعا المنتدى إلى “تقييم شفاف حول ما إذا كنتِ شخصيا، بصفتك الرئيسة، أو نائبة الرئيس مارغريتا كاسانغانا، أو نائب الرئيس مايكل عمران كانو، قد تأثرتم بحملات منحازة مماثلة، بما يهدد قدرتكم على أداء مسؤولياتكم بنزاهة”.
تدخّل على أعلى مستوى
أُثيرت مخاوف بشأن التحقيق هذا الأسبوع أيضًا في بيان صادر عن رابطة المحامين الأفارقة، وهي منظمة مقرها نيجيريا تمثل المحامين في القارة الأفريقية، أدانت فيه ما وصفته بـ”جهد منسّق لتشويه سمعة خان، والتلاعب بإجراءات التحقيق، وتقويض استقلالية المحكمة نفسها”.
وقالت الجمعية، مشيرة إلى المكالمة الهاتفية المسجّلة: “إذا كان أعضاء الرئاسة والمكتب يتواصلون مع المُشتكين أو يتبنون آراء مسبقة، فإن ذلك يُعدّ تدخّلًا على أعلى مستوى من الخطورة وخيانة مباشرة لمهامهم”.
هناك قلق واسع النطاق داخل المحكمة الجنائية الدولية بشأن الطريقة التي تعاملت بها المحكمة وهيئة الرقابة مع مزاعم سوء السلوك الموجهة ضد كريم خان.
وأفادت مصادر لـ”ميدل إيست آي” أن مكتب جمعية الدول الأطراف رفض التواصل المباشر مع محامي خان.
قال أحد القضاة السابقين في المحكمة الجنائية الدولية لـ”ميدل إيست آي” في أغسطس/ آب إنه “منزعج بشدة، بل مصدوم من الطريقة التي يبدو أن الإجراءات ضد كريم خان تتطور بها”.
وأعرب كونو تارفوسر، الذي شغل منصب قاضٍ في المحكمة بين عامي 2009 و2020، عن قلقه بشكل خاص من قيام رئيسة جمعية الدول الأطراف، بايفي كاوكورانتا، بتسمية خان علنا كموضوع للشكوى، في خرق واضح لحقه في الخصوصية.
وقال تارفوسر: “لم يسبق أن انتهك رئيس للجمعية السرية بنشر اسم مسؤول منتخب يخضع للتحقيق”.
وقع ذلك في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عندما بدأ حساب مجهول على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) بتداول تفاصيل الاتهامات بحق خان، وأرسل مصدر مجهول معلومات عن الاتهامات إلى صحفيين عبر البريد الإلكتروني.
وأكدت كوكورانتا حينها أن الادعاءات قد تم تقديمها، وأعلنت أن الشكوى مقدمة ضد خان، في خطوة غير تقليدية أثارت ضجة إعلامية واسعة.
وينفي خان بشدة المزاعم الموجهة ضده، وقد أُغلق تحقيقان داخليان في المحكمة بشأن الشكاوى بعد أن أعلنت المرأة التي اتهمته أنها لن تتعاون مع التحقيق.
المصدر: ميدل إيست آي