مع إنجاز المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، عاد إلى الواجهة ملف جثامين الأسرى الإسرائيليين المحتجزة، والذي تحوّل إلى أحد أبرز بنود النقاش السياسي والإعلامي الدولي.
ورغم الزخم الكبير الذي يحظى به هذا الملف في المحافل الدولية، يظلّ الجرح الفلسطيني الأكثر عمقًا والأطول نزفًا –المتمثّل في احتجاز الاحتلال الإسرائيلي لجثامين مئات الشهداء الفلسطينيين– خارج دائرة الاهتمام، رغم كونه جريمة متواصلة ترتكبها إسرائيل منذ عقود، بغطاء قانوني وقرارات حكومية تُشرعن نهج العقاب الجماعي.
تُمارس هذه السياسة في ظروفٍ مأساوية، حيث يُحتجز جزء من الشهداء في مقابر الأرقام، وآخرون في ثلاجات الموتى، في انتهاكٍ صارخ لكرامة الإنسان وحقّ ذويه في وداعٍ لائق ودفنٍ كريم. ومع الحرب المستمرة على غزة واتساع رقعة الاستهداف، تصاعدت أعداد الجثامين المحتجزة لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعل هذا الملف أحد أكثر القضايا إلحاحًا في الوجدان الفلسطيني.
في ضوء ذلك، أجرى “نون بوست” هذا الحوار مع الأستاذ حسين شجاعية، منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين، للحديث عن خلفيات القضية التاريخية والسياسية والقانونية، وآليات عمل الحملة في التوثيق والمتابعة القانونية، والمستجدات الميدانية والدبلوماسية المتعلقة بالملف في ظل الحرب وصفقة التبادل، إلى جانب التحديات التقنية والإنسانية التي تواجه الجهود الفلسطينية في التعرّف على رفات الشهداء وتحرير الجثامين المحتجزة، ضمن مسار وطني طويل يسعى لإعادة الكرامة لمن حُرموا حتى من حقهم الأخير في الوداع.
تُعدّ قضية الجثامين المحتجزة من أكثر القضايا حساسية في السياق الفلسطيني، فهي جرح مفتوح لآلاف العائلات، وتمتد جذورها لعقود سابقة، انتهج فيها الاحتلال هذه السياسة كأداة عقابية. حبّذا لو حدثتنا عن هذا السياق التاريخي؟
سياق احتجاز جثامين الشهداء والتحكّم في مراسم الجنازات يعود إلى فترة قيام دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، بل وحتى قبل ذلك. فقد بدأت أولى الممارسات من هذا النوع في عهد الانتداب البريطاني، حين خُوِّل الحاكم العسكري صلاحيات واسعة تُمكّنه من التحكّم في شكل الجنازات، وعدد المشاركين فيها، وأماكن الدفن، وسائر التفاصيل ذات الصلة.
ومن أشهر تلك الحالات، ما جرى مع جثامين شهداء الثلاثاء الحمراء الذين أُعدموا في عكا، حيث تم دفنهم في مقبرة المدينة بعيدًا عن عائلاتهم وبلداتهم الأصلية.
اعتمد الاحتلال الإسرائيلي لاحقًا على قانون الطوارئ البريطاني كأساس قانوني لسياسة احتجاز جثامين الشهداء، وجرى تكييف هذا القانون بقرارات من “الكابينت” الإسرائيلي تُجيز رسميًا احتجاز الجثامين.
مرت هذه السياسة بمراحل من الصعود والهبوط، لكنها شهدت ذروتها خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى)، حين بدأ الاحتلال باحتجاز جثامين منفذي العمليات الفدائية. ثم توقفت السياسة عام 2008، قبل أن تعود مجددًا عام 2015 مع هبّة القدس، إثر قرارات جديدة لـ”الكابينت” الإسرائيلي هدفت إلى كبح الهبّة الشعبية عبر إجراءات عقابية جماعية شملت هدم المنازل، واحتجاز الجثامين، وفرض قيود على الجنازات.
ومنذ ذلك الحين، عادت هذه السياسة للتصاعد بشكل كبير، حتى بلغت ذروتها خلال العامين الأخيرين.
كيف وُلدت حملتكم التي شكّلت استجابةً لحاجةٍ فلسطينيةٍ مُلحّة لمتابعة هذه القضية الحساسة، ووضع أسس علمية ومنهجية وقواعد وطنية للتعامل معها؟ وهل لاقت الدعم المطلوب بما يوازي حجم حساسية الملف؟
وُلدت الحملة من الحاجة الفعلية إلى عمل منظَّم ومؤسَّس في هذا المجال. ففي عام 2008، توجّهت عائلة الشهيد مشهور العاروري –الذي كان جثمانه محتجزًا لدى الاحتلال– إلى مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، الذي بادر إلى إثارة هذه القضية، ومن هناك انطلقت الباكورة الأولى لعمل الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء.
بدأت الخطوة الأولى بعملية توثيق شاملة لحالات الجثامين المحتجزة، وهي مهمة كانت شاقة للغاية في ظل غياب أي توثيق فلسطيني رسمي أو أهلي سابق بهذا الخصوص.
عملت الحملة على تنظيم زيارات ميدانية لعائلات الشهداء، ومراسلة الأحزاب والفصائل، ونشر إعلانات في الصحف لجمع المعلومات، بهدف تنفيذ أول عملية توثيق منظمة لجثامين الشهداء المحتجزة. وقد ضمّت القائمة الأولى نحو 380 حالة موثقة تمكّنت الحملة من رصدها في بداياتها.
ومن خلال هذا التوثيق، انتقلت الحملة إلى العمل القانوني، عبر رفع مطالبات قانونية للإفراج عن الجثامين، وحققت في هذا المسار نجاحات مهمة، أُتيح خلالها لعدد من العائلات استعادة جثامين أبنائها بعد سنوات طويلة من الاحتجاز.
لقد حظيت الحملة بدعم وإسناد من جهات عديدة، إذ شكّلت استجابةً وطنيةً حقيقيةً لحاجةٍ ماسّة إلى جهةٍ تتبنّى هذه القضية. وهكذا تلاقت الحاجة مع المبادرة، وتوفّر الدعم الذي مكّن الحملة من الانطلاق بفاعلية.
أما بخصوص الدعم المطلوب والمتوقّع، فيمكن القول إن حجم الملف يفوق الإمكانات المتاحة، فبرغم الإنجازات الكبيرة في مجالات التوثيق، واستعادة الجثامين، وتدويل القضية، فإن الدعم لا يزال أقل بكثير من حجم المعاناة والجهد المطلوب، إذ تحتاج هذه القضية إلى تكاتف وطني شامل حتى نصل إلى اليوم الذي نتمكّن فيه من تحرير جميع الجثامين المحتجزة ودفنها بما يليق بكرامة الشهداء وأهاليهم.
هل لكم تعاون مع مؤسسات حقوقية فلسطينية وعربية؟ وما حدود وطبيعة علاقاتكم الدولية؟ وهل هناك تصوّر لتدويل هذه القضية وتحويلها إلى أحد ملفات ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟
نحن نحاول قدر الإمكان التعاون مع جميع المؤسسات ذات العلاقة بهذا الملف، وعلى رأسها مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية التي شاركنا معها في عمليات التوثيق والمتابعة القانونية، فبحكم التوزّع الجغرافي لحالات احتجاز الجثامين –بين الضفة الغربية والقدس، والداخل المحتل عام 1948، وقطاع غزة– كان من الضروري نسج شبكة تعاون واسعة مع مؤسسات عاملة في هذه المناطق.
فعلى سبيل المثال، عملنا مباشرة في الضفة الغربية والقدس، وفي الداخل المحتل عملنا مع مؤسسة عدالة، بينما كان التعاون في قطاع غزة مع مركز الميزان لحقوق الإنسان، وكان هذا التنسيق مثمرًا ومهمًا من أجل توثيق الحالات ومتابعتها قانونيًا على نحو شامل ومنهجي.
أما على الصعيد الدولي، فنحن نعمل بشكل دوري على مراسلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والمقرّرين الخاصين في الأمم المتحدة، والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لبيان موقف الاحتلال وسياساته الممنهجة في احتجاز جثامين الشهداء. إلا أن المؤسف أن كثيرًا من هذه المؤسسات تتعامل مع القضايا الفلسطينية بمعايير مزدوجة، وتنظر إليها بعين مختلفة مقارنة بما يجري في مناطق أخرى من العالم.
إلى جانب الجهود الأهلية، هناك أيضًا جهود رسمية فلسطينية في هذا السياق. فقد صدر قرار من مجلس الوزراء الفلسطيني بتشكيل لجنة خاصة لتدويل القضية، تضم في عضويتها وزارة الخارجية ووزارة العدل، وتعمل هذه اللجنة على توجيه السفارات الفلسطينية لتكثيف التحرك الدولي لتعريف العالم بهذه القضية، إلى جانب متابعة الملف أمام محكمة الجنايات الدولية، وتقديم مذكرات قانونية بهدف فتح تحقيق في جريمة احتجاز جثامين الشهداء ومساءلة المسؤولين الإسرائيليين عنها.
ما هي الآليات التي تعملون بها؟ وكيف توثّقون الحالات وتتابعونها؟ وما هي آخر الإحصائيات الموثقة حول الجثامين المحتجزة؟
الآلية التي نعمل بها تقوم على المتابعة الميدانية الدقيقة لكل حالة استشهاد تقع في الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق الـ48. ومن خلال هذه المتابعة، نرصد ما إذا كان جثمان الشهيد قد أُفرج عنه أم تم احتجازه من قبل الاحتلال.
في حال تأكّد احتجاز الجثمان، نتواصل مباشرة مع عائلة الشهيد، ونقوم بزيارتهم لجمع كافة المعلومات والوثائق القانونية اللازمة التي تُمكّننا من البدء بالإجراءات القانونية. وتشمل هذه الأوراق بيانات هوية الشهيد، وتفاصيل الاستشهاد، والتقارير الطبية ذات الصلة. هذه الإجراءات تتبعها أيضًا جميع المؤسسات العاملة معنا في هذا الملف لضمان توحيد الجهود القانونية.
أما من الناحية القانونية، فهناك تدرّج في المتابعة يبدأ بالمراسلات مع الجهات الإسرائيلية ذات الصلة، مثل الجيش والشرطة والقائد العسكري، وفي بعض الحالات نلجأ إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية لتقديم التماسات قانونية للمطالبة بالإفراج عن الجثمان.
فيما يخص الإحصائيات، فإننا نُميّز بين نوعين من البيانات:
الإحصائيات الموثقة رسميًا لدى الحملة والمؤسسات الشريكة، وتشمل كافة التفاصيل المتعلقة بكل شهيد –كظروف الاستشهاد وتاريخه ومكان الاحتجاز. ووفق هذه البيانات، لدينا حتى الآن 735 جثمانًا محتجزًا لدى الاحتلال، موزّعين بين مقابر الأرقام وثلاجات الاحتلال. ومن بين هؤلاء:
-
86 شهيدًا من شهداء الحركة الأسيرة.
-
67 طفلًا تقل أعمارهم عن 18 عامًا.
-
10 شهيدات من النساء الفلسطينيات.
القسم الآخر من الجثامين، وهي الحالات غير الموثقة بشكل كامل بسبب غياب التفاصيل أو حجب المعلومات، خصوصًا في قطاع غزة، ويُرجَّح أن بعض هذه الجثامين مدفون في مقابر الأرقام، إلا أن التحقّق الكامل لا يزال صعبًا نظرًا لسياسة التعتيم الإسرائيلية.
أما في قطاع غزة تحديدًا، فمنذ اندلاع الحرب الأخيرة، هناك مئات الشهداء المحتجزين في معسكر “سديه تمان”، وقد رفض الاحتلال تقديم أي معلومات رسمية حولهم. وتشير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إلى وجود أكثر من 1500 جثمان محتجز في برادات ضخمة داخل المعسكر، في ظروف غير إنسانية، حيث بدأ بعضها بالتحلّل، وبعضها الآخر مبتور الأطراف.
الاحتلال جمع هذه الجثامين بعد أن تُركت لأيام في الطرقات والشوارع ومحيط غزة خلال الأيام الأولى من الحرب، في مشهد يُجسّد أبشع صور انتهاك الكرامة الإنسانية.
مع التوسّع الكبير في عملية احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين خلال الحرب على قطاع غزة، هل وسّعتم نطاق عملكم والأدوات التي تستخدمونها بما يوازي هذا القدر من الزيادة؟
التوسّع الكبير في احتجاز جثامين الشهداء خلال الحرب على قطاع غزة، للأسف، قلّل كثيرًا من فرص العمل القانوني، إذ جرى ربط هذا الملف بالملف السياسي المتعلق بصفقة تبادل الأسرى، وبالتحديد إعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع.
وبناءً على ذلك، أصبحت المحاكم الإسرائيلية ترفض التعامل القانوني مع هذا الملف في الوقت الراهن، بدعوى أن معالجته مرتبطة بالمسار السياسي وليس القضائي، رغم أن مئات الشهداء الذين يحتجز الاحتلال جثامينهم قُتلوا قبل الحرب، ولا علاقة لهم بوجود أسرى إسرائيليين في غزة، سواء أكانوا أحياء أم قتلى.
في المقابل، سعت الحملة إلى توسيع نطاق عملها في مجال المناصرة الدولية، من خلال التواصل مع مؤسسات تضامن وحركات طلابية وحقوقية حول العالم، إذ أرسلنا رسائل إلى متضامنين في مناطق متعددة، وكان هناك تجاوب ملحوظ وتصاعد في حجم التضامن الدولي.
ومن النماذج اللافتة، ما جرى في أمريكا الجنوبية والشمالية، حيث تواصلنا مع مجموعات طلابية كانت تطالب بقطع العلاقات مع جامعة تل أبيب، وقدمنا لها وثائق تؤكد تورّط معهد “أبو كبير” التابع لجامعة تل أبيب في سياسة احتجاز جثامين الشهداء، وهو ما ساهم في تسليط الضوء على هذه الجريمة أمام الرأي العام الدولي.
أما على المستوى القانوني، فاستمر عملنا رغم الصعوبات، إلا أننا واجهنا جدارًا من القرارات العسكرية وحالة الطوارئ التي فرضها الاحتلال، والتي حدّت من قدرة المؤسسات الحقوقية على التحرّك. كما أن الاحتلال وسّع من نطاق سياسة الاحتجاز لتشمل فئات جديدة، إذ بدأ باحتجاز جثامين شهداء من فلسطينيي الداخل المحتل (حملة الجنسية الإسرائيلية)، رغم أنهم لم يكونوا مشمولين بهذه السياسة سابقًا.
اليوم لدينا توثيق لـ12 جثمانًا محتجزًا لشهداء من الداخل الفلسطيني المحتل، من بينهم المناضل الفلسطيني وليد دقة، الذي استُشهد داخل سجون الاحتلال، وما زال جثمانه حتى الآن محتجزًا في تحدٍّ صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية.
مع وجود بندٍ ضمن صفقة التبادل خاصٍّ بتبادل الجثامين، هل هناك تواصل بينكم وبين أيٍّ من الأطراف المنخرطة في العملية التفاوضية أو المؤسسات ذات العلاقة من أجل التنسيق في هذا الملف؟ وهل تتوفّر لديكم معطيات حول الآليات المفترضة؟
فيما يتعلّق بصفقة التبادل، فإننا في الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، وبصفتنا الجهة التي تتولى توثيق حالات احتجاز الجثامين، قمنا بإتاحة كامل قاعدة البيانات والتوثيقات المتوفّرة لدينا للجهات الفلسطينية الرسمية المنخرطة في العملية التفاوضية، وذلك عبر قنوات رسمية ومباشرة.
تتضمن هذه القواعد جميع التفاصيل الدقيقة حول الشهداء المحتجزين، بما في ذلك الأسماء، والأرقام، وتواريخ الاستشهاد، ومواقع الاحتجاز، بهدف تسهيل أي عملية تبادل محتملة أو تفاوض بشأن الجثامين.
أما بخصوص المعطيات حول الآليات المفترضة، فالمعلومات المتوفّرة لدينا هي ذات المعلومات المتاحة في الفضاء العام، والتي وردت في الخطة الأمريكية، ووفق ما نُشر، فإن البند المتعلّق بتبادل الجثامين ينصّ على الإفراج عن 15 شهيدًا فلسطينيًا محتجزًا مقابل كل جثّة إسرائيلية يتم استعادتها من قطاع غزة ضمن إطار الصفقة.
هل هناك مطالب محددة ترى الحملة أنها مُلحّة في السياق الفلسطيني لإخضاع هذا الملف لمعالجات جديّة وحقيقية؟ وهل يحتاج الفلسطينيون إلى أجهزة ومعدات خاصة تكون موجودة بشكل دائم للمساعدة في التعرّف على الرفات والجثامين؟
الحملة اليوم أصبحت أكثر إلحاحًا وأهمية في السياق الفلسطيني، خصوصًا بعد ما فرضته حرب الإبادة على قطاع غزة من تحديات كبيرة وغير مسبوقة في هذا الملف، فنحن أمام مشوار طويل ومعقّد لتوثيق جثامين الشهداء والتعرّف عليها، سواء تلك التي سيتم استردادها ضمن صفقة التبادل، أو الجثامين التي أُعيدت خلال الحرب ولم يُتعرّف على أصحابها.
فقد أُعيدت خلال الحرب جثامين نحو 500 شهيد، ودُفنوا في مقابر جماعية دون التمكّن من تحديد هوياتهم، وهذا يفرض علينا اليوم إعادة فتح هذه المقابر وأخذ عينات فحص DNA ومقارنتها مع فحوصات عائلات المفقودين التي أبلغت عن فقدان أبنائها، للوصول إلى تطابقات تُحدّد هويات الشهداء المدفونين أو أولئك الذين قد يُستردّون لاحقًا ضمن صفقات التبادل.
لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن فلسطين لا تمتلك حتى الآن الإمكانيات التقنية لإجراء فحوصات الحمض النووي DNA، وهو ما يجعلنا بحاجة ماسّة إلى معدات وأجهزة متخصصة، وإلى كوادر فنية مدرّبة تعمل في هذا المجال بشكل دائم.
هذه الجهود تتطلّب تكاتف كل الجهات الفلسطينية، ودعمًا دوليًا حقيقيًا من المؤسسات الإنسانية والحقوقية، نظرًا لأن عملية التعرّف على الرفات هي عملية طويلة ومعقّدة، كما تُظهر تجارب دولية مشابهة استغرقت فيها الجهات المعنية سنوات طويلة لتحديد هوية الضحايا والمفقودين.
نحن إذن أمام تحدٍّ وطني وإنساني كبير، لا يقتصر على التعرّف على الجثامين فحسب، بل يمتدّ إلى كشف مصير المفقودين وتحديد هويات الشهداء الذين لم يُعرف مصيرهم بعد، تمهيدًا لبدء نضال قانوني وشعبي ودولي للمطالبة بالإفراج عن بقيّة الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال.
ومن المهم الإشارة إلى أنه بعد انتهاء هذه الحرب، لن يبقى لدى الفلسطينيين أي جثث لإسرائيليين محتجزين، في حين سيبقى الاحتلال يحتجز مئات الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام والثلاجات، وهو ما يُبرز حجم اللاعدالة والتناقض الإنساني الذي يفرضه هذا الواقع.