ترجمة وتحرير: نون بوست
على مدى 29 شهرًا، وقف المجتمع الدولي متفرجًا على الصراع في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، في ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وفي شمال دارفور، تبدو الأوضاع كارثية للغاية. تحاصر قوات الدعم السريع منذ 18 شهرًا أكثر من 400 ألف شخص في مدينة الفاشر، عاصمة الولاية، بينما تتعرض شاحنات الإغاثة التي تحاول الدخول لغارات منتظمة بالطائرات المسيّرة.
ومع ذلك، لم يتطرق أي من قادة العالم خلال الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة إلى الحصار الشامل المفروض على الفاشر. هناك نظام على وجه الخصوص يعرقل الجهود الدولية لإنهاء هذا الحصار، وهو النظام الذي يستفيد أكثر من غيره من سيطرة قوات الدعم السريع: دولة الإمارات العربية المتحدة.
حسب أحد التقارير، كانت الإمارات العضو الوحيد في المجموعة “الرباعية”، وهي مجموعة غير رسمية لتسوية النزاعات، الذي عرقل التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحصار أو حتى إدانة الهجوم الأخير الذي شنّته قوات الدعم السريع على أحد المساجد وأسفر عن مقتل 75 من المصلّين. وقد نفت الإمارات هذه الاتهامات، بما في ذلك مزاعم تزويدها لقوات الدعم السريع بالأسلحة والمعدات العسكرية، رغم وجود أدلة موثّقة على صحة هذه الادعاءات.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة تدفقًا هائلًا للأسلحة إلى قوات الدعم السريع، تزامن مع تصعيد في الهجمات على مدينة الفاشر. ولا جدال حول ما ستفعله قوات الدعم السريع إذا دخلت المدينة، حيث ستقوم بارتكاب مجازر بحق السكان غير العرب الذين يعيشون بالأساس في ظل المجاعة. أما حجم الضحايا المحتمل، فهو يفوق التصوّر، إذ إن نحو نصف مليون شخص ما زالوا في المدينة يواجهون خطر الموت جوعًا ويعيشون على أعلاف الحيوانات.
بعد عام من اندلاع النزاع، أصدرنا في مركز راؤول والنبرغ لحقوق الإنسان تحقيقًا مستقلًا شارك فيه نخبة من الخبراء، خلص إلى أن قوات الدعم السريع ترتكب إبادة جماعية بحق المجتمعات غير العربية في دارفور، وعلى وجه الخصوص قبيلة المساليت.
وقد وثّق تحقيقنا كيف يُعبّر مقاتلو قوات الدعم السريع بشكل منهجي عن نيتهم في القضاء على المجموعات غير العربية باستخدام ألفاظ عنصرية خالية من الإنسانية، ويستهدفون الضحايا بناءً على هويتهم. ومن بين أمثلة لا تُحصى، أكد أحد الناجين أنه قيل له: “لو كنت من المساليت، فقد قررنا ألّا نُبقي أحدًا حيًّا، حتى الأطفال”.
وفي عام 2023، فرضت قوات الدعم السريع حصارًا على مدينة الجنينة في غرب دارفور وهاجمتها، مستهدفةً بشكل مباشر مجتمع المساليت، ما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 15,000 شخص. وفي أبريل/ نيسان من العام الجاري، وأثناء توجهها نحو الفاشر، اقتحمت قوات الدعم السريع أكبر مخيم للنازحين في السودان، وكرّرت الفظائع ذاتها، فارتكبت مجازر راح ضحيتها أكثر من 1,500 شخص، وشرّدت قسرًا أكثر من 400,000. وقد رأى الناجون أن هدف قوات الدعم السريع هو “إبادتهم”.
واليوم، ومع اقتراب قوات الدعم السريع من مدينة الفاشر، باتت تصنّف جميع سكان المدينة كأهداف عسكرية، وتُمارس بحقهم التجريد من الإنسانية والاستهداف المنهجي والدعوة إلى القضاء على غير العرب، لا سيما قبيلة الزغاوة، وهي من أبرز المجموعات العرقية في المدينة. أصدرت قوات الدعم السريع أوامر بـ”إبادة جميع الزغاوة”، كما تستهدف مجموعات غير عربية أخرى في شمال دارفور. على سبيل المثال، أظهر مقطع فيديو واسع الانتشار قائدًا ميدانيًا في قوات الدعم السريع وهو يُعدم مدنيًا بعد أن حدّد هويته على أنه ينتمي إلى قبيلة البرتي، وهي من المجموعات العرقية الكبرى في الفاشر.
وفي الأسبوع الماضي، أصدرنا تحقيقًا قانونيًا إضافيا حول أثر الحرب على الأطفال، حددنا فيه الجهات المسؤولة والمتواطئة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الأطفال.
منذ اندلاع النزاع، تقاعس مجلس الأمن في التعامل مع الأزمة في السودان مكتفيًا بإصدار قرارين فقط يدعوان إلى وقف مؤقت لإطلاق النار وإنهاء الحصار، دون أي آليات تنفيذية ملموسة تدعم هذه الدعوات.
الحل في جوهره بسيط للغاية: مواجهة الإمارات – التي تعتمد عليها قوات الدعم السريع في الحصول على الأسلحة والتمويل والدعم السياسي – لإجبار الميليشيات التي تدعمها على وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها.
أظهرت التقارير أن الإمارات فتحت خط إمداد رئيسي لقوات الدعم السريع، عبر حملة من الرحلات الجوية التي تنقل أسلحة ثقيلة ومدفعية وطائرات مسيّرة عبر دول مجاورة (واجهت الإمارات اتهامات مماثلة في اليمن وليبيا وإثيوبيا). ورغم أن هذه الرحلات غير معلن عنها، فإن لجنة خبراء الأمم المتحدة بشأن السودان، وهي جهة تحقيق شديدة التحفظ، أكدت وجود “حملات كثيفة لطائرات الشحن” بين الإمارات وقوات الدعم السريع، وأشارت لاحقًا إلى أن هذه الرحلات شكّلت “جسرًا جويًا إقليميًا جديدًا”.
وقد نفت الإمارات الاتهامات المتعلقة بتهريب الأسلحة، في محاولة لإنكار الانتهاك المحتمل لحظر الأسلحة المفروض على دارفور. وتستخدم الإمارات أساليب شائعة في عمليات تهريب الأسلحة غير القانونية لتفادي الرقابة الدولية، منها إخفاء قاعدتها الجوية في تشاد تحت غطاء مجمّع طبي وشعارات بعثة إنسانية تابعة للهلال الأحمر.
ووفقًا لتقارير صحيفة وول ستريت جورنال، قامت الإمارات بتزوير وثائق الرحلات الجوية لإخفاء شحنات الأسلحة، ورفضت بشكل قاطع تسليم سجلات الرحلات المشبوهة التي طلبتها الأمم المتحدة، مدعية أنها غير قادرة على الالتزام بالمهلة المحددة. وفي أوغندا، أفاد مسؤولون للصحيفة بأنهم تلقّوا أوامر بوقف تفتيش الرحلات القادمة من الإمارات إلى تشاد. علاوة على ذلك، كشف تقرير مسرّب من لجنة خبراء الأمم المتحدة عن نمط من الرحلات الإماراتية التي تختفي من الرادار أثناء الطيران أو تقلع دون تسجيل رسمي.
رغم أن الإمارات زعمت أنها تسعى لمواجهة عودة الإسلام السياسي في السودان، فإنها في الواقع تستغل النزاع لتأمين الوصول إلى الموارد السودانية الثمينة، بما في ذلك احتياطيات الذهب الهائلة والزراعة والثروة الحيوانية وموانئ البحر الأحمر. وتُعد الإمارات وجهة دولية معروفة لتجارة الذهب، إذ استوردت خلال عقد واحد ذهبًا غير مصرح به من أفريقيا بقيمة 115 مليار دولار. وبالتالي، فإن الرواية الإماراتية عن مناهضة الإسلاميين لا تصمد أمام التدقيق، لا سيما أن قوات الدعم السريع نفسها نشأت على يد الإسلاميين.
وقد استضافت الإمارات قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، وأقامت قناة اتصال مباشرة بينه وبين قيادات إماراتية مثل محمد بن زايد آل نهيان ومنصور بن زايد آل نهيان. وتدار إمبراطورية قوات الدعم السريع الاقتصادية من داخل الإمارات، عبر أشقاء حميدتي. كما تتولى شركة مقرها الإمارات تجنيد مرتزقة أجانب للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع. وتُستخدم شركات تابعة لقوات الدعم السريع، مقرها الإمارات، في شراء الأسلحة والذهب، والتحايل على العقوبات المالية.
ولتعزيز الدعم لقوات الدعم السريع والتغطية على فظائعها، أرسلت شركة تابعة لمستشار محمد بن زايد، حميدتي في جولة بطائرة خاصة للقاء رؤساء دول أفريقية. ووفقًا لبعض المسؤولين الأمريكيين، فقد أقرّ الشيخ محمد بن زايد ضمنيًا بدعم قوات الدعم السريع ماديًا خلال اجتماع مع نائبة الرئيس الأمريكي السابقة كامالا هاريس، مشيرًا إلى أن الإمارات “مدينة” لقوات الدعم السريع لإرسالها جنودًا للقتال إلى جانبها في اليمن.
ودون دعم الإمارات، لما استطاعت قوات الدعم السريع الاستمرار في حصار الفاشر أو ارتكاب الفظائع على نطاق واسع. وإذا كانت الإمارات صادقة في التزامها بدعم ضحايا الحرب، فعليها أن تدعو قوات الدعم السريع إلى الانسحاب. هذه الخطوة وحدها كفيلة بمنح الفاشر متنفسًا، حيث يُحتجز نحو نصف مليون مدني في ظل غياب الإمدادات الغذائية، ويخشون ما هو أسوأ.
المصدر: فورين بوليسي