في السادسة من عمرها، كانت هند رجب تحمل ملامح غزة كلها في وجهٍ صغيرٍ أسمر يشبه مدينتها: دافئًا، نقيًا، ومضيئًا رغم الحرب. لكن تلك الطفلة التي ملأت الدنيا خوفًا وصوتًا، صمتت قسرًا تحت نيران دبابة إسرائيلية أواخر يناير/كانون الثاني 2024، حين استُهدفت سيارة عائلتها أثناء نزوحهم ومسعفين إلى مكان آمن.
لم تكن هند مجرد ضحية جديدة في حربٍ تبتلع الطفولة يومًا بعد يوم، بل تحولت إلى رمزٍ عالمي للبراءة المغدورة، وإلى ضميرٍ إنسانيٍ يلاحق القتلة من غزة إلى لاهاي، فقد امتد صدى قصتها من أزقتها المحاصَرة إلى قاعات مهرجان البندقية السينمائي، حين وقف نجوم هوليوود، وبينهم خواكين فينيكس وروني مارا، يصفقون لفيلم صوت هند رجب لأكثر من أربعٍ وعشرين دقيقة، والدموع تنهمر من عيون الحاضرين في مشهدٍ استثنائيٍ نادرٍ في تاريخ المهرجان.
قصة هند لم تُغلق مع مواراتها الثرى، بل بدأت فصول العدالة تُكتب باسمها، فقد أصبحت روحها عنوانًا لمؤسسةٍ حقوقيةٍ تحمل اسمها، تلاحق القتلة في المحاكم الدولية، وتعيد تذكير العالم بأن العدالة ليست ترفًا، بل التزامٌ أخلاقي تجاه الضحايا الذين لم يعد لهم صوت.
واليوم، بعد مرور عشرين شهرًا على الجريمة، تكشف قناة “الجزيرة” عبر برنامجها الاستقصائي “ما خفي أعظم”، الذي يقدمه الصحفي الفلسطيني تامر المسحال، عن هوية الجناة الذين ظنوا أن الحقيقة ستُدفن مع ضحاياهم.
التحقيق الجديد، المدعوم بالأدلة الميدانية والصور، يميط اللثام عن أسماء ضباط وجنود من وحدة في جيش الاحتلال تُعرف باسم “مصاصي الدماء”، تورطوا في إطلاق النار المباشر على سيارة عائلة هند.
كان القتلة، ومن خلفهم قادتهم العسكريون والسياسيون، يأملون أن تُطوى الجريمة في معمعة الحرب، لكن حكاية هند بقيت تصرخ في وجه العالم كلما حاول سدّ أذنيه وأغمض عينيه. واليوم، مع انكشاف الحقيقة وظهور الأدلة، تبدأ مرحلة جديدة من المساءلة والمحاسبة، لتتحول الطفلة الغزّية الصغيرة إلى شاهدٍ خالدٍ على أن الصوت الإنساني أقوى من اللامباة والتجاهل.
الملاحقون.. أسماء القتلة بالصور والأدلة
من قلب بروكسل، المدينة التي عُرفت بأنها عاصمة العدالة وموطن الأصوات المطالبة بالحقوق، ترتفع صورة الطفلة الفلسطينية هند رجب على واجهة مؤسسة أوروبية تحمل اسمها، ليست مجرد صورة، بل رمزٌ للبراءة المذبوحة، ومن هناك بدأ خيط الحقيقة يتكشف عبر تحقيق الجزيرة الاستقصائي الجديد “الملاحقون”.
من هذه المدينة الأوروبية الهادئة، انطلقت رحلة البحث عن العدالة لتتبع الجنود والضباط الإسرائيليين المتورطين في واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها حرب الإبادة في غزة، جريمةٌ حوّلت سيارة عائلة هند إلى رماد، وطفولتها إلى شاهدٍ خالدٍ على القسوة المطلقة التي عاشها المدنيون في القطاع.
استند فريق التحقيق إلى أرشيفات رقمية، وصور أقمار صناعية، وشهادات قانونية، وتحليلات صوتية وميدانية دقيقة، في محاولة لإعادة رسم ما حدث لحظة بلحظة، ومن خلال تسجيلٍ صوتي موجع، سُمع صوت هند يهمس بخوفٍ طفولي عبر الهاتف: “الدبابة جنبي…” ثم خيّم الصمت، بعدما أنهى جنود الاحتلال جريمتهم الوحشية.
بالتعاون مع مختبر فورنزك أركيتكتشر في جامعة غولدسميث بلندن، توصل فريق البرنامج إلى أن السيارة التي كانت تقل الطفلة اختُرقت بـ335 طلقة نارية أُطلقت من دبابة إسرائيلية كانت متمركزة على بُعد لا يتجاوز 23 مترًا، وهو تحليل علمي دحض رسميًا رواية “الاشتباك المزعوم” التي روّج لها الاحتلال، مؤكّدًا أن إطلاق النار جاء من جهة واحدة فقط — ما يعني أن العائلة لم تكن في مواجهة عسكرية، بل في مجزرةٍ صامتةٍ ومتعمدة.
🚨 BREAKING:
The #HindRajabFoundation and @AJArabic reveal the full chain of responsibility behind the murder of 6-year-old Hind Rajab — uncovering who gave the orders, who carried them out.
Watch the documentary (Arabic with English subtitels.
🔗 https://t.co/tCt91tNVGy— The Hind Rajab Foundation (@HindRFoundation) October 20, 2025
من هذه النقطة، بدأت رحلة العدالة تتخذ مسارًا قانونيًا، فقد تتبّع البرنامج خيوط الجريمة حتى وصل إلى اللواء 401 في سلاح المدرعات الإسرائيلي، الذي كان يقوده الضابط بني أهارون، وتحديدًا إلى الكتيبة 52 بقيادة الكولونيل دانييل إيلا، هناك برز اسم السرية المسؤولة عن المجزرة، في مفارقةٍ مأساوية، تحمل اسمًا يختصر قسوة الفعل: “إمبراطورية مصاصي الدماء”.
يقود هذه السرية ضابط يُدعى شون جلاس، يصف جنوده بأنهم “وحوش لا تعرف التراجع”، وهو نفسه الذي أصدر الأوامر بإطلاق النار على سيارة هند ثم على سيارة الإسعاف التي حاولت إنقاذها، وقد أُدرجت هذه الأدلة المصوّرة والميدانية ضمن ملف قضائي متكامل رفعته مؤسسة هند رجب إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
ويؤكد المدير التنفيذي للمؤسسة دياب أبو جهجه أن الفريق القانوني يعمل حاليًا على ملاحقة الضابط شون جلاس وقائده إيلا، إلى جانب جندي آخر من السرية يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأرجنتينية يُدعى إيتاي شوكيركوف، الذي شارك من داخل الدبابة في العملية القاتلة، وقد تم بالفعل تقديم دعوى رسمية ضده أمام القضاء الأرجنتيني في خطوة تعدّ الأولى من نوعها ضد جندي إسرائيلي يحمل جنسية أجنبية.
تحقيق “الملاحقون” لا يروي فقط تفاصيل جريمة، بل يفتح بابًا جديدًا في مسار العدالة الدولية، ويعيد التذكير بأن صوت هند الذي خفت في غزة، ما زال يتردد عاليًا في أروقة المحاكم، ليقول للعالم إن اغتيال الطفولة لا ينبغي أن يمر بصمت.
توثيق جرائم وحدات الهندسة العسكرية
لكن القصة لم تتوقف عند جريمة هند رجب. فمع توغل فريق التحقيق في أرشيف الحرب، انكشفت ملفات أوسع طالت وحدات الهندسة العسكرية الإسرائيلية التي مارست تدميرًا ممنهجًا للمنازل في خان يونس وخزاعة، حيث تحوّل التوثيق العسكري إلى مادة إدانة قانونية.
أحد هؤلاء كان الجندي شيمون زوكرمان، الذي التقط بنفسه صورًا توثق لحظات تفجير عشرات المنازل الفلسطينية، معتقدًا أنها “ذكريات ميدانية”، لكنها أصبحت اليوم أدلة دامغة ضده في القضاء الألماني، وتقول محاميته الألمانية ميلاني شفايتزر إن قضيته تمثل “نموذجًا صارخًا لجنديٍ يتحول من مُنفّذٍ للأوامر إلى مؤثرٍ في الإبادة الجماعية”
BREAKING: 🚨 AL-JAZEERA LEAKS NAMES OF ISRAELI AIR FORCE PILOTS
Al-Jazeera leaked nearly 30,000 Israeli Air Force pilots and personnel who took part in the genocide in Gaza
We all know what each and every one of them deserves. I hope justice finds them all. pic.twitter.com/bSN6sTxbxX
— ADAM (@AdameMedia) October 21, 2025
وفي مشهد آخر من التحقيق، ظهر الجندي آدي كارني يزرع عبواتٍ ناسفة داخل مبانٍ مدنية، ثم يبتسم لحظة تفجيرها، تتبعت الجهات القانونية مساره حتى وصل إلى البرازيل ثم البيرو، في سابقة هي الأولى من نوعها ضد جندي إسرائيلي خارج القارة الأوروبية، لكن مع تصاعد الضغط الدبلوماسي، تم تهريبه سرًا قبل اعتقاله، ضمن ما وصفته التحقيقات بـ”شبكة تهريب منظمة” تديرها إسرائيل لحماية جنودها من الملاحقات الدولية.
ورغم ذلك، كان ثمن الحقيقة باهظًا ومكلفًا، فبحسب كريم حسون من مؤسسة هند رجب، قُتل بعض الشهود الذين أدلوا بشهاداتهم بعد نشر أسمائهم، فيما تعرض آخرون للتهديد، يقول حسون بأسى: “كل من يملك دليلاً على الإبادة، يصبح هدفًا”.
اختبار حقيقي لعدالة العالم
تبدو مثل هذه التحركات — من جمع الأدلة وكشف هوية الضالعين في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة — كأنها تكسر صمتًا طال أمده، وتربك حسابات الاحتلال الذي اعتاد الإفلات من المحاسبة، فكل وثيقة تُنشر، وكل اسم يُعلن، يزرع القلق في أروقة الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية، ويعيد إلى الواجهة هاجس الملاحقة الذي يلاحق الجنود والضباط حتى خارج حدودهم.
الخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان وصف تلك التطورات بأنها “كابوس فعلي”، مؤكدًا أن الموساد والشاباك أصبحا يدرجان ملفات الملاحقة ضمن حسابات السفر والحماية للجنود المشاركين في حرب غزة، في إشارة واضحة إلى حجم الخوف من تحوّل الأدلة إلى قيدٍ قانوني يطاردهم أينما ذهبوا.
وفي المقابل، يرى القاضي الدولي دونالد بيتر هيربرت — الذي سبق أن عمل في ملفات الإبادة في رواندا — أن هذه القضايا تمثل اختبارًا حقيقيًا لضمير العالم، قائلًا: “العدالة الدولية ما زالت تتعثر بالسياسة، لكن فتح هذه الملفات يضع حدًا لثقافة الإفلات من العقاب”.
اليوم، تعود الكاميرات إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث تتكدس الملفات وتزداد قوائم المتهمين، أكثر من ألف قضية مفتوحة ضد جنود وضباط إسرائيليين تشكّل خطوة غير مسبوقة نحو إعادة رسم حدود العدالة من غزة إلى أوروبا.
وفي المشهد الأخير، تتوقف العدسة أمام صورة هند رجب المعلّقة على مبنى المؤسسة في بروكسل، وجهها الغزي الصغير يطلّ من هناك كأنه يسائل العالم الذي تأخر كثيرًا في سماع صوته — ذاك الصوت الطفولي الذي قال يومًا: “الدبابة جنبي…” ثم خفت، لكن صداه لا يزال حتى اليوم يهزّ الضمير الإنساني، ويذكّر بأن العدالة، مهما تأخرت، قادمة لا محالة.
الملاحقات القضائية.. مسارات عدة
لا يقتصر جهد فريق برنامج ما خفي أعظم على كشف أسماء المتورطين في جريمة اغتيال الطفلة هند رجب أو جرائم الإبادة في غزة بهدف التوثيق الإعلامي فقط، بل يسعى إلى تحويل الأدلة إلى خطوات عملية لمحاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة.
ويؤكد المحامي والناشط الحقوقي صبري جاد، مدير مركز العدل للدفاع، في حديثه لـ”نون بوست” أن هناك أربعة مسارات قانونية رئيسية يمكن من خلالها ملاحقة القتلة استنادًا إلى ما كشفه التحقيق وأدلة أخرى جمعها الحقوقيون منذ بدء الحرب:
المسار الأول: المحكمة الجنائية الدولية (ICC)
تختص بملاحقة الأفراد من قادة سياسيين وعسكريين وضباط وجنود متورطين في جرائم حرب أو إبادة جماعية، حيث يتم إعداد ملف متكامل بالأدلة — من صور الأقمار الصناعية وشهادات وتقارير موثقة — وتقديمه للمدعي العام، الذي يرفع بدوره طلبات لإصدار مذكرات اعتقال دولية ضد المتهمين. وتُلزم هذه المذكرات الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي بتنفيذ الاعتقال عند دخول المتهمين أراضيها.
في أول خطوة عملية لترجمة ما كشفه تحقيق “الجزيرة” إلى إجراءات قانونية ملموسة، أعلنت مؤسسة هند رجب عن تقديم بلاغ رسمي إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد 24 ضابطًا وجنديًا من وحدةٍ في جيش الاحتلال تُعرف باسم “إمبراطورية مصّاصي الدماء”، جاء ذلك، بحسب ما نشره الصحفي الفلسطيني تامر المسحال — مُعدّ التحقيق — على صفحاته الرسمية، مؤكدًا أن هذه الخطوة تمثل بداية المسار القانوني لملاحقة منفّذي جريمة اغتيال هند رجب ومن تورطوا في جرائم الإبادة في غزة.
بعد تحقيق #ما_خفي_أعظم .. مؤسسة هند رجب تعلن قبل قليل تقديمها بلاغا في محكمة الجنايات الدولية ضد ٢٤ ضابطا وجنديا من سرية " امبراطورية مصاصي الدماء" التي كشف عنها التحقيق متورطين في جريمة عائلة هند رجب ومسعفيها #الملاحقون pic.twitter.com/irPIF2sGso
— Tamer Almisshal | تامر المسحال (@TamerMisshal) October 21, 2025
المسار الثاني: محكمة العدل الدولية (ICJ)
يركز على مساءلة الدول لا الأفراد، عبر رفع دعاوى بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أو متابعة الرأي الاستشاري الذي طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي وسياساته في غزة والأراضي الفلسطينية.
المسار الثالث: الولاية القضائية العالمية (المحاكم الوطنية)
يتيح ملاحقة الجنود والضباط مزدوجي الجنسية أو ذوي الرتب الأدنى أمام محاكم الدول التي تعتمد هذا المبدأ، مثل ألمانيا، بلجيكا، هولندا، وإسبانيا، وتُرفع القضايا من قبل منظمات حقوقية، وغالبًا ما تنتهي بإصدار مذكرات توقيف وطنية تحد من حركة المتورطين وتمنع سفرهم، كما حدث في قضايا مماثلة لجرائم الحرب في سوريا.
المسار الرابع: المحكمة الدولية الخاصة
وهي آلية قضائية استُخدمت سابقًا في محاكمات يوغسلافيا، رواندا، ولبنان، ويمكن تأسيسها عبر الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الإسلامي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وكان الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي قد دعا عام 2023 إلى إنشاء محكمة خاصة بهذا الغرض، تحاشيًا لاستخدام الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
بهذه المسارات الأربعة، تتحول جهود التحقيقات الصحفية والحقوقية إلى خطة عدالة متعددة المستويات، تسعى لانتزاع القصاص من قتلة هند رجب، ولإثبات أن صوت طفلة صغيرة يمكن أن يفتح أبواب المحاكم الدولية المغلقة منذ عقود في وجه المجرمين.
حملات سياسية وإعلامية
إلى جانب المسارات القضائية، تفتح الأدلة الصحفية أبوابًا أخرى للتحرك — طرقٌ سياسية وإعلامية يمكن أن تضاعف من أثرها. ففي البعد الإعلامي، تكمن قوة واضحة: حملات منظّمة تكشف وجوه وأسماء من تورطوا في جرائم الحرب، وتضعهم في دائرة الضوء أمام الرأي العام الدولي. هذا التعري العلني لا يقتصر على فضح الفعل فحسب، بل يحوّل مرتكبيه إلى شخصيات معزولة، تزداد مخاوفهم من السفر والتنقل، وتتبدّل حياتهم الاجتماعية حين تُلازمهم تهمة “القاتل” أو “مصاص الدماء” في أعين الآخرين.
وبالتوازي، ينشط الحراك الدبلوماسي — من حكومات وكيانات عربية وإسلامية — التي تستخدم هذه الأدلة كأداة ضغط سياسي على حكومة الاحتلال. الهدف هنا مزدوج: أولاً، فرض عزلة دبلوماسية واقتصادية وأخلاقية تكبح ممارسات القمع؛ وثانيًا، دفع قادة الاحتلال إلى إعادة حساباتهم قبل تكرار مثل هذه الجرائم، خشية تبعاتٍ دولية وقانونية لا يمكن تجاهلها.
🚨 The #HindRajabFoundation has filed a criminal complaint in #Greece against Israeli soldier Naor Shlomo Dadon for war crimes and genocide in #Gaza.
He is currently attending a "healing retreat" for Israeli war criminals in Zagora, promoted as trauma recovery.
More info⬇️… pic.twitter.com/ET5yJhPFlr— The Hind Rajab Foundation (@HindRFoundation) September 19, 2025
في الأخير، تبقى هند رجب أكثر من اسمٍ لطفلةٍ رحلت في ربيع عمرها، إنها ذاكرةُ غزة التي تأبى أن تُمحى، وصوتُ براءتها الذي اخترق جدران الصمت، ليذكّر العالم بأن العدالة ليست شعارًا يُرفع في المحافل، بل حقٌّ ينتظر من يجرؤ على انتزاعه، من بين الركام والدمار، خرجت صورتها لتصبح أيقونةً للمحاسبة، ودليلًا على أن الحقيقة لا تموت مهما طال الزمن أو تعاقبت الحروب.
ولعلّ الطريق نحو العدالة ما زال طويلًا وشاقًا، لكن ما بدأته هند بصوتها الخائف – “الدبابة جنبي..” – تحول اليوم إلى صرخة عالمية تُلاحق القتلة من غزة إلى لاهاي، ومن ساحات التحقيق إلى أروقة المحاكم، فكل وثيقةٍ تُنشر، وكل قضيةٍ تُفتح، هي خطوة صغيرة نحو كسر حلقة الإفلات من العقاب، وإعادة الإنسانية إلى معناها الحقيقي، هند رحلت جسدًا، لكنها باقية في الوعي الإنساني، تخرّش ضمير العالم حتى يصحو من خزي الصمت وعاره.