يتحوّل موسم الزيتون في الضفة الغربية عامًا بعد عام إلى مؤشرٍ ميداني على تصاعد سياسات الضم والاستيطان الإسرائيلية، فما كان يُقدَّم كاعتداءات فردية بات اليوم نهجًا منظّمًا ومدعومًا رسميًا، يهدف إلى إفراغ الريف الفلسطيني من سكانه عبر الضغط اليومي والحرمان الاقتصادي، وفي قلب هذه الحرب البطيئة، يبقى الزيتون شاهدًا على صراعٍ لا يدور فقط على الأرض، بل على الذاكرة والهوية أيضًا.
المزارع الفلسطيني ومجابهة الاستيطان
المواطن نضال حمّاد من قرية العرقة غرب جنين كان أحد ضحايا الاستيطان لهذا العام، في أثناء عمله في أرضه المزروعة بأشجار الزيتون القريبة من الجدار الفاصل ولكن هذا التماس لم يمنعه وعائلته من العمل في أراضيهم رغم الظروف الصعبة، موضحًا لـ”نون بوست” أن الوضع مقلق جدًا، خاصة بعد إغلاق البلدة بالكامل، حيث أصبح الدخول والخروج صعبًا، والطريق المؤدية إلى الأراضي وعرة، ومن يصل إلى أرضه يصل بمعجزة، ومؤكدًا أنهم يأتون إلى أراضيهم متوكّلين على الله رغم عدم أمان الوضع، إذ يمكن في أي لحظة أن يُمنعوا من العمل أو يُطردوا من الأرض.
وتابع حمّاد أن قوات الاحتلال تضايق المزارعين باستمرار، حيث جاء الجنود وطلبوا منهم مغادرة المكان بحجة أن العمل في المنطقة ممنوع، مضيفًا أن المنع من الاقتراب من الجدار يتكرر بشكل شبه يومي بذريعة الأمن، فيضطرّون للتراجع، ثم يحاولون العودة مجددًا إلى أراضيهم، في معاناة تتكرر كل موسم.
وبيّن حمّاد خلال حديثه مع “نون بوست” أن ظروف العمل صعبة للغاية، فالطرق المؤدية إلى الأراضي وعرة ومليئة بالحجارة، ما يؤدي إلى تعطل المركبات أحيانًا، ويجبر المزارعين على استئجار سيارات خاصة بأسعار مرتفعة للوصول إلى أراضيهم، كما أضاف أن الوصول إلى الزيتون بعد التسجيل والدخول إلى المنطقة يشبه “المغامرة”.
وأشار حمّاد إلى أن الجدار اقتطع من أرضه ما بين أربعة إلى ستة دونمات كانت تُستخدم سابقًا كمراعي للأغنام والأبقار، لكنها اليوم أصبحت خلف الجدار ولم يعد بالإمكان الوصول إليها، ما أثّر سلبًا أيضًا على الثروة الحيوانية، حيث كانوا يعتمدون على إنتاجهم المحلي من الحليب، وأصبحوا الآن يشترون الألبان من الخارج.
أما عن موسم الزيتون لهذا العام، فقال إن الموسم متوسط، ليس جيدًا جدًا لكنه مقبول مقارنة بالسنوات السابقة، مؤكدًا أن كل ما يُنتجونه يُعتبر ثمرة تعب وصمود، لأن مجرد الوصول إلى الزيتون أصبح تحدّيًا بحد ذاته.
ومن جهة أخرى، تعرّض المواطن صبحي الطويل من بلدة فرعتا شرق قلقيلية، وأفراد عائلته، لاعتداءات المستوطنين أثناء قطفهم الزيتون في أرضهم البالغة مساحتها 12 دونمًا، وأوضح الطويل لـ”نون بوست” أن المستوطنين بدأوا بمضايقتهم أثناء قطفهم ثمار الزيتون، ثم رشقوهم بالحجارة، وسرقوا تعبَه وأولاده الثلاثة. وعندما تدخل جيش الاحتلال الإسرائيلي لحماية المستوطنين، احتجز العائلة لساعات، وكسر هاتف زوجته، وأجبرهم على مغادرة أرضهم بحجة “عدم التنسيق مع الجانب الإسرائيلي”، رغم عدم وجود أي تنسيق مسبق.
وأضاف أن المستوطنين استمروا في المراقبة عبر الطائرات المسيّرة، مضيّقين على المزارعين خلال عملية القطف، فيما ظل الجيش يحميهم ويُعيق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم.

انتهاكات المستوطنين في الضفة الغربية
أكّد الناشط أيمن غريب، رئيس جمعية “خيلي الأغوار”، لـ”نون بوست”، أن اعتداءات المستوطنين على المزارعين الفلسطينيين تزايدت هذا العام بشكلٍ ملحوظ، خصوصًا مع حصول المستوطنين على الضوء الأخضر من حكومة الاحتلال الإسرائيلية للاستيلاء على أراضي الضفة الغربية عبر قرارات الضم والإجراءات الميدانية.
وأوضح غريب أن الدعم الرسمي للمستوطنين وغياب أي محاسبة لهم ساهم في تصاعد الهجمات، مع تسجيل أبرز الانتهاكات في مناطق: كفر مالك، المغير، أبو فلاح، سنجل، ترمسعيا، الشيوخ، السعير، يعبد، إضافة إلى مناطق في سلفيت والأغوار، حيث تم تحطيم واقتلاع مئات أشجار الزيتون، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، كما سُجّل اعتداء على امرأة مسنّة في ترمسعيا.
وفي حديثه مع “نون بوست”، بيّن أن الجمعية، من خلال فرقها الميدانية والمتطوّعين، توثّق الانتهاكات يوميًا عبر الوجود في الحقول وجمع المعلومات، رغم الصعوبات الناتجة عن اعتداء المستوطنين ومصادرة الأجهزة وتدخّل الجيش، كما لاحظ انخفاض عدد المتضامنين الأجانب بسبب منع دخولهم أو ترحيلهم، مما زاد العبء على المتطوّعين المحليين.
وأشار غريب إلى أن المزارعين يعيشون حالة من الضغط والخوف المستمر، مؤكدًا أن شجرة الزيتون ليست مجرد شجرة، بل رمز للعائلة والجذور والصمود، وأنهم مستمرون في التمسك بأرضهم ومقاومة محاولات الاحتلال.
وختم بالقول إن توثيق الحقيقة ونشرها يبقى السلاح الأقوى لمواجهة الاعتداءات، داعيًا الإعلام والمجتمع الدولي لدعم المزارعين وحماية حقوقهم، خصوصًا في مناطق الأغوار، ومواجهة محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية ومحو الذاكرة الوطنية.
وبحسب ما تم نشره على الموقع الرسمي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، حول الانتهاكات التي تعرّضت لها الأرض والمزارعون خلال موسم الزيتون الحالي في الضفة الغربية، تم الحديث عن 158 اعتداءً ضد المزارعين منذ بداية تشرين الأول، بينها 17 اعتداءً من قبل جيش الاحتلال و141 من المستوطنين، تراوحت بين اعتداء جسدي وتقييد حركة وتخويف وإطلاق نار مباشر.
وتركّزت الانتهاكات في نابلس (56 حالة)، رام الله (51 حالة)، والخليل (15 حالة)، إضافة إلى تخريب 795 شجرة زيتون في 29 عملية قطع وتجريف للأراضي المزروعة، وأكّدت الهيئة في بيانها أن هذه الانتهاكات تستهدف النيل من صمود الفلسطينيين وخلخلة علاقتهم بأرضهم، إلا أن المزارعين أصرّوا على الوصول إلى أراضيهم ومواجهة محاولات الاحتلال.
وعلى الرغم من الاعتداءات اليومية والمتكررة، يصر المزارعون الفلسطينيون على البقاء داخل أراضيهم والتمسك بهويتهم التراثية والوطنية، رافعين شعار التشبث والتعمق في بلادهم وأرضهم، حتى وإن كانوا يرزحون بشكلٍ متواصل تحت نيران الاستيطان ومضايقات المستوطنين المدعومين بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي.