وصل إلى مدينة حلب، الإثنين 27 أكتوبر/تشرين الأول، دفعة جديدة من العوائل قادمة من “مخيم الهول” شرفي الحسكة، مكونة من 12 عائلة، تضم 55 شخصًا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وينحدرون من محافظات حلب وحمص وحماة وإدلب.
وهي الدفعة الثالثة من العوائل التي تخرج نحو مدينة حلب بالتنسيق بين “الإدارة الذاتية” التابعة لـ حزب الإتحاد الديمقراطي “PYD” وبين الحكومة السورية، بإشراف مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدمشق، وفرعها في القامشلي، ومتابعة من وحدة دعم الاستقرار (SSU) في سوريا، وهي منظمة غير حكومية، وحملت هذه القافلة اسم “قافلة الأمل 3”.
وأخبر مصدر من “مخيم الهول” موقع “نون بوست” أن العوائل التي غادرت المخيم ووصلت لمدينة حلب، هم من أصحاب الأمراض المُزمنة “السرطان والفشل الكلوي” بغالبيتهم، وجرى نقلهم من محافظة الحسكة بحراسة من قوات سوريا الديموقراطية “قسد” وإيصالهم لحلب حيث تسلمتهم قوى “الأمن الداخلي” السورية، بحضور فرق طبية لمديرية صحة حلب، مكون من أطباء وممرضين، مزوّدين بعربات معاينة نقالة وسيارات إسعاف، ورافقوا العوائل لمكان إقامتهم الجديد، تلاها في يوم الثلاثاء 28 أكتوبر/تشرين الأول نقل عدة عوائل لمحافظاتهم الأصلية التي ينتمون إليها في إدلب وحمص ودرعا وحماة.
خروج قافلة تضم 17 عائلة من مخيم الهول إلى منازلهم الأصلية في المحافظات السورية ضمن قافلة “الأمل 3”. pic.twitter.com/oEPUoTsvxQ
— نون سوريا (@NoonPostSY) October 26, 2025
وأضاف المصدر: أن عدة منظمات دولية كانت قد أوقفت دعمها لقاطني المخيم مطلع العام الجاري، مما استدعى أن تبدأ عمليات إخلاء المخيم بالحالات الإنسانية الحرجة أولًا.
والجدير بالذكر أن هذه القافلة سبقها قافلتان ضمن “قوافل الأمل” المنطلقة من المخيم نحو مناطق الحكومة السورية، حيث جرى إجلاء الدفعة الثانية 30 من يوليو/تموز الماضي، وضمت حينها (36) عائلة، بتعداد (127) شخصًا، ينحدرون من محافظات حمص وحلب والرقة.
وكانت الدفعة الأولى قد انطلقت في 15 من يونيو/حزيران الماضي، مكونة من (42) عائلة، وضمت (178) شخصًا من ذوي الأمراض المزمنة والحالات الإنسانية.
وتأتي هذه القوافل ضمن سلسلة الإجراءات الرامية لإغلاق “مخيم الهول” بإشراف “التحالف الدولي” والحكومة السورية والإدارة الذاتية، وكذلك بهدف إنهاء ملف النزوح الداخلي في سوريا، حيث ما تزال معضلة مراكز الاحتجاز والسجون التي تؤوي عناصر وعوائل مقاتلي تنظيم الدولة “داعش” أحد أكبر التحديات التي تواجه “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الجوار كذلك، وبالتأكيد تشكل أولوية للحكومة السورية الوليدة.
وتطرح أسئلة كثيرة اليوم حول مستقبل السوريين الخارجين من “مخيم الهول”، فالتصريحات الحكومية السورية تصب جميعها حول دمجهم في المجتمع، أهم تلك التصريحات كانت في 25 مايو/أيار الماضي، على لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، والذي قال إن إدارة “مخيم الهول” ستكون مختلفة عما كانت عليه سابقًا.
لافتًا إلى أن دمشق تسعى لتحويله “من بؤرة غير إنسانية إلى ملف علاج مجتمعي شامل، وأكد أنهم جزء من المجتمع السوري وليس لهذه العوائل ذنب بما أقترفه بعض أفرادها، وسيجري دمجهم ضمن برامج جديدة وسيكونون مواطنين منتجين في المجتمع”.
ويبدو أن هذا التصريح نابع من سياسة حكومية جديدة ومحددة تهدف إلى إعادة تأهيل الأطفال ودعم النساء للانخراط مجددًا في المجتمع، وإزالة كل القيود القانونية عنهم.
بعد ست سنوات من تجاهل ملف مخيمي الهول وروج، يخرج بيان أمريكي عاجل يدعو الدول لإعادة رعاياها المحتجزين هناك. pic.twitter.com/p8swIgWLa9
— نون سوريا (@NoonPostSY) September 27, 2025
وكانت “الإدارة الذاتية” قد اتفقت مع الحكومة السورية على وضع آلية مشتركة لتنظيم عملية إخراج العائلات السورية من المخيم، وقال رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة “شيخموس أحمد” في تصريح يوم 26 مايو/أيار الماضي إن الهدف من الآلية هو عودة العائلات السورية إلى مناطقها الأصلية لوضع حد لمعاناتها.
كما أشار شيخموس حينها إلى انعقاد اجتماع ثلاثي في المخيم، ضم وفدًا من الحكومة السورية، ووفدًا من التحالف الدولي، وممثلين عن “الإدارة الذاتية”، انتهى بالاتفاق على هذه الآلية المشتركة.
ويعد المخيم الذي يقع شرقي الحسكة مادة مكررة في مختلف وسائل الإعلام، وتستغله ميليشيا “قسد” كورقة تفاوضية وتشن فيه عمليات أمنية استعراضية من حين لآخر، أحدها العملية التي نفذتها يوم 5 من سبتمبر/أيلول الماضي، وقالت إنها تهدف إلى “حماية قاطني المخيم وضمان استمرار عمل المنظمات الإنسانية بأمان داخله”، بحسب وصفها.
ويشهد المخيم وضعًا إنسانيًا مترديًا أصلًا، وتحصل فيه عمليات تهريب لخارجه، وقد زاد هذا الوضع سوءًا في الآونة الأخيرة بسبب انخفاض الدعم المقدم له من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بسياسة تهدف إلى إغلاق المخيمات كافة التي تؤوي عوائل التنظيم، ودعوة الدول التي لها مواطنين داخلها لاستعادتهم، وكله ضمن خطة شاملة تسعى لتقليل التواجد العسكري في سوريا، والاعتماد على الحكومة السورية الجديدة في قضايا مكافحة الإرهاب والاشراف على مراكز الاحتجاز عبر دمجها مع قوات “قسد”.
وفد من الحكومة السورية يزور مخيم الهول شمال شرقي #سوريا بالتنسيق مع “قسد” وبرفقة مسؤولين من التحالف الدولي. pic.twitter.com/7GRYqHRfqA
— نون سوريا (@NoonPostSY) May 24, 2025
مخيم الهول، الذي تأسس عام 1991 بعد حرب الخليج لإيواء النازحين العراقيين، تحوّل بعد الثورة السورية إلى ملجأ لآلاف النازحين من جنسيات متعددة، ولكن بعد العام 2019 شهد المخيم تدفقًا كبيرًا لعوائل مقاتلي تنظيم الدولة بعد هزيمته على يد “التحالف الدولي” وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ودخله أيضًا الآلاف من النازحين القادمين من المناطق التي سيطر عليها نظام بشار الأسد وحلفاؤه آنذاك أواخر العام 2017، أي أن نسبة من ضمن قاطنيه من النازحين السوريين داخليًا، بينما يشكل السوريون من أعضاء التنظيم وعوائلهم النسبة الأكبر من قاطنية مع العراقيين.
ويحتجز المخيم حاليًا أكثر من 30 ألف شخص، بمن فيهم أشخاص أجانب مشتبه بانتمائهم للتنظيم، وأفراد عائلاتهم، ومعظم النزلاء في الهول من النساء، ويقدر أن 60% من إجمالي السكان في هذه المرافق تقل أعمارهم عن 18 عامًا، ومعظمهم تقل أعمارهم عن 12 عامًا، ويبلغ عدد المواطنين الأجانب نحو 8500 شخص من أكثر من 62 دولة.
وينتمي غالبية قاطني “مخيم الهول” إلى سوريا والعراق، وبحسب البيانات فقد كان العراق رائدًا في عملية إعادة مواطنيه من الهول، وذلك بضغط من “التحالف الدولي”، حيث عاد أكثر من 19 ألفًا منهم من خلال سلسلة من عمليات الإخلاء والتي كانت آخرها يوم الاثنين الماضي 27 أكتوبر/تشرين الأول حيث غادرت (249) عائلة عراقية، تضم نحو 840 شخصًا، مخيم الهول، وذلك بالتنسيق مع الحكومة العراقية، ضمن الجهود المشتركة لإعادة اللاجئين العراقيين إلى بلادهم، بالتنسيق بين إدارة المخيم ومجلس النواب العراقي ولجنة الهجرة والمهجرين العراقية.
ومن المقرر أن تتجه الحافلات إلى “مخيم الجدعة” في محافظة نينوى، برفقة قوات من التحالف الدولي، وتُعد هذه الدفعة الـ(13) من اللاجئين العراقيين الذين يغادرون مخيم الهول منذ مطلع العام الجاري 2025، والدفعة رقم (30) بالمجمل منذ العام 2021.

ويتشابه حال العراقيين والسوريين من حيث وضعهم في المخيم، إذ أن نسبة من هؤلاء هم مجرد نازحين هربوا من المعارك التي كانت تدور في مناطقهم، وانتهى بهم المطاف في “مخيم الهول”، ويُنسبون لتنظيم الدولة بلا دليل، وغالبيتهم متخوفون من العودة للعراق لهذا السبب.
وأطلقت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية 78 برنامجًا تأهيليًا تستهدف العائدين من مخيم الهول، بحسب المتحدث باسم الوزارة، علي عباس، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، ضمن خطة متكاملة لإعادة دمجهم في المجتمع العراقي بعد خضوعهم لتدقيق أمني وبرامج فكرية ونفسية داخل مركز “الأمل” في محافظة نينوى.
وكانت اللجنة العليا المعنية بمخيم الهول أكدت، في اجتماعها اليوم الاثنين 27 من أكتوبر/تشرين الأول، استمرار العراق بإعادة رعاياه من المخيم إلى الداخل العراقي حتى إكمال المهمة بشكل نهائي، بحسب وكالة الأنباء العراقية (واع).
فيما أكد رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد أن هدف العراق هو إغلاق مخيم الهول والمخيمات المشابهة، وقطع الطريق أمام عودة الإرهاب، على حد وصفه.
غادرت نحو 400 عائلة عراقية و36 عائلة سورية #مخيم_الهول ضمن تنسيق ثلاثي بين الإدارة الذاتية وبغداد والتحالف الدولي، وسط تحذيرات من تدهور الوضع الإنساني وعمليات أمنية مستمرة أسفرت عن توقيف عنصرين من تنظيم الدولة.#سوريا pic.twitter.com/6uCtbsca94
— نون سوريا (@NoonPostSY) July 31, 2025
وكان عدد من العائلات السورية قد غادروا المخيم خلال الأشهر الماضية، ضمن اتفاقات محلية جرت بين الإدارة الذاتية ووجهاء وشيوخ عشائر عربية في دير الزور والرقة والحسكة، هدفت إلى تسهيل عودة هذه العوائل إلى مناطقهم الأصلية، وضمان عدم تورطهم في أي قضايا أمنية. وقامت عدة منظمات دولية بإعداد برامج متنوعة لتأهيل الخارجين من المخيم ودعمهم للإندماج في المجتمع، ومساعدتهم بإنشاء مشاريع صغيرة تساعدهم في حياتهم.