في 27 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، نشر مقاتلو ميليشيا الدعم السريع مقاطع فيديو تُظهر سيارات مدنية وأخرى ذات دفع رباعي من طراز البيك-أب وهي تشتعل فيها النيران، وحولها جثث أشخاص بملابس مدنية محترقة؛ يبدو أنهم حاولوا مغادرة السيارات أثناء قصفها في شمال غرب الفاشر بولاية شمال دارفور، لكن الوقت لم يسعفهم.
واتضح لاحقًا أن الدعم السريع استخدم طائرات مسيّرة في تدمير قافلة مركبات تمتد لحوالي 2.1 كيلومتر أثناء مغادرتها المدينة بعد سقوطها في يد الميليشيا التي سرعان ما أطلقت يد عناصرها لارتكاب أفظع الانتهاكات التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
يظهر استخدام المسيرات في تدمير القافلة مدى فعالية المسيرات التي تلقتها الدعم السريع من الإمارات، حيث أسهمت بصورة كبيرة في سيطرتها على الفاشر بعد فشل جميع محاولاتها قبل بدء استخدام الطائرات المسيّرة بكثافة اعتبارًا من أغسطس/آب المنصرم.
الفاشر مدينة التاريخ والصمود غرب السودان.. ماذا تعرف عنها؟ pic.twitter.com/SOxZyGG7EG
— نون بوست (@NoonPost) October 27, 2025
تعثر كبير
توصل والي شمال دارفور السابق نمر عبد الرحمن، وهو قيادي بارز في حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي التي تحالفت لاحقًا مع الدعم السريع، إلى اتفاق بين الجيش والميليشيا والحركات المسلحة بوقف إطلاق النار في الفاشر، بموجبه قسمت المدينة إلى مناطق سيطرة.
استمر هذا الوضع إلى أبريل/نيسان 2024 عندما حشدت الميليشيا قوات ضخمة لحصار الفاشر، والذي أدى لاحقًا إلى تجويع أجبر المدنيين على تناول علف الحيوانات، وفي الشهر التالي بدأت بشن هجوم على المدينة انطلاقًا من مواقع تمركزها السابقة في الأحياء الشمالية بعد تهجير السكان منها.
حاولت الميليشيا طوال أشهر إحداث اختراق بري للوصول إلى وسط الفاشر دون جدوى، فقد كان الجيش وحلفاؤه يدافعون بشراسة رغم الجوع وشح العلاج والإجهاد المتواصل، فيما امتلكت الدعم السريع خطوط إمداد مفتوحة من العتاد العسكري الذي توفره الإمارات عبر ليبيا وتشاد ومطار نيالا بولاية جنوب دارفور.
ناشطة سودانية توجّه نداءً عاجلًا إلى العالم مؤكدةً أن ما يحدث في الفاشر هو إبادة جماعية ينفذها مسلّحون مدعومون من الإمارات ضد المدنيين وداعيةً لوقف الجرائم فورًا. pic.twitter.com/naXic2Pmy4
— نون بوست (@NoonPost) October 28, 2025
كان التقدم الكبير الذي حققته بعد أن فقدت آلاف المقاتلين على أسوار الفاشر يتمثل في اجتياح مخيم زمزم الواقع على بعد 12 كيلومترًا جنوب غرب المدينة، بعد فترة قصيرة من تهجير سكان القرى والمناطق حولها، قاطعة بذلك إمدادًا حيويًا.
وسيطرت الميليشيا على مخيم زمزم في أبريل/نيسان المنصرم، بعد أيام من إسقاط طائرة عسكرية في الفاشر كان يستخدمها الجيش ضمن أسطوله الجوي في إمداد المدينة بالغذاء وقواته بالعتاد الحربي، بما في ذلك المسيرات ذات المدى القصير، وذلك بعد وقت وجيز من نصب الدعم السريع أنظمة دفاع جوي صينية الصنع من طراز FK-2000.
بداية التفوق المعاكس
وجردت هذه الأنظمة الجيش من ميزة تفوقه الجوي، مما أتاح للميليشيا التحرك بحرية كبيرة في حشد المقاتلين وتضييق نطاق الحصار البري بإنشاء سواتر ترابية بلغ طولها في خاتمة المطاف 68 كيلومترًا.
من مرتزقة #دارفور إلى قوة تلتهم الدولة، هكذا تحوّلت #ميليشيا_الدعم_السريع إلى أداة حرب ودمار تمزّق #السودان، وتفرض حصارًا قاتلًا على #الفاشر، المدنيون يدفعون ثمن طموحات الجنرالات وجشع العسكر، فيما يغيب الضمير الإنساني.
#حميدتي#الجيش_السوداني https://t.co/ozehCqrcah— نون بوست (@NoonPost) October 28, 2025
وشرعت الدعم السريع في استخدام طائرات مسيّرة تصفها بالاستراتيجية من طراز CH-95 أو FH-95 صينية الصنع بصورة مُكثفة في تنفيذ ضربات جوية على الفاشر ليلاً في محاولة لتجنب تصويرها ورصدها بواسطة الأقمار الصناعية.
وأُضطرّ المدنيون إلى استخدام ملاجئ تحت الأرض لتجنّب ضربات الطائرات المسيرة، مع تقليل الحركة وعدم استخدام أي إضاءة، لأنهم يدركون أنهم أمام قوات باطشة لا تفرق بين مقاتل وطفل وشيخ وامرأة.
ولاحقًا استخدم الدعم السريع المسيرات في تغطية الهجمات البرية على المدينة التي أنهكها الجوع اعتبارًا من 3 أغسطس/آب المنصرم، محققًا تقدّمًا ميدانيًا كبيرًا بالتزامن مع تدميره مصادر المياه ومرافق الرعاية الصحية ومتاجر التجزئة.
وأمام الهجمات المتواصلة بالطائرات المسيرة التي تنطلق من مدينة نيالا، اضطر الجيش إلى سحب مواقع الدفاع الرئيسية، خاصة بعد مخيم أبو شوك للنازحين الواقع شمال المدينة، مما أتاح للميليشيا فرصة للتوغل داخل المخيم وتشريد سكانه.
خلق فرار المدنيين من أحياء المدينة ومخيم أبو شوك وتجمعهم في حي الدرجة الأولى عبئًا جديدًا على الجيش وحلفائه بتضييق مساحة تحركه حفاظًا على حياتهم، لكن الميليشيا لاحقتهم بالمسيرات وقتلت المئات منهم في استمرار لاستخدام استراتيجية بث الرعب.
من الفاشر كل المبادئ الإنسانية ذُبِحتْ أمام مشهد هاتان السيداتان؛ الأولى تحتضن إبنها بينما يتقدم إليها سفاحي مليشيا الجنجويد مدججين بالأسحلة، والثانية تتكئ على وجهها من الألم بعد نجاتها من المذابح#مجزرة_الفاشر #ELFASHIRMASSACRE#الامارات_تقتل_السودانيين#KeepEyesOnSudan pic.twitter.com/Hed676VCtY
— أخبار شرق كردفان (@EastKordofan) October 28, 2025
استخدامات المسيرات
ستظل الفاشر نقطة فاصلة في تاريخ الحروب توضح كيفية الاستيلاء على مدينة كبيرة عبر أدوات جديدة تُدار بضغطة زر، مع مشاعر حيادية تتعامل فيها مع المدنيين على أنهم أهداف لا عائلات من لحم ودم، كما أنها تنقل الحرب في السودان إلى مربع جديد.
استخدمت الميليشيا المسيرات في رصد تحركات الجيش والارتكازات ومراقبة خطوط الإمداد وتحركات الأفراد، حيث ظل عناصرها ينشرون مقاطع فيديو بين الحين والآخر يكشفون خلالها عن دقة التصويب وفعاليتها في جمع المعلومات الاستخباراتية.
إن القول بأن الفاشر لم تُهزم صحيح تمامًا؛ فهي ذُبحت بالمسيرات الحديثة مثل طراز Sunflower-200 الصينية التي يصل مداها إلى 2500 كيلومتر، فيما يقول ضابط في استخبارات الميليشيا إن الإمارات تعد مورد الأسلحة الأساسي للدعم السريع.
ونجح الجيش سابقًا في إسقاط العديد من المسيرات الانتحارية عبر أنظمة تشويش إلكتروني تقطع الاتصال بين المسيّرة ومشغلها، أو تعطل إشارات الملاحة عبر الأقمار الصناعية، إضافة إلى استخدام الرشاشات مثل الدوشكا، علاوة على التمويه البصري.
ولم يمتلك الجيش في الفاشر وسائل إضافية للتعامل مع المسيرات خاصة الحديثة، نظرًا إلى انقطاع خطوط الإمداد وعدم التدريب بفعل الحصار البري المتطاول والحظر الجوي بسبب أنظمة الدفاع الجوي، رغم نجاحه في تدميرها لكن بعد أن كانت المدينة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
تتحدث التسريبات بأن عناصر الدعم السريع تلقوا تدريب تشغيل الطائرات المسيرة الهجومية من خبراء في ليبيا، لكن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي يقول إنها تُدار من خارج السودان، ويبدو أن دقة الاستهداف التي تتجاوز قدرات الميليشيا تعزز حديثه.
– اقتحمت قوات الدعم السريع مدينة الفاشر في شمال دارفور بعدما انهارت مفاوضات وقف إطلاق النار في واشنطن إثر رفض الإمارات مناقشة حصار المدينة المستمر منذ أكثر من 500 يوم.
– سيطرت القوات على قاعدة المشاة السادسة، في حين انسحب الجيش السوداني إلى الأحياء الشمالية بعد معارك وُصفت… pic.twitter.com/WiQyvkfQ1o
— نون بوست (@NoonPost) October 28, 2025
وأرجع مناوي سقوط الفاشر إلى تسخير “دول العدوان” — دون تسميتها — كل إمكانياتها المادية واللوجستية والاستخباراتية إلى درجة الاستعانة بأجهزة المخابرات في محيط الإقليم لقطع كل أجهزة الاتصالات الحديثة التي تعمل بالأقمار الصناعية حتى انقطع التواصل بين قوات المقاتلة في الفاشر وغرف القيادة في المدن الأخرى.
وذكر أن الميليشيا بعدما أصبحت هشة ومقتل كل قادتها لجأت إلى الاعتماد على المرتزقة من دول الجوار وعبر المحيطات، إلى جانب سلاح المسيرات المدار من خارج وتكنولوجيا تعطيل أجهزة الاتصال باستعانة بأجهزة المخابرات الخارجية.
وبالتأكيد، من يتحكم في الاتصالات والطائرات المسيرة يستطيع السيطرة على ميدان المعركة مهما كان الصمود أسطوريًا في مثل حالة الفاشر، وهذا سيحوّل الحرب من تقليدية تتمثل في الهجوم البري وسرعة الحركة والقدرة على المناورة إلى حرب تكنولوجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي وأنظمة التوجيه الدقيقة.
ورغم ذلك، يظل العامل البشري والإرادة قادرين على قلب الطاولة، كما يستدعي أن يبحث الجيش عن سلاح ردع واستحداث أنظمة دفاع مدني لتقليل الخسائر بين المدنيين.
في المحصلة النهائية، تكشف معركة الفاشر أن الحرب لم تعد تُدار بالمدافع والبنادق وحدها، بل أصبحت المسيرات هي التي ترسم ملامح النصر والهزيمة. لقد غيّرت هذه الطائرات الصغيرة ميزان القوى، فيما يعني استمرار هذا النهج إننا على أعتاب مرحلة لا يُقاتل فيها الإنسان بقدر ما تُقاتل فيه الآلة نيابة عنه.
