يعيش القاطنون في مناطق سيطرة جماعة الحوثي أوضاعًا اقتصادية متدهورة انعكست سلبًا على كافة النواحي المعيشية لهم، ولم يسلم من هذا الوضع حتى الموالون للجماعة، بما فيهم القادة العسكريون والمقاتلون في مختلف الجبهات التي توقف معظمها في حالة باتت تعرف لدى اليمنيين بــ”اللا سلم واللا حرب”، وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري أعلن عدد من الضباط والقادة العسكريين التابعين لجماعة الحوثي انشقاقهم عن الجماعة وانضمامهم إلى الجيش الحكومي والفصائل المسلحة الموالية له.
أبرز أولئك القادة العسكريين الحوثيين حمود دهمش، وهو قائد اللواء 22 ميكا في الحوبان وأركان حرب المنطقة الرابعة. وشيخ عبده أحمد عوض، وشيخ منطقة حاضية بمديرية مقبنة في محافظة تعز، وقائد السرية الثانية في “اللواء السادس كرار”، والعميد عبد السلام عامر قائد اللواء 62، والعميد صلاح الصلاحي، قائد ما يُعرف باللواء العاشر “صمّاد”، إذ دعا الأخير جميع المقاتلين مع الحوثيين “الرجوع إلى حضن الوطن والجمهورية، وترك القتال”، وفق تعبيره.
وعن هذه الانشقاقات تبرز تساؤلات عديدة: لماذا حدثت في هذا التوقيت؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون لها دور في حسم الحرب في اليمن؟ ومن هم المستفيدون الحقيقيون من وراء هذه الانشقاقات؟
شروخ متصدعة
في حديثه مع “نون بوست” يرى فياض النعمان وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أن الانشقاقات التي تم الإعلان عنها من قيادات ألوية أو ضباط أو شخصيات اجتماعية حوثية تمثل نتيجة طبيعية لحالة الصراع الداخلي المتصاعد بين أجنحة المليشيات الحوثية، وتكشف عن عمق الانقسام بين القيادات المرتبطة بالمشروع الإيراني وتلك التي لا تحمل ارتباطًا عقائديًا بفكر المليشيات ومشروعها الطائفي.
وبحسب النعمان فإن القيادات في صف المليشيات الحوثية والتي لا تنتمي فكريًا أو عقائديًا إلى المليشيات الإيرانية هي الأكثر عرضة للانتهاكات والتهميش والإقصاء والتهديد المباشر بالاعتقال أو التصفية نتيجة رفضها الانخراط الكامل في الأجندة الطائفية التي تحاول الجماعة الحوثية فرضها على المجتمع اليمني ومؤسساته، فالواقع يعكس بوضوح أن الجماعة الحوثية لم تعد كيانًا متماسكًا كما تحاول الترويج له، وإنما هي تجمع هش من التكتلات المتصارعة على النفوذ والمناصب والغنائم.
ويلفت النعمان، إلى أن ما يحدث اليوم من انشقاقات داخل الجماعة الحوثية يؤكد أن مشروعها السلالي الطائفي القائم على التبعية لإيران بدأ يتآكل من الداخل، وأن من التحق به من غير المرتبطين عقائديًا أدركوا حجم الزيف الذي بنيت عليه شعارات الجماعة ومدى خطورتها على مستقبل اليمن وهويته الوطنية.
العميد الركن عبده مجلي، المتحدث باسم الجيش اليمني، دعا من ما زالوا يقاتلون في صفوف الحوثيين، إلى التخلي عن السلاح والانضمام لقوات الشرعية لحماية اليمن والشعب اليمني من الانتهاكات والإرهاب.
ويؤيد هذه الدعوة الضابط في القوات الحكومية العقيد عبدالباسط البحري، إذ يصف الانشقاقات المتتابعة في صفوف الحوثيين، بالشروخ المتصدعة والمتسارعة في جدار جماعة تتهاوى من الداخل، بعد أن نخرها الفساد والتمييز، وأكلها الشك والوهم، وتخلخلت بنيتها الأمنية والعسكرية حتى باتت عرضة للاختراق والانقسام في عمق دوائرها المغلقة.
القيادي المنشق عن الحوثيين عبده عوض أشار إلى أن تسليح الجماعة الحوثية يفتقر بشدة إلى الذخائر والأسلحة، كما أن الجماعة أصبحت عاجزة عن توفير متطلبات المقاتلين. بدورها لم تعلق قيادات جماعة الحوثي على تلك الانشقاقات لكنها لجأت إلى اقتحام منازل بعض الضباط المنشقين واعتقال أقاربهم.
حقيقة الانشقاقات
ساسة وعسكريون يمنيون يرون أن الانشقاقات الحوثية الأخيرة ما هي إلا خدعة لجأ إليها الحوثيون بعد أن ضعفت قوتهم، ويعتبر الناشط السياسي وائل الحميدي تلك الانشقاقات فخًا محكمًا تُدبّره جماعة الحوثي بدهاء بالغ، خاصة بعد فشلها الذريع في اختراق صفوف بعض الفصائل الموالية للقوات الحكومية من الداخل كقوات العمالقة، وبذلك تحاول زعزعة الصفوف وزرع الشك بين القيادات والمقاتلين، والأهم حصولهم على معلومات عسكرية.
أما الناشط السياسي أحمد السخياني، فيرى أن هذه الانشقاقات والتي وصفها بالفردية لا تُغيّر المعادلة، وغالبًا ما تكون مجرد محاولات لخلط الأوراق، لكن عندما تؤدي هذه الانشقاقات إلى سقوط مناطق استراتيجية، فهنا يكمن التأثير الحقيقي. يقول السخياني: “أرى أن هذه الانشقاقات ليست سوى خداع موجّه للعالم لإبقاء الأوضاع كما هي”.
من جانبه يرى المحلل العسكري العقيد محسن ناجي، بأن انشقاقات بعض الضباط عن جماعة الحوثي تأتي في إطار المصالح الشخصية لأولئك الضباط، إذ أن الحوثيين توقفوا عن دفع ملايين الريالات لأولئك الضباط لعدة أسباب أبرزها التشكيك في ولائهم للجماعة، ولنقص السيولة المالية لدى الحوثيين، خاصة بعد استهداف “إسرائيل” العديد من المصالح الاقتصادية لدى الجماعة، وتجفيف الولايات المتحدة لمنابع تمويل الجماعة الحوثية في اليمن ومختلف بلدان العالم.
ويقول العقيد ناجي في حديثه مع “نون بوست”: “انشقاقات الضباط الحوثيين تذكر اليمنيين بالانشقاقات التي كانت تحدث في عهد الحرب بين القوات الملكية والجمهورية في الأيام الأولى التي أعقبت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 في الشمال اليمني، إذ كان بعض الضباط يقاتلون مع الملكية في الصباح، وفي المساء يقاتلون ضدها، وهكذا دواليك”.
مؤشرات داخلية
يرى الناشط السياسي علي العيسائي أن هذه الانشقاقات تُعد مؤشرًا على ضعف الحوثيين وتراجع تماسكهم الداخلي، كما تبعث برسالة واضحة مفادها أن طريق العودة إلى الدولة ما يزال مفتوحًا أمام من يريد تصحيح مساره والانحياز للوطن.
لكن الصورة ليست بهذه البساطة، يقول العيسائي مشيرًا إلى أن بعض المنشقين لا يعودون بدافع وطني خالص، بل سعيًا لاختراق مؤسسات الدولة من الداخل. وهنا تكمن الخطورة؛ من وجهة نظر العيسائي إذ إن منح هؤلاء مناصب دون تدقيق كافٍ قد يحوّلهم إلى ثغرات داخل الشرعية نفسها، ويزرع الإحباط في صفوف المخلصين الذين صمدوا إلى جانب الدولة منذ البداية، حين يرون أن من كان خصمًا بالأمس يُكافأ اليوم على حساب تضحياتهم.
ويشكك العيسائي بالولاءات القبلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، مدللًا كمثال على قبائل طوق صنعاء التي كانت يومًا موالية للرئيس صالح ثم انقلبت عليه، كما أن الحشود التي ملأت ميدان السبعين في صنعاء تبدلت ولاءاتها بين صالح والإصلاح، ثم إلى الحوثيين.
ويلفت العيسائي إلى أن انشقاقات الحوثيين ليست خيرًا مطلقًا ولا شرًا مطلقًا، بل فرصة إن أُديرت بحكمة، وخطر إن أُسيء التعامل معها، فالحكومة اليمنية الشرعية أصبحت اليوم أمام لحظة حاسمة من وجهة نظر العيسائي، فإما أن تتعامل مع المنشقين بعقل الدولة الذي يرحب بالمخلصين، أو تفتح الباب لمن قد يجعل منهم خنجرًا يطعنها من الداخل.
فياض النعمان وكيل وزارة الإعلام اليمنية يختتم حديثه مع “نون بوست”، بالتأكيد على أن هذه الانشقاقات هي مؤشر واضح على ضعف الجماعة الحوثية وتفككها. مؤكدًا أن “الحكومة اليمنية ترحب بكل من يعود إلى صف الوطن والجمهورية”، داعيًا كل الضباط والعسكريين الموالين للحوثيين إلى مراجعة مواقفهم والانضمام إلى الصف الوطني لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
