“نحن مصابي الثورة لسنا مع الشهداء عند ربّهم يُرزقون، ولسنا أصحاء مع أهلهم يعملون”.. جملة قالها محمد علي العبد الله، للرئيس السوري أحمد الشرع بلقاء جمعهم في كانون الأول/ديسمبر الماضي، والتي أضحكت الرئيس بقوله: “أنتم الحماصنة لديكم مصطلحات جميلة ونحن سنكون خدمًا لكم”.
محمد العبد الله المعروف بـ”أبو جاسم الوعر” نسبةً إلى حيّ الوعر الذي ينتمي إليه في مدينة حمص وسط سوريا، طالب الرئيس باستحداث وزارة تُعنى بشؤون المصابين والمعتقلين، خاصة السيدات، منهن 36 سيدة حمصية ناجية من المعتقلات، حسبما قال لـ”نون بوست”.
ويطالب العبد الله بإصدار بطاقة جريح، مشيرًا إلى أنه تفاجأ خلال استخراجه جواز السفر في آب/أغسطس الماضي بأن العميد فؤاد السويد مدير الهجرة والجوازات في حلب، أخبره بأن حاملي بطاقة جريح الثورة معفيون من الرسوم التي تُقدّر بـ160 دولارًا، ويدفعون مبلغًا رمزيًا يُقدّر بـ25 دولارًا.
الترشح لمجلس الشعب
صقلته سنوات الثورة السورية، فبرز كقائد ميداني ومنظم إنساني واجتماعي، ولم تثنه إصابته التي أفقدته يده، بل زادته إصرارًا، فتابع المسير بنقل الجرحى وتأمينهم ومعالجتهم، ثم أنشأ رابطة متخصصة بهم، حتى ترشّح لانتخابات مجلس الشعب مؤخرًا.
العبد الله شارك كمرشح مجلس الشعب عن محافظة حمص، في الانتخابات التي جرت يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر 2025، حصل خلالها على 49 صوتًا من أصل 400 صوت، موضحًا لـ”نون بوست” أنه رفض الدخول في تحالف مع بقية المرشحين، ما حال دون نجاحه، مشيرًا إلى أن مشروعه الانتخابي كان متعلقًا بقضيته التي يعمل لأجلها، وهي دعم مصابي الثورة.

انخراطه بالمظاهرات
مع انطلاقة الثورة السورية، بدأ محمد العبد الله العمل على تنسيق المظاهرات وتوثيقها، قائلًا: “كنت برفقة خضر العلي، الشاب المعروف بتمزيقه صور حافظ وبشار الأسد من على باب نادي الضباط في مدينة حمص يوم جمعة العزّة 25 آذار/مارس 2011، كما كنت من أوائل الذين دخلوا ساحة الساعة للاعتصام في 18 نيسان/أبريل 2011، ولاحقنا نظام الأسد، حيث اعتُقل صديقي خضر لست سنوات”.
عمل عسكري منظم ومشاريع تنموية
مع تفاقم قمع المظاهرات واضطراره إلى حمل السلاح، اعتمد أبو جاسم على معرفته الدقيقة بجغرافية حمص، فتولّى مسؤوليات لوجستية حاسمة: نقل الأسلحة والدواء والإمدادات من لبنان والعراق إلى حمص القديمة، والعمل على فتح قنوات إمداد إلى أحيائها المحاصرة. قصّته مع الانخراط المسلّح لم تقف عند القتال فحسب، بل امتدّت إلى تأمين الإسعاف وعلاج الجرحى ونقلهم إلى نقاط آمنة وعلاجهم حتى التعافي.
خلال حصار حمص، برز أبو جاسم وفريقه كقناة حيوية لإدخال المساعدات، طبية وإنسانية وذخائر وتقنيات، عبر طرق محفوفة بالمخاطر، بما في ذلك أنفاق وقنوات صرف صحي استُخدمت لعبور الحصار.

كان هو وفريقه وحدهم من يستطيع الدخول والخروج من وإلى الحي المحاصر، وسيّروا عمليات إنقاذ وإمداد حتى آخر أيام الحصار. وقال عن هذا: “حفرنا أكثر من 20 نفقًا، وكلّما كشف نظام الأسد أحد الأنفاق، سارعنا لفتح بديل حتى آخر يوم بحصار أحياء حمص في 9 أيار/مايو 2014”.
ومع تكثيف الحصار على حي الوعر، اتخذ أبو جاسم خطوة تنظيمية عام 2013 بتأسيس كتيبة “حمص العدية”، وكرّسها للرباط والتموين والتحصين وحفر الأنفاق لتسهيل تحرك الثوار والمجاهدين، مع اهتمام خاص بحماية المدنيين الذين تعرّضوا للقنص يوميًا. إلى جانب الجهود العسكرية، لم يُهمل البعد المجتمعي والتنموي، حسبما قال لـ”نون بوست”.

أدرك أبو جاسم أن صمود حي الوعر يحتاج إلى أكثر من ذخيرة، فأسس مشاريع تنموية لتخفيف المعاناة الاقتصادية، منها، إنشاء مشتل لتعويض أشجار الحي، وإطلاق مشاريع زراعية، وتأسيس مشروع للنظافة يُوفّر عملًا لسكان الحي. خلال هذه المبادرات وظّف نحو 100 شخص بدوامات مدفوعة، وخلق أكثر من 200 فرصة عمل للعوائل الفقيرة.
إنجازات اعتبرها خطوة عملية لحماية المجتمع المحاصر وإشباع حاجاته الأساسية، موضحًا: “كنت أنهي نوبتي بالرباط وأذهب للنادي الشبابي أحضر محاضرات في العلوم السياسية وأتعلّم المهارات لتطوير نفسي، من أجل دعم أهلي المحاصرين”.
تأسيس مشاريع إنسانية وسياسية
أُصيب محمد العبد الله أثناء الاشتباكات بين الجيش الحر وقوات الأسد، في 16 شباط/فبراير 2012، ما أسفر عن بتر طرف يده اليمنى وفقد مفصل ركبته اليسرى، مع كسر بالكتف، لكن الإصابة لم تُضعف عزيمته، بل زادته إصرارًا على متابعة الدعم الطبي واللوجستي للمدنيين والمقاتلين الأحرار معًا.
مع التهجير والخروج النهائي من حي الوعر في 20 أيار/مايو 2017، اتجه إلى ريف حمص الشمالي، محاولًا وضع الخطط العسكرية للعودة إلى حمص، لكن نظام الأسد شدّد حصاره على الريف حتى هجّر ثوار حمص إلى الشمال السوري في أيار/مايو 2018، حيث تابع العمل الثوري والإنساني، وأسس “رابطة مصابي الثورة السورية” لتجميع المصابين وتقديم خدمات طبية ومشروعات دعم، حيث تضم الرابطة ثلاثة آلاف مصاب.
وأوضح العبد الله أنه يعتزم إقامة فعالية لتكريم ألف مصاب بعد عيد التحرير في 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل، ستتضمن الفعالية مقاطع تعريفية مصوّرة بكلّ مصاب يروي قصة إصابته، مضيفًا: “من مطالبنا تشكيل وزارة معنية بشؤون جرحى الثورة، من أهدافنا تأمين حياة كريمة للمصاب وعائلته، مثل تأمين المسكن والراتب الشهري، وإعطائه ميزات مثل العلاج المجاني وتخفيض الرسوم الحكومية”.
في سياق آخر، أنشأ فريق “ميثاق العدالة” السياسي ليكون جهة رقابية على الفروع الأمنية والعسكرية والقضائية في الشمال السوري، بهدف إنصاف المظلومين وتقديم حماية قانونية واجتماعية لهم، كما قال لـ”نون بوست”.

وتابع أنه أسّس فريقًا إنسانيًا تطوعيًا باسم “خيركم لأهله”، وقدّم مشاريع دعم للمهجّرين، وأنشأ معهدًا لتحفيظ القرآن “معهد خالد ابن الوليد” وتولّى إدارته، ودرّب مقاتلين في معسكرات تحت اسم “شرف والثورة”، كانت آخر دورة تدريبية يقودها قبيل تحرير سوريا بشهرين. قال: “كانت لنا بصمة في معركة ردع العدوان، ودخلنا منصورين على ظهر الدبابات بعد أن خرجنا مهجّرين في الباصات الخضر”.
بعد أربعة عشر عامًا من العمل الميداني، يقول أبو جاسم إنه انتقل بعد التحرير إلى ساحات البناء والعمران المجتمعي، ويركز حاليًا على حماية مكتسبات الثورة ومجابهة ظواهر “الشبيحة والمتسلقين الذين يركبون الموجة”.
قصة محمد العبد الله، تجربة من الصمود والكفاح والعمل الثوري بأشكاله العسكرية والمدنية مشاريع تنموية تنبض بالحياة، بهدف بناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدالة بعد سنوات من النزاع.