ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت نوال خليل ممرضة متطوعة منذ ثلاث سنوات في “مستشفى الفاشر جنوب”، عندما استولت قوات الدعم السريع على المدينة يوم الأحد. كانت مشغولة بعلاج المرضى، بينهم امرأة مسنّة بحاجة إلى نقل دم، حين بدأ الهجوم.
وقالت خليل: “قتلوا ستة من الجنود الجرحى والمدنيين في أسرّتهم – وبعضهم نساء. لا أعرف ما حدث لبقية مرضاي. اضطررت للهرب عندما اقتحموا المستشفى”.
أصيبت نوال خليل (27 عاما) برصاصتين في القدم اليمنى والفخذ بينما كان مقاتلو قوات الدعم السريع يستولون على مقر الجيش السوداني القريب من المستشفى. فرّت من المدينة وسارت يومًا كاملًا وهي مصابة، دون طعام، لتصل إلى قرية قرني. وأضافت: “أخذوا هاتفي وأموالي في الطريق. لم يبق لديّ شيء”.

سار أكثر من 1000 شخص، بينهم نساء وأطفال، لمدة يومين للوصول إلى مدينة طويلة بولاية شمال دارفور بعد فرارهم من الفاشر التي سقطت بعد حصار دام 18 شهرًا.
تقع طويلة على بعد نحو 55 كيلومترا غرب الفاشر، وتخضع لسيطرة فصيل جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
يوم الثلاثاء، اتهمت القوات المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني، قوات الدعم السريع بقتل أكثر من 2000 مدني منذ سقوط مدينة الفاشر. وأشارت الأمم المتحدة إلى وجود مقاطع فيديو تظهر “إطلاق الرصاص على العشرات من الرجال العزل، محاطين بمقاتلي قوات الدعم السريع”.
ووفقًا لشهود عيان، لا تزال قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها تحاصر آلاف المدنيين في قرني جنوب غرب الفاشر. وتشير التقارير إلى أن العديد منهم جنود سابقون في الجيش السوداني والقوات المشتركة وجماعات مسلحة أخرى كانت تقاتل إلى جانب الجيش السوداني.
يُحتجز هؤلاء المدنيين لأنهم غير قادرين على دفع فدية تتراوح بين 5 و10 ملايين جنيه سوداني (حوالي 6 إلى 12 ألف جنيه إسترليني)، بحسب ناجين وصلوا إلى طويلة. وقد بقي من لم يتمكن من دفع المبلغ محتجزًا لأيام، وفي بعض الحالات أُطلق سراحهم بعد تدهور حالتهم الصحية.
وأفادت التقارير بأن فصيل جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور سمح لقوات الحكومة التي فرت من الفاشر بدخول طويلة مقابل تسليم أسلحتهم.
نجا آدم يعقوب، 28 عامًا، وهو سائق من مدينة سنار وسط السودان، من الموت بأعجوبة بعد أن قبض عليه ثلاثة مسلحين على جمال بالقرب من قرني. وقال يعقوب لـ”الغارديان”، مشيرًا إلى ذراعه التي أصابها أحد المقاتلين بمؤخرة بندقية أيه كيه-47: “كانوا يريدون قطع رأسي بسكين، لكن أحدهم تعرف عليّ، كان أخوه قد عمل معي، وتوسل إليهم ألا يقتلوني. كنا 18 شخصًا غادرنا الفاشر معًا، لكن وصل إلى طويلة ثمانية فقط. أعتقد أن البقية قُتلوا”.
وأضاف يعقوب أنه شاهد 22 جثة بالقرب مما وصفه بـ”البئر المزيف” الذي اتخذته قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها كمينا بين قرني وطويلة. وقال: “إنه فخ. يمشي الناس طوال اليوم بلا ماء، وعندما يصلون إليه، تكون الميليشيات في انتظارهم. قتلوا 22 رجلًا هناك وأخذوا الجثث لإخفائها”.
ممرض آخر نجا من “مستشفى الفاشر جنوب” بعد هجوم يوم الأحد، قال إن مقاتلي قوات الدعم السريع دخلوا من بوابة واحدة وأطلقوا النار على المرضى في قسم الطوارئ، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص. وأضاف: “هربنا عبر بوابة أخرى، لكنهم ضربوني على الرأس ببندقية”.
وفي بيان مصور يوم الأربعاء، أكد قائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، أن أي جندي أو ضابط “انتهك حق أي شخص” سيكون مسؤولًا قانونيًا.
العديد من الذين نجوا من الفاشر قضوا ساعات مختبئين قرب وحدة المدفعية التابعة للجيش السوداني قبل أن يفروا غربًا تحت جنح الظلام. أما العائلات التي كانت قد نزحت سابقًا من مخيم أبو شوك داخل المدينة، فقد اضطرت إلى النزوح مرة أخرى، باحثةً عن مأوى في حي “درجة أولى”، قبل أن تواصل رحلتها نحو طويلة.
وأفادت تقارير بأن من وقعوا في قبضة قوات الدعم السريع في قرني قُدّم لهم ماء ممزوج بالدقيق لإنعاشهم بعد أن ساروا يومًا كاملًا دون مؤونة. وذكر الناجون أنه تم فصل المحتجزين حسب الجنس والانتماء: احتُجز الرجال المشتبه في كونهم مقاتلين، بينما أُفرج عن بعض المدنيين أو أُطلق سراحهم بعد دفع فدية.
وفي سياق متصل، نشر فصيل جيش تحرير السودان مقاتلين إضافيين حول طويلة “لحماية الفارين من الفاشر ومنع أي اشتباكات في حال لاحقت قوات الدعم السريع الجماعات المسلحة التي انسحبت بأسلحتها”، وفقًا لما ذكره قائد محلي.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن عناصر من الجيش السوداني والفصائل المتحالفة معه لا تزال تقاوم في منطقة جبل وانا شمال غرب الفاشر، بعد فقدان السيطرة على المدينة.
من جهتها، أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” عن استقبالها موجة كبيرة من النازحين في عيادتها بمستشفى طويلة.
وقال منسق المشروع، سيلفان بينيكو: “وصل أكثر من ألف شخص من الفاشر خلال الليل سيرًا على الأقدام وفي شاحنات، بعد رحلة شديدة الخطورة. كثيرون كانوا في حالة ضعف شديد، يعانون من سوء التغذية والجفاف”.
المصدر: الغارديان