اعتمد مجلس الأمن الدولي، الجمعة 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، قرارًا جديدًا حول الصحراء الغربية، اعتبر فيه أن منح الإقليم “حكمًا ذاتيًا حقيقيًا تحت السيادة المغربية” قد يشكل خيارًا أكثر واقعية وفعالية لإنهاء الأزمة المستمرة منذ سبعينات القرن الماضي، داعيًا الأطراف المعنية إلى استئناف التفاوض على هذا الأساس.
حصل القرار على تأييد 11 دولة من أصل 15 عضوًا في المجلس، فيما امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، بينما غابت الجزائر عن الجلسة. كما جدّد المجلس مهمة بعثة حفظ السلام في الصحراء لمدة عام إضافي، في محاولة لإبقاء مسار الحل مفتوحًا في واحد من أطول الملفات العالقة في شمال أفريقيا والعالم العربي.
طوال نحو خمسة عقود، لم تكن الصحراء الغربية مجرد ملف حدودي معلّق، بل تحوّلت إلى مركز الصراع البنيوي الأعمق بين المغرب والجزائر. هذا النزاع شكّل العقيدة الأمنية للطرفين، وأعاد هندسة مؤسساتهما الدفاعية، ورسم دوائر اصطفافاتهما الخارجية وتحالفاتهما، وأعاد تعريف أولوياتهما الاستراتيجية.
– اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارًا يؤكد أن منح الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا تحت السيادة المغربية قد يكون الحل الأنجع للنزاع المستمر منذ خمسة عقود.
– جاء القرار بعد تصويت 11 دولة لصالحه، بينما امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر، في وقت جدد فيه المجلس مهمة… pic.twitter.com/ici4uDMREJ
— نون بوست (@NoonPost) November 1, 2025
يُذكر أنه عقب انسحاب إسبانيا من الصحراء الغربية عام 1975، نشأ فراغ سيادي في الإقليم، دفع المغرب إلى اعتباره جزءًا من أراضيه، بينما أعلنت جبهة البوليساريو قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم عسكري وسياسي من الجزائر.
ومنذ ذلك الحين، دخل الطرفان في نزاع مسلح استمر لسنوات، قبل أن ينتهي فعليًا بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار عام 1991 برعاية الأمم المتحدة، التي تعهّدت حينها بالتوصل إلى تسوية عبر تنظيم استفتاء لتقرير المصير، لم يرَ النور حتى اليوم، وهكذا، بقي الملف معلقًا لقرابة خمسة عقود: لا حرب شاملة تعيد رسم الواقع، ولا حل سياسي نهائي ينهي النزاع بصورة حاسمة.
اليوم، ومع صدور قرار مجلس الأمن بهذه الصيغة الأكثر وضوحًا تجاه خيار الحكم الذاتي، يبرز سؤال مركزي: هل يمهّد هذا التحوّل الدولي لإغلاق واحد من أعقد النزاعات المزمنة في المنطقة؟ أم أن لحظة الحسم المحتملة قد تُعيد أيضًا فتح باب تصعيد جديد، سياسيًا وربما ميدانيًا، في منطقة تعيش أصلًا على حافة التوتر الدائم؟
تفاصيل الخطة المغربية
في 11 أبريل/نيسان 2007 قدّمت الرباط مبادرة وصفتها بأقصى سقف ممكن في ملف الصحراء الغربية، تقوم على منح الإقليم حكمًا ذاتيًا موسّعًا ضمن السيادة المغربية، باعتبار هذا الخيار فرصة عملية لإعادة إطلاق المفاوضات وإيجاد تسوية نهائية للنزاع.
وقد قوبلت المبادرة التي استندت – بحسب المغرب – إلى مقاربة توافقية منسجمة مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بالرفض من الجزائر وجبهة البوليساريو، مما زاد من تأزم الملف طيلة السنوات الماضية.
تقوم الخطة على نقل جزء من صلاحيات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى “جهة الحكم الذاتي للصحراء”، بما يسمح لسكان الإقليم بإدارة شؤونهم محليًا بشكل ديمقراطي، مقابل احتفاظ الرباط بصلاحيات السيادة الأساسية، خاصة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية، إضافة إلى استمرار الملك في ممارسة اختصاصاته الدينية والدستورية.
تقترح المبادرة أن تُمارس الجهة التنفيذية في الصحراء من خلال رئيس حكومة منتخب من البرلمان الصحراوي، ويتم تنصيبه من قبل الملك، على أن يتشكل البرلمان من ممثلين منتخبين عن مختلف القبائل الصحراوية.
وتتعهد الرباط بضمان حقوق الإنسان لسكان الإقليم وفق ما ينص عليه الدستور المغربي والمعايير الدولية، مقابل إدراج نظام الحكم الذاتي ضمن فصول الدستور المغربي وإصدار عفو شامل عن كل من صدرت بحقهم أحكام مرتبطة بالنزاع.
بهذه الصيغة، أراد المغرب تقديم نموذج “حل وسط” يعتبره واقعيًا وقادرًا على خلق أرضية مشتركة، على عكس مسار الاستفتاء الذي ظل عالقًا منذ عقود دون تقدم ملموس، لكنه النموذج الذي يعكس وجهة النظر المغربية الصرفة متجاهلًا رؤية الطرف الأخر.
تحريك للمياه الراكدة.. 50 عامًا من الجمود
تنظر الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، التي كانت خاضعة للاستعمار الإسباني حتى عام 1975، باعتبارها أحد “الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي” في ظل غياب تسوية نهائية للنزاع القائم بين المغرب من جهة، والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى. ويُعد الإقليم الحالة الأفريقية الوحيدة التي ما زال وضعها القانوني معلقًا بعد نهاية حقبة الاستعمار، مع استمرار الخلاف حول مستقبلها السياسي.
منذ عام 2019، يدعو مجلس الأمن الأطراف المعنية: المغرب، البوليساريو، الجزائر، وموريتانيا، إلى استئناف المفاوضات بهدف الوصول إلى حل سياسي “واقعي ودائم ومقبول للطرفين”، إلا أنّ هذه الدعوات لم تثمر، بفعل تمسّك كل طرف بمنظوره الخاص وشروطه المسبقة.
وفي عام 2020، خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، أعلنت الإدارة الأميركية دعمها المقترح المغربي للحكم الذاتي، مقابل اتفاق التطبيع بين الرباط وتل أبيب، الأمر الذي فتح الباب لاحقًا أمام مواقف مشابهة من عدد من الدول الأوروبية الكبرى مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. هذا التحوّل أحدث ارتجاجًا عميقًا في شبكة علاقات الجزائر الخارجية، وخصوصًا مع فرنسا التي دخلت في مسار توتر متفاقم منذ صيف 2024.
وجاء مشروع القرار الأميركي الذي عُرض للتصويت في مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، ليُكرّس هذا التحوّل بشكل رسمي، بعد تبنّي المجلس بأغلبية واضحة خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وفق الصيغة التي تقدّم بها المغرب منذ عام 2007، بهذه اللحظة، انتقل الملف نظريًا من نقاش بين مقترحات متنافسة إلى ما يشبه ترجيحًا دوليًا لمعادلة واحدة.
رفض بوليساري.. حق تقرير المصير خيار وحيد
قوبل قرار مجلس الأمن برفض مباشر من جبهة البوليساريو، التي اعتبرت أنّ الخطوة تمثل مساسًا جوهريًا بحق تقرير المصير، وفي بيان شديد اللهجة، أكدت الجبهة أنها لن تُشارك في أي مسار سياسي أو تفاوضي يقوم على مقترحات “تُشرعن الاحتلال المغربي للإقليم، وتفرّغ حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف من مضمونه” بحسب لغة البيان.
وحذّرت البوليساريو من أنّ فرض مقاربة أحادية لصالح خيار واحد – في إشارة إلى ما انتهى إليه القرار الأممي – من شأنه تعقيد النزاع وزيادة التوتر، معتبرة أن “التنازل عن مبادئ القانون الدولي بدافع اعتبارات سياسية ظرفية لن يُنتج سلامًا مستدامًا، بل سيهدد أمن واستقرار المنطقة بأكملها”، واصفة بعض مضامين القرار الأخير بأنها تمثل “انحرافًا غير مسبوق” عن الأسس التي اعتمدها مجلس الأمن تاريخيًا في تناول ملف الصحراء الغربية.
جبهة #البوليساريو تؤكد تمسك الشعب الصحراوي🇪🇭 القوي بحقه غير القابل للمساومة في تقرير المصير والاستقلال وبالدفاع عن حقوقه وسيادته بكل الوسائل المشروعة. pic.twitter.com/FiNhGTZSe3
— Amb. Sidi Omar (@SidiOmarNY) November 1, 2025
وفي الوقت ذاته، شددت الجبهة على أنها ما زالت منفتحة على المسار السلمي، ومستعدة للدخول في مفاوضات مباشرة مع المغرب وفق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، مذكّرة بالمقترح التفصيلي الذي قدمته للأمين العام في 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
في المقابل، رحّب العاهل المغربي الملك محمد السادس بالقرار، معتبرًا إيّاه نقطة تحول حاسمة، معلنًا أنه سيقوم بإعادة صياغة وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي وتقديمها للأمم المتحدة “لتكون الأساس الوحيد للتفاوض بوصفها الحل الواقعي والقابل للتطبيق”.
وأضاف أن مرحلة ما بعد 31 أكتوبر “لن تكون كما قبلها”، وأن بلاده “على مشارف إنهاء ملف عمره نصف قرن”، موجعًا شكره للولايات المتحدة وفرنسا وعدد من الدول العربية والأفريقية على دعمها لموقف الرباط بشأن الصحراء.
تحفظ جزائري: الانحياز لرؤية دون أخرى
لم يلق القرار الأممي قبولًا لدى الجزائر، التي غابت عن جلسة التصويت، إذ وصف مندوبها لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع المسار الحالي بأنه “فرصة ضائعة”، وفي كلمته عقب التصويت، عبّر عن أسفه لأن المبادرة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإحداث اختراق في مسار السلام لم تُترجم إلى دفع فعلي من جميع الأطراف، معتبرًا أن القرار الأخير “لا يخلق الزخم ولا المناخ الملائم لنجاح حل يحقق مكاسب للجميع دون منتصر أو مهزوم”.
وبرّر بن جامع عدم مشاركة بلاده في التصويت بأن القرار “لا يجسد العقيدة الأممية في مجال تصفية الاستعمار بصورة دقيقة”، وإن الجزائر – بوصفها دولة مجاورة مباشرة للنزاع – شاركت في صياغة المشروع بروح “بنّاءة وحسنة النية”.
وأشار المندوب الجزائري إلى أنّ الولايات المتحدة قامت بإدخال تعديلات جوهرية على المسودة الأصلية للقرار، عبر إعادة التأكيد على معايير الحل العادل والدائم، وعلى الحق غير القابل للتصرف للشعب الصحراوي في تقرير مصيره، والدعوة إلى مفاوضات مباشرة بين المغرب والبوليساريو دون شروط مسبقة.
لكنّه شدّد على أن الإطار المقترح ما زال “ضيّقًا” بدرجة تمنح الأفضلية لسيناريو واحد على حساب الخيارات الأخرى، وهو ما يحد – من وجهة نظر الجزائر – من قدرة العملية التفاوضية على الإبداع والمناورة اللازمة للوصول إلى اتفاق حرّ ومتوازن، ويُظهر طموحات طرف على حساب تطلعات الطرف الآخر.
أمريكا بين الوساطة والبروباغندا
في مقابلة بثّها برنامج “60 دقيقة” على شبكة CBS News، مساء الأحد 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعهّد ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، بحلّ الخلاف الجزائري – المغربي خلال ستين يومًا فقط.
وقد ظهر ويتكوف في المقابلة رفقة جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره المقرّب، مؤكدًا أنّ واشنطن تعمل على تقريب وجهات النظر بين الجارتين، والوصول إلى تسوية شاملة في غضون شهرين، الأمر الذي أثار موجة واسعة من الجدل والفضول السياسي، خصوصًا في ظل تصاعد منسوب التوتر بين البلدين منذ اندلاع احتجاجات “جيل زاد” في المغرب.
وتقوم الرؤية الأميركية، وفق ما طرحه ويتكوف وما أوضحه لاحقًا مستشار ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولس، على ثلاثة أعمدة رئيسية: إعادة تسوية ملف الصحراء الغربية باعتباره مدخلًا للسلام، ثم تحقيق مصالحة سياسية بين المغرب والجزائر ضمن مهلة زمنية قصيرة، وأخيرًا استخدام النفوذ الأميركي كأداة ضغط وضمان وإنفاذ.
وعلى المستوى النظري تبدو المقاربة الأميركية محكمة وواقعية في ظاهرها؛ فهي تتحدث عن إعادة بناء الثقة وتطبيع العلاقات وإنهاء إرث نزاع مزمن. غير أنّ القراءة العميقة تكشف أنها أقرب إلى مقاربة سطحية لا تُلامس جذور الصراع المركّب بين البلدين، بقدر ما تعكس نمط الخطاب الدعائي الذي يهيمن على ديبلوماسية إدارة ترامب، أكثر مما تقدم رؤية استراتيجية متماسكة.
فالنزاع بين المغرب والجزائر ليس خلافًا حدوديًا قابلًا للإطفاء خلال أسابيع، بل هو نتاج تراكم تاريخي من الارتياب وانعدام الثقة، يتغذّى من حسابات الهوية والسيادة والتموقع الإقليمي، ومن هنا، يرى كثيرون أنّ الوعد بحلّ نزاع عمره خمسون عامًا خلال ستين يومًا لا يتجاوز كونه جزءًا من ماكينة البروباغندا السياسية التي اعتاد ترامب توظيفها لتكريس صورته كـ”صانع صفقات” و”مهندس سلام عالمي”، بصرف النظر عن التعقيد الحقيقي الذي يعتمل في الواقع السياسي والميداني.
ما السيناريوهات؟
حتى هذه اللحظة، يظل كل طرف متمسكًا بمواقفه السابقة، مما يضع المشهد بعد قرار مجلس الأمن أمام ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول: إبقاء الوضع على حاله
يتمثل في استمرار الجمود والتوتر، إذ يبدو الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية ثابتًا وواضحًا، كما عبّر عنه الرئيس عبد المجيد تبون مرارًا. فالجزائر تعتبر الملف مسألة سيادة وطنية تمس كيان الدولة وكرامتها، بل وتصفه أحيانًا بأنه مسألة “حياة أو موت”، واعتباره مقياسًا لاستقلال قرارها السياسي في مواجهة المغرب.
أما جبهة البوليساريو، التي تشكل العقبة الأبرز أمام أي حل أمريكي أو مغربي، فتصر على عدم قبول أي تسوية لا تشمل الاستفتاء وتقرير المصير، معتبرة مقترح الحكم الذاتي المغربي محاولة لطيّ قضيتها نهائيًا. ويرى مراقبون أن أي تجاوز لهذا المبدأ قد يعيد النزاع إلى نقطة الصفر، بدل دفعه نحو التسوية.
في ظل هذا السيناريو، قد تلجأ الجزائر والبوليساريو إلى تفعيل أدواتهما الدبلوماسية في المحافل الدولية والإقليمية، لا سيما الاتحاد الأفريقي، لتشكيل جبهة مضادة للقرار الأممي، مع الاستمرار في رفض أي مفاوضات مباشرة مع المغرب، معتبرة نفسها “طرف مراقب” لا طرفًا في النزاع، وفي هذه الحالة، يبقى الوضع على ما هو عليه، مع استمرار حالة “اللاحرب واللاسلم”، وتفاقم المناوشات الحدودية والتوتر الإعلامي، ما يعيق أي جهود للمصالحة في المنطقة المغاربية.
السيناريو الثاني: التصعيد مقابل الضغط
قد لا تكتفي الجزائر والبوليساريو بالصمت الدبلوماسي، فيلجأن إلى خيارات تصعيدية، وإن كانت احتمالاتها محدودة. قد يتجسد هذا التصعيد العسكري في مواجهات محدودة أو رمزية في المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي لإظهار رفض القرار الأممي، ما يزيد التوتر على الحدود.
ردًا على ذلك، قد تتكثف الضغوط الدولية على الجزائر والبوليساريو، بقيادة الولايات المتحدة والقوى العظمى التي دعمت القرار، لدفعهما نحو مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الرباط. وقد تدخل وساطات إقليمية، خليجية أو أوروبية، لاستكشاف “مخرج” لإنهاء القطيعة بين البلدين، لكن من المرجح أن يظل الحل الجزري بعيد المنال ما دام ملف الصحراء قائمًا.
السيناريو الثالث: القبول الجزائري
رغم تمسك الجزائر بمواقفها التقليدية، ثمة احتمال أن تقبل، تحت ضغوط دولية وضمانات محفزة، بالمشاركة في العملية السياسية، ليس بالضرورة بالاعتراف الرسمي بخطة الحكم الذاتي، ولكن بالجلوس للمفاوضات كطرف رئيسي للتوصل إلى حل متفق عليه.
يتوافق هذا السيناريو مع المبادرات المغربية المتقطعة الرامية إلى تهدئة الأجواء بين المغرب والجزائر، ويتيح للرباط استخدام القرار الأممي كنقطة انطلاق لإعادة تقديم مبادرات الحوار، مع إمكانية تطبيع العلاقات الثنائية مقابل تنازلات غير مباشرة أو إعادة تقييم شاملة للعلاقات، بغض النظر عن التسوية النهائية لملف الصحراء.
في ضوء ما سبق يمكن يمثل قرار مجلس الأمن الأخير نقطة تحول مفصلية في مسار نزاع الصحراء الغربية المستمر منذ خمسة عقود، حيث يضع هذا التبدل في المزاج الدولي، الذي عززته مواقف القوى الكبرى، الملف نظريًا على أعتاب مرحلة جديدة قد تنهي حالة “اللاحرب واللاسلم” التي طبعت المنطقة طويلًا.
فبينما يرى المغرب في هذا القرار اعترافًا حاسمًا بمرجعية مبادرته، وتلوح الرباط بإعادة تقديم تفاصيل الحكم الذاتي كأرضية وحيدة للمفاوضات، تجد الجزائر وجبهة البوليساريو نفسيهما في مواجهة ضغوط غير مسبوقة للتخلي عن مطلب الاستفتاء والقبول بمسار لا يجسد “العقيدة الأممية لتصفية الاستعمار” من وجهة نظرهما.
ومن هنا يبقى السؤال الجوهري معلقًا: هل سيُسهم هذا “الترجيح الدولي” في تحريك المفاوضات نحو تسوية سياسية دائمة وعادلة، أم أنه سيزيد من تعقيد الصراع البنيوي القائم بين الجارتين؟
بالنظر إلى رفض البوليساريو القاطع للقرار والتحفظ الجزائري المعلن، فإن السيناريو الأرجح في المدى القريب هو استمرار الجمود المصحوب بتوتر نسبي، هذا التوتر قد يدفع الجزائر والبوليساريو إلى تصعيد دبلوماسي مضاد في المحافل الإقليمية، أو حتى تصعيد محدود على الأرض، في محاولة لإعادة فرض خيار تقرير المصير كشرط وحيد للسلام.
وهكذا، قد يجد الملف نفسه – بعد فترة قصيرة من الزخم – عائدًا إلى نقطة “اللاحل الحاسم”، حيث تتنافس الإرادة الدولية لإنهاء النزاع مع الإرادات الوطنية التي ترى فيه قضية وجود وسيادة غير قابلة للتفاوض أو التنازل، ليؤكد هذا الملف مجددًا على الحقيقة الراسخة بأن المستقبل السياسي للصحراء الغربية لن يتحدد بمجرد قرار دولي أو مبادرة أحادية، بل من خلال قدرة جميع الأطراف على التوصل إلى توافق مستدام، قادر على الجمع بين المصالح الوطنية.
