ترجمة وتحرير: نون بوست
كشفت صحيفة فاينانشال تايمز أن جمعيات خيرية مدرجة على قوائم العقوبات ومرتبطة بحزب الله دأبت على توجيه المتبرعين لإجراء التحويلات المالية عبر مزودي خدمات الدفع الرقمي اللبنانيين الذين تربطهم شراكات مع شركات بطاقات الدفع الأمريكية.
أظهرت المقابلات وسجلات المعاملات أن العديد من الجمعيات الخيرية في شبكة البرامج الاجتماعية التابعة للحزب طلبت من المتبرعين إرسال الأموال إلى محافظ رقمية مملوكة لأفراد عبر شركة “ويش موني” التي تتخذ من بيروت مقراً لها، أو التبرع عبر منافستها “أو إم تي
تسلط نتائج تحقيق صحيفة فاينانشال تايمز الضوء على كيفية استغلال حزب الله للضعف في مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال لجمع الأموال، رغم تعرض الحزب لضغوط عالمية شديدة منذ هزيمته في الحرب مع إسرائيل العام الماضي
لطالما كان حزب الله قوة سياسية وعسكرية مهيمنة في لبنان، ويمتلك شبكة واسعة من مؤسسات الرعاية الاجتماعية تشمل المدارس والمستشفيات وبنوك الطعام، وهي ضرورية للحفاظ على النفوذ والدعم الشعبي.
-

فرق من الكشافة تحضر اجتماعاً في بيروت، وتحمل أعلامًا وصورًا لزعيم حزب الله حسن نصر الله
إن تحويل الأموال عبر أفراد غير خاضعين للعقوبات بدلاً من الحسابات الرسمية للجمعيات الخيرية يزيد من احتمال فشل أدوات فحص العقوبات وإجراءات “اعرف عميلك” في كشف الروابط بين من يتلقى التحويلات والمستفيد النهائي منها.
شهد قطاع تحويل الأموال في لبنان توسعًا سريعًا عقب الأزمة الاقتصادية والمصرفية التي ضربت البلاد عام 2019، حيث توجه المستخدمون إلى شركات الدفع الرقمي لإجراء المدفوعات المحلية والتحويلات الدولية.
وحسب البنك الدولي، دخل البلاد نحو 6 مليارات دولار من التحويلات في عام 2024، بفضل ملايين اللبنانيين المغتربين حول العالم
ولتسهيل خدمات التحويلات عبر الحدود، تعاونت شركة “ويش” مع عملاقي بطاقات الدفع “فيزا” و”ماستركارد” اللذين أعلنا في بيان صحفي في أغسطس/ آب أن هذا التعاون سيسمح للمستخدمين اللبنانيين بتمويل محافظ “ويش” باستخدام بطاقاتهم
ومؤخراً، حصلت “ويش”، التي تقول إنها تخدم أكثر من مليوني عميل في أكثر من 110 دول، على ترخيص خدمات مالية في كندا. أما “أو إم تي”، فهي وكيل “ويسترن يونيون” في لبنان منذ فترة طويلة، وتربطها شراكة مع “فيزا”.
ورغم أن مؤيدي التحول من النقد إلى الدفع الرقمي يرون أنه يجعل التحويلات المالية أكثر قابلية للتتبع ويعزز الشفافية، فإن النتائج التي توصلت إليها صحيفة فاينانشال تايمز تثير القلق بشأن عجز شركات الدفع مثل “ويش” و”أو إم تي” على وقف تدفق الأموال إلى منظمات خاضعة لعقوبات أمريكية
في أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول، تواصل مراسلو فاينانشال تايمز عدة مرات مع ثلاث جمعيات خيرية تابعة لحزب الله تقدم الدعم الصحي وغيره من أشكال الدعم لمنتسبي الحزب وعائلاتهم.
وتشمل هذه الجمعيات الفرع اللبناني لمؤسسة الإمام الخميني للإغاثة، المعروفة باسم جمعية “الإمداد”، ومؤسسة “الشهيد” – وكلاهما خاضع لعقوبات أمريكية – بالإضافة إلى مؤسسة “الجرحى”.

- آثار القصف الإسرائيلي على سهل مرجعيون جنوب لبنان
طلبت كل من الجمعيات الخيرية إرسال التبرعات عبر “ويش” أو “أو إم تي”. وقدمت هذه الجمعيات للصحفيين أسماء أفراد وأرقام هواتف لبنانية مرتبطة بمحافظ “ويش” لتلقي التبرعات، وأكد موظفون في ثلاثة فروع منفصلة لـ”ويش” أن المحافظ كانت نشطة.
كانت أرقام الهواتف مرتبطة بأفراد وليس بحسابات تجارية تابعة لجمعيات خيرية، مما يشير إلى أن هؤلاء الأفراد كانوا يجمعون التبرعات نيابة عن الجمعيات.
أحد أرقام الهواتف المقدمة مدرج أيضًا على موقع مؤسسة الشهيد، مما يثير تساؤلات حول مستوى العناية الواجبة التي أجرتها “ويش” بشأن صاحب الحساب.
وفي حالة “أو إم تي”، قال موظفون لفاينانشال تايمز إن الأفراد لا يملكون محافظ على منصتهم، لكن يمكنهم استلام الأموال نقدًا من المتبرعين الذين يرسلون الأموال باستخدام اسم المستلم ورقم هاتفه.
تشير الوثائق التي اطلعت عليها فاينانشال تايمز، إلى جانب لقطات شاشة لمحادثات عبر “واتساب” وتسجيلات للمراسلات مع المتبرعين، إلى أن الجمعيات الخيرية تجمع التبرعات دوليًا أيضًا عبر بعض الوسطاء أنفسهم.
في إحدى الحالات، في وقت سابق من هذا العام، وجّه أحد ممثلي جمعية الإمداد متبرعًا لإرسال الأموال عبر “ويش” باستخدام اسمه ورقم هاتفه كمستلم.
يُظهر إيصال المعاملة أن تحويلاً بالدولار تم إرساله لاحقاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية – التي تضم جالية لبنانية كبيرة – إلى هذا الشخص عبر الشريك الدولي لـ”ويش” شركة “ريا”، وتلقى المتبرع لاحقاً إيصالاً من جمعية الإمداد بهذه المعاملة.
يتطابق الاسم والرقم مع بيانات الوسيط الذي وجهت جمعية الإمداد صحفيي الفاينانشال تايمز إليه لإجراء التحويلات المحلية والدولية، والذي تحدث إليه الصحفيون.
وفي حالة أخرى، أراد أحد المتبرعين التبرع بأكثر من 10,000 دولار لجمعية الإمداد، فقام شخص يدير حساب واتساب الخاص بالجمعية بتوجيهه للقيام بذلك عبر مجموعة من الدفعات الصغيرة، وقدم له أسماء عدة أفراد حتى يرسل إليهم الأموال.
-

فرع لشركة “ويش” في بيروت
ارتفعت شعبية “ويش” بشكل كبير منذ انهيار القطاع المصرفي، لكنها وجدت نفسها في مرمى نيران جماعات الضغط – بما في ذلك اللوبيات المصرفية القوية في لبنان – التي وجهت لها اتهامات متناقضة، بأنها مؤيدة لحزب الله في بعض الأحيان، ومعارضة له في أحيان أخرى
اتهمت صحيفة “الأخبار” المؤيدة لحزب الله هذا الشهر شركة “ويش” بالرضوخ للضغوط الأمريكية من خلال إغلاق حسابات منظمة غير حكومية ومسؤول محلي يعمل في جنوب لبنان، المعقل التقليدي للحزب.
ولا يوجد ما يشير إلى أن “ويش”، أو “أو إم تي”، أو “ريا” كانوا على علم بأن أي مدفوعات تصل للأفراد من المرجح أن تذهب إلى جمعيات خيرية خاضعة للعقوبات.
وقالت “ويش” إنها كانت هدفاً لحملة تشويه “دبرتها مجموعة من السياسيين والمصرفيين الفاسدين”، ورفضت “أي محاولات لربط ويش موني بأنشطة غير مشروعة”.
وأضافت أن كل مستخدم يخضع لـ”فحص صارم ومستمر” بناء على قوائم العقوبات الدولية وقوائم المراقبة الخاصة بالبنك المركزي، وأن جميع المعاملات تتم مراقبتها “لكشف ومنع أي شكل من أشكال غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب”.
وقالت: “بصفتنا كيانًا ماليًا مرخصًا ومنظمًا، فإننا نبلغ عن المعاملات إلى مصرف لبنان وإلى القوى الأمنية وفقًا لما يقتضيه القانون”.
وقالت “أو إم تي”، بصفتها وكيل “ويسترن يونيون” في لبنان، إنها تمتثل بشكل كامل للوائح الأمريكية والدولية، وتقوم بفحص العملاء ومراقبة المعاملات، ولا تربطها أي علاقة بأي من الجمعيات الخيرية الثلاث.
وقالت “فيزا” إنها تلتزم بجميع اللوائح المعمول بها، بما في ذلك العقوبات، وتطلب من عملائها وشركائها الالتزام بها أيضًا، بينما قالت “ماستركارد” إنها تستخدم أحدث التقنيات وأفضل الممارسات لمراقبة النشاط على شبكتها و”معالجة أي معاملات مثيرة للريبة”.
ولا يوجد ما يشير إلى أن أنظمة “فيزا” أو “ماستركارد” قد استُخدمت في المعاملات التي فحصتها فاينانشال تايمز.
وقالت شركة “ريا” إن لديها نظامًا قويًا للرقابة، وتقوم بـ”جهود معقولة” لاكتشاف الأنشطة المشبوهة والإبلاغ عنها للسلطات.
وأرسل مكتب العلاقات الإعلامية الخارجية لحزب الله بيانات نيابة عن مؤسستي “الجرحى” و”الشهيد”، يسلط كلاهما الضوء على طابعه الإنساني، وعلى أنهما لا يملكان حسابات رسمية على “ويش” أو “أو إم تي”. وأضافت مؤسسة “الشهيد” أنها لا تملك أيضاً حسابات “مرخصة”.
وقالت مؤسسة “الجرحى” إن من واجب الجمعية تلقي الدعم لـ”الجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة”، من “مجتمع واسع من المؤيدين داخل لبنان وخارجه”. ولم ترد جمعية “الإمداد” على طلب التعليق.
المصدر: فاينانشال تايمز