في 11 من الشهر الحالي يتوجّه العراقيون إلى صناديق الاقتراع للمرّة السادسة منذ 2005، لكن المزاج العام لا يشبه مزاج «الانتقال الديمقراطي» الذي بُشِّروا به قبل عشرين عامًا.
فبدل أن تتراكم الخبرة الانتخابية لتُنتج ثقة، تراكمت الوقائع لتُنتج شكًّا: شكّ في حياد الدولة، شكّ في عدالة التمثيل، شكّ في جدوى التصويت، بل وشكّ في أن النتائج تعبّر عمّا جرى يوم الاقتراع أصلًا.
هذا الشكّ لم ينشأ من فراغ، بل من سلسلة حلقات متتابعة بدأتها سلطة الاحتلال حين أسست مجلس الحكم على قاعدة التوزيع الطائفي لا على قاعدة الإرادة الوطنية، ثم ثُبّتت بدستور صيغ على عَجَل وتحت ضغط، ثم تعمّقت مع غياب مؤسسات نصّ عليها الدستور (مثل مجلس الاتحاد) ولم تُنشأ، ثم جاءت ممارسات لاحقة – تسييس القضاء، إقصاء مرشحين عبر المساءلة والعدالة، اغتيال أو تهديد منافسين، مشاركة قوى مسلّحة في انتخابات مدنية، وإنفاق انتخابي غير شفاف – لتؤكد لدى الجمهور أن «اللعبة» أكبر من الصندوق.
لهذا يمكن القول إن المشكلة في العراق ليست في «وجود انتخابات» بل في نوعية البيئة التي تجري فيها الانتخابات، فالديمقراطية لا تُقاس بعدد الدورات الانتخابية، بل بقدرة الناخب على أن يصدق أن صوته ينتقل بلا تشويه من صندوقه إلى مؤسسة الحكم.
وحين تنكسر هذه السلسلة – عند كتابة الدستور، أو عند تفسير القانون، أو عند تشكيل الحكومة – يتكوّن ما يمكن تسميته بـ «العقل الانتخابي الشاكّ» الذي صار مكوّنًا من مكونات الوعي السياسي العراقي بعد 2003.
في المقال التالي أحاول تفكيك هذا الشكّ، لا بوصفه مزاجًا سلبيًا أو عزوفًا عن المشاركة، بل بوصفه استجابة سياسية عقلانية لمشاهد متكررة جعلت الديمقراطية في العراق تبدو مطبَّقة شكلاً، ومقيّدة جوهرًا. ومن هنا تأتي المحاور العشرة الآتية: من مجلس الحكم، إلى الدستور، إلى القضاء، إلى السلاح، إلى غياب الشفافية… بوصفها حلقات في سلسلة واحدة أنتجت أزمة الثقة الراهنة.
مجلس الحكم وتأسيس عرف الشكّ والمحاصصة
يُعدّ مجلس الحكم الانتقالي الذي أُنشئ في تموز عام 2003 بإشراف سلطة الاحتلال الأمريكي، أول تجربة سياسية بعد سقوط النظام السابق، لكنه كان في الوقت نفسه اللبنة الأولى لولادة الشكّ في العملية السياسية. فقد جرى اختيار أعضائه الخمسة والعشرين بالتعيين لا بالانتخاب، وفق معادلة تقوم على المحاصصة الطائفية والقومية: ثلاثة عشر شيعياً، وخمسة أكراد، وأربعة من العرب السنّة، إضافة إلى ممثلين عن التركمان والمسيحيين.
هذه الصيغة التي رُوّج لها حينها بأنها “توازن وطني”، تحوّلت سريعاً إلى عرف سياسي ثابت: تقاسم المناصب بحسب الانتماء لا الكفاءة. فبدلاً من بناء عقد اجتماعي جديد، تأسّس نظام يقوم على تقاسم الحصص لا على تداول السلطة. وقد أشار تقرير مركز الدراسات البريطاني “تشاتم هاوس” إلى أن هذا النمط من التمثيل الطائفي “كرّس الفساد وأفقد الدولة مرجعيتها الوطنية”.
ومنذ تلك اللحظة، غابت الثقة بين العراقيين والنظام السياسي الوليد، إذ بدا واضحاً أن الديمقراطية في العراق لم تُبنَ على الإرادة الشعبية بل على توازناتٍ مفروضة من الخارج، وأن «الصندوق الانتخابي» لن يكون سوى وسيلة لتجميل واقع تمّ تقاسمه مسبقاً. وهكذا، وُلدت الديمقراطية العراقية وهي تحمل في داخلها بذرة الشكّ التي ما زالت تنمو حتى اليوم.
الدستور الذي كُتب تحت ضغط الاحتلال
بعد عام واحد من تشكيل مجلس الحكم، وُلد الدستور العراقي الدائم عام 2005 في أجواء مشحونة بالضغوط السياسية والعسكرية، وتحت إشراف مباشر من سلطات الاحتلال الأميركي وبعثة الأمم المتحدة. وقد جاءت عملية كتابته سريعة ومتعثّرة، إذ جرى إعداد مسودته خلال بضعة أشهر فقط، في وقتٍ كانت البلاد تعيش انقسامًا طائفيًا واسعًا وانعدامًا شبه كامل للأمن.
صحيح أن الدستور تضمّن نصوصًا طموحة حول الحريات وحقوق الإنسان، لكنه لم يكن نتاج توافق وطني شامل بقدر ما كان تسوية بين قوى متصارعة. فالقوى الكردية سعت لتثبيت مفهوم الفيدرالية الموسّعة، والقوى الشيعية دفعت باتجاه نظام برلماني يكرّس الأغلبية، بينما رأت القوى السنية أن النصوص صيغت في غيابها وتحت ضغط الزمن. وقد أشار تقرير الأمم المتحدة الصادر في تشرين الأول 2005 إلى أن “عملية صياغة الدستور لم تمنح الوقت الكافي للحوار المجتمعي الحقيقي، مما أضعف شعور المواطنين بملكيته”.
ورغم أن الدستور نصّ على إنشاء مؤسسات أساسية مثل مجلس الاتحاد ومحكمة اتحادية مستقلة، فإن هذه البنود لم تُطبّق حتى اليوم. وهكذا، بدا الدستور منذ البداية وثيقة ولدت في ظرف قهري لا في بيئةٍ تشاركية، ففقد قدسيته بوصفه عقدًا اجتماعياً جامعًا. ومن هنا بدأ الانفصال بين النصّ الدستوري والواقع السياسي، فصارت القوانين تُفسَّر على مقاس القوى النافذة، وأصبحت الديمقراطية في نظر كثير من العراقيين شكلاً بلا مضمون.
السيطرة على القضاء وتفسير القانون لإزاحة من يفوز
من أبرز مظاهر الشكّ في العملية السياسية العراقية هو تحوّل القضاء من ضامنٍ للشرعية إلى ساحةٍ لتصفية الصراعات السياسية. فبدل أن يكون الحكم القضائي هو الحدّ الفاصل بين الحق والباطل، بات في نظر جزءٍ من العراقيين أداةً تستخدمها القوى النافذة لتأويل القوانين على نحوٍ يخدم موازين القوى.
يستدلّ كثيرون على ذلك بما جرى بعد انتخابات عام 2010، حين حصلت قائمة “العراقية” بزعامة إياد علاوي على المرتبة الأولى في النتائج، بـ91 مقعداً مقابل 89 لائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي. لكنّ تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم “الكتلة الأكبر” منح الحق في تشكيل الحكومة للكتلة التي تتكوّن بعد الانتخابات داخل البرلمان، لا تلك التي فازت بالاقتراع الشعبي. هذا القرار غيّر موازين السلطة وأعاد رئاسة الحكومة إلى المالكي، في خطوةٍ وُصفت حينها بأنها انتصار للتأويل السياسي على النص الدستوري.
بعد أكثر من عقد، تكرّر المشهد بشكل مختلف في انتخابات 2021، حين فاز التيار الصدري بأكبر عدد من المقاعد، لكن الاعتراضات والطعون والاصطفافات داخل القضاء والسياسة أدّت إلى إطالة أمد تشكيل الحكومة، وانتهى الأمر بانسحاب التيار من البرلمان ومقاطعته للعملية السياسية. بالنسبة لشرائح واسعة من الرأي العام، بدت هذه الوقائع وكأنها إزاحة للفائز عبر تفسيرات قانونية أو صفقات سياسية، مما عمّق الشعور بأن الإرادة الشعبية يمكن تعديلها في اللحظة الأخيرة.
صحيح أن القضاء العراقي يضم قضاة مشهوداً لهم بالكفاءة والنزاهة، إلا أن تكرار الأزمات عند كل انتخابات، وتعدد التأويلات المتناقضة للنصوص الدستورية، وتسييس الملفات القضائية، كلها عوامل جعلت الثقة بالعدالة تهتزّ. فحين يشعر الناخب أن “من يفوز لا يحكم”، وأن تفسير القانون يمكن أن يُعيد توزيع النتائج، تتراجع قناعته بأن الصندوق الانتخابي هو الطريق الوحيد للتغيير.
شماعة الإبعاد والاتهام بقانون المساءلة والعدالة
منذ عام 2008، حين أُقرّ قانون المساءلة والعدالة بوصفه امتدادًا لقانون اجتثاث البعث، تحوّل هذا التشريع من أداةٍ للعدالة الانتقالية إلى وسيلةٍ للإقصاء السياسي تُستخدم عند كل استحقاق انتخابي. فالقانون الذي صُمم لضمان عدم عودة رموز النظام السابق إلى مواقع النفوذ، استُعمل في كثير من الأحيان لتصفية الخصوم أو تحجيم المنافسين، دون معايير دقيقة أو إجراءات قضائية شفافة.
أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث مع الفريق عبد الغني الأسدي، أحد أبرز قادة معارك التحرير ضد تنظيم “داعش” وقائد جهاز مكافحة الإرهاب السابق، الذي حظي باحترامٍ واسع داخل العراق وخارجه لدوره في استعادة المدن من قبضة التنظيم. لكن عندما قرر الترشح للانتخابات، فوجئ بقرار استبعاده استنادًا إلى قانون المساءلة والعدالة بسبب خدمته العسكرية في عهد النظام السابق، رغم تقاعده منذ سنوات وعدم صدور أي إدانة بحقه. لقد رأى كثير من العراقيين في ذلك مفارقة مؤلمة: فالرجل الذي كان يُحتفى به كبطل وطني في زمن الحرب، أُقصي بقرار إداري عندما أراد أن يخدم بلده عبر السياسة.
ولم يكن الأسدي المثال الوحيد. فقد طالت قرارات الاستبعاد شخصيات مدنية وعسكرية أخرى، مثل اللواء نجم الجبوري الذي مُنع من الترشح في نينوى رغم تمتّعه بشعبية واسعة، قبل أن تُعاد النظر في وضعه لاحقًا. هذه الحالات وغيرها أكدت في نظر المواطنين أن القانون لم يعد أداة للعدالة بل أداة للمساومة، وأن تطبيقه بات يخضع لحسابات حزبية أكثر من خضوعه لضوابط مهنية.
وبذلك، تحوّل قانون المساءلة والعدالة إلى شماعة سياسية جاهزة، ترفعها القوى المتنفذة عند كل انتخابات لاستبعاد المنافسين، مما عمّق الشكّ الشعبي في نزاهة العملية السياسية، وأرسى قناعة بأن الطريق إلى البرلمان لا يمرّ عبر صناديق الاقتراع وحدها، بل عبر ميزان القوة والولاءات.
الاغتيال السياسي كوسيلة للإقصاء الدموي
الاغتيال السياسي ليس فعلًا عشوائيًا بل استراتيجية قسرية تُستخدم لإخراج منافِسٍ من المعادلة بالقوة، وتحويل ساحة التنافس من السياسة إلى القتل. هذا النمط ظهر على نحوٍ واضح منذ بدايات ما بعد 2003، حين قضى تفجير النجف عام 2003 على زعيم بارز مثل آية الله محمد باقر الحكيم، ما أرسى مناخًا من الرعب السياسي والتصعيد الطائفي في وقتٍ كانت الدولة الهشة عاجزة عن احتكار العنف.
أمثلة معاصرة تؤكد أن الظاهرة لم تختفِ: اغتيال المرشح صفاء المشهداني في تشرين الأول/أكتوبر 2025 أمام منطقة طارمية قرب بغداد أظهر كيف يمكن للاغتيال أن يستهدف مرشّحين مدنيين وقياديين صاعدين ويغيّر مسارات السباق الانتخابي ويخيف الناخبين والمرشحين على حدّ سواء.
النتيجة المباشرة للاغتيالات السياسية ليست فقط فقدان حياةٍ بشرية، بل إحكام سيطرة منطق الخوف على العمل السياسي: المرشحون يتراجعون أو يعتزلون، القواعد تصاب بالباركنة (الشلل)، والمجتمع المدني ينسحب حفاظًا على الأمن. وفي السياق العراقي، يعبّر ذلك عن إقصاء دموي يقوّض أي فرصة لتجديد النخب عبر صناديق الاقتراع ويغذي قناعة أن اليد التي تملك السلاح قادرة على كتابة نتائج السياسة خارج أي إطار دستوري أو قانوني.
غياب الشفافية مئات ملايين الدولارات تُنفق دون كشف المصادر وآليات الإنفاق
ثمة خلل جوهري في بيئة التمويل السياسي الانتخابي بالعراق ينعكس في نقص الإفصاح عن مصادر الأموال، غياب آليات رقابية فعّالة، وحدود إنفاق مرتفعة صنعت تسابقًا ماليًا لا فائدة منه. تفصيلًا: بعثة المراقبة الأوروبية كشفت عن ثغرات واضحة في مراقبة الإنفاق والحملات، مع توصيات بضرورة شفافية أكبر لتجنّب تأثير المال على التنافسية الانتخابية.
كما أن سقوف الإنفاق التي حدّدتها المفوضية في بعض المحافظات بلغت أرقامًا ضخمة للغاية — في بغداد مثلاً رُخص إنفاق انتخابي تصل إلى حوالי مئة ومِقدار مئة مليون دولار — ما يفتح المجال أمام تحويلات وتمويلات غير شفافة لا تستطيع الجهات الرقابية تتبّعها بسهولة.
في ظل مؤشرات عامّة عن اتساع دائرة الفساد وضعف آليات المحاسبة (كما تظهر مؤشرات منظمة الشفافية الدولية وتقارير المجتمع المدني)، يصبح من الصعب فصل الحملات الدعائية عن شبكات المصالح والصفقات التي تديرها أحزاب وأفراد ذوو موارد كبيرة، بينما لا تملك الأحزاب الصغيرة أو المرشحون المستقلون أدوات مواجهة عادلة.
النتيجة عملية ومباشرة المواطن يراها سباق إنفاقٍ لا يُعرف مصدره ولا يُحاسَب عليه، فيتحول الصندوق من آلية لقياس الرأي العام إلى عنصر ضمن معادلة قدرة مالية وسياسية، وهذا بدوره يقوّض الثقة ويؤجّج الشعور بأن الانتخابات تُدار بالمال قبل أن تُدار بالأصوات.
مشاركة الأحزاب التي تمتلك أجنحة عسكرية في الانتخابات
من أخطر مظاهر اختلاط السلاح بالسياسة في العراق مشاركة أحزاب تمتلك أجنحة عسكرية في الانتخابات، وهو ما يُفقد العملية الانتخابية معناها المدني ويجعلها في نظر كثير من العراقيين تنافسًا غير متكافئ. فبعد 2003 تشكّلت فصائل مسلحة عديدة قاتلت ضد تنظيم “داعش”، ثم تحوّلت بعض قياداتها إلى أحزاب سياسية مسجّلة رسميًا، مثل منظمة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله وغيرها، وهي قوى تمتلك نفوذًا ميدانيًا وموارد مالية وتنظيمية ضخمة.
هذه المشاركة خلقت حالة من الالتباس بين الشرعية الانتخابية والشرعية القتالية؛ إذ يرى المواطن أن الحزب الذي يملك قوة مسلحة لا ينافس ببرنامج أو فكرة، بل بقدرة ردع وتأثير يتجاوز صناديق الاقتراع. وتؤكد تقارير دولية، منها بعثة المراقبة الأوروبية ووكالة رويترز، أن وجود أجنحة عسكرية لأحزاب مشاركة في الانتخابات يضعف مبدأ تكافؤ الفرص ويمنحها تفوقًا غير مشروع على القوى المدنية والمستقلين.
نتيجة ذلك أن كثيرًا من المرشحين يفضّلون الانسحاب أو تجنّب المواجهة مع هذه القوى، فيما يتنامى شعور عام بأن التغيير عبر الصندوق مستحيل في ظل سطوة السلاح. وهكذا، تحوّلت المشاركة السياسية للفصائل إلى ما يشبه “التدوير الشرعي للقوة”، حيث تُستخدم الانتخابات لتكريس النفوذ لا لتجديده، مما جعل المواطنين يرون أن السلاح لا يزال هو الحَكم الأخير، لا إرادة الناخب.
الخاتمة
بعد عشرين عامًا من التجربة الديمقراطية العراقية، يتبيّن أن المشكلة ليست في صندوق الاقتراع، بل في المنظومة التي تُحيط به وتفرغه من معناه. فقد تحوّلت الانتخابات إلى طقسٍ دوريّ يحافظ على توازنات النظام لا على إرادة الناخب، وإلى واجهةٍ شكلية لدولة لم تُحسَم هويتها بعد: هل هي دولة مواطنين، أم دولة مكوّنات، أم دولة أحزاب تتقاسم الولاء والسلطة والمال؟
إن أزمة الثقة في العراق ليست عارضًا سياسيًا، بل مرضًا مؤسّسيًا متجذّرًا نشأ من غياب العقد الاجتماعي الحقيقي الذي يضمن المساواة أمام القانون ويحدّد مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها. ما زال العراقي يشعر أن صوته يُسمَع، لكن لا يُنفَّذ، وأن القانون يُطبَّق، لكن على من لا يملك الحماية، وأن الدولة قائمة، لكن بوجهٍ متعدّد ومضمونٍ واحد: المحاصصة.
ولعلّ أخطر ما تركته التجربة أن المواطنة تراجعت أمام الطائفة، والمصلحة تقدّمت على المبدأ، والسلاح سبق الصندوق. هذا التآكل في الإيمان بفكرة الدولة هو ما يجعل الشكّ في الديمقراطية اليوم ليس مزاجًا عابرًا، بل تعبيرًا عن وعيٍ سياسي جريح لم يرَ بعد دولةً تُمثّله بحق.
إن استعادة الثقة لا تبدأ بإعلان انتخابات جديدة، بل بإعادة تأسيس فكرة الحكم: دولة لا يتقدّم فيها أحد على القانون، ولا تُقاس فيها القوة بعدد المقاعد أو السلاح، بل بعدد المواطنين الذين يؤمنون أن دولتهم وطنهم لا غنيمتهم. عندها فقط يمكن للديمقراطية أن تُشفى من شكّها، وللعراقي أن يذهب إلى الصندوق وهو يثق أن صوته لن يُختزل في صفقة، بل سيُترجم إلى مستقبل.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا لا للسياسيين وحدهم بل للمجتمع بأسره: هل نريد انتخابات تُعيد إنتاج الأزمة، أم عقدًا وطنيًا جديدًا يعيد تعريف المعنى نفسه — معنى أن تكون الدولة للعراقيين جميعًا، لا لبعضهم؟
