ترجمة وتحرير: نون بوست
في ليلة الجمعة؛ كانت آلاف الأصوات المبكرة قد أُدلي بها بالفعل لصالح زهران ممداني، العمدة المنتخب لمدينة نيويورك، واستغلت أنجيلا بوكدال، التي ترأس الكنيس المركزي البارز في مانهاتن، هذه المناسبة لتشويه صورة المرشح الاشتراكي الديمقراطي، بزعم أنها تتحدث باسم اليهود في نيويورك.
قالت بوكدال: “لقد ساهم المرشح لمنصب العمدة زهران ممداني في تعميم بعض أبشع أشكال معاداة السامية”.
ما نُسب إلى ممداني من معاداة للسامية يرجع إلى إشارته في عام 2023 إلى حقيقة موثقة تفيد بأن الجيش الإسرائيلي قام بتدريب مئات من عناصر شرطة نيويورك، وأن هناك اتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين شرطة نيويورك والقوات الإسرائيلية. كما نددت بوكدال بادعاءات ممداني “الكاذبة عن الإبادة الجماعية” في غزة، وهي ادعاءات يتبناها كبار الباحثين في مجال الإبادة الجماعية، وكل منظمات حقوق الإنسان الدولية الكبرى.
أي أن بوكدال لم تستشهد – ولم تستطع أن تستشهد – بأي دليل فعلي على معاداة السامية من جانب العمدة المنتخب حديثًا، ومشكلتها مع ممداني، كما هو الحال مع العديد من الأصوات اليهودية المؤسسية التي عارضته، كانت انتقاده لإسرائيل.
إن انتخاب ممداني لمنصب عمدة مدينة نيويورك يُعد انتصارًا – أو على الأقل يحمل أملًا – للعديد من سكان المدينة من الطبقة العاملة، ولجيراننا المهاجرين، ولكل نيويوركي يكافح من أجل دفع الإيجار، أو تأمين الطعام، أو الحصول على الرعاية في هذه المدينة الباهظة القاسية وغير المتكافئة.
ومما يبعث على الارتياح أن الإسلاموفوبيا المتجذرة — منذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، والتي تصاعدت خلال إبادة غزة، وطغت على كل حملة أثيرت ضد ممداني – لم تنتصر.
تشويه السمعة بمعاداة السامية
يمثل فوز ممداني رفضًا لاستخدام معاداة السامية كسلاح في سياق الإسلاموفوبيا المستمرة، وآمل أن تكون هذه نقطة تحول تتعلم منها المؤسسات الأخرى في نيويورك؛ فالدعم المتعصب للمشروع الصهيوني لم يعد شرطًا أساسيًا لقيادة مدينة نيويورك.
وإذا كان انتصار ممداني يمثل انتصارًا على الإسلاموفوبيا والاتهامات الزائفة بمعاداة السامية، فإنه ليس انتصارًا كاملًا؛ فقد كان الدعم الكبير للهجمات التي تم شنها ضده، والتأييد الذي وجدته بين أنصار الحاكم السابق المُدان أندرو كومو، أمرًا صادمًا.
وكان من المحبط بالنسبة لكاتبة يهودية مثلي أن ترى أعدادًا كبيرة من الناخبين اليهود، وخاصة كبار السن منهم، يدعمون الافتراءات التي أثيرت ضد ممداني، لكن التفسير بسيط بما فيه الكفاية: فهؤلاء الأشخاص والجماعات اليهودية نفسها بنوا حياتهم السياسية على دعم دولة عرقية ترتكب إبادة جماعية.
ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزة، هيمنت هذه الادعاءات المسيسة بمعاداة السامية، التي أطلقتها القوى المؤيدة لإسرائيل، على المشهد في هذه المدينة لأكثر من عامين، وقد وقف الطلاب والعمال وغيرهم من المحتجين للتنديد بتواطؤ مؤسساطكهم في الهجوم الإسرائيلي.
وقد دعم قادة الحزب الديمقراطي وعززوا الدعوات إلى قمع ومعاقبة التعبير عن التضامن مع فلسطين في كل مناسبة؛ حيث أرسل العمدة إريك آدامز الشرطة لمداهمة احتجاجات حرم جامعة كولومبيا بناءً على طلب مباشر من رجال أعمال مؤيدين لإسرائيل، ولم تُواجه الاتهامات التي لا أساس لها بمعاداة السامية بأي تدقيق.
لقد كان هذا درسًا في الجبن والتواطؤ، ولم يخدم سوى هجمات الرئيس دونالد ترامب على التعليم العالي، وحملاته القمعية ضد المهاجرين العرب والمسلمين.
تقديم نموذج يُحتذى به
إن الدعم الذي أعرب عنه غالبية الشباب اليهود في نيويورك لممداني، وكذلك بعض أقوى السياسيين اليهود في المدينة والبلاد، كان ينبغي أن يُسكت الهجمات ضده منذ وقت طويل، لكن لا مجال للتفاهم مع نظرة عالمية تعتبر دعم حرية الفلسطينيين وانتقاد إسرائيل تهديدًا للحياة اليهودية.
غير أن ممداني لم يكن مضطرًا للتخلي عن التضامن مع فلسطين من أجل الفوز في هذه الانتخابات، ولم يكن عليه أن يُجامل الادعاءات الزائفة التي وُجهت إليه حول معاداة السامية في كل مناظرة وفي معظم المقابلات الصحفية السائدة.
وهناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى مطالبته بالوفاء بالتزاماته تجاه التضامن مع الفلسطينيين عندما يتولى منصب العمدة، بما في ذلك إنهاء الشراكات البلدية مع دولة إسرائيل التي تواصل حملتها من القتل الجماعي والتهجير والاحتلال والفصل العنصري.
ليس لدي أدنى شك في أن ممداني سيفي بوعوده في دعم وحماية المجتمعات اليهودية في نيويورك؛ فليس هناك أية أسباب مبررة لأي اعتقاد يخالف ذلك. ويجب أن يكون منصبه، من بين أمور كثيرة، نموذجًا لكيفية الجمع بين دعم سكان نيويورك اليهود ورفض الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
وقال ممداني مساء الثلاثاء، مخاطبًا أنصاره في بروكلين بعد إعلان فوزه بمنصب عمدة مدينة نيويورك: “لن تكون نيويورك بعد اليوم مدينة يمكن فيها الاتجار بالإسلاموفوبيا والفوز بالانتخابات”.
المصدر: ذي انترسبت