صوّت مجلس الأمن الدولي بأغلبية 13 صوتًا مقابل امتناع عضوين عن التصويت على قرارٍ يقضي برفع العقوبات المفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أنس خطّاب، في خطوةٍ وُصفت بأنها الأهم منذ سقوط نظام بشار الأسد نهاية عام 2024.
القرار، الذي جاء بناءً على توصية من لجنة العقوبات الخاصة بسوريا، يُعدّ بمثابة إعلانٍ سياسيٍّ غير مباشر عن عودة الشرعية الدولية إلى القيادة السورية الجديدة بعد عامٍ من التغيّرات الجذرية التي شهدتها البلاد.
تزامن هذا التطور مع إعلان واشنطن رسميًا أن الرئيس الشرع سيجري زيارة رسمية إلى البيت الأبيض الأسبوع المقبل، هي الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد ونصف، لبحث ترتيبات إعادة الإعمار ومسار العلاقات الأميركية–السورية في مرحلة ما بعد الحرب، إلا أن رفع العقوبات لا يقتصر على كونه إجراءً قانونيًا أو اقتصاديًا، بل يحمل دلالاتٍ سياسية أخرى تتصل بتوازنات القوى في الشرق الأوسط وبموقع سوريا الجديد ضمن شبكة التحالفات الدولية.
ما تفاصيل قرار مجلس الأمن؟
أقرّ مجلس الأمن الدولي رفع العقوبات المفروضة على الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطّاب، وذلك بموجب مشروع قرار قدّمته الولايات المتحدة وصوّتت لصالحه 14 دولة من أصل 15، فيما امتنعت الصين عن التصويت. القرار الذي حمل الرقم (2897) يشكّل أول اعترافٍ رسمي من المؤسسة الدولية بالسلطة السورية الجديدة، التي تولّت الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد، ويُعيد إدماج دمشق تدريجيًا في منظومة الشرعية الدولية بعد أكثر من عقدٍ من العزلة.
وبحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية لشبكة الجزيرة، فقد سبقت جلسة التصويت خلافات بين أعضاء المجلس حول صياغة النص النهائي، إذ طالبت الصين بإضافة بندٍ صريح يشير إلى التهديدات التي يمثلها المقاتلون الأجانب، بينما تمسكت واشنطن بصيغة أكثر إيجابية تؤكد: “التزام دمشق بمكافحة الإرهاب” وتشيد بخطواتها “للانتقال من مرحلة النزاع إلى مرحلة الاستقرار”.
ينص القرار، الذي صدر بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على شطب اسمي الشرع وخطّاب من قوائم العقوبات الخاصة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، ويرحّب بـ”تعاون الحكومة السورية مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية”، كما يؤكد على احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية ودعم جهود “إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية”.
كما يشير القرار إلى “التزام دمشق بضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكلٍ آمن ودون عوائق”، في خطوةٍ تُعدّ بمثابة إعادة صياغةٍ رسمية لعلاقة المجتمع الدولي مع السلطة السورية الجديدة.
وتأتي هذه الخطوة بعد أشهرٍ من الضغوط الأميركية لتخفيف نظام العقوبات المفروضة على سوريا، بهدف دعم المسار السياسي وتثبيت الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب. وبذلك، لا يُعدّ القرار مجرد إجراء قانوني تقني، بل إشارة إلى تحوّلٍ في مقاربة مجلس الأمن من سياسة الردع والعزل إلى سياسة الإدماج التدريجي، مع الإبقاء على متابعة الملف السوري بشكلٍ دوري داخل المجلس.
ما هي العقوبات المقصودة ومتى فُرضت؟
تعود العقوبات المفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطّاب إلى عام 2014، حين أُدرج اسميهما ضمن قائمة العقوبات الخاصة بتنظيمي “القاعدة” و”داعش” التي يديرها مجلس الأمن بموجب النظام 1267/1989/2253. وقد جاءت هذه الخطوة ضمن موجة إدراجات استهدفت شخصياتٍ وهيئات سورية اتُّهمت بدعم نشاطاتٍ مسلحة أو بتسهيل وصول التمويل والسلاح إلى مناطق الصراع.
في حينه، دفعت فرنسا وبريطانيا باتجاه إدراج اسم الشرع، إلى جانب عددٍ من قيادات “هيئة تحرير الشام”، على القائمة الأممية، بينما جاء إدراج وزير الداخلية أنس خطّاب لاحقًا بمبادرة من الولايات المتحدة. وبموجب هذا الإدراج، فُرضت عليهما ثلاثة أنواع من العقوبات الأساسية:
تجميد الأصول: أي منع الوصول إلى أي أموال أو موارد اقتصادية في الخارج، أو تقديم أي دعم مالي مباشر أو غير مباشر لهما.
حظر السفر: أي منع دخولهما أو عبورهما أراضي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
حظر الأسلحة: أي حظر تزويدهما أو الجهات التابعة لهما بأي مواد عسكرية أو لوجستية.
وقد أُدرج اسما الشرع وخطّاب في اللائحة المرجعية للجنة 1267 للأمم المتحدة، وهي اللجنة التي تشرف على تنفيذ هذه التدابير ومتابعة طلبات الإعفاء أو الشطب.
متى وكيف سترفع عنهم العقوبات؟
يخضع رفع العقوبات الأممية، مثل تلك التي كانت مفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير داخليته أنس خطّاب، لإجراءات قانونية دقيقة تشرف عليها لجنة مجلس الأمن 1267/1989/2253 الخاصة بتنظيمي “داعش” و”القاعدة”، وهي الجهة المسؤولة عن إدراج الأسماء وشطبها. وتتم عملية الرفع وفق مسارين رئيسيين:
الأول، أن يتقدم الشخص المدرج أو ممثله بطلبٍ مباشر إلى مكتب “أمين المظالم” في الأمم المتحدة، وهو المسار الأكثر شيوعًا للأفراد. والثاني، أن تتقدم إحدى الدول الأعضاء بطلبٍ رسمي للجنة، مشفوعة بمبررات واضحة حول عدم انطباق معايير الإدراج.
في حالة الشرع وخطّاب، تؤكد مصادر دبلوماسية أن الولايات المتحدة تولّت المسار الثاني، وقدّمت طلبًا رسميًا لشطب الاسمين في أبريل/نيسان 2025، مدعومًا بتقارير من بعثة الأمم المتحدة في دمشق تشير إلى التزام الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب وتعاونها مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

أما من الناحية الإجرائية، فإن مسار أمين المظالم عادة ما يستغرق من 7 إلى 9 أشهر في حال سلاسة المداولات. أربعة أشهر لجمع المعلومات من الدول المعنية واللجان المختصة، تليها مرحلة حوار وتقييم مدتها شهران لإعداد تقريرٍ مستقل يتضمن توصية بالشطب أو الإبقاء، ثم يُمنح أعضاء اللجنة ثلاثين يومًا للمناقشة، وستين يومًا إضافية لاعتماد القرار أو الاعتراض عليه. وفي حال غياب الإجماع على الرفض، يتم شطب الاسم تلقائيًا.
أما في الحالات التي تتقدم فيها دولة عضو بطلب الشطب – كما حدث في الحالة السورية – فإن الإجراءات تكون أسرع، إذ يُعتمد الطلب بعد فترة محددة ما لم يُسجّل اعتراض بالإجماع من أعضاء اللجنة الخمسة عشر.
وبذلك، فإن الفترة الزمنية بين تقديم الطلب في أبريل/نيسان والقرار النهائي في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 تمثّل إطارًا مثاليًا من حيث المدة والانسجام داخل المجلس. ويُظهر هذا التنسيق أن رفع العقوبات لم يكن قرارًا منفردًا بل نتيجة مسارٍ تفاوضي منظم، جرى وفق القواعد المعمول بها وبتوافقٍ سياسي يعكس رغبة المجتمع الدولي في فتح صفحة جديدة مع دمشق، دون الإخلال بنظام العقوبات الأممي ذاته.
كيف سينعكس القرار على سوريا؟
يتجاوز رفع مجلس الأمن الدولي العقوبات عن الشرع وخطّاب الرمزية السياسية إلى إعادة تشكيل موقع الدولة وسلوكها على المستويات الداخلية والخارجية كافة. فهذه الخطوة تمثّل في جوهرها انتقالًا من مرحلة العزلة الحذرة إلى مرحلة الاعتراف المشروط، بما يحمله ذلك من مكاسب وفرص، لكن أيضًا من التزامات دقيقة أمام المجتمع الدولي.
1. السياسة الداخلية: اتساع هامش المناورة
لطالما كانت العقوبات المفروضة على القيادة السورية قيدًا على الحركة والشرعية والتمويل في المقام الأول. ورفعها اليوم يعني توسيع نطاق المناورة السياسية أمام الرئيس الشرع، بحيث يمكنه التفاوض على حزم تمويلٍ أو قروضٍ دولية دون وصمة “رئيسٍ خاضعٍ للعقوبات”، كما يتيح له مساحةً أوسع لإطلاق إصلاحاتٍ إدارية وأمنية كانت مجمّدة بفعل عزوف المؤسسات الدولية عن التعامل المباشر مع دمشق.
وبالنسبة للمشهد الداخلي، يعزّز القرار النفوذ السياسي للشرع بوصفه رئيسًا معترفًا به دوليًا، قادرًا على الانتقال من إدارة الأزمات إلى بناء مؤسسات الدولة الانتقالية، ما يمنحه قوة تفاوضية أكبر داخل البنية السورية المتشعبة.
2. السياسة الخارجية: نهاية العزلة الدبلوماسية
رفع العقوبات عن وزير الخارجية أنس خطّاب يعيد فتح القنوات الدبلوماسية السورية بعد أعوامٍ من الشلل. فالمسؤول الذي كان ممنوعًا من السفر بات اليوم قادرًا على تمثيل بلاده في المحافل الأممية، واستئناف العلاقات الرسمية مع الجوار – ولا سيما تركيا والأردن والعراق – ومع الاتحاد الأوروبي الذي كان يقيّد التعامل المباشر معه.
كما يُتوقع أن يؤدي القرار إلى إحياء البنية الدبلوماسية السورية التقليدية، وتوسيع قدرة دمشق على توقيع الاتفاقيات الثنائية وحضور القمم الإقليمية، بما يعيدها فعليًا إلى النظام الدبلوماسي الدولي بعد عقدٍ من الانقطاع.
بيان صادر عن وزارة الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية pic.twitter.com/bg8dfS0H0d
— وزارة الخارجية والمغتربين السورية (@syrianmofaex) November 6, 2025
3. الاقتصاد وإعادة الإعمار: عودة الثقة
لم تكن العقوبات تمنع الاستثمار فحسب، بل كانت تقوّض الثقة السياسية الضرورية لأي خطة تنمية. اليوم، ومع زوال هذه القيود، يمكن لدولٍ مثل ألمانيا وكندا ودول الخليج والمؤسسات المالية الدولية كـالبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الانتقال من المساعدات الإنسانية إلى برامج تنمية واستقرار.
كذلك، قد يشجع القرار على استئناف مشاريع الطاقة والبنية التحتية التي جُمّدت منذ سنوات، وعلى انخراط الشركات الهندسية الدولية في ملفي الكهرباء والنقل الإقليمي، ما يفتح الباب أمام مرحلة اقتصادية مختلفة عنوانها “إعادة الإعمار المنظَّم”.
4. الأمن والتعاون الدولي
على المستوى الأمني، يتيح القرار لدمشق التحرك بحرية في إعادة هيكلة مؤسساتها العسكرية والأمنية، بعد أن كانت أي شراكة دولية في هذا المجال محظورة قانونيًا. كما يمهّد لتعاونٍ مباشر مع أجهزة أمنية غربية وإقليمية – مثل الإنتربول واليوروبول – في ملفات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود.
وعلى المدى أوسع، يفترض ذلك تقليص مبررات الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي السورية، إذ يمكّن الدولة عبر شرعيتها القانونية من حماية حدودها وملاحقة الجماعات المسلحة.
5. الدلالات الرمزية والسياسية
يحمل أيضًا رفع العقوبات بُعدًا نفسيًا ورمزيًا لا يقل أهمية عن أثره العملي. فهو إعلان عالمي بأن المجتمع الدولي بات يرى في دمشق شريكًا محتملًا في الاستقرار، لا عبئًا أمنيًا يجب احتواؤه. كما يوجّه رسالة داخلية للفاعلين السوريين خارج إطار الدولة، مثل مليشيا “قسد” والهجري، بأن حكومة الشرع واقع سياسي يحمل شرعية أممية متزايدة.
رحّبت تركيا بالخطوة بوصفها “إجراءً إيجابيًا يسهم في إزالة الإرث السلبي للمرحلة السابقة”، مؤكدةً على لسان المتحدث باسم خارجيتها أونجو كيتشلي، استمرارها في دعم المسار الهادف إلى رفع العقوبات بالكامل وتهيئة بيئة الاستقرار والتنمية المستدامة داخل سوريا.
أما فرنسا، فرأت في القرار إشارةً مشروطة إلى الانفتاح، مشددة على ضرورة أن يُترجم برفع مستوى الإصلاحات السياسية واحترام حقوق الإنسان لتعزيز ثقة المجتمع الدولي في المرحلة الانتقالية.
في المقابل، اعتبر مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة إبراهيم علبي أن وحدة الموقف داخل مجلس الأمن تمثّل سابقة إيجابية تعكس إدراكًا عالميًا متزايدًا بضرورة دعم دمشق في جهودها لمكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، مؤكدًا أن بلاده تمدّ يدها “لكل دولة ترغب في شراكات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”.