في الوقت الذي يواجه فيه الكيان الإسرائيلي واحدة من أعمق أزماته الأخلاقية والسياسية والإنسانية بفعل حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة وما نتج عنها من عزلة دولية متسارعة وضغط رأي عام عالمي غير مسبوق، وبعد ساعات فقط من صدمة انتخابية داخلية في الولايات المتحدة تمثلت بفوز المرشح الديمقراطي المسلم – وذو الخط التقدمي الشعبي – زهراني ممداني بمنصب عمدة نيويورك، ووسط هذه اللحظة المشحونة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن كازاخستان وافقت رسميًا على الانضمام إلى اتفاقات “أبراهام” التطبيعية مع “إسرائيل”.
الإعلان لم يأت منفردًا، فقد جاء في سياق حفل عشاء رسمي بالبيت الأبيض حضره قادة دول آسيا الوسطى الخمس ضمن إطار “مجموعة 5+1″، حيث كشف ترامب أنه أجرى محادثات ثلاثية مع رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ورئيس كازاختسان قاسم جومارت توكاييف، ليقدم خطوة الانضمام الكازاخي كإنجاز دبلوماسي جديد يُسجل ضمن ولايته الثانية.
وكان مسؤولون أميركيون قد لمحوا مسبقًا لإعلان وشيك حول انضمام دولة جديدة للاتفاق دون كشف اسمها، فيما وصفت كازاخستان نفسها هذا الانضمام بأنه امتداد طبيعي لنهج سياستها الخارجية القائمة على التوازن والحوار وتجنب الصدام.
صحيح أن العلاقات بين كازاخستان و”إسرائيل” ليست جديدة، فهي قائمة منذ 1992 ومحمَّلة بالتعاون في شتى المجالات، ما يجعل هذه الخطوة في جوهرها أقرب إلى تثبيت رسمي لما هو واقع فعلي وليس فتح مسار تطبيع جديد من الصفر، غير أن القراءة السياسية هنا تتجاوز الشكل البروتوكولي، فالتوقيت والرمزية أهم من مضمون الاتفاق ذاته، ومن ينتقل ينتقل السؤال الجوهري من: ماذا سيُغيّر هذا الانضمام؟ إلى لماذا الآن تحديدًا؟ ولمصلحة من يجري توظيف هذه الرسالة السياسية في هذه اللحظة التاريخية؟
هذا الانتقال يدفع تلك الخطوة لتجاوز المصالح الثنائية، لتصبح جزءًا من معركة سرديات دولية حول شرعية التطبيع وسط حرب إبادة، ومحاولة أميركية – إسرائيلية لإعادة هندسة صورة الاصطفاف الدولي في زمن تتداعى فيه موازين القوة التقليدية وتنهار فيه قدرة واشنطن وتل أبيب على فرض روايتهما على العالم كما كان يحدث سابقًا.
تثبيت رسمي لما هو واقع فعلي
لا يمكن قراءة انضمام كازاخستان لمسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي باعتباره نقطة بدء أو تحولًا جذريًا من حالة عداء أو قطيعة، فالعلاقة بين أستانة وتل أبيب ليست جديدة بل ممتدة منذ استقلال كازاخستان عن الاتحاد السوفيتي عام 1992، حيث حافظ الطرفان على علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية قائمة وعلنية، وتأسست مؤسسات تعاون مشتركة تعكس رسوخ هذا المسار منذ عقود.
وبالتالي فإن خطوة الانضمام لاتفاقات أبراهام لا تشكل انتقالًا من الصفر، بل رفع مستوى العلاقة القائمة وإخراجها من نطاق التداول الهادئ إلى واجهة العلن السياسي والإعلامي الدولي.
في هذا الإطار، يشكل البعد الاقتصادي جزءًا محوريًا في تفسير هذه العلاقة، خاصة في ملف الطاقة، إذ تعد كازاخستان من أبرز مصادر إمدادات النفط لإسرائيل، حيث تشير تقديرات بحثية إلى أن ما بين 10% إلى 20% من واردات “إسرائيل” النفطية مصدرها كازاخستان، وترتفع النسبة أحيانًا إلى نحو 25%.
كما أن ملف التسليح يمثل بعدًا آخر للتقارب مع تل أبيب، إذ وقعت الدولتان اتفاق دفاعي عام 2014 يرتبط، وفق التقديرات الصحفية، بتوسيع صفقات بيع الأسلحة. وقد باعت شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية معدات وأنظمة متعددة لكازاخستان تشمل طائرات دون طيار وصواريخ موجهة وتقنيات تحكم ورادار واتصال، إضافة إلى السماح بإنتاج بعض التقنيات داخل الأراضي الكازاخية.
وإلى جانب التعاون العسكري التقليدي، تتعزز العلاقات بين الطرفين على مستوى الأمن السيبراني، حيث باتت كازاخستان خلال السنوات الأخيرة سوقًا متناميًا لشركات التجسس والمراقبة الإسرائيلية، وهو ما كشفته تقارير حقوقية بشأن تعرض هواتف نشطاء كازاخيين لبرمجيات تجسس من شركة NSO وشركات أخرى إسرائيلية.
أما على مستوى التجارة العامة، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية مسارًا تصاعديًا لافتًا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2024 نحو 236 مليون دولار، إلى جانب وجود ما يقارب 140 شركة تضم مساهمين إسرائيليين تعمل في كازاخستان في قطاعات الطاقة والزراعة والدواء والبناء، مدعومة بغرفة تجارة مشتركة تأسست منذ عام 2004 لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي.
بذلك تبدو خطوة الانضمام إلى مسار التطبيع جزءًا مكملًا لبنية قائمة ومترسخة، وليست انتقالًا نوعيًا، لكنها تكتسب قيمة سياسية ورمزية باعتبارها تأتي في لحظة دولية حساسة، وتوظف في سياق إعادة إنتاج اصطفافات وتوازنات جديدة في المنطقة، أكثر مما تمثل مشروع علاقة جديدة بين طرفين لم يلتقيا مسبقًا.
ماذا تريد أمريكا و”إسرائيل” من هذه الخطوة؟
إذا كانت خطوة انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام لا تمثل استحداثًا من عدم مع واقع العلاقات الممتدة بين أستانة وتل أبيب منذ عقود، فإن رمزيتها السياسية في هذا التوقيت تفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول الأهداف الأميركية والإسرائيلية الكامنة خلفها.
فالمشهد يتجاوز مجرد انضمام دولة جديدة إلى اتفاقٍ تطبيعيّ، ليعكس محاولات حثيثة لإعادة إنعاش مسار بدا في السنوات الأخيرة وكأنه فقد زخمه وزخرفه معًا، ويمكن رصد حزمة من الدوافع التي تفسر هذا التحرك من جانب واشنطن وتل أبيب، تتوزع على خمسة مستويات رئيسية:
أولًا: إنعاش المسار الإبراهيمي
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على إطلاق اتفاقات أبراهام التي ضمت أربع دول عربية عام 2020، وجدت واشنطن نفسها أمام مسار متجمّد، فقدَ كثيرًا من بريقه، خاصة في ظل ما تعرّض له من اهتزازات شرعية عقب حرب غزة.
ولذلك سعت الإدارة الأميركية ومعها حكومة نتنياهو إلى ضخّ دماء جديدة في الاتفاق، عبر توسيع نطاقه جغرافيًا وإثبات أنه لا يزال حيًّا، وأن فكرة التطبيع مع “إسرائيل” ما زالت خيارًا قائمًا لدى بعض الدول، رغم موجة الغضب الدولي من الجرائم الإسرائيلية في القطاع.
عن احتفال ويتكوف بالدولة المطبّعة الجديدة!
من هي؟
كازاخستان.
يا لسُخف المطبِّع والمُحتفِل.
بعد 5 سنوات على زفّة "أبراهام"، لم يجدوا غير بلد هامشي التأثير في المنظومة الدولية وذي صلة محدودة بقضايا المنطقة.
ويفعل على الضدّ من مزاج شعبه.
صهاينة ترامب يبيعونه الوهْم، وهو تافه يشتريه! pic.twitter.com/TtGVjfV061— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) November 6, 2025
وفي هذا السياق، وصف الباحثان غيرشوم ساكس وإميلي ميليكن من مؤسسة “إن 7” البحثية –في مقال بمجلة ناشونال إنترست الأميركية– انضمام كازاخستان بأنه “تطور غير مسبوق” ينقل الاتفاقات من الإطار الإقليمي إلى العالمي، ويمنحها بعدًا يتجاوز الشرق الأوسط إلى قلب آسيا الوسطى، مؤكدَين أن الدولة ذات الغالبية المسلمة غير العربية قد تُعيد تعريف نطاق التطبيع برمّته.
ومن اللافت أن ترامب كان قد سعى، منذ بداية ولايته، إلى إقناع عواصم آسيا الوسطى بالانضمام، في محاولة لتوسيع دائرة النفوذ الأميركي – الإسرائيلي في القارة الآسيوية، خصوصًا بعد تراجع الزخم السياسي لما بعد حرب غزة.
ثانيًا: سباق المعادن والطاقة في آسيا الوسطى
التحرك الأميركي لا ينفصل عن سياق التنافس الجيو-اقتصادي المحتدم مع الصين وروسيا في منطقة آسيا الوسطى، الغنية بالمعادن النادرة وموارد الطاقة والممرات التجارية الاستراتيجية، إذ تحاول واشنطن من خلال بوابة “أبراهام” أن تقدم نفسها لشركائها الإقليميين كخيار اقتصادي وأمني بديل عن موسكو وبكين، وتربط صراحة بين الانفتاح على الغرب والانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية.
وجاء الإعلان الكازاخي متزامنًا مع توقيع تفاهمات اقتصادية جديدة مع الولايات المتحدة حول “المعادن الحرجة” والاستثمار في البنية التحتية والتقنيات المتقدمة، في إشارة واضحة إلى البعد الاقتصادي للمسار، وكان ترامب قد أشار، خلال لقائه بزعماء “مجموعة 5+1”، إلى أن تأمين سلاسل الإمداد بالمعادن الأساسية يُعد أولوية استراتيجية، وهي المسألة التي تتقاطع مع مشاريع أخرى مثل “الممر الأوسط” الذي يربط آسيا الوسطى بالبحر المتوسط عبر القوقاز، ما يمنح واشنطن وتل أبيب منفذًا محتملًا إلى ثروات المنطقة.
كما أن تطوير خطوط النقل الجديدة –من مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا إلى إعادة إحياء سكة حديد الحجاز– يكرّس لإسرائيل موقعًا بوصفها حلقة وصل مركزية بين الشرق والغرب في منظومة التجارة المستقبلية.
ثالثًا: الهروب من فخّ غزة
في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على حكومة نتنياهو بسبب الحرب في غزة، والمطالبات بوقف العمليات العسكرية وفرض استحقاقات سياسية وعسكرية وأمنية، بدا أن تل أبيب تبحث عن انتصارات دبلوماسية خارجية تُخفف من وطأة أزمتها الأخلاقية والسياسية.
وهنا يأتي انضمام كازاخستان كـ”إنجاز رمزي” يُستثمر داخليًا للتغطية على مأزق الحرب، وتصدير صورة “إسرائيل” القادرة على توسيع علاقاتها رغم عزلتها المتنامية، فالهروب إلى الأمام عبر توسيع التطبيع في مناطق بعيدة جغرافيًا عن بؤرة الصراع يمنح الحكومة الإسرائيلية مساحة تنفّسٍ سياسي في لحظة اختناق غير مسبوقة.
رابعًا: البحث عن المجد الشخصي لترامب
من الصعب تجاهل البُعد الشخصي في سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يسعى دائمًا لتصوير نفسه بوصفه “صانع السلام العالمي”، فالرجل لا يفوّت فرصة لربط اسمه بكل اتفاق أو مصافحة دبلوماسية تذكّر بحقبة ولايته، ويستثمر هذه اللحظات لتضخيم صورته الذاتية وتسويق إنجازاته أمام الرأي العام الأميركي والدولي.
ومع فشله في ضمّ السعودية إلى مسار التطبيع بسبب شروطها السياسية المسبقة، يبدو أنه وجد في كازاخستان تعويضًا رمزيًا لذلك الإخفاق، وفرصة لإضافة “حلقة جديدة” في سلسلة ما يسميه “سلامه التاريخي” يستحق من خلالها أن يكون على منصات التتويج داخل نوبل وخارجها.
خامسًا: اختراق التوازنات الروسية – الصينية
يتجاوز البعد السياسي والاقتصادي حدود كازاخستان إلى عمق التوازنات الكبرى في آسيا الوسطى، إذ تمثل الخطوة تحديًا غير مباشر لهيمنة موسكو وبكين على المنطقة التي لطالما اعتُبرت “الحديقة الخلفية” لهما، فالوجود الأميركي – الإسرائيلي المتزايد هناك، عبر بوابة الاتفاقات الإبراهيمية، يمثل رسالة استراتيجية مزدوجة: أولًا، تقويض النفوذ التقليدي للثنائي الروسي – الصيني، وثانيًا، زرع موطئ قدم أميركي داخل فضاء جغرافي شديد الحساسية.
كما أن إدخال دولة ذات أغلبية مسلمة كبيرة مثل كازاخستان إلى هذا المسار يحمل بعدًا رمزيًا عميقًا، يوحي بأن “التطبيع” لم يعد حكرًا على العالم العربي، بل خيارًا مطروحًا أمام دول إسلامية أخرى في محيط أوسع، وهو ما قد يحمل على المدى البعيد اخترقًا قويًا لجدران النفوذ الروسي الصيني أسيويًا.
– إعلان ترامب عن انضمام كازاخستان للاتفاقات الإبراهيمية هو تصعيد لعلاقة دبلوماسية وتجارية قائمة منذ 1992، وينقلها إلى واجهة المشهد السياسي كـ "سلام مقابل لا شيء".
– الانخراط في المشروع المدعوم أمريكيًا يمنح كازاخستان هامش مناورة بين النفوذين الروسي والصيني، وتُسوّق الخطوة كـ… pic.twitter.com/s1TjzA4uyw
— نون بوست (@NoonPost) November 8, 2025
من هنا لا يُقاس انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام بمدى جدته الدبلوماسية بقدر ما يُقاس بدلالاته الاستراتيجية، فالخطوة تبدو كجزء من عملية “إعادة تموضع” أميركية – إسرائيلية في آسيا الوسطى، هدفها تثبيت النفوذ ومواجهة تمدد الخصوم، أكثر من كونها مسارًا جديدًا للسلام.
ومع ذلك، فإن دخول دولة مسلمة غير عربية إلى هذه المنظومة قد يشكّل بداية مرحلة جديدة، حيث تتحول “اتفاقات أبراهام” من مشروع تطبيع شرق أوسطي إلى منصة هندسة سياسية عابرة للأقاليم، تُعيد رسم خرائط التحالفات في عالم ما بعد غزة.
ماذا يعني بالنسبة لكازاخستان؟
من الجهة المقابلة، تبدو أستانة مدفوعةً بحزمة واسعة من المكاسب التي تسعى لاقتناصها عبر هذه الخطوة؛ يأتي في مقدمتها تعميق الشراكات الاقتصادية مع واشنطن وتل أبيب، وتعزيز موقع النظام الكازاخي في آسيا الوسطى بوصفه الشريك الصاعد للولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة.
وتراهن كازاخستان على أن دخولها رسميًا إلى نادي أبراهام يمنحها قدرة أكبر على توسيع هامش المناورة الجيوسياسية بين قوتين عملاقتين تحيطان بها من كل اتجاه، روسيا بثقلها التاريخي والثقافي الممتد، والصين بسطوتها الاقتصادية وممراتها التجارية العابرة عبر “الحزام والطريق”.
وفي هذا السياق، ترى القيادة الكازاخية أن الالتحاق بمسار ترعاه أمريكا وتتشارك فيه إسرائيل، يمثل فرصة استراتيجية تمكنها من فكّ بعض قيود الجغرافيا وتقليل كلفة التموضع بين موسكو وبكين، وتعيد هندسة خياراتها بعيدًا عن مسارٍ أحادي بات يفرض عليها أثمانًا ثقيلة.
كما أن إدراج التعاون مع تل أبيب تحت مظلة الاتفاقات الإبراهيمية يمنح أستانة إمكانية تسويقها داخليًا وخارجيًا بصفتها إطارًا تنمويًا واقتصاديًا، قائمًا على الاستثمار والتكنولوجيا والزراعة والأمن السيبراني بضمانات أميركية، وليس خطوة تُمثّل خرقًا للمحددات القيمية أو المواقف التاريخية، فالمسألة الفلسطينية، عكس المشرق العربي، لا تشكل في كازاخستان مرجعًا لتعريف الهوية السياسية للدولة أو بوصلتها الاجتماعية، ما يجعل تكلفة التطبيع لديها أقل حساسية وأقل قابلية للاشتعال في المجال العام.
إيران في قلب بنك الأهداف
لم تكن طهران بعيدة عن خلفيات هذه الخطوة، حتى وإن بدا ذلك للوهلة الأولى وكأنه مجرد ترتيب ثنائي بين أستانة وتل أبيب. فإخراج العلاقات الكازاخية – الإسرائيلية من إطارها الرمادي غير الرسمي إلى مسار معلن ومؤسسي يحمل في طياته – عمليًا – رسالة مباشرة لإيران، حتى وإن لم يُصرّح بها، فطهران كانت جزءًا من الحسابات الصهيو – أميركية، وإن جرى تمرير ذلك بصيغة غير معلنة.
خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب مأدبة العشاء التي جمعت ترامب بقادة دول آسيا الوسطى في البيت الابيض مساء الخميس الماضي، طُرح على الرئيس الأميركي سؤال حول القيمة العملية لانضمام كازاخستان لاتفاقات أبراهام في ظل وجود علاقات دبلوماسية قائمة مع “إسرائيل” منذ سنوات.
ترامب أحال الإجابة لنائبه جاي دي فانس، الذي اعتبر الخطوة “تضيف زخمًا جديدًا إلى المسار الإبراهيمي”. وتدخّل وزير الخارجية ماركو روبيو موضحًا أن جوهر اتفاقات أبراهام لا يقتصر على فتح السفارات أو الاعتراف الدبلوماسي فحسب، بل يقوم على إعادة تشكيل قنوات تعاون أوسع اقتصاديًا وإقليميًا، تتجاوز الشكل التقليدي للتطبيع.
وفي نهاية تعقيبه، أشار ترامب – بشكل غير مباشر – إلى أن الهجوم الأخير على إيران شكّل عاملًا ضاغطًا في تغيير الحسابات، وأن التوترات الإقليمية المتصاعدة دفعت كازاخستان إلى تثبيت موقعها ضمن محور “الدول الداعمة للاستقرار” وفق التعبير الأميركي.
وتكتسب هذه الإشارة معناها الحقيقي حين نتذكر أن كازاخستان هي المنتج الأول عالميًا لليورانيوم ( 43% من الإنتاج العالمي من اليورانيوم) وأن تقارير سرية كانت قد كشفت عام 2009 عن محاولة لنقل يورانيوم إلى إيران، بما كان قد يمثل خرقًا للقيود الدولية آنذاك.
ولذلك يرى مراقبون أن دخول أستانة رسميًا إلى الإطار الإبراهيمي يمثل إغلاقًا نهائيًا لهذا الباب الحسّاس، ويوحي بتحول جيوسياسي أعمق في آسيا الوسطى، يميل أكثر نحو المصالح الأميركية والإسرائيلية على حساب نفوذ طهران.
في المحصلة، ورغم أن انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام لا يُنتج تحوّلًا عمليًا جوهريًا في شكل العلاقة مع إسرائيل، باعتبار أن البنية الثنائية بين الطرفين قائمة وراسخة منذ عقود، إلا أن أهمية الخطوة تكمن في رمزيتها السياسية وتوقيتها الدولي ودلالاتها الجيوسياسية الممتدة خارج حدود ثنائية تل أبيب – أستانة.
مع الوضع في الاعتبار البعد الآسيوي لتلك الخطوة والذي يفتح فصلًا جديدًا في خريطة النفوذ؛ إذ يتحول التطبيع من مشروع إقليمي إلى منصة عابرة للأقاليم، تتقاطع عندها أهداف السيطرة على سلاسل المعادن، وإدارة التوازنات بين موسكو وبكين، وإغلاق هامش إيران النووي المحتمل، ومنح اللاعبين الجدد –مثل كازاخستان– شبكة حماية ومجال مناورة استراتيجي أمام القوى الكبرى المحيطة بها.
فالتطبيع هنا ليس حدثًا دبلوماسيًا بريئًا، بل حلقة إضافية ضمن مسار أوسع لإعادة تشكيل التموضع الأميركي – الإسرائيلي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ومحاولة إحياء سردية “أبراهام” وإعادة ضخ شرعية مصطنعة لمسار التطبيع في لحظة يواجه فيها الاحتلال الإسرائيلي أزمة غير مسبوقة في صورته الأخلاقية وشرعيته الدولية بفعل حرب الإبادة في غزة، وفي وقت تتراجع فيه قدرة واشنطن وتل أبيب على فرض سرديتها على العالم كما كان يحدث في العقود السابقة.
