أقل من سبعة أشهر تفصل الجزائريين عن انتخابات برلمانية من شأنها أن تعيد رسم الخريطة الحالية التي تسيطر عليها قوى التحالف المساند للسلطة، ما تسبب في ضعف أداء المعارضة البرلمانية وتراجع صوتها، بسبب وجود كتلة نيابية واحدة معارضة، وهي حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر).
ستتنافس في هذه الاستحقاقات عشرات التشكيلات السياسية البارزة في المشهد السياسي للظفر بأكثر من 400 مقعد في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري). وفي هذا التقرير، سنرصد أهم الأحزاب التي ستتنافس في هذا الاستحقاق الانتخابي.
جبهة التحرير الوطني
يتصدر حزب جبهة التحرير الوطني قائمة الأحزاب المتنافسة على الفوز بأغلبية مقاعد الغرفة التشريعية الأولى، وفي آخر انتخابات تشريعية عرفتها البلاد، وهي الأولى بعد اندلاع الحراك الشعبي الذي أنهى الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة، تصدر الحزب النتائج رغم التراجع الكبير في عدد مقاعده، إذ حصل على 100 مقعد من أصل 407، وهو عدد أقل بكثير من المقاعد التي كان يحتاجها لتأمين الأغلبية في البرلمان.
حزب التجمع الوطني الديمقراطي
يعتبر حزب التجمع الوطني الديمقراطي من الأحزاب الداعمة للسلطة في الجزائر، تأسس في 26 فبراير/شباط 1997، وهي فترة سياسية وأمنية دقيقة تُعرف بـ”الحقبة السوداء”. ويقدّم الحزب نفسه بوصفه ذا توجه ديمقراطي، يؤمن بالتعددية السياسية وبالتداول السلمي للسلطة، وقد شارك في مختلف الاستحقاقات الانتخابية، محتلاً المراتب الثانية أو الثالثة في أغلبها.
وتراجع الحزب، المعروف اختصارًا بـ“الأرندي”، إلى المرتبة الرابعة في الانتخابات النيابية التي أجريت في صيف 2021، بعدد مقاعد بلغ 60 مقعدًا، وذلك نتيجة الغضب الشعبي الذي واجهه منذ 22 فبراير/شباط 2019 بسبب مشاركته الحثيثة في مشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إضافة إلى تورط عدد من قياداته في قضايا فساد، وعلى رأسهم أمينه العام السابق ورئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى، الذي أُدين في صيف 2019. ويعيش الحزب حاليًا وضعًا جيدًا ومستقرًا مقارنة بحزب جبهة التحرير الوطني.
وقد شهد الحزب مؤخرًا انتقالًا في القيادة إلى الكوادر الشابة، بعد رحيل الجيل الأول من المؤسسين والقيادات السياسية التي شكّلت المرجعيات الأولى لهذه التشكيلة، ففي يوليو/تموز الماضي، عُيّن النائب الشاب في المجلس الشعبي الوطني، منذر بودن، رئيسًا لحزب التجمع الوطني الديمقراطي خلال المؤتمر العام للحزب.
حركة مجتمع السلم
يبرز أيضًا في الواجهة حزب حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر حزب إسلامي في البلاد، تأسس في مطلع تسعينيات القرن العشرين)، وقد سجل حضوره في معظم الاستحقاقات الانتخابية، وشكّل مفاجأة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بتقدمه الملحوظ على التجمع الوطني الديمقراطي، إذ حصل على 65 مقعدًا، أي ما يعادل 15.72%.
وتُعد الحركة، المعروفة اختصارًا بـ”حمس”، أكبر كتلة نيابية معارضة في البرلمان. ومنذ انسحابها من الشراكة مع السلطة في عام 2012 بحجة “عدم وجود نية حقيقية للقيام بإصلاحات سياسية في البلاد”، تُظهر الحركة مواقف نقدية حادة تجاه بعض السياسات الرسمية والتوجهات الحكومية، لكنها في المقابل تبدي دعمًا واضحًا للمواقف الخارجية للجزائر، المرتكزة على مبادئ عدم الانحياز، والتضامن الإفريقي-العربي، إضافة إلى الدعم الصريح للقضايا العادلة مثل قضية الصحراء الغربية وفلسطين.
وتُنذر عدة مؤشرات في المشهد السياسي بإمكانية بروز تحالفات استراتيجية بين أحزاب إسلامية لخوض الانتخابات التشريعية المقررة في النصف الأول من السنة القادمة، ففي زيارة وُصفت بـ”الاستثنائية”، التقى في 23 سبتمبر/أيلول الماضي رئيس حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني شريف، ووفد من قيادات الحركة بقيادة حركة النهضة. وشكّل الاجتماع مناسبة لمناقشة آفاق التعاون والتنسيق بين الحركتين في المرحلة المقبلة، ما عزز فرضية قيام تحالف انتخابي بين الحزبين في الاستحقاقات البرلمانية والمحلية القادمة.
View this post on Instagram
جبهة القوى الاشتراكية
ومن الأحزاب التي تستعد للعودة إلى المنافسة نجد جبهة القوى الاشتراكية، وهو حزب سياسي جزائري معارض تأسس يوم 29 سبتمبر/أيلول 1963 على يد الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد، وقد دأب الحزب على مقاطعة معظم الاستحقاقات الانتخابية، آخرها انتخابات يونيو/حزيران 2021 التي جرت في ظل الحراك الشعبي، وقبلها الانتخابات التشريعية لعامي 2002 و2007، وكذلك الانتخابات الرئاسية لعام 2009. وسجّل الحزب حضوره في استحقاقين متعاقبين: الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 مايو/أيار 2012 وفاز فيها بـ 27 مقعدًا من أصل 462، كما شغل 14 مقعدًا في برلمان 2017–2021.
لكن يبدو أن الحزب قد اختار التخلي عن العزوف واللامبالاة، ويسعى اليوم إلى الانخراط والبناء من جديد، فمنذ أيام قليلة، أعلن السكرتير الأول للحزب يوسف أوشيش خلال انعقاد المجلس الوطني أن “النظام القائم يستمد استمراره من سياسة الكرسي الشاغر، ومن انسحاب المواطنين من الحياة العامة، وأن التاريخ لا يُكتب بالصمت، بل بالفعل والمبادرة والمشاركة في صنع المصير المشترك”. ويأتي قرار المشاركة، وفق المتحدث، “من أجل إعادة الاعتبار لمعنى التمثيل الانتخابي، وإرجاع الكلمة للشعب باعتباره المصدر الأول والأخير للشرعية”.
حزب العُمال
نجد أيضًا حزب العمال اليساري، الذي يُعد أحد أهم الأحزاب في الساحة السياسية الجزائرية منذ إقرار التعددية الحزبية عام 1989، ويسعى بدوره للعودة إلى البرلمان رغم صعوبة المهمة، إذ أثرت مواقف عديدة اتخذها الحزب في رصيده الشعبي، وقد أعلنت زعيمته لويزة حنون عن “نهاية مرحلة القطيعة” التي اعتمدها الحزب بعد حراك 2019، معتبرة أن عودة الحزب إلى البرلمان “مسألة حيوية” ستمكّنه من تكرار ما تُحقق سابقًا من منجزات عبر تعديل وسن تشريعات وقوانين مهمة.
نشأ حزب العمال عام 1990 بعد فتح مجال التعددية السياسية الذي أتى به دستور 1989، على أنقاض المنظمة الاشتراكية للعمال، وقد ضم في بدايات تأسيسه نقابيين وعمالًا بسطاء بالدرجة الأولى، وجعل الدفاع عن الحركات النقابية والتوزيع العادل للثروة على المواطنين في صلب أولوياته.
أما في مساره السياسي، فقد قاطع الحزب الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر/كانون الأول 1991، والتي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كما عارض قرار إلغاء الجولة الثانية التي كان من المزمع إجراؤها في يناير/كانون الثاني 1992. وبعد ذلك شارك في الانتخابات التشريعية في 5 يونيو/حزيران 1997، وفاز بأربعة مقاعد، كان أحدها من نصيب زعيمته لويزة حنون، إضافة إلى ثلاثة كوادر آخرين من الحزب. ومنذ عام 1999 (تاريخ وصول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم) لم يقاطع الحزب أي انتخابات نيابية أو رئاسية.
وفي الانتخابات التشريعية لعام 2002، حصل حزب العمال على 3.3% من الأصوات، وانتُخب 21 عضوًا منه في البرلمان، أما في الانتخابات الرئاسية لعام 2004، فكانت لويزة حنون أول امرأة في الجزائر تترشّح للرئاسة، وحصلت على 101,630 صوتًا (1%). وفي الانتخابات البرلمانية لعام 2007، أصبح الحزب أكبر قوة معارضة، إذ فاز بنسبة 5.08% من الأصوات و26 مقعدًا من أصل 389.