ترجمة وتحرير: نون بوست
بالرغم من أن الأمر يبدو متناقضًا، فإن الحروب التي اجتاحت الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين كانت في آنٍ واحد تحولات جذرية ونتائج غير حاسمة؛ فعلى مدى عقدين فرضت إيران وحلفاؤها هيمنتهم على المنطقة. غير أن إسرائيل حطمت شبكة الميليشيات المدعومة من إيران ودفعت بإمبراطوريتها إلى الانهيار. كما سقط نظام الأسد في سوريا. ثم، وبدعم أمريكي، تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء وهاجمت إيران مباشرة.
ومع ذلك، لم يختفِ نفوذ إيران تمامًا، فحركة حماس أُضعفت لكنها ما زالت قوة قائمة، وكذلك حزب الله في لبنان. أما النظام الديني في إيران فقد صمد أمام اثني عشر يومًا من القصف الإسرائيلي والأمريكي. وفي سوريا، يمسك أحمد الشرع بقبضة هشة على بلاده.
وهكذا سيكون العام المقبل ساحة صراع بين التغيير والاستمرارية؛ إذ يرسم دونالد ترامب رؤية متفائلة للتغيير، مع إعادة إعمار غزة، وإبرام إيران صفقة تتخلى بموجبها عن طموحاتها النووية، وانضمام المزيد من الدول العربية إلى مسار التطبيع مع إسرائيل، لكن في المقابل ستقف قوى قوية تدفع باتجاه الجمود.

أكبر الأسئلة يتعلق بما سيحدث في غزة؛ فلكي تبدأ عملية إعادة الإعمار بشكل جدي، يجب أن تسير أمور كثيرة في الاتجاه الصحيح: على حماس أن توافق على نزع سلاحها، وعلى الدول العربية أن تنشر قوات حفظ سلام رغم مخاوفها من الانجرار إلى مواجهة مع الفلسطينيين، وعلى إسرائيل أن تقبل بدور ما للسلطة الفلسطينية وأن تقدم ضمانات بأن الحرب قد انتهت بالفعل، وكل ذلك يبدو غير مرجح. وإذا تباطأت عملية إعادة الإعمار، قد يسعى بعض سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة إلى الرحيل، وسيؤدي ذلك إلى توتر علاقة إسرائيل مع مصر، وربما يمنح إسرائيل ذريعة لاستئناف الحرب في القطاع.
السؤال الثاني هو ما إذا كانت إسرائيل وإيران ستخوضان جولة جديدة من الصراع؛ حيث يمكن للجمهورية الإسلامية أن تتجنب ذلك بعقد صفقة مع أمريكا، لكن المرشد الأعلى علي خامنئي غير مستعد لتقديم التنازلات التي يطالب بها ترامب. لقد تعرض برنامج إيران النووي لدمار كبير بعد حرب يونيو/ حزيران التي استمرت 12 يومًا، لكنه لن يتخلى عنه بالكامل. وإذا اندلعت حرب ثانية، ستسعى إسرائيل على الأرجح إلى إسقاط النظام، لكن إذا اعتقدت إيران أن إسرائيل عازمة على تغيير النظام، فقد ترد بضرب جيرانها عبر الخليج، مما سيجبر ترامب على الاختيار بين كبح جماح إسرائيل أو المخاطرة باستقرار حلفاء أمريكا العرب.
أما السؤال الثالث، فيتعلق بقدرة ترامب على توسيع اتفاقيات إبراهيم، وهي الاتفاقيات التي وقعتها أربع دول عربية عام 2020 لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومن غير الواقعي توقع أن تقيم سوريا ولبنان علاقات كاملة مع الدولة العبرية، لكن من الممكن أن توقع سوريا اتفاق عدم اعتداء للحد من التوغلات الإسرائيلية في أراضيها. أما لبنان فقد لا يذهب إلى هذا الحد، خاصة مع اقتراب الانتخابات في الربيع. ومع ذلك، فإن مجرد الحديث عن معاهدة سلام – وهو موضوع ظل محظورًا طويلًا – سيبدأ في التغلغل.
إسرائيل قوة للتغيير والجمود في آن واحد
سيكون من الصعب تحقيق تقدم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ فمملكته هي “الجائزة الكبرى”: إذا طبّعت العلاقات مع إسرائيل، فمن المرجح أن تحذو دول عربية وإسلامية أخرى حذوها. لكن السعوديين أوضحوا منذ أكثر من عام أنهم لن يعترفوا بإسرائيل ما لم توافق على عملية سلام حقيقية مع الفلسطينيين، وليس لديهم سبب للتراجع عن هذا الموقف. في الماضي كانوا يأملون أن يؤدي الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم إلى فتح الباب أمام اتفاق دفاع رسمي مع أمريكا، وربما يحصلون على ذلك في عام 2026 على أي حال.
ترامب هو الصوت الأعلى في الدعوة إلى التغيير، فإن إيران هي القوة الرئيسية للجمود. فقد أمضى المرشد عقودًا يحاول الموازنة بين حالة “لا حرب ولا سلام” مع إسرائيل، وبين الاقتراب من امتلاك قنبلة نووية، لكن هذه الموازنة فشلت. ومع ذلك، يبدو أنه في سن السادسة والثمانين غير قادر على تغيير المسار، وستبقى مهمة التغيير مؤجلة لخلفه.
أما إسرائيل، على نحو مربك، ستكون قوة للتغيير والجمود معًا. فهي تدعم رؤية ترامب لتحويل المنطقة، لكن أيًا كان الفائز في الانتخابات الإسرائيلية فلن يرغب في تقديم تنازلات للفلسطينيين. وبالتالي سيظل حلم الاندماج الإقليمي مؤجلًا: إسرائيل ستبقى قوة مهيمنة، لكنها غير محبوبة.
كل ذلك يعني عامًا مليئًا بالتوتر بالنسبة لحكام الخليج. فهم قلقون من أن تستهدفهم إيران، ومن أن يتحملوا فاتورة إعادة إعمار غزة. كما يسعى السعوديون لتجنب أي إنذارات من ترامب بشأن العلاقات مع إسرائيل. وسيواصلون استرضاءه ورشوته، حتى وهم يعززون علاقاتهم مع قوى أخرى. وربما يكون هذا هو التغيير الأكثر مباشرة واستمرارية خلال العامين الماضيين: فمع احتضان أمريكا لإسرائيل، جعلت دول الخليج أكثر قلقًا من أي وقت مضى بشأن الاعتماد عليها لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
المصدر: الإيكونوميست