لم يرث جيل “زد” البطولة الصاخبة لحركات التغيير، بل ورث “الخيبة” والتبعات النفسية والاقتصادية والثقافية لنتائج الانتفاضات والثورات ما بعد 2011. ومع ذلك، ربما، لا يسعى هذا الجيل إلى استمرارية الإحباط أو اليأس؛ بل ربما يكون، وكما يصفه البعض، “جيل الأمل والأسئلة الكبرى”، التي ربما يحوّل هذه الخيبة الموروثة إلى طاقة تحليل وإعادة بناء بدلًا من الثورة بالمعنى التقليدي.
يكتسب جيل “زد” أهميته الديموغرافية من كونه جزءًا من الكتلة الشبابية الهائلة في المنطقة العربية، حيث يبلغ نحو 60% من سكان المنطقة دون سن 25 عامًا. وفي سياق الشتات، يشكل العرب المغتربون، بما فيهم الجيل الجديد، قوة مؤثرة؛ إذ يمثل الشتات العربي ما لا يقل عن 5% من مجموع السكان، أو حوالي 20 مليون شخصًا.
في هذا المقال، نحاول النقاش والإجابة على كيف يختلف هذا الوعي النقدي لجيل المغترب عن أولويات أقرانه في الداخل؟ مُسلّطين الضوء على دورهم المحوري في نصرة القضايا العربية، وعلى رأسها فلسطين. وأيضا، كيف قلبوا السردية الغربية عبر التعبئة الرقمية؟ وكذلك كيفية تشكيل بيئتهم الجديدة لأجندتهم الحقوقية تجاه الجندر وقضايا المناخ والاستهلاك الأخلاقي؟ وأخيرًا، يستكشف المقال طبيعة الهوية الهجينة وكيف يمكن للانتماء أن يصبح فعلًا ثقافيًا معولما ورقميًا عابرًا للحدود؟
الوعي المزدوج: التفكيك النقدي مقابل الهاجس المادي
يمنح البعد الجغرافي جيل “زد” المغترب امتياز “المسافة”، مما يتيح له استخدام عدسة نقدية لتفكيك بنية الأنظمة في الوطن، بعيدا عن الضغوط المباشرة للرقابة أو الحاجة إلى الاندماج القسري، وهذا ما يتوافق مع بعض المفاهيم التي تعتبر الشتات فاعلًا سياسيًا قادرا على المراقبة والتفاعل مع التطورات في الوطن الأم، ويمكن الاستفادة من جهودهم في عمليات بناء السلام والمصالحة والعدالة الانتقالية وتسليط الضوء على الانتهاكات.
في المقابل، يختلف وعي جيل “زد” في الداخل، حيث أدت حالة الإحباط السياسي بعد عام 2011 إلى نوع من “خصخصة النضال“. فبدلًا من الثورة التقليدية الرامية إلى إسقاط النظام، يختار هذا الجيل “إعادة النظر في أبسط البنى التي تنظم حياته“. وتتحول السياسة من كونها مشروعًا جماعيا كبيرا إلى ممارسة فردية تهدف إلى مساءلة دائمة للحاضر وإصلاح العلاقة بين المواطن والواقع. هذا ما ظهر جليًا في الحراك الذي شهده المغرب مؤخرًا، حيث خرج الآلاف من الشبان مطالبين بتحسين الخدمات الأساسية بعبارة مكثفة: “الصحة أولًا، لا نريد المونديال“. لم يهاجم هذا الحراك رموز الدولة القصوى، بل هاجم النخب التي احتكرت الخطاب باسمها، مما يدل على تحول المطالب من المادة إلى “القيمة“. إن تركيز جيل الداخل على الشأن اليومي والخدماتي يعكس أن العمل السياسي تحول لديهم إلى نقد يستند إلى “القيمة” المؤثرة بشكل مباشر على حياتهم.
طلاب جامعة ظهر المهراز في فاس بالمغرب يتظاهرون احتجاجًا على تردي الخدمات الجامعية. pic.twitter.com/gi26ZuclrD
— نون بوست (@NoonPost) November 1, 2025
ويظهر هذا الاختلاف أيضًا في الطموح المهني والأولويات الاقتصادية. فبينما يطالب المغتربون بحقوق التصويت والمواطنة (مثل إعطاء الأمهات اللبنانيات المتزوجات من غير لبنانيين حق تمرير الجنسية لأبنائهن)، يركز الجيل في الداخل بشكل كبير على تأمين الاستقلال الاقتصادي الفردي. على سبيل المثال، يفضل 40% من مرشحي جيل “زد” في المنطقة العربية تقاضي راتب أقل بنسبة تتراوح بين 2% إلى 5% مقابل الحصول على فرصة أكبر للنمو الوظيفي وتطوير المهارات. كما يعتبر السفر ضرورة لا رفاهية، مما يدل على أن الحراك بالنسبة لهم ليس بالضرورة هجرة سياسية، بل محرك أساسي لتحقيق الأهداف الاقتصادية وتأمين سبل العيش. هذا التركيز على الخدمات اليومية والنمو المهني يمثل التعبير السلوكي لـ “الخيبة” في شكل سلوك اقتصادي حذر يسعى لتحقيق الاستقلال الفردي بدلًا من التغيير السياسي الشامل.
أيضا، يعيش جيل “زد” المغترب، لا سيما صانعي المحتوى والعاملين المستقلين، تجربة اقتصادية هجينة، حيث توفر لهم هذه التجربة استقلالاً ظاهرياً كـ “عامل مستقل” يختار زبونه، لكنها تزرع التبعية العميقة لـ “خوارزميات” تحدد دخله ومدى رؤيته. في هذه المنظومة الرقمية، لا تأتي الرقابة من سلطة مباشرة أو مشرف، بل من “نظام التقييم وعدد المتابعين”، كما توصف هذه الحرية بأنها “هشة بطبيعتها”؛ فالرقابة الخفية التي يمارسها السوق الرقمي على حرية التعبير تشبه في منطقها أنظمة الضبط السياسي القديمة التي يفترض أن الجيل قد تجاوزها.
هذا التحدي يتفاقم عند الحديث عن النشاط السياسي، خاصة في قضية فلسطين، حيث يواجه الناشطون العرب المغتربون تكتيكات “الاستعمار السيبراني” (Cyber Colonialism)، بما في ذلك المراقبة الرقمية والرقابة والحجب الجزئي على منصات التواصل. وحتى الحكومات العربية تحاول تضييق الخناق على التعبئة الرقمية (مثل تعليق عمل Discord في الأردن)، مما يدل على إدراك السلطات لخطورة هذه “الدياسبورا” وتأثيرها العابر للحدود.
View this post on Instagram
إن هذا الواقع يبرز التهديد الذي يواجه الوجود المزدوج لجيل “زد” المغترب. فالنشاط السياسي الذي يمارسونه من الغرب يجعلهم عرضة للعقوبات الحكومية المباشرة في أوطانهم، أو حتى في البيئات المضيفة. فبعد موجات الاحتجاجات الجامعية في أمريكا، ردت الإدارة الأمريكية بتهديد الطلاب الأجانب المناصرين لفلسطين بترحيلهم وإلغاء تأشيراتهم. هذا الأمر يربط الوجود المادي الآمن (الإقامة والتأشيرة) بالوجود الرقمي النشط (النشاط على تيك توك)، مما يحول “الحرية الهشة” الرقمية إلى “وجود هش” ماديًا. هذا الواقع يؤكد الحاجة إلى “دراسات التنقل النقدي” التي تعالج كيف يتم إنتاج التنقل والقمع نفسه سياسيا واجتماعيا، وكيف يُعاد تشكيل الانتماء العابر للحدود.
فلسطين كمركز للتعبئة العابرة للحدود والسياسة الرقمية
تحوّلت القضية الفلسطينية، بعد السابع من أكتوبر عام 2023، إلى قضية مركزية لجيل “زد” المُغترب وذوي الأصول العربية في الغرب، بل ولأقرانهم من غير العرب. هذا التحول في الوعي، خاصة في الغرب، جاء نتيجة مباشرة للقوة التكتيكية لمنصات التواصل الاجتماعي. لم يكن من قبيل المصادفة أن الأجيال الأكثر حضورًا على هذه المنصات هي نفسها التي اختارت توجها سياسيا ناقدا ومناقضا للموقف التقليدي لحكوماتها. مثلا، في الولايات المتحدة، أظهر استطلاع رأي أن ستين في المئة من جيل “زد” (الشباب بين 18 و24 عاماً) أعلنوا دعمهم للمقاومة الفلسطينية على حساب إسرائيل. هذا الانقلاب في المشهد حدث في غضون عام واحد فقط، حيث سجل تأييد “حماس” في نفس الفئة العمرية نسبة 43% فقط في استطلاع سابق.
View this post on Instagram
توجد فجوة عميقة بين الأجيال في الوعي السياسي؛ فبينما يتجه جيل “زد” نحو النقد، لا تزال الأجيال الأكبر سنًا متمسكة بخطاب الانحياز التقليدي، حيث يدعم نحو 90% ممن تجاوزوا الخامسة والستين “إسرائيل”. وقد لعبت منصات التواصل، خاصة “تيك توك”، دور “النافذة بلا فلاتر”، حيث أتاحت لجيل “زد” رؤية الواقع مباشرة. وبعيدًا عن قنوات الأخبار التقليدية التي قد تُفلتر الأحداث لتتناسب مع التوجهات السياسية، يتم تداول المشاهد المؤلمة يوميًا عبر حسابات مؤثرين وصحافيين مستقلين على منصات مثل “تيك توك” و“إنستغرام” و“إكس“.
نتيجة لهذا الانخراط، اكتسبت نسبة كبيرة من الجيل الجديد مرجعية فكرية نقدية، حيث يميل إلى الانخراط في السياسة الدولية من موقع نقدي، رافضًا فكرة “الاستثنائية الأميركية“. بالنسبة لهم، لا يُنظر إلى “إسرائيل” باعتبارها حليفًا مقدسًا، بل كدولة يجب أن تخضع للتقييم وفقا لمعايير العدالة وحقوق الإنسان، كما تدَّعي الحكومات. هذا التحول في الوعي يعيد إحياء كلمات المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي رأى في دور الشباب “المفتاح لتغيير السردية المهيمنة”، كما أكّد فيلسوف مثل نعوم تشومسكي أنّ الأجيال الصاعدة “قد تنقذ الديموقراطية الأميركية من التواطؤ مع الاحتلال”، فيما بدا إن اختيار جيل “زد” المغترب والغربي لفلسطين كقضية مركزية يرجع إلى كونها تلامس النواة الأخلاقية التي يتبناها الجيل (العدالة، حقوق الإنسان، مقاومة القمع)، فالقضية لا تمثل صراعا قوميا عربيا فحسب، بل هي مثال تطبيقي على فشل المؤسسات الغربية في تطبيق قيمها المعلنة.
إن هذا الوعي الجديد لجماعات الشتات حول القضية الفلسطينية تجاوز كونه حراكًا هامشيًا ليصبح قوة ضغط انتخابية عالميًا. هذا التحول لا يقتصر على الجامعات الأمريكية؛ بل تتكرر الصورة في الجامعات الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، حيث يضغط الجيل الجديد على الأحزاب لإعادة النظر في سياساتها الخارجية، كما أنه يُنذر بتداعيات انتخابية عميقة يمكن أن تغير الخطاب السياسي للأحزاب الغربية. وقد ظهرت خطورة هذا الوعي في ردود فعل القادة السياسيين، مثل اضطرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للترويج كذبًا بأنه سيعمل على إيقاف الحرب، وشن حملات غير مسبوقة ضد التحركات الشبابية المناهضة للحرب.
كما ردت الإدارة الأمريكية على الاحتجاجات الجامعية عبر سياسات قمعية غير مألوفة، مثل التهديد بترحيل الطلاب الأجانب المناصرين لفلسطين وإلغاء تأشيراتهم، وفرض غرامات ضخمة على الجامعات. كل هذه الإجراءات تؤكد أن جيل “زد” تجاوز مرحلة الهامش الغاضب ليصبح “الفاعل الأبرز في إعادة صياغة الرأي العام الغربي حول فلسطين”، وأيضا، تستغل الدياسبورا العربية الإعلام العابر للحدود كوسيلة لنقل التحولات السياسية العابرة للحدود وتشكيل هويات وتضامنات سياسية جديدة. هذا النوع من العمل السياسي يوضح أن دور الشتات لم يعد يقتصر على إرسال التحويلات المالية فحسب، بل أصبحوا ممثلين رئيسيين للحراك السياسي ومحاولة التغيير في أوطانهم الأصلية، حتى وهم في الخارج.
طوفان الجامعات الأمريكية يمتد إلى دول أخرى والسلطات تكثّف قمعها ضد الطلبة وسط حملة اعتقالات طالت العشرات.. فهل تنضم الدول العربية إلى الحراك العالمي؟
#تمرد_طلاب_امريكا #طوفان_القدس pic.twitter.com/YFHKrsqpwe
— نون بوست (@NoonPost) April 25, 2024
الهوية الهجينة والانتماء العابر: صراعات وجودية جديدة
يرفض جيل “زد” المغترب الوصم التجاري التقليدي الذي يعتمد على الإعلانات الكلاسيكية، حيث أصبحت “الأصالة” قيمة عليا بالنسبة لهم، فهم يثقون في الأقران والمستخدمين الحقيقيين أكثر من ثقتهم في الأسواق نفسها، بل ويطالب هذا الجيل العلامات التجارية بإثبات الأصالة، والاستدامة، والنزاهة، ويولي أهمية خاصة للمنتجات العضوية والتي تتميز بعمليات تصنيع مستدامة، كما تصنيع “خالٍ من القسوة” المدعومة بشهادات موثوقة. هذا الوعي النقدي تجاه الاستهلاك يمثل امتداداً للنقد السياسي؛ فإذا كانت الحكومات غير موثوقة، فإن الثقة تُبنى على القيم والتمثلات الثقافية الأصيلة.
كما أدت البيئة الجديدة التي تفاعل معها جيل “زد” المغترب إلى تعزيز وعيهم بالحقوق الفردية، وحقوق المرأة، مما يزيد من الضغط على المعايير الاجتماعية الاستبدادية داخل الوطن. هذا ما شجع على التحولات نحو مزيد من الحقوق داخل الأوطان. مثلا، الناشطات الشابات من جيل زد، يرفضن المعايير المزدوجة في المجتمع (Double Standards) بوضوح وصراحة، وبدا تعبيرهن لهذا الرفض يزداد ويظهر ويُعولم، حتى أنه يحاول الوصول إلى المستوى التشريعي والقانوني، في ظل وجود سُلطويات استبدادية عربية.
أيضا، ومن حيث الصراع الهُوياتي، يواجه جيل “زد” المغترب تحدي الاندماج والحفاظ على الهوية بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة. فهم يرفضون فكرة الحفاظ على التراث كشيء جامد، بل يسعون إلى “إعادة برمجته” و“اللعب به“. هذا ما أطلق عليه اسم الفولكلور المستقبلي (Future Folklore)، حيث يمزجون الفولكلور مع المستقبلية (Futurism). ومن الأمثلة على ذلك فرق الراب الفلسطينية التي تمزج موسيقى التراب (Trap) وإيقاعات “دبكة” مع الأصوات العربية الكلاسيكية، لتخلق صوتا مستقبليًا متجذرا في المقاومة المعاشة، كنوع من المحاولة لاستعادة “ملكية تعريف العروبة” في عصر الثقافة الرقمية والسيولة الأخلاقية المعولمة.
كذلك، قد تبنى هذا الجيل أيديولوجية الاندماج التي لا ترى حدودا. ويدركون أنهم جزء من حركة عالمية مشتركة، حيث يرى شباب المغرب ما يفعله شباب كينيا ويتعلمون من نظرائهم في باكستان. هذا التضامن العابر للحدود يخلق شعورا بالانتماء إلى حركة عالمية تتجاوز التصنيفات الوطنية الضيقة، إذ أن الأطر التقليدية التي تفترض وجود حدود واضحة بين “المهاجر” و“المُواطن” و“اللاجئ” لا تتناسب مع هذا الواقع المتشابك حيث تُعاد صياغة الانتماءات باستمرار.
وعلى الرغم من القوة التي يكتسبها الجيل من هذه الهوية الهجينة، إلا أنها تفرض ثمنا نفسيا باهظا، إذ يواجه أفراد الجيل الثاني والثالث من الشتات العربي تحديات كبيرة في دمج هويتهم المزدوجة (العربية والغربية)، مما يسبب حالة من التشتت والارتباك بشأن أي جوانب من هويتهم يجب أن يتبنوها. هذا الصراع حول الهوية هو أحد العوامل التي تساهم في مشكلات الصحة العقلية بين الشباب في الشتات، كما أن “إجهاد التثاقف” (Acculturative Stress) – وهو الضغط الناتج عن التكيف مع متطلبات الثقافة الجديدة – يزيد من احتمالية الاكتئاب بين الأمريكيين العرب. ومن المثير للاهتمام أن الدراسات لم تجد أن الاندماج الكامل في الثقافة الغربية أو التمسك القوي بالهوية التراثية (Heritage Identity) كان مرتبطاً بالاكتئاب بحد ذاته، بل يكمن الخطر في ضغط عملية التكيف الثقافي نفسها.
في مواجهة هذا الوجود الهش والإجهاد النفسي، يصبح النشاط السياسي والتضامن بديلا فعالا للتثاقف التقليدي. فبدلا من محاولة التكيف مع البيئة المضيفة بصمت، يقوم الجيل بتكييف البيئة المضيفة لتتناسب مع قيمهم النقدية (كما يظهر في حراك دعم فلسطين). فيما بدا أن الانخراط في قضايا مثل فلسطين، وتكوين مساحات شتات داعمة، يوفر مجتمعا يعالج الشعور بـ “الآخرية” والإجهاد الثقافي. بالنسبة للفلسطينيين المغتربين على وجه الخصوص، ترتبط الهوية مباشرة بحالة اللجوء والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. من هنا، يتحول النضال العابر للحدود إلى آلية فعالة لتثبيت الهوية المزدوجة وتحويلها من نقطة ضعف إلى قوة مجتمعية. ويمكن اختزال هذا الصراع الوجودي في كلمات جبران خليل جبران حول الهوية العابرة للحدود، حين قال: “أنا سليل قوم بناهم دمشق وجبيل”، في إشارة إلى أن الهوية ليست مجرد مكان، بل هي تراكم حضاري ومعرفي يتجاوز الجغرافيا.
نهاية، لقد رسخ جيل “زد” العربي المغترب مكانته كفاعل سياسي وثقافي عالمي، مستخدما وعي ما بعد المسافة الناتج عن الانفصال الجغرافي والاتصال الرقمي لتسييس الحياة اليومية والاستهلاك. فمن خلال “الفولكلور المستقبلي” وإعادة برمجة الهوية، ونقل، ونقد أيضا، القيم النقدية والحقوقية إلى الغرب، أصبحوا قوة ضغط لا يمكن تجاهلها. كما أن القضية الفلسطينية، تبقى، مركز الثقل لهذا الوعي، حيث أثبتت منصاتهم الرقمية قدرتها على قلب السردية الغربية التقليدية وتحويل الرأي العام لصالح العدالة وحقوق الإنسان ومقاومة الاحتلال. في المستقبل القريب، يُتوقع أنه ربما يستمر هذا الجيل في تحويل التحديات الوجودية، كـ “الرقابة الخوارزمية” وإجهاد التثاقف، إلى قوة دافعة للتضامن العابر للحدود، ليفرضوا أجندتهم النقدية على السياسة العالمية ويُعيدوا تشكيل مفهوم الانتماء ليصبح فعلاً رقميا وحقوقيا مستداما.