في مشهد يتكرر منذ سيطرة جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء، تواصل الجماعة تحويل القضاء إلى ذراع أمنية تخدم أهدافها السياسية وتستهدف المعارضين والناشطين، ففي أحدث حلقات هذا المسار، أصدرت محكمة تابعة للحوثيين أحكامًا بإعدام 17 شخصًا رميًا بالرصاص، بعد اتهامهم بالتخابر مع دول أجنبية، فيما قضت بالسجن عشر سنوات على اثنين وبرّأت آخر.
ووفقًا لإعلام الجماعة، استندت الأحكام إلى مزاعم تتعلق بنقل معلومات عن مواقع قيادات الجماعة وصواريخها باستخدام تطبيقات مشفّرة، في اتهامات يرى مراقبون أنها باتت الصيغة الجاهزة لمحاكمات تفتقر إلى أبسط ضمانات العدالة.
تأتي هذه الأحكام في سياق سلسلة طويلة من القرارات الصادرة عن المحاكم الحوثية، التي طالت في فترات سابقة سياسيين وناشطين وصحفيين. ويتفق حقوقيون على أن هذه المحاكمات تفتقد لكل المقومات القانونية، من حق الدفاع واستعراض الأدلة، إلى التحقيقات المستقلة، ما يجعل حقوق المتهمين الأساسية عرضة للانتهاك ويضع نزاهة العملية القضائية موضع شك كبير.
أحد أبناء المحكوم عليهم بالإعدام روى لـ”نون بوست” تفاصيل ما تعرض له والده، قائلاً إن والده، وهو طبيب مخبري لا علاقة له بالعمل السياسي، اعتُقل من منزله في عمران ضمن حملة طالت عددًا من أفراد الأسرة، ثم اختفى قسرًا لأربعة أشهر. وأوضح أن الحوثيين برروا الاتهامات بادعاء تجنيده خلال سفره للعلاج في مصر ثم عودته للسعودية، رغم أن السفر كان لأغراض طبية ومثبتًا بوثائق رسمية، ولم يُسمح للعائلة بزيارته إلا بعد تعرض السجن لضربة صاروخية. ويضيف أن النيابة لم تقدّم أي بيّنات، واعتمد ملف القضية على “اعترافات منتزعة”، فيما رفضت المحكمة جميع طلبات الدفاع، ما جعل الحكم — بحسب تعبيره — جاهزًا قبل بدء المحاكمة.
المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء تحكم بإعدام 17 متهما بتهم التخابر مع العدو البريطاني والامريكي والكيان الصهيوني رميا بالرصاص في ميدان عام
وهم:-
1- عماد شايع عز الدين السلطان
2- علي مثنى ناصر الحزري
3- عبد الرحمن عادل ذمران
4- ضيف الله صالح زوقم
5- علي احمد احمد السياني
6-… pic.twitter.com/KjuMDjGQzn
— الموقع بوست (@almawqeapost) November 22, 2025
مخالفات جوهرية وانتهاك لمبادئ العدالة
في بيان شديد اللهجة، وصفت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الأحكام بأنها “صورية” و”معدّة مسبقًا”، مشيرة إلى أن المحاكمة انعقدت خلال خمس جلسات فقط في ثمانية أيام، دون السماح للمحامين بالاطلاع على ملفات القضية. كما رفضت المحكمة التحقيق في مزاعم التعذيب التي طرحها المتهمون داخل الجلسات. وترى الشبكة أن هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، تشمل الاعتقال التعسفي والتعذيب والمحاكمة غير القانونية، فضلًا عن استهداف العاملين في المجال الإنساني.
نائب رئيس نقابة المحامين بمحافظة مأرب والخبير في القانون الدولي لحقوق الإنسان، المحامي خالد الريمي، أكد في حديثه لـ”نون بوست” أن المحاكمة محل الجدل شابتها مخالفات جوهرية خطيرة تمثل انتهاكًا واضحًا لمبادئ العدالة وضمانات المحاكمة العادلة، وللنصوص الدستورية التي تكفل حقوق الدفاع وتحمي الحرية الشخصية، لا سيما المواد (48 و47 وما بعدها) من الدستور اليمني.
وأوضح الريمي أن من أبرز هذه المخالفات عدم تمكين المتهمين من حضور محامٍ أثناء مرحلة جمع الاستدلال، إذ جرت عملية استجوابهم لدى أجهزة الأمن القومي والسياسي دون أي تمثيل قانوني، في انتهاك صريح لضمانات الدفاع، كما تعرّض المتهمون — وفق ما ظهر في التسجيلات المصوّرة — للتعذيب الجسدي والنفسي منذ الأيام الأولى لاحتجازهم، وهو ما انعكس على حالتهم الظاهرة، إضافة إلى وضعهم في الحبس الانفرادي وعزلهم عن العالم الخارجي، وهو أسلوب يمثل أحد أشكال التعذيب النفسي والمعنوي.
وأضاف أن الجهات الضبطية تجاوزت المدد القانونية للحجز قبل العرض على النيابة، رغم أن الدستور يحدد مدة لا تتجاوز 24 ساعة، ما يجعل ذلك التجاوز أحد مظاهر الإكراه والتعذيب القانوني، كما أن نشر تسجيلات مصوّرة تتضمن اعترافات للمتهمين قبل إحالتهم للمحاكمة يشكل مخالفة قانونية جسيمة تنتهك مبدأ أصل البراءة، وتؤثر على شفافية الإجراءات ونزاهة القضاء، فضلًا عن أن تلك التسجيلات عرضت المتهمين وأسرهم لمخاطر اجتماعية وانتقامات محتملة.
وأشار الريمي إلى أن النيابة العامة والمحكمة اعتمدتا بشكل رئيسي على اعترافات مزعومة انتُزعت تحت التعذيب الجسدي والنفسي، وهي اعترافات باطلة قانونيًا، ويترتب على بطلانها بطلان جميع الإجراءات اللاحقة لها وفقًا للدستور، وأكد أن الدفاع كان صوريًا أمام المحكمة، وهو ما تجلّى في تجاهل المحكمة لجميع الدفوع القانونية والموضوعية التي قدمها المحامون، بما يعكس طابعًا سياسيًا للمحاكمة يفتقر لأدنى معايير العدالة والشفافية.
وبيّن الريمي أن المحكمة الجزائية المتخصصة التي صدرت عنها الأحكام منتهية الولاية منذ عام 2019 بقرار جمهوري، وأن الجهة المسيطرة عليها حاليًا غير معترف بها محليًا ودوليًا ولا تملك أي شرعية قانونية. كما استبدلت الجماعة القوانين الوطنية المنظمة للقضاء بنظم ومعايير مذهبية خاصة بها، مخالفة بذلك قواعد التقاضي القانونية ومعايير استقلال القضاء، الأمر الذي يجعل الأحكام الصادرة عنها منعدمة لا يُعتد بها.
ولفت الريمي إلى أن هذه الأحكام تأتي امتدادًا لأحكام سياسية سابقة، منها ما صدر بحق تسعة من أبناء الحديدة، وغيرها من القضايا التي اتسمت بالإجراءات ذاتها وبالطابع السياسي نفسه، وأكد أن الهدف من هذه الأحكام هو ترهيب المجتمع وتكميم الأفواه وتقييد الحريات، إضافة إلى توظيف هذه القضايا لتحقيق مكاسب سياسية في سياقات إقليمية، خاصة في ظل الأحداث المتعلقة بغزة.
أحكام بلا ولاية وقضاء بلا استقلال
تكشف المحاكمات الأخيرة التي يقودها الحوثيون عن حجم السيطرة الممنهجة التي تمارسها الجماعة على القضاء اليمني، من خلال تقويض استقلاليته وتحويله إلى أداة لتنفيذ سياساتها السياسية، فمنذ انقلابها على الدولة واحتلال العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، عملت الجماعة على استبعاد القضاة المؤهلين وإضعاف دور المعهد العالي للقضاء، واستبدالهم بما يسمّى “علماء وفقهاء الشريعة” الذين يخضعون لدورات قصيرة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر ليصبحوا مؤهَّلين للعمل كقضاة، في خطوة غير مسبوقة تهدد نزاهة القضاء وحياده.
وخلال الشهر الحالي، أعلنت وسائل الإعلام التابعة للحوثيين توزيع الدفعة الأولى المكوّنة من 83 من هؤلاء المتدرّبين على محاكم في ثماني محافظات خاضعة لسيطرتهم، بغرض إحلالهم محل خريجي المعهد العالي للقضاء، في مخالفة صريحة للقوانين النافذة. وتشير المعلومات إلى أن عدد الملتحقين بهذه الدورات الطائفية يصل إلى نحو 1600 شخص، بينما ما تزال دفعة من خريجي المعهد الأعلى للقضاء (24 خريجًا) تنتظر التوزيع منذ أكثر من خمسة أشهر، رغم النقص الحاد في الكادر القضائي المؤهل.
اللافت أن معظم المتدرّبين الجدد ينتمون إلى ما يسمّى “السلالة الهاشمية”، وسيخضعون لتدريبات تحت إشراف قضاة حوثيين من دون استيفاء الشروط القانونية للتعيين، ما يعكس حجم التلاعب بمؤسسات الدولة واستغلال القضاء لتحقيق أهداف الجماعة.
مقصلة بعباءة قضاء
فيصل المجيدي
ما جرى في صنعاء اليوم لا يمتّ للقضاء بصلة…
إنه نسخة حوثية صافية من محاكم التفتيش التي كانت تحرق الناس بتهمة “الهرطقة” دون دليل ولا قانون..
المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء — المنعدمة الولاية أصلاً — أصدرت قراراً بإعدام 17 مواطناً بجرّة قلم، وكأن… pic.twitter.com/AvuI7Mmxdi
— فيصل المجيدي (@AlmagediFaisal) November 22, 2025
رئيس النيابة العسكرية في مأرب، صلاح طاهر القميري، أوضح في حديثه لـ”نون بوست” أن القانون اليمني المستند إلى أحكام الشريعة يفرّق بوضوح بين أحكام الحدود والأحكام التعزيرية، موضحًا أن الحدود تمثل عقوبات ثابتة ومقدّرة شرعًا لا يجوز للقاضي الزيادة فيها أو النقصان منها، بينما تشكّل العقوبات التعزيرية المجال الأوسع الذي يتيح للقاضي والمشرّع تحديد العقوبة وفق خطورة الجريمة وملابساتها.
وحول المحاكم المتخصصة التابعة للحوثيين، شدد القميري على أنها محاكم منعدمة الولاية والشرعية، لأن تعيين قضاتها تمّ من قبل “ميليشيات انقلابية تمارس سلطة أمر واقع دون أي أساس دستوري أو قانوني”، وأكد أن جماعة الحوثي “مصنفة جماعة إرهابية محليًا وإقليميًا ودوليًا، ولا يُعترف بأجهزتها القضائية حتى ككيانات سياسية”.
ولفت القميري إلى أن مجلس القضاء الأعلى نقل المحكمة الجزائية المتخصصة إلى محافظة مأرب، والتي قضت بانعدام الأحكام الصادرة من نظيرتها في صنعاء، مضيفًا أن القضاء في مناطق الحوثيين تحوّل إلى أداة للقمع السياسي ومحاكمة الصحفيين والمعارضين بتهم ملفقة.
وفي ما يتعلق بقضايا التجسس، بيّن القميري أن هذه من أخطر الجرائم لارتباطها بأمن الدولة العسكري والسياسي والاقتصادي، ولذلك اشترط القانون ضمانات مشددة وإجراءات دقيقة تبدأ من لحظة القبض على المتهم، وتستند إلى مبدأ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، مع التأكيد على أن أي إخلال بهذه الضمانات يفسد سلامة الحكم ويشكك في مشروعيته.
وأكد القميري أن القضاء لا يبني أحكامه إلا على اعتراف صحيح وصريح يُقدَّم أمام المحكمة، أما الاعترافات المنتزعة خارجها فقد وضع القانون شروطًا صارمة لقبولها، وللمحكمة سلطة كاملة في استبعاد أي اعتراف يثبت أنه مشوب بإكراه مادي أو معنوي أو غير موثّق.
وتحدث القاضي القميري عن تأثير الوضع الأمني والسياسي على استقلال القضاء في اليمن، قائلاً إن التدخلات الأمنية خلقت بيئة خوف وتهديد طالت القضاة بشكل مباشر وغير مباشر، إلى جانب ضعف الرواتب وتقييد الموازنات المالية بيد السلطة التنفيذية، مما انعكس سلبًا على حيادية القضاء وأدائه، وأضاف أن الظروف الحالية جعلت القاضي يفكر أولًا في سلامته الشخصية قبل أداء واجبه، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لاستقلال السلطة القضائية.
التجسس أداة لتخويف الداخل
قال المحلل السياسي حسن مغلس في حديثه لـ”نون بوست” إن جماعة الحوثي دأبت على المتاجرة بالقضية الفلسطينية واستغلال حرب غزة كستار يغطي الجرائم والانتهاكات التي تمارسها داخل اليمن، ومع التراجع النسبي في وتيرة الحرب فقدت الجماعة الذريعة التي كانت تستخدمها لتبرير سلوكها القمعي في الداخل، وهو ما جعل التصعيد الأخير والأحكام المتسارعة التي تصدرها يبدو كاستجابة متعددة الأسباب، تجمع بين محاولة الرد على الضغوط والضربات الخارجية، وبين السعي لاستثمار التوتر الإقليمي لتعزيز قبضتها الداخلية وإظهار قدرتها على الحسم تجاه من تصفهم بعملاء الخارج.
وأوضح مغلس أن خطاب “التجسس” الذي تروّج له الجماعة بات أداة سياسية وأمنية تُستخدم لتبرير تشديد القبضة وتنفيذ موجات اعتقال ومحاكمات عاجلة، وفي الوقت نفسه يُوجَّه هذا الخطاب نحو القواعد الاجتماعية للجماعة لإقناعها بوجود تهديدات داخلية تستدعي مزيدًا من التشدد. وأشار إلى أن هذا الأسلوب تزايد بعد تعرض الجماعة لضغوط وضربات خارجية، وفق ما رصدته تقارير دولية ومحلية.
وأكد مغلس أن ارتباط الحوثيين بإيران يمثل ركنًا أساسيًا في تفسير سلوكهم، إذ تستفيد الجماعة من هذا الارتباط سياسيًا وعسكريًا، وتسعى إلى إبراز نفسها ضمن محور معادٍ لـ”إسرائيل” والغرب حتى لو كان ذلك على مستوى الخطاب فقط، ومع كل تصعيد خارجي يسارع الحوثيون إلى استغلال الحدث داخليًا عبر ربط خصومهم المحليين بالخطر الخارجي، بما يمنح إجراءاتهم القمعية غطاءً “وطنيًا” مزعومًا تحت ذريعة حماية الأمن العام.
وأضاف أن وتيرة المحاكمات السريعة والمداهمات التي طالت منظمات مدنية وإنسانية تكشف عن حالة توتر داخل الأجهزة الأمنية الحوثية نفسها، بين تيار يفضّل نهجًا إداريًا أكثر انفتاحًا، وآخر يدفع باتجاه مزيد من التشدد الأمني، وهذا بدوره يوسع الفجوة بين المجتمع المحلي والمنظمات من جهة، وبين أجهزة السيطرة الحوثية من جهة أخرى، ويزيد من حالة الرفض الصامت ويؤدي إلى هجرة الكفاءات.
وبيّن مغلس أن اعتقال الموظفين المحليين والعاملين في المنظمات الدولية بات سلوكًا متكررًا لدى الجماعة، إذ تعتبره أداة فعالة للضغط السياسي والتفاوضي والرد على الضغوط الخارجية، رغم ما يتسبب به ذلك من مفاقمة للأزمات الإنسانية وتوسيع لعزلتها السياسية.
وأشار إلى أن هذه الممارسات ستستمر طالما أن الحوثيين يرون فيها وسيلة تحقق مكاسب، ما لم تمارس ضغوط دولية أو إقليمية مؤثرة تغيّر معادلة القوة، أو يتمكن الجيش الوطني من تحقيق اختراق نوعي يعيد مؤسسات الدولة وفي مقدمتها العاصمة صنعاء إلى الشرعية وينهي سلطة الجماعة القمعية.
صنعاء..
أمام أبواب المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء، التي يديرها الحوثيون، كان قد تجمع بعض أقارب الضحايا، ينتظرون ما الذي قد ينطق به القاضي تجاه أقارب لهم تم اعتقالهم من منازلهم وأماكن عملهم، وتلفيق تهم بحقهم، ولفترات طويلة لم يسمح لهم بالتواصل مع ذويهم، كما لم ينصب محام للعديد… pic.twitter.com/0RcREsNbvO
— فارس الحميري | Fares Alhemyari (@FaresALhemyari) November 23, 2025
بين الاتهام والاستهداف
تزايدت المخاوف الدولية بشأن ممارسات الاحتجاز التعسفي التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن، بعد إعلان الأمم المتحدة عن احتجاز 9 من موظفيها، ليرتفع بذلك عدد المحتجزين منذ عام 2021 إلى 53 موظفًا. وأدان الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش، بشدة استمرار هذه الانتهاكات، مشددًا على ضرورة الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الموظفين، واحترام الحصانة القانونية للمنظمة وأصولها ومقارها في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.
كما أشارت الأمم المتحدة إلى أن هذه الإجراءات لا تمثل مجرد انتهاك للقانون الدولي، بل تعرقل أيضًا تقديم المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين الذين يحتاجون إلى دعم عاجل، في ظل أزمة إنسانية حادة يقدّر أنها تطال نحو 19.5 مليون شخص، من بينهم العديد من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، واعتبرت المنظمة أن استمرار مثل هذه الممارسات يزيد من تعقيد عملها الإغاثي ويهدد قدرة الجهات الإنسانية على الوصول إلى المحتاجين بشكل آمن وفعّال.
أدانت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة أحكام الإعدام الصادرة عن محكمة تابعة لمليشيا الحـ.وثي بحق 17 مختطفًا، ووصفتها بـ”محاكمات صورية ظالمة” وطالبت الدول الثلاث بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين. #يمن_شباب pic.twitter.com/uHEn1QCG3q
— قناة يمن شباب الفضائية (@TVyemenshabab) November 26, 2025
يؤكد الباحث في الشؤون الإنسانية والسياسية والاقتصادية إيهاب القرشي أن هذه الحملات باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للبيئة التشغيلية ولأمن الموظفين، حيث جرى تصنيف المنظمات وموظفيها بناءً على مصادر تمويلها وانتماءاتها، ما أدى إلى وضع العاملين في دائرة الاستهداف بدلًا من كونهم جسرًا لإيصال المساعدات إلى المحتاجين.
وأشار القرشي إلى أن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى ما قبل أكتوبر 2023، حين بدأت المصالح المشتركة بين جماعة الحوثي والنافذين الفاسدين داخل بعض المنظمات تتفكك، بالتزامن مع تراجع التمويل الدولي. ومع انحسار هذه المصالح، اتسعت دائرة العراقيل والقيود، وصولًا إلى حملات اعتقال وإصدار أحكام بالإعدام بحق عدد من العاملين، بينما ظلّ المواطن والموظف الإنساني معًا يواجهان الجوع والمرض والجهل دون أي حماية تُذكر، في ظل صمت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
وأضاف القرشي أن جماعة الحوثي لجأت إلى تصعيد إجراءاتها ضد المنظمات للتغطية على ما وصفه بـ”فشل استخباراتي وأمني” في أعقاب الغارات الإسرائيلية الأخيرة، محوِّلةً المنظمات وموظفيها إلى شماعة تُعلَّق عليها أخطاؤها، رغم أن هذه المنظمات كانت تعمل طوال السنوات الماضية بتمويلات سعودية وخليجية ودولية دون أن تتعرض لاتهامات مشابهة.
وأكد أن المنظمات تواجه اليوم هذه الاتهامات بشكل مباشر، بينما دفع موظفوها الثمن عبر موجة اعتقالات واسعة، واضطرت العديد من المنظمات إلى نقل مكاتبها إلى عدن بعد فقدان ما يقارب 80% من التمويل المخصص لخطط الاستجابة السابقة، ودعا القرشي إلى نقل كامل قدرات “أوتشا” ومكاتب الأمم المتحدة إلى عدن، واستخدام آليات بديلة لضمان استمرار العمل في المناطق غير المحررة.