في ظلّ تصاعد الإجراءات القمعية داخل السجون الإسرائيلية، تزداد الحاجة إلى قراءة قانونية وحقوقية تشرح ما يطرأ على واقع الأسرى الفلسطينيين، وتفكّك خلفياته وتداعياته. ويأتي مشروع قانون إعدام الأسرى، الذي صادق عليه الكنيست في قراءته الأولى، ليشكّل أخطر هذه المستجدات وأكثرها إثارة للقلق، سواء من زاوية التزامات إسرائيل الدولية أو من زاوية الظروف الميدانية التي يعيشها الأسرى يوميًا.
في هذا الحوار مع “نون بوست”، نفتح النقاش مع مجموعة من أبرز المختصين في هذا الملف، للوقوف على الأبعاد القانونية والإنسانية لهذا المشروع. يشاركنا التحليل كلّ من عصام العاروري، المدير العام لمركز القدس للمساعدة القانونية، الذي يشرح الآثار القانونية المحتملة؛ وأماني سراحنة، مديرة الإعلام والتوثيق في نادي الأسير، التي ترصد واقع الأسرى تحت التصعيد المستمر؛ وسحر فرنسيس، المحامية والخبيرة في حقوق الإنسان، التي تقدّم قراءة معمّقة للمخاطر والانتهاكات التي قد يفتحها هذا التشريع.
كيف تقيمون مصادقة الكنيست على مشروع قانون إعدام الأسرى في قراءته الأولى؟
تشير المحامية والمختصة في قضايا حقوق الإنسان، سحر فرنسيس، إلى أن هذا المشروع يعود في جذوره إلى محاولات قديمة، لكنه اليوم يُستخدم في سياق سياسي مختلف وأكثر تطرفاً. وتشرح بقولها:“مشروع قانون إعدام الأسرى ليس جديداً؛ فقد طُرح قبل عدة أعوام من قبل النائب أفيغدور ليبرمان، لكنه لم ينجح في المرور داخل الكنيست آنذاك. ومن المهم التأكيد أن الاحتلال الإسرائيلي يمارس القتل خارج إطار القانون بصورة يومية، ولا يحتاج إلى تشريع خاص كي يواصل الإعدام بحق الشعب الفلسطيني”.
وتضيف من المعروف أنه في القانون الإسرائيلي المدني (قانون العقوبات) توجد مادة تتعلق بإمكانية فرض عقوبة الإعدام في الجرائم المرتبطة بـ النازية والحرب العالمية الثانية. وفي المنظومة العسكرية أيضاً توجد أوامر سارية منذ عام 1967 تتناول إمكانية فرض هذه العقوبة، ولكن وفق شروط محددة.
وتبين فرنسيس أن التعديل الذي قُدّم في القراءة الأولى يتضمن طلباً من القائد العسكري بتعديل تلك الأوامر وإلغاء الشروط المقيّدة لفرض الإعدام. وتشير هذه الشروط إلى ضرورة اتخاذ القرار بالإجماع داخل هيئة القضاة التي تتكوّن عادة من ثلاثة أو خمسة قضاة، وليس بالأغلبية. كما تجدر الإشارة إلى أن النيابة العسكرية نادراً ما تطلب عقوبة الإعدام في ملفاتها؛ فقد حدث ذلك مرة واحدة فقط، وخُفّفت العقوبة في النهاية إلى السجن المؤبد.
ويشمل التعديل أيضاً تغييرات في القانون المدني وفي الأوامر العسكرية، بحيث تصبح عقوبة الإعدام نهائية وغير قابلة للتخفيف.
ومن جهتها تؤكد أماني سراحنة، مديرة الإعلام والتوثيق في نادي الأسير الفلسطيني، أن مشروع القانون لا يمكن تناوله بمعزل عن السياق الأوسع للعدوان على الشعب الفلسطيني. وتقول: “أولاً، لا يمكن قراءة مشروع قانون إعدام الأسرى بمعزل عن مجمل السياسات والإبادة الجارية بحق الشعب الفلسطيني. فهذا التشريع يأتي ضمن سلسلة طويلة من القوانين والأوامر العسكرية التي صدرت في الضفة الغربية، والتي مست مختلف جوانب الحياة الفلسطينية بهدف رئيسي وهو محاربة الوجود الفلسطيني. ولذلك، فإن الوصول إلى هذا المستوى من الفاشية في التعامل مع الأسرى لا يمكن فهمه إلا من خلال قراءة شاملة للمرحلة التي وصلنا إليها في ظل حرب الإبادة وآثارها غير المسبوقة على القضية الفلسطينية. نحن أمام مرحلة جديدة تعكس ذروة التصعيد الإسرائيلي”.
ويضيف عصام العاروري، مدير عام مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، أن التصويت على هذا المشروع لا ينفصل عن موجة التطرف المتنامية داخل المؤسسة الإسرائيلية. حيث يقول: “هذه المصادقة ليست مفاجِئة في ظلّ تنامي العنصرية بشكل غير مسبوق في دولة الاحتلال، ومستوى الكراهية والتطرف والحقد على الشعب الفلسطيني ورموزه النضالية والوطنية. وهو يأتي في هذا السياق من الانفلات العنصري على جميع المستويات في دولة الاحتلال.”
ما الدافع الحقيقي وراء هذا القانون؟ وما التداعيات وراء المصادقة عليها ؟
يشير العاروري إلى أن القانون مطروح للنقاش منذ فترة طويلة، وهو يأتي في إطار التسابق بين مختلف أطراف اليمين الإسرائيلي: اليمين الإسرائيلي التقليدي المتمثل بحزب الليكود، واليمين الإسرائيلي الأكثر تشدداً المتمثل بالصهيونية الدينية بكافة تلوينها وأشكالها، والذين يتسابقون على كسب ودّ الناخب الإسرائيلي.
ويضيف أنه ليس مستغرباً أن تأتي هذه المصادقة في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن الدخول في سنة انتخابية، حيث ستشهد دولة الاحتلال العام المقبل انتخابات. إذ أن التسابق يجري على من يكون أكثر تطرفاً، فهذا يشير إلى نوعية وتركيبة الناخبين الإسرائيليين في دولة الاحتلال، إذ يتنافسون على نفس القاعدة الانتخابية ذات التكوين العنصري.
ويوضح العاروري، من ناحية أخرى، يبدو أنه في ظلّ عمليات التبادل التي أدّت إلى إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين المحرَّرين من ذوي أحكام المؤبّدات، والذين كانت دولة الاحتلال تخطّط للإبقاء عليهم في السجون حتى استشهادهم، يسود قدر كبير من الحقد وعدم الرضا لدى الاحتلال حيال تحرير أسرى فلسطينيين. فقد كانت نسبة كبيرة منهم موضوعة تحت الاعتراض، وفُرِض الفيتو على أي إمكانية لإطلاق سراحهم في يوم من الأيام. ويتابع أنه بالتالي، يشكّل هذا أيضاً جزءاً من مسلسل عقوبات طويل وعريض تحاول دولة الاحتلال من خلاله تحقيق ما تراه وسيلة لإخماد المقاومة الفلسطينية وإسكات الصوت الفلسطيني، وخلق حالة ردع عامة وواسعة في المجتمع الفلسطيني.
ويذكر أن هذا يأتي في سياق إجراءات أخرى شهدنا عودتها، مثل ما يسمى بالهدم العقابي على نطاق واسع. وفي سياق أكثر خطورة أيضاً، إذ شهد هذا العام، والذي سبقه، أكبر نسبة من جرائم الاغتيال أو الإعدام خارج القانون. ويشير إلى أن أصلاً سلطات الاحتلال تطبق إعدام الأسرى؛ فهي تعدم الأسرى قبل أسرهم، وتأسِر جثامينهم بعد اعتقالهم، وتعدمهم بوسائل عديدة. كما شهد هذا العام أعلى نسبة من الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا في السجون، سواء تحت التعذيب، أو بسبب العنف، أو بسبب سوء المعاملة، أو التجويع، أو الحرمان من تلقي العلاج المناسب، مما أدى إلى ارتفاع نسبة حالات الاستشهاد داخل سجون الاحتلال. وبالتالي، أنه محاولة لِقَوْنَنَة الممارسات الحالية التي تقوم بها سلطات الاحتلال.
وتوضح من جهتها فرنسيس ،الدافع، كما هو الحال في بقية القوانين العنصرية، هو المزيد من الفاشية وترسيخ الممارسات العنصرية من قبل دولة ارتكبت خلال العامين الماضيين جرائم إبادة جماعية دون أي مساءلة أو محاسبة دولية، وما زالت تواصل الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
وتضيف أما التداعيات فهي خطيرة بلا شك. يعتقد مقدمو القانون أنه سيؤدي إلى ردع أعمال المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار والمجازر الجارية. هل سيحقق هذا الردع؟ لا يمكن الجزم، فالأمر في النهاية يتعلق بالمجتمع الفلسطيني نفسه وطبيعة ظروفه.
وبدورها تبين سراحنة، أن الاحتلال اعتاد بين فترة وأخرى على إعادة طرح فكرة الإعدامات بحق الأسرى الفلسطينيين، وهي في الأصل تُنفذ عملياً دون الحاجة إلى قانون. وتوضح لكن الدافع الأساسي لتمرير هذا القانون الآن هو تعزيز أدوات محاربة الوجود الفلسطيني، انطلاقاً من الاعتقاد بأن هذا التشريع قد يشكل رادعاً للمقاومة أو المواجهة ضد الاحتلال.
وتشير إلى جانب ذلك، لطالما استُخدم القانون في السابق كأداة سياسية داخلية، إذ كانت الأحزاب الإسرائيلية تلجأ إليه لكسب أصوات الناخبين. إلا أن المرحلة الحالية شهدت تحوّلاً؛ فالأهداف لم تعد انتخابية فقط، بل أصبحت جزءاً من سياسة ممنهجة تستهدف قتل المزيد من الأسرى وتقنين الجرائم المرتكبة بحقهم.
وتوضح سراحنة أن الحكومة الحالية، بمنظومتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، تعمل بشكل واضح على القضاء على الوجود الفلسطيني عبر سن القوانين التي توفر غطاءً قانونياً للجرائم. نحن لا نتحدث عن أمر افتراضي أو غير قائم، بل عن إعدامات بطيئة طالت مئات الأسرى الفلسطينيين منذ عام 1967. وتؤكد كما نتحدث اليوم عن توجّه واضح لتنفيذ الإعدام بشكل مباشر، رغم أنّه لا يمكن تجاهل الإعدامات التي نُفّذت سابقاً عبر عمليات الاغتيال، أو من خلال إطلاق النار المباشر على المواطنين عند الحواجز العسكرية، أو خلال المواجهات الميدانية، أو عبر أشكال مختلفة من التنكيل الذي يشمل الإعدامات الميدانية والاغتيالات المنظمة.
موضحةً، أنّ ما يجري ليس سياسة جديدة، بل سياسة قائمة ومستمرة منذ عقود. الجديد اليوم هو السعي إلى شرعنتها وتقنينها لخدمة أهداف سياسية تتجاوز مسألة “رغبة إسرائيل في إعدام الأسير الفلسطيني” فقط، لتصبح جزءاً من مشروع أشمل تسعى من خلاله إلى تكريس سيادتها الفعلية على كامل الأرض الفلسطينية، وكأنها تُمارس سلطة مطلقة لا حدود لها.
هل القانون سيعمل بأثر رجعي على المعتقلين الفلسطينيين الموجودين حالياً في السجون الإسرائيلية؟ أو المفرج عنهم؟
يوضح العاروري بقوله”من المعروف أن أي قانون في أي نظام قانوني سويّ لا يسري فوراً؛ بل يجب أن تمضي عليه فترة للاعتراضات، وفترة من النشر الرسمي للقانون. وفي العادة، يتضمن القانون تحديد بدء سريانه بعد ثلاثين أو ستين يوماً في بعض الأنظمة القانونية، أو بمجرد نشره في الجريدة الرسمية. ولذلك في حالات نادرة، قد تنص القوانين على أن تسري بأثر رجعي، فإذا نص القانون على ذلك فقد يُطبق أيضاً بأثر رجعي بطريقة أكثر تعسفية مما هو متوقع”.
ويضيف أنه تُخشى إمكانية تطبيقه على أسرى موجودين حالياً في الأسر، أو حتى أسرى أُطلق سراحهم. فمن أُطلق سراحه يكون قد حظي عملياً بما يسمى “العفو”، لأنه لا يمكن إطلاق سراح أسرى محكومين إلا بإصدار عفو، والعفو يمنح مكانة قانونية للمعفيّين. ومع ذلك، شهدنا إعادة اعتقال أسرى محررين، وإعادة الأحكام السابقة التي كانت مفروضة عليهم، كما شاهدنا على نطاق واسع بعد صفقة شاليط.
ويؤكد العاروري أنه قد يُطبّق هذا القانون بقانون وبغير قانون؛ فقبل وجوده جرى بالفعل تطبيقه بصورة عملية. وقد شهدنا خلال جريمة الإبادة في قطاع غزة اغتيال عدد من الأسرى المحررين، سواء من كانوا في غزة أو من أسرى الضفة الغربية الذين تم نفيهم إلى القطاع، وشهد بعض حالات الاغتيال الغامضة حتى خارج الحدود الفلسطينية.كما أن هذا الأمر لا يحتاج إلى قانون، لأنه أصلاً جريمة خارج القانون، ويمكن تطبيقه بهذا القانون أو بدونه.
ومن جانبها تفيد فرنسيس بقولها”لا أعتقد أنه يمكن تطبيق القانون بأثر رجعي. وفي العادة تبدأ نفاذية القانون من تاريخ إقراره. وإذا كانت هناك نية لاستثناء خطير كهذا، فمن غير المرجح أن يمر، لأن المحكمة العليا الإسرائيلية ستتدخل، وقد تقدم جهات إسرائيلية اعتراضات تمس صلاحيات الكنيست”.
وتتابع مع ذلك، هناك طرق غير مباشرة قد تُستخدم، مثل إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الأسرى الفلسطينيين، وقد طُرحت فعلاً مقترحات لإنشاء محكمة خاصة بأحداث 7 أكتوبر 2023. إذ إن بعض أعضاء الكنيست المتطرفين يحاولون الدفع بتشريعات خاصة لهذا النوع من المحاكمات.
وتضيف سراحنة “بالنسبة للأسرى الذين لم تصدر بحقهم أحكام بعد، فإن إمكانية تطبيق القانون عليهم بأثر رجعي واردة، وهذا ينطبق بشكل أساسي على معتقلي غزة منذ 7 أكتوبر، وكذلك على بعض المعتقلين من الضفة والقدس المتهمين بقتل إسرائيليين. أما من صدرت بحقهم أحكام نهائية فلا يمكن تطبيق القانون عليهم بأثر رجعي”.
وتتابع أن المشهد القانوني ما يزال ضبابياً، وما زلنا بحاجة إلى فهم أعمق للسياقات التي يمكن أن يُطبَّق فيها هذا القانون في حال إقراره. لكن ما يبدو جلياً حتى اللحظة هو أن التركيز ينصب بالدرجة الأولى على معتقلي غزة، وقد أكدت ورقة الموقف الصادرة عن المؤسسات الحقوقية أنّ الاغتيالات تُعدّ شكلاً من أشكال الإعدام التي تُمارسها إسرائيل بالفعل منذ سنوات.
القانون وتعزيز الإفلات من العقاب، هل يشكل القانون بصيغته الحالية ، تحريضاً مباشراً على قتل الفلسطينيين دون محاسبة للجانب الإسرائيلي؟
تبين فرنسيس أنّ إسرائيل لا تحتاج إلى قانون إضافي لممارسة القتل؛ فهي تمارسه يومياً عبر جيشها والمستوطنين. إذ يمكن ببساطة مراجعة عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن القانون سيُفهم كرسالة تحريض إضافية، رغم أن الاحتلال يمارس القتل أصلاً دون أي رادع ومن دون انتظار تشريع يشرعن ذلك.”
وتتابع سراحنة، نعم، ويزداد الخطر حين نلاحظ أنه يأتي بالتوازي مع مشروع قانون آخر يتعلق بمعتقلي غزة، ممن يصنفهم الاحتلال بأنهم ‘شاركوا في السابع من أكتوبر’. وتوضح أنه حتى الآن ليست هناك تفاصيل حول طريقة محاكمتهم، لكن تصعيد التشريعات يشير إلى نية تمرير محاكمات خاصة قد تشمل تطبيق عقوبة الإعدام بأثر رجعي. وبالنسبة لنا، الصورة شبه واضحة فيما يتعلق بمعتقلي غزة، لكن ما يزال هناك غموض حول كيفية تطبيق القانون على باقي الأسرى.
ويذكر العاروري، أن القانون لن يؤدي إلى تطبيع جرائم القتل التي تقوم بها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، ولكنه سوف يؤدي إلى تطبيع جرائم القتل للإسرائيليين أنفسهم. إذ أن هناك اتجاه متنامٍ في دولة الاحتلال لتطبيق عقوبة الإعدام بغير محاكم،ثم إن جرائم الإعدام خارج القانون سوف تتسع ، وبالتالي هذا سوف يمنح غطاء إضافياً للمستوطنين الإسرائيليين للاستمرار في جرائم القتل بحق الفلسطينيين، سواء بحرقهم أحياء، أو بالاعتداء عليهم، أو بإطلاق النار عليهم، أو ضربهم حتى الموت.
كيف تميزون الطبيعة التمييزية للقانون، وخاصة أنه يشمل الفلسطيني فقط ولا يشمل جرائم اسرائيلية مثبتة نفذها مستوطنون أو جنود؟
توضح سراحنة بقولها “ما نشهده اليوم يتجاوز فكرة التمييز العنصري بمعناه التقليدي. فالتشريعات الإسرائيلية لم تعد قابلة للوصف ضمن المنظومة الحقوقية الدولية المعتادة، نظراً لمستوى الاستهداف المنهجي للفلسطينيين.” وتشير إلى أن القانون مصمم خصيصاً لاستهداف الفلسطيني وحده، وهو انتقائي إلى درجة تكشف جوهر المشروع الاستعماري. حتى في تطبيق القانون الإسرائيلي العام داخل أراضي 48 أو في القدس، تتجلى أوضح صور التمييز العنصري، لكنّ خطورة المرحلة أن مفهوم ‘الفصل العنصري’ لم يعد كافياً لتوصيف مستوى الجرائم وآلية تطبيق القوانين والأوامر العسكرية على الجغرافيات الفلسطينية المختلفة.
وتضيف فرنسيس، “الصياغة التي قُدّمت تشير إلى تطبيق العقوبة على كل من قتل عمداً أو عن طريق الإهمال ‘بدافع يمسّ أمن الدولة أو وجودها كدولة يهودية’. وهذا يعكس الاتجاه العنصري الصريح للقانون؛ إذ لن يُطبّق على المستوطنين أو الجنود اليهود، بل سيقتصر على المعتقلين الفلسطينيين من الضفة وغزة وفلسطينيي الداخل، بينما الجرائم التي يرتكبها اليهود بحق الفلسطينيين لن تُعتبر جرائم تمس ‘وجود الدولة اليهودية’.”
وبدوره يشير العاروري بقوله”نصوص القانون تنطوي على إجراءات تمييزية تحمل طابعاً عنصرياً، إذ أنّ القانون موجّه فقط ضد الفلسطينيين. فهو ينص على مسؤولية من يقتل مواطناً إسرائيلياً بدافع أيديولوجي، سواء كان القتل متعمداً أم نتيجة الإهمال، وما ينطبق على الفلسطينيين لا ينطبق بالمقابل على الإسرائيليين الذين يقتلون فلسطينيين، سواء كانوا يحملون الجنسية الإسرائيلية أو لا”. ويبين أن القانون لا يُعنى بمصير من يقتل مواطناً فلسطينياً، إذ تُعتبر جرائم القتل التي يرتكبها المستوطنون عادة خارج نطاق التحقيق، وغالباً ما يُطلق سراحهم بحجج الدفاع عن النفس أو مجرد شعورهم بالتهديد، حتى لو لم يكن هناك تهديد حقيقي.
ويتابع أن القضاء الإسرائيلي يمنح المستوطن اليهودي الحق في قتل الفلسطيني، لكن ماذا عن قتل يهودي ليهودي، أو يهودي لفلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية، أو يهودي لمواطن فلسطيني من القدس، أو لمواطن سوري من الجولان المحتلة؟ هناك أبعاد عديدة تحمل طابعاً عنصرياً واضحة في كافة مسارات القانون داخل دولة الاحتلال، والتي تتسم بتعميق الطابع العنصري.ثم إنّ هذا الأمر يؤدي أيضاً إلى انكشاف طبيعة الدولة، ليس فقط كقوة استعمارية، بل كدولة أبارتهايد عنصرية تشكل أساس هذا الاحتلال.
كيف تنظرون إلى إلغاء الضوابط القضائية المتمثلة ” بإصدار حكم الإعدام بالأغلبية وليس بالإجماع” ما خطورة هذا البند القانوني المعدّل في ظل منظومة قضائية إسرائيلية غير محايدة تجاه الفلسطينيين؟
ينوه العاروري بقوله،”إلى أن هذا الإجراء هو تسهيل إضافي لإصدار عقوبة الإعدام. في العادة، هناك أنظمة قانونية تشترط وجود إجماع القضاء، أو أغلبية من ثلثي القضاء. وتشترط محاكم موسعة في بعض الحالات، قد تضم سبعة قضاة، وليس ثلاثة أو خمسة في الحد الأدنى. وهذا ينطوي على مزيد من التسهيل القانوني لتطبيق عقوبة الإعدام.”
وتوضح فرنسيس، التعديل يتضمن مادتين: تعديلاً على قانون العقوبات، واقتراحاً بأن يقوم القائد العسكري بتعديل الأوامر العسكرية.ثم إنّ الكنيست غير مخوّل بإصدار أوامر عسكرية؛ فهذه صلاحية القائد العسكري وحده.
علاوة على ذلك، التعديل يُلغي شرط الإجماع داخل هيئة القضاة، بحيث يصبح الحكم بالأغلبية فقط (قاضيين من أصل ثلاثة، أو ثلاثة من أصل خمسة). وهذا يُعدّ تطوراً خطيراً لأنه يزيل أحد الضوابط القانونية المهمة لمنع التعسف والأخطاء القضائية. وبالتالي، يصبح إصدار أحكام الإعدام أسهل بكثير، خاصة ضمن منظومة قضائية غير عادلة تجاه الفلسطينيين أساساً.
وتتابع سراحنة بقولها“هذا البند يُعد محاولة واضحة لتسهيل تنفيذ القانون. فالاحتلال يسعى إلى إزالة أي عائق قد يحول دون تنفيذ الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين، ولذلك يتم تصميم القانون بما يضمن الوصول إلى قرار الإعدام بأقل قدر ممكن من القيود. كما أن هذا الأمر يعكس مستوى الانحياز والأهداف الواضحة وراء التشريع.”
كيف تفسرون البند القانوني المتمثل” بمنع استبدال عقوبة الإعدام بعقوبة أخرى” وهل يعد خروجاً خطيراً على المبادئ القضائية المعمول به دوليا؟
توضح سراحنة قائلة، “الأمر ذاته ينطبق هنا”. ومن هذا المنطلق تشير إلى أن الاحتلال يريد الوصول إلى صيغة قانونية مغلقة لا تتيح أي خيار سوى الإعدام. كما ترى أن الهدف هو حرمان الأسير من أي مساحة قانونية لتخفيف العقوبة أو الاعتراض عليها. وفي هذا السياق توضح أن هذا جزء من استراتيجية واضحة لتوسيع دائرة القتل القانوني الذي يمارس فعلياً خارج أي إطار قانوني عادل. ويضاف إلى ذلك أنه يعكس رغبة الاحتلال في الوصول إلى أعلى مستويات البطش.
وتعلق فرنسيس، قائلة، “هذا البند يعني أن الحكم بالإعدام سيكون نهائياً وغير قابل للتخفيف أو الاستبدال، ومن هنا توضح أنه خروج خطير عن المبادئ والأسس القضائية المعمول بها دولياً.” كما تذكر أن معظم الدول المتقدمة ألغت عقوبة الإعدام بالكامل باعتبارها عقوبة غير عادلة وتنهي حياة إنسان قد يكون محكوماً بناء على خطأ قضائي لا رجعة فيه.
ويشير العاروري، بقوله “طبعاً، هذا يجعل عقوبة الإعدام غير قابلة للتراجع، ولا يعطي أي جهة في دولة الاحتلال صلاحية إلغاءها. ويبين في هذا الإطار أنه في العادة، تعطى للرئيس صلاحية إلغاء بعض الأحكام، ولكن في هذه الحالة، تستثنى عقوبة الإعدام من أي حكم قضائي يسمح بالعفو”. وفي ضوء ذلك يضيف أن هذا يغلق الباب أمام أي إمكانية مستقبلية، في حال وجود اتفاقيات تبادل، أو وجود أسرى مقابل أسرى، أن يشمل المعتقلين الذين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام.
كيف يؤثر القانون على الأسرى وعائلاتهم على الصعيد النفسي والاجتماعي والقانوني؟
تلفت سراحنة الانتباه إلى “لا يوجد ما هو أقسى من أن تشاهد عائلة الأسير تشريع قانون يستهدف حياة ابنها.”ومن هذا المنطلق تؤكد أن العائلات الفلسطينية جميعها تدفع أثماناً كبيرة، لكن عائلات الأسرى تدفع أثماناً مضاعفة، وقد تجد نفسها في مواجهة احتمال فقدان أبنائها بشكل رسمي ومُقنن.
وعليه تضيف أن تطبيق القانون سيضاعف من معاناة الأسرى وعائلاتهم، إذ سيعيش الأسرى حالة من الخوف المستمر من حكم الإعدام المباشر أو البطيء، في حين ستتعرض العائلات لضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية هائلة. كما تبيّن أن القانون يكرس آلية عقاب جماعي، ويمس جميع جوانب حياة الفلسطينيين، بما في ذلك منع الزيارات، والتنكيل بالحقوق الأساسية، وتقليص فرص الحياة الكريمة داخل السجون.
وتلفت فرنسيس النظر إلى “سيكون الأثر شديد القسوة، لأنه يشكل تهديداً مباشراً لحياة أبنائهم”. ومن هذا المنطلق تتابع أن أكثر من 98 أسيراً استشهدوا داخل السجون، وهذا القانون سيعمّق القلق والخوف والضغط النفسي على الأسرى وعائلاتهم بدرجة كبيرة. كما تشير إلى أنه يعمّق الانتهاكات القائمة ويكرّس أسلوب العقاب الجماعي. الأسرى سيجدون أنفسهم أمام خطر دائم بالإعدام، وهذا يضاعف من معاناتهم النفسية والجسدية. وفي الوقت نفسه تلفت النظر إلى أن تأثير القانون على العائلات يتجاوز الحزن والخوف ليشمل التهديد المستمر بالاعتقال أو العقوبات على أقاربهم، وبالتالي يخلق حالة من الرعب المستمر داخل المجتمع الفلسطيني.
ويؤكد العاروري إلى أن وضع الأسرى في سجون الاحتلال غير مسبوق من ناحية سوء الظروف، ويستطرد بالقول أن هذا ما لخصه مسؤول الأمن الداخلي الوزير العنصري بن غفير حين وصف الحياة داخل معتقلات الاحتلال بعد أسر معتقلي حرية بأنهم ‘سوف يُخضعون لنفس الظروف التي يعيشها المخربون الفلسطينيون، وأن يعيشوا على الحد الأدنى من كل شيء’.
وفي هذا الإطار يوضح أنه حين يكون الحد الأدنى من كل شيء، فإن ما يُطبّق بحق المعتقلين هو تقديم الحد الأدنى من الطعام، والرعاية الطبية، وحتى الحد الأدنى من الضوء والهواء الذي يمكن لهم الحصول عليه، مما أدى إلى تردي أوضاع عدد من المعتقلين الفلسطينيين، وصولاً إلى استشهاد بعضهم.
كما يشير العاروري إلى أن هذا الوضع يفسح المجال لممارسة القمع المباشر بحق المعتقلين، ولتشديد إجراءات التعذيب بغية الحصول على اعترافات تدينهم وتؤدي إلى إعدامهم. و في حال إقرار هذه السياسة الرسمية التي تسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام، فإنها تسمح بتوسيع جريمة الإعدام خارج القانون، بحيث تصبح ممارسة أكثر انتشاراً، دون انتظار المحكمة.
ويتابع قائلاً” إنه في مختلف الأنظمة القضائية التي تطبق أحكام الإعدام، تنص على ضرورة وجود إجراءات محاكمة عادلة تمر بعدة مراحل، وأن تكون هناك مهل زمنية، لأن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق الإنسان عقوبة لا يمكن التراجع عنها. ويختم بالقول إن الاتجاه الحديث في العالم اليوم هو إلغاء هذه العقوبة عن جميع أنواع الجرائم. وحتى في الدول التي تطبق أحكام الإعدام، مثل الولايات المتحدة في عدد كبير من الولايات الأمريكية، لم تكن عقوبة الإعدام رادعة، ولم تؤدِ إلى خفض مستوى الجريمة في تلك الدول.”
ومن ثم يضيف أن هناك تداعيات محتملة كثيرة. الأخطر من تطبيق القانون بحذافيره هو توسيع دائرة تطبيق جرائم الإعدام خارج القانون على نطاق واسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فعلى سبيل المثال يذكر أن هذا الشهر شهد إعدام ستة أطفال واحتجاز جثامينهم، وأعمارهم دون السابعة عشرة من العمر. وسلطات الاحتلال لم تكتفِ بإعدامهم، بل أسرت جثامينهم ومنعت دفنهم بطريقة لائقة، وبالتالي، القانون يعطي غطاءً قانونياً للجرائم غير القانونية التي تُرتكب بصورة منتظمة في دولة الاحتلال.
كيف يتعارض القانون مع التزامات إسرائيل الدولية ومواثيق الحماية الإنسانية؟
تلفت فرنسيس، إلى أن القانون يتعارض تماماً مع التزامات إسرائيل كقوة احتلال وفق اتفاقيات جنيف، إذ يُمنع على أي قوة احتلال فرض قوانين أشد قسوة مما هو قائم أو تتجاوز الحماية التي تكفلها الاتفاقيات الدولية لسكان الأرض المحتلة. كما تنوه إلى أن فلسطين صادقت على هذه الاتفاقيات، وأن السلطة الفلسطينية لا توقّع على أحكام الإعدام حتى لو صدرت عن محاكمها. وفي هذا السياق، تؤكد أن المسار الدولي يسير باتجاه إلغاء هذه العقوبة نهائيًا، بينما يسعى الاحتلال لفرضها، وهو ما يعد خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني.
وبدورها تشير سراحنة، إلى أن القانون يُعد خرقاً صارخاً للقوانين الدولية، مؤكدة أن دولة الاحتلال لا تلتزم بأدنى معايير القانون الدولي الإنساني. كما تبرز أن فرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين يعكس سياسة ممنهجة تستهدف المدنيين، ويمنح غطاءً قانونياً لانتهاكاتها، الأمر الذي يزيد المخاطر على حياة المدنيين في الأراضي المحتلة.
ومن جانبه، يوضح العاروري، أن الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف، لا تسمح بتطبيق عقوبة الإعدام في سياق الاحتلال. ويبين أن دولة الاحتلال تستند جزئياً في نظامها القضائي إلى أنظمة الطوارئ البريطانية، التي تضمنت عقوبة الإعدام في حالات معينة، وقد مارسها الانتداب البريطاني على فلسطين أثناء الثورة 1936–1939. ويضيف أن الأنظمة القضائية الدولية العادية لا تسمح بتطبيق أحكام الإعدام، مشدداً على أن اتفاقية جنيف لا تمنعها لكنها لا تحتوي على نصوص واضحة لمعالجة القضية في سياق الاحتلال، كونها قوانين حرب مخصصة لفترات النزاع والاحتلال المؤقت.
ويذكر في ختام حديثه كذلك رأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي اعتبر احتلال دولة الاحتلال غير قانوني، مؤكّداً أنه حتى لو سمحت بعض بنود اتفاقية جنيف ببعض الإجراءات، فإن دولة الاحتلال مستثناة منها. ويكمل بأن محكمة العدل الدولية دعت إلى إنهاء هذا الاحتلال بحلول سبتمبر، الذي مضى منذ شهرين، نتيجة تقصير الأطراف المتعاقدة على اتفاقية جنيف في الامتثال لقرارات المحكمة، واستمرار دعم جزء كبير منهم لارتكاب جرائم الاحتلال، بما في ذلك تمويل جيش الاحتلال بالأسلحة والطاقة والمحروقات، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين.
من خلال شهادات أماني سراحنة وسحر فرنسيس وعصام العاروري، يتضح أن قانون إعدام الأسرى لا يؤثر فقط على الأسرى داخل السجون، بل يمتد تأثيره ليشمل المجتمع الفلسطيني بأسره، ويكرّس العقاب الجماعي ويهدد منظومة الحقوق الإنسانية والقانونية. القانون جزء من سياق سياسي أوسع يتجه نحو مزيد من التشدد والعقاب، وسط غياب أي رقابة دولية فعّالة.
يؤكد الخبراء أن القانون يشكل استمراراً لممارسات الاحتلال القائمة منذ عقود، ويقنن جرائم الإعدام خارج القانون التي تُمارس بالفعل بحق الفلسطينيين. كما يسلط الضوء على الانحياز القانوني والتفرقة العنصرية الصريحة، من خلال استثناء الجنود والمستوطنين الإسرائيليين من العقوبة، ما يعكس الطبيعة التمييزية الواضحة للتشريع. إضافة إلى ذلك، فإن القانون يعزز مناخ الخوف والتهديد النفسي والاجتماعي على الأسرى وعائلاتهم، ويمس حقوقهم الأساسية، بما في ذلك منع الزيارات، وتقليص فرص الحياة الكريمة داخل السجون، وزيادة احتمالات التعذيب والإعدام خارج أي إطار قانوني عادل.
وبذلك، تصبح مواجهة هذا القانون مسألة استراتيجية وطنية وإنسانية وقانونية، تتطلب جهداً مستمراً من المجتمع الفلسطيني، ومن مؤسسات حقوق الإنسان المحلية والدولية، إلى جانب الضغط السياسي والدبلوماسي العالمي، لضمان حماية الحقوق الإنسانية والقانونية، ومنع توسيع دائرة الإعدامات خارج أي إطار قانوني عادل