في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وعلى هامش زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لواشنطن، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه المضي قدمًا في الموافقة على بيع مقاتلات F-35 للسعودية، بعد أن كانت الإدارات السابقة تتردد في بيع هذه الطائرة الشبحية المتقدمة لدول عربية، حرصًا على الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ”إسرائيل”، فمن حيث الشكل، يشير الإعلان إلى مرونة جديدة في التعامل مع حلفاء واشنطن الإقليميين، رغم وجود عقبات عملية وقانونية لا تزال قائمة، مثل موافقة الكونغرس والضمانات الأمنية التكنولوجية الصارمة.
ماذا نعرف عن الطائرة f35 ؟
طائرات F‑35 “لايتنينغ II” هي مقاتلات شبحية متعددة المهام من الجيل الخامس، بمحرك واحد ومقعد واحد، طورتها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية. صممت لتنفيذ الهجوم الأرضي، الاستطلاع، والدفاع الجوي ضمن منصة واحدة، ما يجعلها مقاتلة شاملة لمختلف المهام القتالية.
تمتاز F‑35 بقدرتها على التخفي وتقنيات دمج المستشعرات التي تمنح الطيار رؤية شاملة لمسرح العمليات، بالإضافة إلى كونها عقدة معلومات طائرة تنقل البيانات التكتيكية إلى القوات الصديقة، مما يجعلها مضاعفًا فعّالًا للقوة ويعزز كفاءة العمليات المشتركة.
من الناحية التقنية، يبلغ طولها حوالي 15.7 متر، وباع جناحيها نحو 10.7 متر، وسقف طيرانها أكثر من 15,000 متر، وتصل سرعتها إلى 1.6 ماخ. تجمع الطائرة بين القدرة على المناورة العالية، الحرب الإلكترونية، ونظام لوجستي ذكي لإدارة الصيانة والجاهزية، ما يجعلها منصة استراتيجية قادرة على تغيير موازين القوة في أي صراع.
طراز واحد أم أنواع عدة؟
تنقسم مقاتلات F‑35 إلى ثلاث فئات رئيسية صممت لتلبية احتياجات تشغيلية مختلفة، ورغم تنوعها تتشارك ما يقارب 80% من المكونات الأساسية، ويكمن الاختلاف بين هذه الفئات في قدرات الإقلاع والهبوط وطبيعة المهام الميدانية.
أولا: F‑35A (الإقلاع والهبوط التقليدي)، وهي النسخة الأكثر انتشارًا، حيث تمتاز بقدرات عالية في القتال الجوي والهجوم الأرضي وتعدد المهام، ومن أبرز الدول التي تمتلكها: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، إيطاليا، هولندا، النرويج، الدنمارك، أستراليا، اليابان، إسرائيل، وكندا.
ثانيًا: F‑35B (الإقلاع القصير والهبوط العمودي)، مصممة للعمل من قواعد صغيرة أو سفن هجومية برمائية، وتناسب العمليات التي تتطلب مرونة كبيرة في الانتشار، وتستخدمها مشاة البحرية الأمريكية، المملكة المتحدة، إيطاليا، اليابان، وسنغافورة.
ثالثًا: F‑35C (النسخة البحرية)، موجهة للعمل من على حاملات الطائرات، وتتمتع بأجنحة أكبر وأنظمة تحكم خاصة للهبوط على سطح السفن، وتستخدمها البحرية الأمريكية وبعض الحلفاء.
تتشارك الطرازات الثلاثة مواصفات أساسية أبرزها: سرعة فوق صوتية، قدرات تخفي متقدمة، إلكترونيات طيران حديثة، منظومات استشعار عالية الدمج، ومدى عملياتي كبير، وتعتمد جميعها على محرك توربوفان Pratt & Whitney F135.
ماذا عن محاولات العرب امتلاك تلك المقاتلات؟
حتى نهاية 2024، بلغ عدد الدول المالكة لأي من طرازات F‑35 نحو عشرين دولة، منها شركاء في تطوير البرنامج ودول اشترتها عبر المبيعات العسكرية الأمريكية، ولا توجد أي دولة عربية ضمن هذه القائمة، فيما تظل “إسرائيل” الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشغّل الطائرة.
حاولت الإمارات وقطر في السابق اقتناء هذه المقاتلات، لكن المفاوضات توقفت بسبب مخاوف أمريكية تتعلق بالأمن والتكنولوجيا، بالإضافة إلى التزام الكونغرس بالحفاظ على التفوق النوعي لـ”إسرائيل”، مما حال دون منح أي دولة عربية الطائرة.
اليوم، تطرق السعودية الباب لامتلاك الطائرة بطلب شراء يصل إلى 48 مقاتلة، وإذا تمت الصفقة، ستصبح المملكة الدولة العربية الوحيدة التي تشغّل مقاتلات F‑35 الشبحية.
ماذا عن مواصفات “F-35A” الإسرائيلية؟
إن الطراز الذي تمتلكه “إسرائيل” من هذه المقاتلات يختلف عن النسخ الممنوحة لبقية الدول؛ إذ تُعد طائرة “F-35A Adir” التي تشغّلها تل أبيب من أكثر مقاتلات الجيل الخامس تطوّرًا، بفضل قدرات التخفي المتقدمة التي تجعل اكتشافها مهمة بالغة الصعوبة.
إضافة إلى قدرتها على تنفيذ مهام متعددة تشمل القتال الجوي والهجوم الأرضي والاستطلاع والحرب الإلكترونية في مهمة واحدة، كما تعتمد على محرك “F135” الذي يمنحها سرعة 1.6 ماخ ومدى قتالي يقارب 1100 كم، مع إمكانية التزود بالوقود جوًا.
تحمل الطائرة أسلحتها داخليًا للحفاظ على التخفي، وتشمل صواريخ جو–جو وقنابل ذكية موجهة، ويمكنها استخدام نقاط خارجية عند عدم الحاجة للشبحية، كما تمتلك دمجًا إلكترونيًا متقدمًا يتيح للطيار رؤية موحّدة للمعركة عبر رادارات ومستشعرات متعددة، تدعمها خوذة عرض متقدمة توفر معلومات فورية وواسعة النطاق.
وتتميز النسخة الإسرائيلية “F‑35I” بعدد من التعديلات المحلية التي تمنحها تفوقًا إضافيًا، مثل أنظمة حرب إلكترونية واتصال مطوّرة محليًا، وإمكانية استخدام ذخائر إسرائيلية خاصة، إضافة إلى تعديلات تُسهِّل تنفيذ ضربات بعيدة المدى. وقد استخدمت “إسرائيل” هذه المقاتلات في آلاف الطلعات القتالية.
ماذا نعرف عن قانون التفوق العسكري لـ”إسرائيل” (QME)؟
منذ سبعينيات القرن الماضي، تعتبر واشنطن أن الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ”إسرائيل” (QME) مبدأً استراتيجيًا لضمان أمنها وتفوقها على الدول العربية والإقليمية مجتمعة. هذا المبدأ أصبح جزءًا من القانون الأمريكي منذ 2008.
وهناك 8 آليات رئيسية تستند إليها أميركا لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط، التفوق النوعي في الأسلحة المتقدمة، فرض قيود صارمة على تسليح دول المنطقة، المساعدات العسكرية الضخمة لإسرائي، التعاون الاستخباراتي العميق، التعاون في الدفاع الصاروخي، دعم سياسي ودبلوماسي في المؤسسات الدولية، التخزين العسكري الأمريكي داخل إسرائيل (War Reserve Stockpile).
وأخيرًا الشراكات البحثية العسكرية المتقدمة التي تشمل أبحاث تكنولوجية مشتركة في الذكاء الاصطناعي العسكري، الدرونات المتقدمة، الحرب الإلكترونية، أنظمة الدفاع الجوي، وتطوير مشاريع مشتركة تمهّد لمزايا تقنية طويلة الأجل.
هل تكون السعودية استثناء من هذا القانون؟
وفق تقرير باراك على موقع أكسيوس، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن صفقة F‑35 مع السعودية لن تهدد التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، وأوضح المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أن السعودية ستحصل على نسخة محدودة القدرات من الطائرة، وأن روبيو سيواصل التشاور مع إسرائيل لضمان الالتزام بالقانون الأمريكي الذي يكفل التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، وقال أحد المسؤولين الأمريكيين: “لقد أبلغنا الإسرائيليين أننا ملتزمون بالتفوق العسكري النوعي ولن ننتهكه”
ويشير التقرير إلى أن تصريحات الرئيس ترامب أو توقيعه على الصفقة لا تمنحها النفاذ النهائي، إذ تخضع كل صفقة من هذا النوع لإجراءات قانونية دقيقة تضمن إشراف الكونغرس منها: وزارة الخارجية تخطر الكونغرس رسميًا بالصفقة، البنتاغون يقدم تقييم QME للصفقة، الكونغرس يمتلك صلاحياته الكاملة: الموافقة، تعديل شروط الصفقة، أو حتى تعطيلها نهائيًا.
بعبارة أخرى، الصفقة لا تمر إلا عبر بوابة الكونغرس، الذي يملك السلطة لتجميدها أو تعديلها، حتى لو أبدى الرئيس موافقته العلنية، مما يؤكد أن التفوق العسكري النوعي لإسرائيل يظل أولوية ثابتة في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
ما مواصفات الطائرة التي يمكن أن تحصل عليها المملكة؟
يتضح مما سبق أن الولايات المتحدة قد تمضي في تزويد السعودية بمقاتلات “F‑35″، لكن بمواصفات مُخفّضة مقارنة بتلك التي تحصل عليها “إسرائيل”، فالتقارير التي سترفعها وزارتا الدفاع والخارجية إلى الكونغرس، ضمن إطار قانون التفوق العسكري النوعي (QME)، ستحدد بدقة القدرات التي يمكن السماح بتصديرها للمملكة بما لا يخلّ بميزان القوى الإقليمي.
ويمتلك الكونغرس في هذه المرحلة قدرة واسعة على فرض شروط سياسية وتقنية على الصفقة، مثل تقييد التكنولوجيا الحساسة أو استبعادها بالكامل، ومنع نقل البرمجيات أو أدوات الصيانة والدعم المتقدم، وإرفاق شروط سياسية تتعلق بسلوك الدولة في ملفات مكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، والسياسة الخارجية التي من بينها التطبيع والانضمام لاتفاقات أبراهام.
بناءً على ذلك، يُرجّح أن تأتي النسخة السعودية من “F‑35” بمواصفات معدّلة، قد تشمل تقليص بعض مكوّنات التخفي الأكثر حساسية، والحد من قدرات الربط الشبكي مع الأنظمة الأمريكية، وتقييد البرمجيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والوعي الميداني، وتحديد سقف لقدرات الحرب الإلكترونية، بما يحفظ التفوق النوعي الإسرائيلي في الجو والفضاء المعلوماتي.
محصلة ما سبق، إن الصفقة المحتملة بين السعودية والولايات المتحدة تبدو أقرب إلى حملة إعلامية وتجسيد للرسائل السياسية الداخلية منها إلى واقع عسكري ملموس، فكما تكشف التسريبات، ما يجري لن يختلف كثيرًا عن التجربة الإماراتية، التي تراجعت عن صفقة مماثلة بعد إدراكها أن النسخة المطروحة كانت مخفضة القدرات مقارنة بما تمتلكه “إسرائيل”.