في صباح 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، قطع 13 مستوطنًا إسرائيليًا السياج الحدودي قرب الجولان رافعين أعلام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومعلنين عزمهم إقامة مستوطنة جديدة على الأراضي السورية.
يُطلق على المجموعة التي تقف خلف محاولة عبور الحدود من الجولان المحتل إلى داخل الأراضي السورية، اسم “روّاد الباشان”.. فمن هؤلاء ولماذا اختاروا هذه المنطقة تحديدًا؟ وما الموقف الإسرائيلي الرسمي منهم؟

“روّاد الباشان”
تعريف بالحركة: حالوتسي هاباشان (باللفظ العبري)، حركة يمينية متطرفة تشجع على الاستيطان اليهودي داخل سوريا انطلاقًا من باشان، وهي منطقة تاريخية تمتد من جبل الشيخ (حرمون) شمالًا حتى جلعاد (منطقة جبلية شرق نهر الأردن)، بحسب المعتقدات الإسرائيلية.
أصل الكلمة: باشان اسم توراتي قديم يُستخدم للدلالة على الأرض الخصبة، وتشمل جغرافيتها هضبة الجولان، حوران، اللجاة.
التأسيس: بحسب صحيفة هآرتس العبرية، تأسست المجموعة في أبريل/نيسان 2025 (غير معروف عدد أفرادها بدقة)، ومنذ ذلك الحين حاول أفرادها – وبينهم عائلات بأطفالها، اختراق الحدود السورية عدة مرات، في مقدمة لتدشين مشروعهم الاستيطاني.
الانتماء الأيديولوجي: تعلن هذه الحركة الاستيطانية انتماءها إلى “أرض الباشان” وتشير إليها اليوم على أنها “الجولان”، وتتبنى خطابًا دينيًا قوميًا يطالب بحق “العودة” اليهودية إلى الهضبة المحتلة.
وعلى الصعيد الديني الدعائي، كثيرًا ما يشير أعضاء الحركة إلى النصوص التوراتية لتبرير مشروعهم، فهم يستشهدون بأن كلمة “باشان” ذُكرت حوالي 60 مرة في التوراة، واقترنت بألقاب دينية ووفرة في المزامير وغيرها.
إضفاء “الشرعية”: مؤخرًا أعاد جيش الاحتلال الإسرائيلي إحياء التسمية في خطابه العسكري، بإطلاق اسم “سهم باشان” على عدوانه داخل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، في دلالة رمزية تعكس استدعاءً تاريخيًا أيديولوجيًا للاسم.
كما استخدم الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في محافظة السويداء، الشيخ حكمت الهجري، خلال أكتوبر/تشرين الأول 2025 اسم “جبل الباشان” بدلا من “جبل العرب”، في إشارة إلى دعمه تل أبيب لاحتلال جنوب سوريا.
أبرز مطالباتهم: في يوم الاقتحام الأخير، أقام أعضاء الحركة مؤتمرهم الأول في القدس المحتلة لحث الحكومة على الإسراع في الاستيطان بالمنطقة و”تعزيز السيادة الإسرائيلية” فيها، كما وقعوا على عريضة بذلك.
وقد جاء في أحد بياناتهم: “الباشان ميراث أسلافنا. ندعو حكومة إسرائيل إلى طرد العدو من كل مناطقها والسماح لنا بالاستيطان فيها”.
أهداف بعيدة المدى: في المرحلة الأولى، تهدف المجموعة إلى إقامة مستوطنات يهودية دائمة في الأراضي السورية التي يزعمون أنها جزء من “أرض إسرائيل التوراتية التاريخية”.
وكبداية، يريد هؤلاء إنشاء تجمعات استيطانية جديدة خلف حدود الجولان المحتل، في مقدمة لتغيير الواقع على الأرض والتمدد في باقي الأراضي السورية.
وترى هذه المجموعة أن السيطرة الفعلية على جنوب سوريا ضرورية لأمن تل أبيب ضمن إطار فكرة ما يسمى إقامة “إسرائيل الكبرى”.
علاقتهم بدروز سوريا: لم يعلن عن تنسيق رسمي بين الجانبين، لكن قادة رواد الباشان يروجون لمصير مشترك.
وتحدث الناشط في المجموعة عاموس عزاريا (44 عامًا من مستوطنة أرئيل بالضفة الغربية) عن رؤيتهم بالقول: “هذه الأرض التي فتحها النبي موسى. اليوم يسكن الدروز جبل الباشان شرقًا، وفي المنطقة الفاصلة بين الجولان والجبل تنتظرنا جماعات سُنّية لذبحنا أو ذبح الدروز”، وفق تعبيره.
وواصل القول: “لذا يجب تطهير تلك المنطقة برمتها واستيطانها لأنها جزء من أرضنا. وثقوا بأن الدروز سيرحبون بأن نعيش جنبًا إلى جنب معهم هناك”، وفق ما نقلت يديعوت أحرونوت.

أساليب اقتحام سوريا
يتبع “روّاد الباشان” أساليب شبه عسكرية لاختراق الحدود السورية مستغلين الثغرات الأمنية في سوريا الجديدة التي تحاول التغلب على الفوضى وضبط الأمن.
خلال المحاولة الأخيرة في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، انقسم أفراد الحركة إلى مجموعتين توغلت إحداهما من محور جبل الشيخ شمالًا والأخرى عبر منطقة بئر عجم في ريف القنيطرة الجنوبي.
واستخدم أفراد المجموعة مناشير كهربائية لقطع أجزاء من السياج الحدودي ثم عبروا السياج بمركبات دفع رباعي داخل الأراضي السورية لعدة مئات من الأمتار، لكن جيش الاحتلال طاردهم وأعادهم إلى داخل “إسرائيل”.
وقد وثّقوا تحركهم ببث مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ورفعوا الأعلام الإسرائيلية فور دخولهم، كما كانوا يبحثون عن موقع مناسب لقضاء الليل فيه والتأسيس لمستوطنتهم الجديدة.
أبرز المحاولات السابقة
المحاولة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني لم تكن الأولى من نوعها، فمنذ تأسيس الحركة، نفذت عدة محاولات اختراق مماثلة على فترات متقاربة.
- في أكتوبر/تشرين الأول 2025، حاولت الحركة تنظيم اختراق أكبر تحت غطاء مدني، حيث نظم المئات مظاهرة قرب الحدود، واتخذتها ثلاث عائلات من أعضاء الحركة غطاءً لمحاولة العبور نحو الجانب السوري.
- في أغسطس/آب 2025، اخترق نحو 40 مستوطنًا بينهم 9 عائلات من مستوطني الجولان والضفة الغربية، السياج وأقاموا مراسم احتفالية لوضع حجر الأساس لما أسموه مستوطنة Neve Bashan (واحة الباشان)، وثبتوا لافتة كبيرة وعلما إسرائيليًا في الأرض.
- أما أول نشاط بارز للحركة فكان يوم 17 أبريل/نيسان 2025 (بعد بضعة أيام من تأسيسها)، حين عبر عشرات المستوطنين بشكل مفاجئ السياج إلى داخل الأراضي السورية وبقوا هناك لنحو ساعتين. وفي كل مرة كان الجيش يعيدهم إلى الجولان المحتل.
أسباب اختيار الجولان
تنطلق المجموعة في اختيارها للجولان من عدة أسباب:
- مرجعية دينية توراتية تدعي وجود حق استيطاني تاريخي في امتلاك الهضبة خصوصًا وجنوب سوريا عمومًا.
- تستحضر الحركة الروايات التوراتية عن مملكة عوج ملك باشان وهزيمته أمام بني “إسرائيل” (سفر العدد والتثنية).
- تستند إلى أن النبي موسى وقبائل بني إسرائيل استوطنوا قديمًا شرق نهر الأردن بما في ذلك أراضي الجولان، وفق يديعوت أحرونوت.
- الجولان في وعيهم تمثل بوابة للتوسع جنوبًا وشرقًا نحو حوران ودرعا وسهل حوران الخصب.
- هناك ظرف سياسي عسكري مستجد حفّز طموحاتهم، يكمن في التغيرات العميقة التي شهدتها الساحة السورية.
الموقف الرسمي
لا يجاهر المستوى الرسمي الإسرائيلي حاليًا بنيّته احتلال أراض سورية إضافية، وقد تعامل – على الأقل علنيًا – بتحفّظ مع تحركات “روّاد الباشان”:
شرطة الاحتلال: أصدرت بعد عملية الاختراق الأخيرة، بيانًا تذكّر فيه أن اجتياز الحدود نحو سوريا أو لبنان يعد جريمة جنائية بموجب القانون الإسرائيلي، يعاقَب عليها بالسجن لمدة قد تصل إلى أربع سنوات.
جيش الاحتلال: وصف الحادثة بأنها “انتهاك خطير يشكّل مخالفة جنائية ويعرّض المدنيين والجنود للخطر”.
متحدث عسكري: القوات أعادت المتسللين إلى إسرائيل “خلال وقت قصير” وجرى تسليمهم للشرطة، وفق ما نقلت “يديعوت أحرونوت“.
رئيس المجلس الإقليمي للجولان أوري كيلنر: قال إن اقتحام الإسرائيليين سوريا “تجاوز لخط أحمر ويمثل خطرًا شخصيًا وأمنيًا ومجتمعيًا”.
لكن خطاب “أرض إسرائيل الكاملة أو الكبرى” حاضر في خلفية المشهد، حتى إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، تحدث مؤخرًا عن رغبته في “إخلاء جنوب سوريا من أي وجود معادٍ بشكل تام”.
وفي خضم الحرب الأخيرة على عدة جبهات كما يصفها نتنياهو، عاد الأخير ومؤيدوه لاستخدام عبارات توراتية وتاريخية تلمّح إلى ما يسمونه “حق إسرائيل” في مساحات عربية أوسع، في إطار تهيئة الرأي العام لأي تغييرات حدودية مستقبلية.
ودائمًا ما تلقى الجرائم الاستيطانية بالعموم وعربدة المجموعات اليهودية المتطرفة، دعمًا من حكومة نتنياهو الحالية التي تعد الأكثر تطرفًا في تاريخ “إسرائيل”.
ويستفيد هؤلاء من غياب العقوبات الصارمة والغموض القانوني والاكتفاء بالاحتجازات المؤقتة، ومن ثم يفرج عنهم ليعاودوا ذات الأنشطة من جديد كما حدث في كل الاختراقات السابقة للأراضي السورية.