في لحظة مشحونة سياسيًا وغير مسبوقة في تاريخ النظام السياسي الإسرائيلي، تواجه “تل أبيب” اختبارًا بالغ الحساسية، مع تقديم رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو طلبًا رسميًا إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ لمنحه عفوًا رئاسيًا من تهم الفساد التي تلاحقه منذ سنوات.
وجاء ذلك مدفوعًا بدعوة رسمية سبقتها دعوات شفهية، وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي طالب فيها هرتسوغ بالعفو عن نتنياهو وإنهاء محاكمته بتهم الفساد والرشوة وإساءة الأمانة.
ويحظى الطلب بأهمية متزايدة بسبب توقيته ودلالاته السياسية، إذ يأتي بعد عامين من طوفان الأقصى ومع دخول “إسرائيل” فعليًا عام الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول 2026، ما لم يتم تبكيرها.
فهل يمنح هرتسوغ العفو الكامل لنتنياهو، أم يشترط اعتزاله العمل السياسي أم يرفض الطلب كليًا، رغم الضغوط المتزايدة عليه داخليًا وأمريكيًا؟
التهم الموجهة إلى نتنياهو
يواجه نتنياهو اتهامات بالفساد والرشوة وإساءة الأمانة في 3 ملفات أساسية يحمل كل واحد منها رقمًا مختلفًا (بلا دلالة قانونية أو سياسية):
- الملف 1000: حصوله مع أفراد من عائلته على هدايا ثمينة من رجال أعمال مقابل تقديم تسهيلات ومساعدات في مجالات مختلفة.
- الملف 2000: التفاوض مع ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” أرنون موزيس، للحصول على تغطية إعلامية إيجابية.
- الملف 4000: تقديم تسهيلات لـ”شاؤول إلوفيتش” المالك السابق لموقع “واللا” الإخباري والمسؤول السابق بشركة “بيزك” للاتصالات، مقابل تغطية إعلامية إيجابية.
ثلاثة سيناريوهات
قبول العفو
إذا قرر رئيس دولة الاحتلال هرتسوغ منح نتنياهو العفو الكامل، تنتهي بذلك المحاكمة الجارية ضده، ويُعفى من المسؤولية الجنائية من دون صدور حكم براءة.
هذا القرار من شأنه إرضاء ترامب وداعمي نتنياهو في اليمين، لكنه سيواجه رفضًا واسعًا من المعارضة التي ترى فيه “ضربة قاتلة لسيادة القانون” في حال لم يُقرَن بشروط واضحة.
وذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن قبول العفو دون شروط قد يشعل موجة احتجاجات شعبية ستكون “أكبر من تلك التي اندلعت ضد خطة الإصلاح القضائي” خلال الشهور الأولى من عام 2023، خاصة أن رسالة ترامب أججت الخلاف الداخلي، ووصفتها أحزاب المعارضة بأنها تدخل سافر في الشأن الإسرائيلي، مما عمّق التوتر القائم حول مستقبل هذا الملف.
رفض العفو
في حال قرر هرتسوغ رفض الطلب، فإن المحاكمة ستستمر بمسارها الطبيعي، وهو خيار يرجح أن يُقابل بترحيب من المعارضة، وفق “تايمز أوف إسرائيل“.
لكن هذا القرار سيغضب أحزاب اليمين ومؤيدي نتنياهو، وقد يشعل مظاهرات مضادة تطالب بإعادة النظر في القرار.
ويتوقع أن يحول نتنياهو هذا الرفض إلى “نصر سياسي جزئي”، إذ سيقول إن الرئيس رفض العفو ما يبرر مزاعم المؤامرة، ويستخدم الأمر لتعبئة مؤيديه وحشدهم للانتخابات المقبلة على أساس أنه “ضحية ملاحقة سياسية”.
من الناحية القانونية، استمرار المحاكمة يعني خوض نتنياهو جلسات استماع طويلة قد تستمر لسنوات وتنتهي بحكم نهائي، سواء بالبراءة أو الإدانة، وفي الحالتين، سيبقى الملف مفتوحًا سياسياً حتى صدور الحكم.
العفو المشروط
يطرح سيناريو العفو المشروط كخيار وسط يسعى لتفكيك الأزمة السياسية، وقد يرضي أطرافًا من المعارضة دون إثارة غضب كبير في الشارع.
في هذا السيناريو، قد يسعى هرتسوغ للتفاوض مع نتنياهو ومحيطه لوضع شروط مسبقة قبل توقيع العفو، أبرزها اعتراف رئيس الوزراء بالتهم الموجهة إليه وانسحابه الكامل من الحياة السياسية.
وقد يربط هرتسوغ العفو بتجميد تشريعات “الإصلاح القضائي” وإطلاق تحقيق رسمي في أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ورغم أن بعض المصادر المقربة من مؤسسة الرئاسة رجحت ميل هرتسوغ نحو هذا الاتجاه، فإن مقربين من نتنياهو يؤكدون رفض الأخير القاطع لأي اعتراف حتى لو كان جزئيًا، وعدم استعداده لاعتزال الحياة السياسية، ما يجعل تطبيق هذا السيناريو محل شك كبير.

تسلسل إجراءات التعامل مع طلب العفو
- تقديم الطلب: يقدّم نتنياهو أو محاموه طلب العفو إلى مكتب الرئيس، فيُحال إلى قسم العفو بوزارة العدل (القضاء) لمراجعته.
- جمع الآراء: يجمع قسم العفو في الوزارة المستندات المتعلقة بالقضية (ملف المحاكمة، توصيات النيابة، تقارير الجهات المختصة) ويُعدّ رأيًا قانونيًا أوليًا.
- صياغة توصية: يصدر وزير القضاء توصية نهائية للرئيس بناء على رأي القسم وبعد استشارة مستشار الرئيس القانوني.
- قرار الرئيس: يدرس الرئيس جميع الآراء بعناية ثم يقرر قبول الطلب أو رفضه، وإذا قرر منح العفو، يُتوقّع أن تُرفع طعون عديدة إلى محكمة العدل العليا لمراجعة شرعية القرار.
هل العفو عن نتنياهو من صلاحيات الرئيس؟
ينص القانون الإسرائيلي على أن للرئيس سلطة منح العفو أو تخفيف الأحكام الجنائية، لكن ذلك عادةً ما يكون فقط بعد انتهاء المحاكمة وإدانة المتهم واعترافه بالذنب، وفق “تايمز أوف إسرائيل“.
لكن، معهد إسرائيل للديمقراطية، في مقال تحليلي أشار إلى أنه “لا يشترط الاعتراف بالذنب كشرط للعفو”، مؤكدًا في نفس الوقت أنه لطالما أكد مكتب المدعي العام أن معالجة طلبات العفو قبل الإدانة يجب أن تتم “في حالات نادرة فقط”.
وسبق للرئيس أن منح عفوا استثنائيًا قبل محاكمة عناصر من الشاباك في قضية “الحافلة 300” عام 1984، لكن المحكمة العليا صرحت حينها بأن تدخل الرئيس يجب أن يقتصر على ظروف أمنية استثنائية للغاية.
ويعزز هذا التوصيف كذلك تحليل قانوني موسّع نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” استند إلى آراء وزير القضاء السابق دانييل فريدمان والمديرة السابقة لقسم العفو في وزارة القضاء آمي بالمور، وأكد “عدم جواز العفو في منتصف المحاكمة”.