تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل لجنة مؤقتة لإدارة قطاع غزة، إلى جانب “مجلس السلام” الذي سيشرف عليها، وذلك بحلول 15 ديسمبر/كانون الأول 2025، في إطار إداري خدمي يديم سيطرة “إسرائيل” بعد سنتين من الإبادة الجماعية.
ويأتي الإعلان المرتقب بحسب ما كشفت صحيفة هآرتس العبرية، بعد نقاشات بين واشنطن وحلفائها حول من سيشرف على تقديم الخدمات الأساسية في القطاع، في ظل رفض “إسرائيل” أي دور للسلطة الفلسطينية أو حركة حماس.
أهداف اللجنة ومهامها
تعد خطوة إنشاء لجنة خدمية محايدة سياسيا جزءاً من المرحلة الثانية في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمستقبل القطاع، بحسب هآرتس. ووفقًا للمسودة الأمريكية لاتفاق وقف إطلاق النار التي جرى تداولها منذ سبتمبر/أيلول 2025، فإن الهدف من اللجنة يتمثل في:
إدارة الخدمات الأساسية: توفير الكهرباء والمياه والصحة والإغاثة الإنسانية لسكان غزة من خلال هيئة مدنية تتمتع بغطاء دولي؛ فيما أشارت بعض المسودات إلى أن اللجنة ستتولى إدارة الوزارات المدنية وتشغيل المنشآت الحيوية.
تنسيق إعادة الإعمار: العمل مع الدول المانحة ومؤسسات الأمم المتحدة لجمع التمويل والإشراف على إعادة بناء المنازل والبنية التحتية المدمرة، لكن هذا الأمر ما زال نظريا في ظل رفض “إسرائيل” إعادة الإعمار بالكامل والاقتصار على إقامة مدن تحت سيطرتها مثل “رفح الخضراء”.
إدارة المعابر وتنسيق المعونات: مراقبة دخول البضائع عبر المعابر مع “إسرائيل” ومصر وفقًا لاتفاق جديد، وضمان أن تمر المساعدات الإنسانية دون عوائق.
التحضير لإدارة فلسطينية دائمة: اللجنة المؤقتة يفترض أن تعمل لفترة انتقالية تتراوح بين 6 و12 شهرًا، على أن يتم تشكيل سلطة محلية مقبولة دوليًا لاحقًا سواء عبر انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة أو عبر اتفاق بين السلطة الفلسطينية والفصائل (وهذه مرفوضة إسرائيليا).
تركيبة مجلس السلام ولجنة إدارة غزة
“مجلس السلام”، الذي سيشرف على عمل اللجنة، وسيرأسه ممثلون من دول مختلفة، وبحسب هآرتس ووسائل إعلام أمريكية يأتي رئيسه وأعضاؤه كالتالي:
رئيس المجلس: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
عضو في المجلس: ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
عضو في المجلس طرح اسمه سابقا لرئاسته: رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير
أما المعلومات حول تركيبة لجنة إدارة قطاع غزة فما زالت محدودة، لكن مسودات الخطة الأمريكية، تحدثت عن لجنة من شخصيات فلسطينية مستقلة مقبولة دوليًا، تكون معظمها من التكنوقراط في مجالات الصحة والاقتصاد والإدارة.
وتداولت صحف إسرائيلية في أكتوبر 2025، اسما واحدا حتى الآن لرئاسة اللجنة المؤقتة وهو أمجد الشوا المدير العام لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، حيث ادعت أن حماس اختارته لهذه المهمة، لكن الأخير نفى التواصل معه حتى الآن، كما لم تعلن الحركة أي شيء يتعلق بالقضية.

وتحدثت بعض التقارير عن احتمال مشاركة ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ضمن مجلس استشاري، بينما تضغط مصر وقطر ليكون لهما دور في تعيين بعض الأعضاء لضمان قبول حركة حماس والفصائل الأخرى، لكن واشنطن أكدت أن اللجنة لن تضم أي أعضاء من حماس ولا من السلطة الفلسطينية، على أن يتم التواصل معهما عبر آليات منفصلة.
أبرز المواقف من اللجنة
السلطة الفلسطينية: أعلنت رفضها فكرة إنشاء لجنة مؤقتة تعيَّن من الخارج وتعتبرها تقويضاً للشرعية الوطنية، وأكدت استعدادها للعودة إلى غزة عبر حكومة وحدة وطنية.
الفصائل الفلسطينية: ترى في اللجنة محاولة لتكريس الوصاية الأمريكية – الإسرائيلية على القطاع؛ وتؤكد أن الحل يكمن بإجراء حوار فلسطيني شامل يفضي إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة.
مواقف الفاعلين الإقليميين (مصر وقطر وتركيا والأردن والسعودية): تتفاوت بين من يدعم تشكيل اللجنة بشرط أن تكون لها كلمة باختيار الأعضاء وأن تمهد لعودة السلطة وأن تكون جزءا من حل شامل، وبين من يعارض فرض هيكل من الخارج ويدعو لتمكين حكومة فلسطينية منتخبة.
الأمم المتحدة: أكدت أنها ستمنح اللجنة الشرعية الدولية وستسهم عبر برامجها في توفير الدعم الفني والمالي.
هل اللجنة بديل لحماس والسلطة أم مرحلة انتقالية؟
التسريبات الأولية من واشنطن أشارت إلى أن اللجنة ستكون جسراً انتقالياً يهدف إلى سدّ الفراغ الإداري في غزة، لكن “إسرائيل” ترى أنها يمكن أن تصبح بديلاً عمليًا للحكم في غزة إذا نجحت في إدارة الخدمات.
وينبع التساهل العربي الرسمي مع فكرة إنشاء هذه اللجنة، مع إدراك تلك الدول أن السلطة الفلسطينية ضعيفة حاليًا في الشارع الغزّي ولمشاركتها نفس الموقف مع واشنطن بضرورة استبعاد حركة حماس.
لذلك يُطرح خيار اللجنة باعتباره حلاً لإزاحة الحركة الإسلامية من المشهد وإدامة التحكم والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع.
ولا تمانع تل أبيب وجود لجنة مدنية تتولى إدارة الشؤون اليومية، شرط ألا تضم عناصر من حماس والسلطة وأن تتعاون مع “إسرائيل” في ضبط الحدود ومنع تهريب السلاح.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مصادر سياسية أن “إسرائيل” ترى في اللجنة المؤقتة وسيلة لمنع عودة حماس إلى حكم القطاع وفي الوقت ذاته تجنّب مسؤولية إدارة شؤون أكثر مليوني فلسطيني.
الإطار القانوني والسياسي
“قانونيا”، يستند مجلس السلام واللجنة الفلسطينية إلى قرار مجلس الأمن 2803 الذي يمنح المجلس “شخصية قانونية دولية كهيئة انتقالية” مسؤولة عن وضع إطار العمل وتمويل إعادة الإعمار، ويخوّل الدول المتعاونة معه إنشاء قوة دولية للاستقرار وهيئات مدنية متخصصة لتشغيل المعابر والخدمات.
وفي الوقت نفسه، يتجاهل القرار صراحةً أي صيغة واضحة لحق تقرير المصير الفلسطيني أو جدول زمني مُلزِم لقيام دولة فلسطينية، مكتفيًا بالحديث عن “تهيئة الظروف” لذلك بعد إصلاح السلطة الفلسطينية.
سياسيًا، يحتفظ الطرف الأميركي بدور مركزي، فهو من صاغ الخطة ومرّر القرار في مجلس الأمن، وهو الذي يعيّن رئيس مجلس السلام ويقود جهود تشكيل القوة الدولية وتمويل إعادة الإعمار.
أما الأمم المتحدة فدورها أقرب إلى منح الغطاء القانوني وتقديم الخبرات التقنية والوكالات التنفيذية، وهو ما انتقدته قوى دولية اعتبرت الترتيبات أقرب إلى نوع جديد من “الوصاية متعددة الجنسيات” بقيادة واشنطن.
التحديات العملية
الأمن وضبط السلاح: اللجنة المدنية لن تمتلك قدرات عسكرية، وبالتالي ستعتمد إما على قوة مراقبة دولية أو على بقاء جيش الاحتلال، وهو أمر يعرقل قبول الفلسطينيين لهذا الهيكل الجديد ويجعله يبدو وكأنه واجهة لدولة الاحتلال.
إدارة المعابر: ستشكل تحديًا كبيرًا، خاصة مع استمرار “إسرائيل” في وضع شروط أمنية صارمة وفحص المسافرين أمنيا، فيما سيحتاج أعضاء اللجنة إلى التنسيق مع الاحتلال ومصر لضمان تدفق البضائع.
الخدمات الأساسية: الدمار في البنى التحتية يفرض تحديًا ضخماً؛ فمن دون كهرباء ومياه وشبكات صرف صحي لن تستطيع اللجنة الوفاء بوعودها وأداء المهام المنوطة بها في ظل عرقلة “إسرائيل” إعادة الإعمار.
السيناريوهات المحتملة
- نجاح اللجنة كمرحلة انتقالية: في هذا السيناريو يحصل توافق أميركي–عربي–فلسطيني على أعضاء اللجنة، لتعمل لمدة معينة، تنجح خلالها في أداء مهمتها ويتم نقل السلطة تدريجيًا إلى حكومة فلسطينية، وهو سيناريو يتطلب تنازلات إسرائيلية وغطاء دولي قوي.
- ترسيخ السيطرة الإسرائيلية–الأمريكية: تؤدي اللجنة دورا إداريا شكليا بينما تبقى “إسرائيل” مسيطرة على الأرض والمعابر، وتستمر حماس والفصائل في رفضها، وتتواصل الاشتباكات بينما يصبح القطاع عمليًا تحت وصاية دولية مفتوحة مع استمرار معاناة السكان.
- فشل اللجنة: بسبب اعتراضات الفصائل والسلطة الفلسطينية أو حدوث توترات، أو رفض شخصيات فلسطينية المشاركة بها، تفشل واشنطن في تشكيل اللجنة وتستمر حالة الفراغ في غزة، وتتدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية.
- تشكيل لجنة عربية بديلة: تشكل الدول العربية بقيادة مصر وقطر لجنة عربية لإدارة غزة بغطاء سياسي من الجامعة العربية، كحل وسط بين اللجنة المدعومة أمريكيًا وبين السلطة الفلسطينية. هذا السيناريو قد يحظى بدعم الفصائل أكثر، لكنه قد يواجه اعتراضات إسرائيلية.