ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف عدد من بين 160 مندوبًا ألمانيًا لموقع “هآرتس” أن الرحلة التي امتدت خمسة أيام وشملت جميع النفقات افتقرت إلى أي روايات نقدية أو تحليلية. وقال أحد المشاركين: “كانت رسائل الوفد قومية إلى أقصى حد… ولم يكن هناك أي بصيص للدبلوماسية أو جهود حقيقية لبناء السلام”.

في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، تم نقل نحو 160 شابًا ألمانيًا، وُصفوا بأنهم “قادة المستقبل المختارون بعناية” وممثلون لكل ولاية ألمانية، إلى إسرائيل بتنظيم من وزارة الخارجية الإسرائيلية والسفارة الإسرائيلية في برلين، في رحلة قُدمت على أنها احتفال بمرور 60 عامًا على العلاقات الدبلوماسية. وشمل برنامج الوفد استقبالات وجلسات إحاطة في الكنيست (البرلمان) ومقر رئيس الدولة والمحكمة العليا، وزيارة إلى شركة “رافائيل” لصناعة الأسلحة، ولقاءات مع ناجين من هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى زيارات إلى كيبوتس قرب حدود غزة وموقع مجزرة مهرجان “نوفا” الموسيقي.
ووصف عدة مشاركين تحدثوا مع “هآرتس” برنامج الوفد بأنه “عملية علاقات عامة مُدارة بإحكام” و”تترك طعمًا واضحًا للدعاية لصالح الحكومة الإسرائيلية”.


ونشر الموقع الإسرائيلي “واي نت” الأسبوع الماضي مقالًا حول الوفد، بقلم المراسل الدبلوماسي المخضرم إيتامار إيشنر، بعد يوم واحد من انتهاء الرحلة، رغم أن المقال تناول البرنامج بصيغة المستقبل. ووصف عنوان المقال الرحلة التي امتدت خمسة أيام بأنها “ رحلة تكشف آفاقًا جديدة”. واستشهد المقال بشكل موسع بسفير إسرائيل في برلين، رون بروسور، الذي أعرب عن أسفه لـ”جهل” الشباب بالدولة اليهودية، إلى جانب اقتباسات من المشاركين الذين أشادوا بإسرائيل وبالتجربة التي خاضوها ضمن الوفد.
وقال كاي بيتيلمان، ناشط في الحزب اليساري ومؤسس مجموعة لمكافحة معاداة السامية داخل الحزب، إن زيارة إسرائيل مهمة لأنها تُظهر “التنوع الاجتماعي” في البلاد.
وأوضح بيتيلمان لموقع “هآرتس” أن موظفًا من السفارة الإسرائيلية طلب منه في اليوم الثاني من الرحلة كتابة بضع جمل عن شعوره لنشرها لاحقًا، ورأى تعليقاته منشورة بعد أيام في “واي نت”. وأضاف عن إيشنر: “لا أعرف الشخص الذي كتب المقال ولم أسمع اسمه من قبل”.
ولم ترد السفارة الإسرائيلية في برلين على استفسار “هآرتس” بشأن ما إذا كان إيشنر تحدث بالفعل مع المشاركين أو كان متواجدًا مع المجموعة أثناء إعداد مقاله، كما رفض إيشنر التعليق.

ووصف أحد المشاركين شعورًا متزايدًا بـ”الخوف من الإدلاء بتصريحات رسمية” بين زملائه عند الحديث عن إسرائيل أو نقد حكومتها، خشية اتهامهم بأنهم “موالون لحماس” أو غير نقديين بما يكفي تجاهها، لا سيما من قبل السفارة في برلين، مع خوف أكبر من “عدم السماح لنا بدخول إسرائيل مجددًا”.
أمَّا بالنسبة للصحفية والكاتبة المقيمة في لايبزيغ، جيسيكا رامشيك، والتي شاركت أيضًا في الوفد، فكانت أكثر ما أقلقها هو طريقة التعامل مع الإعلام. وقالت لـ”هآرتس” إنها وجدت الأمر “مُقلقًا” أن يخبرها منظم الوفد صراحةً بأنه سيتصل شخصيًا بوسيلة إعلامية لضمان تغطية الزيارة. وأضافت: “كنت أتوقع ألا تكون هناك محاولات للتأثير، ولا مكالمات خلف الكواليس للصحفيين، ولا تلميحات خفية بأن رئيس مكتب المتحدث الرسمي “يقرأ أيضًا كل ما يُكتب”.
عرض هذا المنشور على Instagram
وأشارت رامشيك إلى نمط متكرر: فخلال زيارة الوفد لحدود غزة في اليوم الرابع، أُلغي فجأة برنامج مخطط له لزيارة الجانب الإسرائيلي من معبر كرم شالوم مع قطاع غزة، والذي كان من المفترض أن يتضمن “إحاطة شاملة حول جهود المساعدات الإنسانية”. وبدلاً من ذلك، تلقوا إحاطة من جيش الدفاع الإسرائيلي على انفراد في قاعة طعام في سديروت أثناء تناولهم الغداء، مع منعهم من اقتباس أي مما قيل، مما جعل التحقق المستقل من المعلومات مستحيلاً.
غير أن الشعور بانتهاك الخط الأحمر جاءها عندما تلقت – بعد تقديمها شكوى للمنظمين – مكالمة بدت وكأنها تهدف إلى “التحقق مما سأكتبه”، حيث تم استحضار طلبها السابق للقاء القاضي المتقاعد في المحكمة العليا “حنان ملتسر” للحديث عن عمله مع “ياد فاشيم”. وقد خلَّفت هذه المكالمة لديها شعوراً بأن أي شيء “خارج السردية المعدة مسبقاً هو أمر غير مرغوب فيه”، كما أخبرت هآرتس. وأضافت أن متحدث السفارة أبلغها لاحقاً أن رئيسه “لم يكن سعيداً جداً” لمشاركة تفاصيل الاتصال بالقاضي ملتسر.
وخلصت رامشيك إلى اتهام صريح: “كل هذا أعطى انطباعاً بأنها عملية علاقات عامة مُدارة بدقة، حيث عومل المشاركون لا كمراقبين في حوار صريح، بل كأدوات في هيكل رسائلي، يُشكلون بعناية ما سيطّلع عليه الرأي العام لاحقاً.”
وأكدت رامشيك أن التجربة “أحبطتها إلى أقصى حد”، نظرًا لدعمها العميق لإسرائيل قناعةً. وأضافت: “نريد سماع أصوات حقيقية، بما في ذلك من يختلفون مع الحكومة”.
ورفضت السفارة الإسرائيلية في برلين التعليق على مزاعم المشاركين، بما في ذلك مزاعم رامشيك، بشأن ما إذا كان من المتوقع أن يقدم الصحفيون المشاركون في الوفد سردًا معدًّا سلفًا للزيارة، أو ما إذا كان هناك مجال لعرض وجهات نظر فردية قد لا تتوافق تمامًا مع مواقف الحكومة الإسرائيلية.
الاستماع للمعارضة
وقال مشاركون تحدثوا مع “هآرتس” إنهم شعروا بأنهم منعزلون عن الأصوات النقدية للحكومة، حتى عند لقاء ممثل رسمي عن المعارضة الإسرائيلية، عضو الكنيست ميكي ليفي من حزب يش عتيد (هناك مستقبل) الوسطي.

وأشار المشاركون إلى أن النائب، الذي يرأس مجموعة الصداقة البرلمانية بين إسرائيل وألمانيا، “لم يبدو كمعارضة”، موضحين أنه قال إن حزبه، لولا وجود بنيامين نتنياهو، كان بإمكانه التحالف بسهولة مع حزب الليكود، وأنه لا توجد “خلافات جوهرية” بينهما، خاصة في القضايا الأمنية مثل غزّة.
وقال أحد المشاركين: “أدرك أنني لن أستمع إلى حزب مثل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) اليهودي-العربي، ولكنه كان سيكون من دواعي سروري الاستماع إلى شخص مثل يائير جولان أو شخص من اليسار الصهيوني.” وأضاف أنه حتى مع حزب “يوجد مستقبل” (يش عتيد)، “لم يكن بالإمكان أن تسمع أنهم فعلياً ضد الحكومة.”
واتخذ اللقاء منعطفًا “غريبًا”، كما وصفه أحد المشاركين، عندما قال النائب من المعارضة، وفقًا للرواية، لنبدأ الآن في إجراء الأعمال”، وعرض فيديوًا ترويجيًا على يوتيوب لنظام “آيرون بيام” الدفاعي بالليزر الذي طورته شركة رافائيل. علق المشارك قائلاً: “لم نفهم سبب مشاهدتنا لهذا الفيديو داخل البرلمان. إن وظيفتنا ليست شراء أسلحة من إسرائيل. أنا مجرد موظف حكومي صغير على مستوى الولاية، وليس وزير الخارجية أو الدفاع الألماني.”
الفيديو الترويجي الذي أعدّه رافائيل وعُرض على المشاركين في الرحلة
وقالت رامشيك إن مثل هذه الاجتماعات بدت لها “كأنها رفض متعمد للثقة بذكاء والتزام الحاضرين في الغرفة”.
بالتوازي مع ذلك، أشار أحد المشاركين إلى أن المدنيين الإسرائيليين الوحيدين الذين التقوا بهم كانوا ناجين من هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول في الكيبوتسات أو ناجين من مجزرة مهرجان نوفا، وأن العائلات التي اختارتها وزارة الخارجية اقتصر دورها على سرد قصصهم فقط. “لم يكن هناك مجال لطرح أسئلة نقدية حول الحكومة”، كما لاحظ.
وقد أُبلغ المشاركون أنهم سيحظون بـ”فرصة فريدة لتجربة إسرائيل عن قرب وتعزيز الصداقة بين بلدينا”، مع إمكانية الانضمام إلى مجموعات منفصلة تركز على السياسة أو الثقافة أو التكنولوجيا.
بيد أن أحد المشاركين في مجموعة “الشؤون الاستراتيجية والسياسية” عبّر عن خيبة أمله، قائلاً إنه خرج بانطباع أنهم سيحصلون على فهم أعمق للنقاشات السياسية في إسرائيل، لكن “البرنامج كان بعيدًا عن السياسة الفعلية، ولم نناقش قط القضايا داخل المجتمع الإسرائيلي، بل فقط الأمور الخارجية.”
Botschafter Ron Prosor begrüßte gestern 160 Teilnehmerinnen und Teilnehmer einer Delegation, die anlässlich von 60 Jahren deutsch-israelischer Beziehungen ihre Reise nach Israel antrat.
Hinter uns liegen 60 Jahre Partnerschaft, Inspiration und voneinander Lernen. Und vor uns… pic.twitter.com/5ObLVnIQA3
— Botschaft Israel (@IsraelinGermany) November 17, 2025
يظهر في مقطع فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل السفارة الإسرائيلية في برلين، السفير الألماني لدى إسرائيل، رون بروسور، وهو يرحب بالوفد
عنصر آخر “مُقلق”
وكشفت رامشيك ومشاركون آخرون تحدثوا لهآرتس عن جانب آخر “مُقلق” في الرحلة، وهو المرشد السياحي الذي رافق بعض أعضاء المجموعة وأظهر علانيةً مواقفه الأيديولوجية اليمينية المتطرفة خلال حديثه معهم. وأشاروا إلى أن المرشد، ستاس إيتان ستيرنبرغ، أخبرهم أنه يعيش في مستوطنة بالضفة الغربية في منطقة الخليل.
قال أحد المشاركين، مستشهداً بمحادثات خاصة معه: “لقد عبّر عن آراء سياسية صدمتني. أخبرنا أنه يدعم وزير المالية اليميني المتطرف [بتسلئيل] سموتريتش، وأنه كان محبطًا لأن الحرب في غزة انتهت.” وأضاف مشارك آخر أنه عند الحديث عن عنف المستوطنين في الضفة الغربية، قلل المرشد من شأنه – وفقاً للرواية – قائلاً: “كل يوم يقوم شخص ما بشيء سيء، وهي مسألة كيفية قياسك للجيد أو السيء.”
وعلق المشارك: “قمت بالبحث عنه على فيسبوك، وكان ذلك مُقلقاً للغاية.”
وتتضمن صفحة ستيرنبرغ على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات شاركها تدعو إلى “احتواء وطرد واستيطان” غزة؛ ومطالبات بمحاكمة “مجرمي” حركة الاحتجاج المناهضة للحكومة؛ ورسماً كاريكاتيرياً يظهر الأمم المتحدة وهي تكنس رمز الصليب المعقوف النازي تحت سجادة تشبه العلم الفلسطيني؛ وعدة منشورات تطالب “بنقل” جميع الفلسطينيين؛ ومنشور آخر يقول: “يجب إخلاء غزة من سكان غزة، حتى آخر فرد… ثم يجب غمرها بالاستيطان اليهودي… لا يوجد انتقام آخر يكون أكثر ملاءمة من هذا.”
Am zweiten Tag der Delegationsreise haben die Teilnehmer und Teilnehmerinnen H.E. Amir Ohana, Sprecher der Knesset getroffen. Ohana machte klar: Solange die Hamas die Zerstörung Israels anstrebt, sind Frieden und Koexistenz unmöglich. Der 7. Oktober 2023 zeigt, dass Israel seine… pic.twitter.com/kRRlFDpoda
— Botschaft Israel (@IsraelinGermany) November 19, 2025
وقال أحد المشاركين إن ذلك “جعلني أتساءل كيف يُسمح لشخص كهذا بأن يقود وفدًا يخضع لرقابة وإشراف مشددين”.
ورفضت السفارة الإسرائيلية في برلين أيضًا التعليق حول ما إذا كان ستيرنبرغ قد خضع للتدقيق قبل الرحلة، أو ما إذا كانوا على علم بآرائه العلنية، وما إذا كان من المناسب أن يقود شخص يحمل مثل هذا الموقف المتطرف المشاركين.
وقال بيتيلمان، الذي يعيش في مدينة إرفورت ويكافح معاداة السامية في ولاية تورينغن الألمانية، التي حصل فيها حزب البديل اليميني المتطرف على نحو ثلث الأصوات في الانتخابات الأخيرة: “جعلني هذا الوفد أشعر بالحزن الشديد. كانت رسائل الوفد قومية للغاية وتركز على الأمن، وليس على العلاقات الدبلوماسية أو على كيفية تطوير العلاقات مع الفلسطينيين أو العرب. لم يكن هناك أي منظور للدبلوماسية أو لبناء السلام”.
أما بالنسبة لزميله في قيادة مجموعة العمل لمكافحة معاداة السامية، تورجي ديرميتسل، الذي شارك في الوفد “لفهم إسرائيل وشعبها”، فقد قال لهآرتس إن المنظمين كان لديهم هدف مختلف: “كان من المفترض أن ننقل رؤية حكومة نتنياهو غير المشروطة في ألمانيا، وليس رؤية الشعب الإسرائيلي.”
المصدر: هآرتس