ترجمة وتحرير: نون بوست
باتت مدينة الفاشر السودانية أشبه بـ “مسرح جريمة ضخم”، حيث تراكمت أكوام ضخمة من الجثث في شوارعها فيما تعمل قوات الدعم السريع شبه العسكرية على محو الأدلة المتعلقة بحجم المجزرة.
بعد ستة أسابيع من سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، جُمعت الجثث في عشرات الأكوام بانتظار دفنها في مقابر جماعية أو حرقها في حفر ضخمة، وذلك وفقًا لتحليلات. ومع استمرار إغلاق عاصمة ولاية شمال دارفور أمام الغرباء، بما في ذلك محققي جرائم الحرب التابعين للأمم المتحدة، كشفت صور الأقمار الصناعية عن شبكة من الحفر الجديدة المخصصة للحرق والدفن، يُعتقد أنها أُنشئت للتخلص من أعداد كبيرة من الجثث.
ورغم أن الحصيلة النهائية للمجزرة لا تزال غير واضحة، فقد أُبلغ نواب بريطانيون بأن ما لا يقل عن 60 ألف شخص قُتلوا في الفاشر. وقالت سارة تشامبيون، رئيسة لجنة التنمية الدولية في مجلس العموم: “تلقى الأعضاء إحاطة خاصة حول السودان، ذكر خلالها أحد الأكاديميين: تقديرنا الأدنى هو أن 60 ألف شخص قُتلوا هناك خلال الأسابيع الثلاثة الماضية”.
ويظل نحو 150 ألفًا من سكان الفاشر في عداد المفقودين منذ سقوط المدينة بيد قوات الدعم السريع، وسط تكهنات قاتمة بشأن مصيرهم، إذ لا يُعتقد أنهم غادروا المدينة. وحسب ناثانيال ريموند، مدير مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل، الذي حلّل صور الأقمار الصناعية للفاشر، فإن المدينة تبدو خالية بشكل مخيف، حيث تحولت الأسواق التي كانت تعج بالحركة إلى أماكن مهجورة.
وتشير أحدث تحليلات ييل إلى أن الأسواق باتت مهملة لدرجة أنها بدأت تغطيها الأعشاب، وأن جميع الماشية نُقلت خارج المدينة التي كان يسكنها 1.5 مليون نسمة قبل اندلاع الحرب في أبريل/ نيسان 2023. وقال ريموند: “بدأت تبدو وكأنها مسلخ بشري”.
لم يتمكن أي خبير أو جهة من تفسير مصير عشرات الآلاف من السكان المفقودين منذ أن اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد حصار تجويعي دام 500 يوم. وتحدثت مصادر لـ”الغارديان” عن احتجاز بعض السكان في مراكز اعتقال داخل المدينة، لكن أعدادهم قليلة.
كانت قوات الدعم السريع قد تعهدت بالسماح للأمم المتحدة بدخول الفاشر لتقديم المساعدات والتحقيق في الفظائع، إلا أن المدينة لا تزال مغلقة أمام المنظمات الإنسانية ومسؤولي الأمم المتحدة. وتفيد المعلومات بأن قوافل المساعدات في حالة استعداد في بلدات ومدن مجاورة مع استمرار المفاوضات للحصول على ضمانات أمنية من قوات الدعم السريع. وحتى الآن، رفضت هذه الجماعة شبه العسكرية، التي تخوض عامها الثالث من الحرب الأهلية ضد القوات المسلحة السودانية، تقديم تلك الضمانات.
وقال مصدر في الأمم المتحدة: “هناك حاجة إلى تقييم أمني قبل أن نتمكن من التخطيط لإرسال المساعدات. وفي الوقت الراهن، لا توجد أي ضمانات لعبور آمن أو لحماية المدنيين أو العاملين في المجال الإنساني أو الموارد الإنسانية”.
ورغم الغموض بشأن عدد السكان الذين ما زالوا على قيد الحياة داخل الفاشر، فإن الحاجة إلى وصول المساعدات تُعتبر ملحّة، مع تسجيل مستويات “مروعة” من سوء التغذية بين من تمكنوا من الفرار. وقد أعلن خبراء دوليون أن المدينة تعيش حالة مجاعة.
وأشار ريموند إلى أن بعض السكان، الذين انقطع الاتصال بهم لاحقًا، أبلغوا فريقه خلال اليومين الأولين من الهجوم بأن ما يصل إلى 10 آلاف شخص قُتلوا. ويرى خبراء حقوق الإنسان أن الفاشر قد تكون أسوأ جريمة حرب في الصراع السوداني، الذي يتسم أصلًا بالمجازر والتطهير العرقي.
وعلى مدى 32 شهرًا من الحرب المدمرة، تمزق السودان، حيث قُتل نحو 400 ألف شخص ونزح ما يقارب 13 مليونًا، في أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم.
وفي الوقت نفسه، تجددت الدعوات لإجراء تحقيق شامل في الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين، الواقع على بعد 12 كيلومترًا جنوب الفاشر قبل ستة أشهر. ووثق تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية استهداف المدنيين واحتجاز رهائن وتدمير مساجد ومدارس خلال ذلك الهجوم الواسع، داعيًا إلى “فتح تحقيق مع قوات الدعم السريع بتهمة ارتكاب جرائم حرب”.
المصدر: الغارديان

