في أواخر عام 2025، انفجرت محافظة حضرموت اليمنية، أكبر محافظات البلاد وصاحبة الموارد النفطية الأهم، في مواجهات مسلحة بين مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات، وقوات التحالف القبلي وأجزاء من الجيش اليمني المحسوبة على السعودية.
خلال أيام، اجتاحت مليشيا الانتقالي وادي حضرموت في الجزء الشرقي لليمن على ساحل البحر العربي، ورفعت أعلام دولة الجنوب السابقة في المدن الرئيسية، بينما حاولت الرياض احتواء الموقف عبر إرسال وفد عسكري رفيع لتثبيت التهدئة.
خلف هذه الاشتباكات تتجسد منافسة إماراتية سعودية على النفوذ والموارد في اليمن تتجاوز حدود حضرموت، لكنها تبرز هناك بسبب ثرواتها وحدودها البرية وموانئها الاستراتيجية. فما خلفيات الأطراف المحلية المتنافسة وما مصالح الدولتين الخليجيتين في حضرموت، وما الأهمية الجيوسياسية لهذه المحافظة؟
تسلسل الأحداث
- أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2025، سيطرت قوات “حلف قبائل حضرموت” على حقل نفطي ومساحات حول منشأة PetroMasila، وعلّقت الإنتاج مطالبة بحصة أكبر من عائدات النفط.
- اتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي هذا التحرك ذريعة للقول إن وادي حضرموت تحول إلى منصة لتهريب السلاح وإرسال إيرادات النفط إلى جهات لا تخدم الجنوب.
- أطلق المجلس الانفصالي مطلع ديسمبر/كانون الأول 2025، عملية عسكرية سمّاها “المستقبل الواعد” سيطر خلالها على مناطق وادي حضرموت، وأبرزها مدينة سيئون، التي تضم مطارا دوليا يعد من أهم المطارات في البلاد.
- تقدمت قوات النخبة الحضرمية التابعة للانتقالي بسرعة، فسيطرت على عدة مدن ورفعت الأعلام الجنوبية على القصر الرئاسي في سيئون، وأعلنت “تحرير وادي حضرموت”.
- قوات “حلف قبائل حضرموت” تصدت للهجوم “حرصا على عدم سقوط المحافظة بيد المليشيات الوافدة من خارجها”، لكنها بقيت متمركزة في مناطقها.
- مع بداية العملية لم يصدر ردّ عسكري فوري من وزارة الدفاع اليمنية أو القوات الحكومية المنتشرة هناك، وهو ما سهّل للانتقالي تحقيق تقدم مع وقوع بعض الاشتباكات وسقوط 10 قتلى من الجانبين.
- أرسلت الرياض وفدًا عسكريًا إلى المكلا عاصمة حضرموت، لإعادة الأمور إلى نصابها، وأكّد الوفد أن أمن المحافظة أولوية استراتيجية للمملكة، ودعا إلى سحب القوات من المواقع المستولى عليها وإعادة سلطة الدولة.
- إثر ذلك، أعلنت السلطة المحلية، في 3 ديسمبر، التوصل إلى اتفاق تهدئة، يضمن استئناف الإمدادات النفطية ووقف التصعيد العسكري والإعلامي، لكن عادت المواجهات بعدها بيوم، وسط اتهامات من الطرفين بمسؤولية الآخر عن خرقها.

الأطراف اليمنية المتحاربة وداعميها
المجلس الانتقالي الجنوبي
تأسس عام 2017 بدعم إماراتي، وينادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو/أيار 1990 بسبب خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم حينها وشكاوى قوى جنوبية من “تهميش وإقصاء”.
ويسيطر الانتقالي على عدن (جنوب) وأجزاء واسعة من الساحل الجنوبي، ويمتلك تشكيلات عسكرية مثل الحزام الأمني والنخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية، ويتلقى تمويلًا وتدريبًا من الإمارات.
حلف قبائل حضرموت
تأسس عام 2013، وينادي بالحكم الذاتي لحضرموت، وهو كيان خاص بأبناء المحافظة، ولا يتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي ولا للحكومة. يتكون من زعامات قبلية محلية بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، وقد تشكّل للمطالبة بتمكين أبناء حضرموت من إدارة محافظتهم ومواردها.
منذ 2020 انضمت بعض وحداته إلى القوات الحكومية المدعومة من السعودية، وشكّلت ما يعرف بـ “قوات حماية حضرموت” التي تلقت دعمًا ماديًا وعسكريًا من الرياض، وتستخدمها المملكة كحصن ضد الحوثيين والتمدد الإماراتي.
موقف الحكومة اليمنية
بعد تجدد الاشتباكات، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، العاصمة المؤقتة عدن إلى السعودية لإجراء مشاورات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، بشأن مستجدات الأوضاع المحلية.
وشدد العليمي، في تصريح على “مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي”. وأعرب عن “رفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية”، مبينا أن المعركة الرئيسية هي ضد الحوثيين.
ومع ذلك، ظهر المجلس ضعيفًا أمام استحواذ الانتقالي على الوادي، إذ لم يصدر رد عسكري قوي. فيما تحاول الحكومة اليمنية الحفاظ على توازن هش بين الحليفين الخليجيين وشركائهما المحليين، لكنها تفتقر إلى القوة على الأرض وتضطر للوساطة.
أهمية حضرموت الجيوسياسية
الموقع الجغرافي: تشكل حضرموت نحو ثلث مساحة اليمن، وتحتوي على طرق صحراوية تربط الشرق بالجنوب، ما يجعلها معبرًا للتهريب والتجارة، كما أن السيطرة عليها تمنح نفوذًا واسعًا في جنوب الجزيرة العربية.
الموانئ والحدود: تمتلك حضرموت ميناء المكلا على بحر العرب، وتطل على ساحل طوله 450 كيلومترًا، كما يمر عبرها منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية ومنفذ صرفيت مع عُمان، ما يجعلها بوابة تجارية ونقطة عبور رئيسية.
الموارد النفطية: تحتفظ حضرموت بحوالي 80–90% من احتياطيات اليمن من النفط والغاز، وتعد حقول PetroMasila والمسيلة فيها من أكبر حقول نفط اليمن، ويشكل التحكم بها مصدر تمويل لأي سلطة.
الناتج المحلي الإجمالي: تساهم المحافظة بما يقرب من 16.3% من الناتج المحلي لليمن.
رمزية ثقافية: حضرموت تمثّل هوية خاصة داخل اليمن، بأغلبية سنّية وبنية قبلية مختلفة عن الشمال، مما يجذب أطرافًا إقليمية لتمكين قيادات محلية موالية لها ضمن لعبة النفوذ.
ما مصالح السعودية والإمارات في حضرموت؟
السعودية: ترى في حضرموت خطًا دفاعيًا وحاجزًا جغرافيًا يقي حدودها الجنوبية من تهريب السلاح والمخدرات، كما تسعى لحماية خط الأنابيب الذي يمر عبر المحافظة إلى ميناء المهرة.
إذ تسعى السعودية لإنشاء خط أنابيب عبر المهرة يربط حقول النفط السعودية ببحر العرب، وتخشى من تنامي نفوذ حلفاء أبوظبي الذين قد يعيدون رسم الخريطة اليمنية. وتدعم الرياض قوات حماية حضرموت بوصفها قوة محلية تحفظ الاستقرار ووحدة اليمن ضمن نفوذها، وتمنع سيطرة الحوثيين أو الانتقالي على الوادي.
الإمارات: تسعى إلى إحكام سيطرتها على موانئ الجنوب (عدن، المكلا، بئر علي) وعلى مساحات تمتد عبر ساحل بحر العرب.
وتستثمر الإمارات في ميناء المكلا وخطوط النقل في تلك المنطقة وتنظر إلى حضرموت بوصفها “الجائزة الكبرى” لاحتوائها على معظم احتياطات اليمن النفطية، الأمر الذي يجعل السيطرة عليها مفتاحًا لانفصال الجنوب. وقد بدأ التحالف المعلن بين الرياض وأبو ظبي في اليمن بالتصدع منذ عام 2019 عندما دعم المجلس الانتقالي انقلابًا ضد الحكومة في عدن.
آفاق الصراع والسيناريوهات المحتملة
الاستمرار في التوسع: إذا تمكن الانتقالي بدعم إماراتي من تثبيت سيطرته على وادي حضرموت، فقد يواصل الزحف نحو المهرة أو أجزاء من مأرب، مما يعمق تقسيم اليمن بين شمال (حوثي) وشرق/جنوب (إماراتي) ويوسّع الشرخ مع السعودية.
التسوية المؤقتة: قد تقود الوساطة السعودية إلى انسحاب الانتقالي من بعض المواقع مقابل مشاركة أكبر لحلف القبائل في إدارة النفط، ودمج النخبة الحضرمية في قوات رسمية.
انفجار داخلي: إذا تكرر التعطيل المتعمد لعمل حقول النفط أو تصاعدت الحملة الإعلامية المتبادلة، قد تتحول حضرموت إلى ساحة حرب مفتوحة، وهذا قد يفتح الباب لتدخل مباشر للسعودية أو الإمارات، أو يدفع القبائل للبحث عن تحالفات جديدة.
انعكاسات على الحرب الكلية: استمرار الصراع الإماراتي–السعودي يقلل من فرص التوصل لاتفاق شامل مع الحوثيين، وقد تستفيد هذه المليشيا من تشتت خصومها لتوسيع نفوذها نحو شبوة أو أبين.