في صباح 5 ديسمبر/ كانون الأول 2023، شهدت أروقة وزارة التموين المصرية حدثًا غير مسبوق حين اقتحمت قوة من هيئة الرقابة الإدارية مكتب الوزير لتلقي القبض على مستشاره الأقرب، أحمد مهدي، بعد كشف شبكة فساد واسعة تورط فيها، واستولت على مئات الأطنان من السلع التموينية المخصصة لخفض الأسعار ضمن مبادرة حكومية، لتُباع لاحقًا في السوق السوداء، محققةً أرباحًا تجاوزت 1.5 مليار جنيه.
كان مهدي الرجل الأقوى داخل الوزارة، فبعد بلوغه سن التقاعد، جرى تعيينه مستشارًا للوزير، وتجديد ندبه 7 أعوام متتالية، بل ونال قبل سقوطه بأشهر قليلة ترقية استثنائية، لكن المفارقة الصادمة أن منصبه كان “مستشار الوزير للرقابة والتوزيع”، أي المسؤول الأول عن متابعة توافر السلع، وضمان توزيعها العادل، ومراجعة الأسعار في الأسواق.
عُرفت القضية إعلاميًا باسم “فساد وزارة التموين”، لكنها لم تكن الأولى، ففي عام 2018، تم القبض على 3 من مستشاري الوزير مع نائب الوزير آنذاك، اللواء علاء الدين فهمي، في قضية رشوة بلغت قيمتها مليوني جنيه، تلقّاها من إحدى شركات توريد السلع الغذائية، وانتهت – بعد تحقيقات قضائية استمرت 17 شهرًا – بالحكم على فهمي بالسجن المشدد 10 سنوات وغرامة 7.5 مليون جنيه.
ورغم اعتبار المستشارين الثلاثة شهود إثبات، وإعفائهم من العقوبة بعد اعترافهم بدورهم في الوساطة فى طلب الرشوة، تكشف القضية عن جانب مظلم يتجاوز حدود هذه الواقعة نفسها، إذ تطرح أسئلة عميقة حول تورط مستشارين في قضايا فساد، رغم ما يتقاضاه كثير منهم رواتب مرتفعة، في ظل غموض يكتنف طبيعة مهامهم وتأثيرهم الفعلي داخل مؤسسات الدولة.
جيش من المستشارين
داخل المكاتب الحكومية المكيّفة وخلف الأبواب الخشبية العتيقة، برزت طبقة من المستشارين تحوّلت بمرور الوقت إلى عنصر ثابت في البنية الإدارية للدولة. فبينما يمتلك عدد محدود منهم خبرة حقيقية ويعملون في صمت برواتب منضبطة، تكتفي الغالبية بحمل لقب “مستشار” باعتباره منصبًا شرفيًا، لينضمّوا إلى طابور ممتد من أصحاب مسميات مثل “مساعد” و”نائب” و”خبير”.
بدأت هذه الأزمة في أصلها كممارسات قائمة على المجاملات المتبادلة والسعي للمصالح الشخصية، ومع تعاقب الأنظمة توسّعت تدريجيًا حتى تحولت إلى ظاهرة متجذّرة تشبه “المرض الخبيث” الذي أصاب قطاعات واسعة من مؤسسات الدولة.
بالعودة إلى سنوات سابقة، كانت حكومة كمال الجنزوري – المكلفة من المجلس العسكري عقب ثورة يناير 2011 – أول من كشف رسميًا عن أعداد المستشارين، معلنة وجود 1490 مستشارًا بتكلفة سنوية بلغت 72 مليون جنيه، لكن تقديرات مراكز بحثية مستقلة أظهرت لاحقًا فجوة هائلة في الأرقام، إذ قدّرت عدد المستشارين في الوزارات والمحافظات بنحو 73 ألفًا، يتقاضون مجتمعين ما يصل إلى 1.5 مليار جنيه شهريًا.
يوما بعد الآخر، تفاقمت الأزمة حتى بات عدد المستشارين في الجهاز الإداري للدولة يقدَّر بنحو 83 ألف مستشار وفقًا للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، يستأثرون بربع ميزانية الأجور، حيث يحصلون مجتمعين على ما لا يقل عن ملياري جنيه شهريًا، بخلاف ما يُصرف لهم من حوافز ومزايا غير مباشرة، وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة.
وتشير تقارير أخرى إلى أن الجهاز الإداري للدولة يضم نحو 450 ألف مستشار، يتقاضون ما يقارب 20 مليار جنيه سنويًا من إجمالي 85 مليار جنيه مخصصة للأجور والرواتب لنحو 5.7 مليون موظف في الجهاز الإداري.
مع مرور الوقت، تشكلت من هذه الفئة شبكة موازية من المناصب العليا داخل الجهاز الحكومي، اتخذت ملامح “حكومة ظل”، يتقاضى أفرادها امتيازات مالية كبيرة، في حين تُلزم الدولة مواطنيها بسياسات الترشيد والتقشف في كل جوانب حياتهم، بينما يظل الدور الفعلي لهذه المناصب محل تساؤل مستمر.
ويتفاوت حضور المستشارين بين الوزارات، فبين الوزارات الخدمية المرتبطة مباشرة بحياة المواطنين مثل الصحة والتعليم والتضامن، والوزارات ذات الطابع الاستراتيجي كالبترول والكهرباء والنقل، تتكدس أعداد كبيرة منهم، الأمر الذي يمتد أيضًا إلى الهيئات الاقتصادية وقطاع البنوك وبعض الجامعات والمحافظات.
هذا الواقع تحدثت عنه صحيفة “فيتو” المصرية المؤيدة للنظام، في تقرير سلَّط الضوء على واقع بعض الوزارات في مصر. ورغم حرص الصحيفة على تجنب تناول الوزارات السيادية مثل الخارجية والداخلية والدفاع والعدل، إلا أنها تجاوزت ما اُعتبر “خط أحمر” حين تحدثت عن وزارة النقل، التي يقودها الفريق كامل الوزير، أحد المقربين من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
الصحفية كشفت أن وزارة النقل تعتمد على عدد كبير من المستشارين، معظمهم من العسكريين، لا سيما في قطاعات الطرق والكباري والنقل البحري. أبرز الأمثلة على ذلك، تعيين اللواء رضا إسماعيل، رئيسًا لقطاع النقل البحري بالوزارة بصفته المدنية عقب تقاعده من القوات المسلحة.
وتأخذ قضية المستشارين في هذه الوزارة بُعدًا خاصًا، إذ يُستخدم لقب “مستشار وزير النقل” غالبًا كمنصب شرفي يُمنح لقيادات فشلت أو أعفيت من مناصبها أو بلغت سن التقاعد، في إطار ما يُعرف بنظام “التدرج”، وهو نهج يحوِّل المنصب الاستشاري إلى أداة للإبقاء على القيادات السابقة بمظاهر رسمية، بما يضيف أعباء مالية دون مردود فعلي.
وزارة النقل، وعلى رأسها الوزير، لم تتقبل ما ورد في التقرير، فسارعت إلى تقديم بلاغات ضد الصحيفة للنائب العام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بينما خرج الوزير في مداخلات تلفزيونية متحديًا الانتقادات، لكنه أكد بهجومه أن الحديث عن مستشاري الوزارة يُعد من الملفات الحساسة الممنوع الاقتراب منها، لما يكشفه من أبواب إهدار مُمنهج للمال العام يُدار تحت غطاء “الخبرة” و”الاستشارة”.
منذ تسلمه حقيبة النقل، شهد الديوان العام للوزارة تضخمًا في حضور المستشارين، بينهم قيادات عسكرية سابقة ورؤساء قطاعات متقاعدون وأكاديميون متناوبون على المواقع الاستشارية. على الورق يُعرفون بـ”المستشارين”، لكن عمليًا يمارسون دور “وزراء ظل”، يضعون سياسات القطاع، ويشرفون على مليارات الجنيهات في مشروعات السكة الحديد والمترو والموانئ، مع امتيازات غير معلنة تُستقطع من ميزانية الوزارة المثقلة بالديون.
أدوار وهمية برواتب فلكية
تتصدّر وزارة البترول المشهد كأعلى الوزارات اعتمادًا على المستشارين والمنتدبين، إذ تضم الوزارة وشركاتها – وفقًا لعضو مجلس النواب السابق أميرة أبو شقة – أعدادًا ضخمة تتخطى أعداد الموظفين، وتُقدَّر بأكثر من 1000 مستشار، يتركز أغلبهم في الشركات الكبرى مثل إنبي وبتروجيت وجاسكو، ويتقاضون رواتب توصف بأنها “فلكية”، تتراوح بين 50 و150 ألف جنيه شهريًا، دون التقيد بحضور يومي أو مواعيد عمل رسمية.
المشكلة لا تتوقف عند العدد الهائل، بل تمتد إلى طريقة التعيين نفسها، والتي تعتمد في كثير من الأحيان على المحسوبية والعلاقات الشخصية، فمعظم هؤلاء المستشارين والخبراء من خارج القطاع، وكثير منهم بلغ سن الشيخوخة، ما يثير تساؤلات حول جدوى وجودهم وقدرتهم على تقديم إضافة حقيقية للنهوض بالدولة اقتصاديًا.
ولا تخضع رواتب القيادات والمستشارين في قطاع البترول للحد الأقصى للأجور، بل يجري تحديدها مباشرة من قِبل رؤساء الهيئات والشركات، إلى جانب حوافز ومكافآت وبدلات سفر سخية تُصرف لهم بانتظام، وتظهر فروقات كبيرة مقارنة بالموظفين العاديين، ما يضطر الوزارة للاقتراض ووقف التعيينات الجديدة نهائيًا في الوظائف الإدارية والعقود، ويفتح الباب واسعًا أمام ممارسات فساد تحتل فيها مصر المركز 130 عالميًا من بين 180 دولة.
بالنسبة لوزارة التربية والتعليم، فهي من أكثر الوزارات ارتباطًا بحياة المواطنين، ما يجعلها في حاجة ماسّة إلى مسؤولين يمتلكون أدوارًا واضحة ومؤثرة، لا مجرد مناصب تُمنح على الورق، غير أن واقع الحال يكشف عن خلل عميق في توزيع الاختصاصات بين طبقات المستشارين والمساعدين والنواب داخل الوزارة.
من بين الأمثلة البارزة، يبرز اسم الدكتور أحمد ضاهر، الذي أمضى 5 أعوام داخل الوزارة متنقلاً بين مناصب المستشار والمساعد ونائب الوزير لتكنولوجيا المعلومات. وفي مرحلة ما، جمع بين عمله كمستشار في وزارتي التعليم والاتصالات معًا، على نحو يعكس تشابكًا في الأدوار يشبه ما يفعله كامل الوزير الذي يجمع بين وزارتي النقل والصناعة.
ومع ذلك، يظل ضاهر استثناءً محدودًا أمام النفوذ الواسع للواء يسري سالم، مساعد الوزير لهيئة الأبنية التعليمية، الذي يجدد الرئيس السيسي ندبه عامًا بعد عام منذ 2015، بينما يتغير الوزراء ويظل الرجل في موقعه بلا تبديل.

وفي الآونة الأخيرة، انضم إلى منظومة المستشارين بالوزارة كل من مدحت هلال مستشارًا للتطوير الإداري وشيرين حمدي مستشارًا للمعاهد القومية، في سياق مستمر من توسيع الدائرة المحيطة بالوزارة دون اتضاح الأدوار الفعلية لكثير من هذه المواقع.
اختراع مناصب بلا وظيفة
تتجلّى المبالغة في استحداث مناصب وهمية بوضوح أكبر في وزارة التعليم العالي، حيث تمتلئ الهياكل الإدارية بوظائف تبدو متشابهة أو متداخلة، فهناك نائب وزير لشؤون الابتكار والذكاء الاصطناعي، ومساعد وزير للحوكمة الذكية، وسط غياب تفسير للفرق بين المنصبين، وإلى جانبهما مستشار للمنظمات الدولية، وآخر للتعاون الدولي، دون أن يكون واضحًا أين تتقاطع المهام وأين تنفصل.
وتتسع القائمة لتشمل مساعدًا للمشروعات القومية، وآخر للتخطيط الاستراتيجي، وثالثًا للسياسات الاقتصادية، ورابعًا للشؤون الفنية، بالإضافة إلى مستشار للأنشطة الطلابية يشغل في الوقت نفسه منصب مدير معهد إعداد القادة، وحتى الملفات الحيوية مثل الجامعات التكنولوجية وبنك المعرفة تعمل فيها مجموعات من المستشارين لا يظهر لهم أثر ملموس في تطوير الأداء أو رفع الكفاءة، بل على العكس، تحولوا إلى عبء مالي وإداري إضافي تتحمله الدولة.
لا يختلف المشهد داخل وزارة البيئة كثيرًا عن غيرها من الوزارات، فغالبية المستشارين يظهرون فقط على الورق، بينما يقتصر الحضور الفعلي على عدد محدود جدًا، ويغيب الباقون تمامًا وكأن وجودهم لا يتجاوز كونه إجراءً إداريًا شكليًا.
وفي السياق ذاته، تبرز ظاهرة استحداث مناصب تبدو غريبة أو غير محددة الملامح، مثل مستشار للتغيرات المناخية وآخر للتنمية المستدامة، وتلك مناصب غالبًا ما تُنشأ دون توصيف دقيق أو دور فعّال.
أما وزارة التنمية المحلية فتُعد الوجهة الأكثر تفضيلاً لجنرالات الجيش ولواءات الشرطة بعد خروجهم إلى التقاعد، إذ تعتمد الوزارة على شبكة واسعة من المستشارين الذين يتم تدويرهم بين المناصب لسنوات طويلة، دون أي تقييم حقيقي للكفاءة أو لمدى تأثيرهم على الأداء.
من بين الأمثلة البارزة، يظهر اللواء حمدي الجزار، الذي أنهى خدمته كمدير أمن محافظة البحر الأحمر، ثم محافظًا لسوهاج لفترة قصيرة، ليعود بعد ذلك كمستشار لشؤون المجالس النيابية، إضافة إلى عضويته في جهاز التنمية الإدارية، ومنصبه كعضو في أمانة الشئون المحلية المركزية بحزب “مستقبل وطن“..
وبالمثل، يبرز اسم خالد قاسم، الذي انتقل من منصبه كمساعد وزير للمعرفة والتعليم والعلوم إلى منصب مساعد وزير لشؤون البيئة والتنمية المجتمعية، وهما مجالان لا يجمعهما رابط منطقي، سوى أنهما يندرجان تحت ظاهرة “توزيع المناصب” على المستشارين دون معايير موضوعية أو مقتضيات وظيفية واضحة.
حاشية الوزير
في وزارة العمل، يتخذ المشهد طابعًا مختلفًا من البذخ وتبادل المجاملات. فبينما حاول الوزير محمد جبران الظهور بمظهر مَن يُقلّص أعداد المستشارين، وبدأ ولايته بتوجيه الشكر لعدد كبير منهم، لم يلبث أن استعان بوجوه جديدة، في صورة توحي بأن كل وزير يفضّل اصطحاب “حاشيته الخاصة” أينما ذهب.
المشهد ذاته يتكرر في وزارة الكهرباء، إذ أصدر الوزير محمود عصمت قرارًا بإيقاف التعاقدات الجديدة مع المستشارين، ووجّه بمراجعة العقود القائمة، ومنع الإبقاء على أي موظف تجاوز سن الستين، مع اعتراف صريح بأن المستشارين يكلّفون الوزارة ملايين الجنيهات شهريًا.
ورغم أن هذه الخطوات فُسّرت كمحاولة لترشيد الإنفاق والاعتماد على الكفاءات الداخلية، سرعان ما عاد الوزير للتعاقد مع مستشارين جدد، ومعظمهم من قيادات قطاع الطيران المدني السابقين، الأمر الذي أثار تساؤلات واسعة حول مدى صلتهم بقطاع الكهرباء وخبرتهم فيه.
وتغرق وزارة التضامن الاجتماعي، رغم طابعها الخدمي، في دوامة من تضارب الأدوار وتكرار المناصب، فبدل التركيز على تحسين الخدمات، أضافت الوزيرة مايا مرسي منصب مساعد للحماية الاجتماعية ومساعد للتعاون الدولي، كما عينت مساعد لها كمتحدث إعلامي للوزارة رغم وجود مستشار إعلامي يقوم بالمهمة نفسها.
كما تم استحداث مناصب أخرى لمستشارين لبرامج ومجالات متشعّبة مثل “مودة”، وآخرين لشؤون الإعاقة، والتمكين الاقتصادي، والطفولة المبكرة، وغيرهم، حتى بات من الممكن القول إن أي ملف، مهما كان صغيرًا، يستلزم تعيين مستشار جديد له.
الأمر لا يختلف كثيرًا في وزارة الزراعة، حيث يستعين الوزير بعدد كبير من المستشارين لمتابعة ملفات جوهرية مثل الإنتاج الحيواني والبحوث الزراعية والتوسع الأفقي، إضافة إلى أعداد أكبر من المستشارين في الهيئات التابعة للوزارة مثل هيئة الثروة السمكية وهيئة استصلاح الأراضي، يقتصر دور كثير منهم على إعداد تقارير ورفعها للوزير، في ازدواجية غير مبررة مع المهام الأصلية لوكلاء الوزارة ورؤساء القطاعات.
وفي وزارة الثقافة، تتكرر الصورة ذاتها؛ فالوزير أحمد فؤاد هنو عيّن 7 مستشارين جدد، وأسند إليهم ملفات أساسية مثل الاستثمار والهوية البصرية والتصميمات الإبداعية والتراث والتنمية الاجتماعية والعلاقات الخارجية، وهي مهام يفترض أن تضطلع بها القطاعات والإدارات المركزية داخل الوزارة.
أما وزارة التموين،فتعاني بدورها من المشكلة نفسها، إذ لا تُمنح كوادرها فرصًا حقيقية للترقي وتولي الملفات المهمة، بينما يتم تعيين مستشارين ومساعدين من خارج الوزارة بصورة مستمرة. ومن ثمّ، لا يبدو غريبًا تكرار اكتشاف قضايا الفساد داخل الوزارة، خصوصًا بين طبقة المستشارين ورؤساء الشركات التابعة لها الذين يصلون إلى مناصبهم غالبًا عبر علاقات شخصية ومجاملات واسعة.
وتتشارك وزارات أخرى هذا النمط من الفساد، إذ لا يختلف الوضع كثيرًا في وزارتي المالية والصحة، اللتين تضمّان أيضًا أعدادًا كبيرة من المستشارين، يُعيَّنون بلا معايير واضحة أو تقييم حقيقي لأدائهم، وتتصدر وزارة لمالية القائمة برواتب ضخمة يحصل عليها مستشاروها، تكفي لمعالجة جانب من أزمة البطالة وتشغيل عدد من الشركات والمصانع المتوقفة منذ سنوات.
مستشارو الرئيس
لا تبدو ظاهرة “جمهورية المستشارين” حكرًا على الوزارات والهيئات الحكومية، بل تتجاوزها لتصل إلى مؤسسة الرئاسة، حيث يعمل عدد غير معلَن من المستشارين – تمامًا كما هو الحال في الوزارات السيادية بالدولة – في مناصب “شرفية”، تُقدَّم كنوع من الترضية والمجاملة السياسية بعد إقالتهم أو إعفائهم من مناصب، وتمنح شاغليها امتيازات كبيرة دون ارتباط واضح بمهام فعلية.
لتتضح الصورة أكثر، يكفي الإشارة إلى أنّ السيسي أنهى في خدمة 11 مستشارًا دفعة واحدة، كان من أبرزهم وزيرا الداخلية الأسبقان أحمد جمال الدين ومجدي عبد الغفار (شغل كل منهما منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب)، إضافة إلى رئيس هيئة قناة السويس السابق الفريق مهاب مميش (مستشار الرئيس لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية). وقد مثّل هذا القرار سابقة هي الأولى من نوعها منذ وصول السيسي إلى الحكم عام 2014، إذ لم يعتد من قبل إنهاء خدمات مستشاريه بهذا العدد وفي وقت واحد.
غير أن هذه القائمة لا تضم كل من يشغلون مناصب استشارية، فهناك أسماء ثقيلة ما زالت تتصدر المشهد، من بينها وزيرة التعاون الدولي الأسبق فايزة أبو النجا (مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي)، ومحافظ جنوب سيناء السابق اللواء خالد فودة (مستشار الرئيس للتنمية المحلية)، ووزير الصحة والسكان الأسبق محمد عوض تاج الدين (مستشار الرئيس لشؤون الصحة والوقاية)، ورئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب (مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية)، إلى جانب رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق الفريق محمد فريد حجازي (مستشار الرئيس لمبادرة حياة كريمة)، ومدير المخابرات الحربية السابق الفريق محمود حجازي (مستشار الرئيس للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات)، وغيرهم كثير ممن يحتفظون بأدوار متفاوتة داخل دائرة صناعة القرار.

وفي الوقت نفسه الذي أعفي فيه عدد من مستشاريه، عيَّن السيسي 4 جدد من بين مسؤولي الدولة الذين غادروا مواقعهم مؤخرًا، أبرزهم وزير الدفاع السابق محمد زكي (مساعد الرئيس لشئون الدفاع)، ورئيس الأركان أسامة عسكر (مستشار الرئيس للشئون العسكرية)، ومدير مكتب رئيس الجمهورية السابق اللواء محسن عبد النبي (مستشار الرئيس للإعلام)، ووزيرة التخطيط والتنمية الإقتصادية السابقة هالة السعيد (المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية)، ولحق بهم مؤخرًا الرئيس السابق لهيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة اللواء أحمد الشاذلي الذي تولّى منصب المستشار المالي للرئيس.
وفي ختام المشهد، تبدو “جمهورية المستشارين المصرية” مرآة لخلل عميق في إدارة المال العام، ففي حين يتقاضى الكثير من شاغلي المناصب الاستشارية في الوزارات والهيئات – عن طريق المحسوبية والمجاملات – رواتب وامتيازات ضخمة تتحملها الدولة، دون أن يقدّم معظمهم دورًا حقيقيًا أو أثرًا ملموسًا، يواصل المواطن العادي معاناته اليومية في سبيل الحصول على أبسط الخدمات.