ترجمة وتحرير: نون بوست
تهدد إسرائيل بهدم كرة قدم شهير للشباب في أحد مخيمات اللاجئين، والذي تم بناؤه على أرض مملوكة للكنيسة الأرمنية على مشارف بيت لحم، في ظل الجدار الفاصل في الضفة الغربية.
يستخدم الملعب ذو العشب الصناعي، الذي تم إنشاؤه في عام 2021، بانتظام من قبل الشباب من مخيم عايدة للاجئين، بما في ذلك الفتيات اللواتي مثلن المنتخبات الوطنية الفلسطينية للسيدات على مستوى الشباب.
في وقت مبكر من صباح أحد الأيام قبل إسبوعين، علّق جنود إسرائيليون إخطارًا على بوابة الملعب يأمرون فيه بوقف جميع الأنشطة، محذّرين من إمكانية هدمه بدعوى أنه بُني من دون الحصول على التراخيص اللازمة. كما تلقى مسرح مجاور وحديقة في المنطقة إخطارات مماثلة.
وقال مهند أبو سُرور، مدير البرنامج الرياضي في مركز شباب عايدة، لـ”ميدل إيست آي” إن الأطفال الذين وصلوا مبكرًا للتدريب هم من اكتشفوا الإخطار، مضيفًا: “لم أكن أنا من أخبر الأطفال، بل الأطفال هم من أخبروني.”
وتابع أبو سرور: “انتشر الخبر بسرعة بسبب أهمية الملعب، وجاء الأطفال إلى منزلي يطرقون بابي ليخبروني بما حدث.”
وقال أبو سُرور إن مئات الفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و19 عامًا مسجّلون في برنامج كرة القدم بالمخيم.
وأضاف: “الملعب مهم للأطفال ولعائلاتهم ولنا أيضًا. إنه مساحة للتنفيس النفسي في ظل الظروف الصعبة والوضع الأمني القائم في هذا المكان. والآن يقول الاحتلال إنه يريد هدم الملعب. إلى أين يُفترض أن يذهب هؤلاء الأطفال؟ حتى أبسط الحقوق، وهو لعب كرة القدم، يُسلب منهم”.
محاط بأبراج المراقبة
تبلغ مساحة مخيم عايدة حوالي نصف كيلومتر مربع، ويؤوي حاليًا نحو 7,000 شخص، بينهم حوالي 2,500 طفل، يعيشون في ظروف مكتظة.
أُنشئ المخيم عام 1950 على يد الأمم المتحدة لاستقبال الفلسطينيين الذين فرّوا من القدس والخليل خلال النكبة عام 1948، حين استولت القوات الإسرائيلية على الأراضي وشرّدت مئات الآلاف من الناس خلال الصراع الذي أدى إلى قيام دولة إسرائيل.
ويتميّز مدخل المخيم ببوابة تحمل مجسّمًا لمفتاح كبير، يرمز إلى حق الفلسطينيين في العودة إلى الأراضي التي طُردوا منها.

وتحيط بالمخيم الحواجز العسكرية والقواعد العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات – مع سبعة أبراج مراقبة عسكرية تطل على المخيم – ويتعرض للمداهمات بشكل متكرر من القوات الإسرائيلية، وقد وُصف ذات مرة بأنه أكثر مكان تعرض للغاز المسيل للدموع في العالم.
وعلى الكتل الخرسانية العالية التي تطل على الملعب، رُسمت لوحة جدارية تصوّر طفلين يركلان كرة قدم، أحدهما يرتدي ألوان فريق كرة القدم التشيلي “نادي فلسطين”، وتحتها خريطة الأرض التاريخية لفلسطين وشعار “الوحدة، الحرية والعدالة” باللغات الإنجليزية والعربية والإسبانية.
وكان نادي فلسطين، الذي يمثل الجالية الفلسطينية في تشيلي، قد أعلن في وقت سابق من هذا العام عن شراكة مع مركز شباب عايدة، حيث زوّده بمعدات وأطقم كرة القدم ونظّم تبادلات بين الناديين.
وقالت سلمى العزام، البالغة من العمر 17 عامًا، لـ”ميدل إيست آي” خلال حصة تدريبية إن الملعب يمثل متنفسًا أساسيًا و”مساحة آمنة” للأطفال الذين يعيشون في المخيم، قائللة: ”بالنسبة لنا، الملعب هو مكان للتخلص من بعض هذا الضغط“.
وأضافت سلمى: “الحياة في المخيم معقدة، من حيث القيود، وأيضًا لأنك تعيش بالقرب من جيرانك. لا توجد خصوصية. وعندما تنظر إلى الخارج، لا ترى هو الجدار المحيط بك. إنه أمر مرهق. بالنسبة لنا، الملعب هو مكان لتفريغ بعض هذا الضغط.”
وأوضحت سلمى أنها تتدرّب ثلاث مرات أسبوعيًا بعد المدرسة وتحلم بأن تصبح لاعبة كرة قدم، مضيفة: “شعرنا جميعًا بحزن شديد عندما سمعنا بقرار الهدم. وأصبت بصدمة وشعرت بغصّة في حلقي. لدينا العديد من اللاعبين الجيدين الذين يستحقون فرصة”.
وذكر جورج جحا، عضو مجلس بلدية بيت لحم، لـ”ميدل إيست آي” أن السلطة المحلية استأجرت الأرض من البطريركية الأرمنية في القدس، لكنها قدمتها إلى اللجنة الشعبية في مخيم عايدة لاستخدامها من قبل أطفال المخيم، مضيفًا أن الأرض كانت ملعبًا ترابيًا لكرة القدم منذ زمن طويل قبل إنشاء المرفق الحالي.

غير أن جورج قال إن جميع الأراضي القريبة من الجدار الفاصل مهددة بأوامر الهدم الإسرائيلية، مضيفًا: “هذه المناطق هي في الأساس أماكن لا يمكننا الاستفادة منها لأنها ملتصقة بالجدار. لذلك فكّرنا أنه من خلال المنفعة العامة والحدائق والملعب، ربما يتمكن أطفالنا من استخدامها. لقد استفدنا منها بشكل جيد، لكن الإسرائيليين لا يريدون الخير لأحد. إنهم لا يريدون ملاعب أو بناء أو أي شيء على الإطلاق. لا يريدون أي نشاط على هذه الأرض”.
وأوضح جحا لـ”ميدل إيست آي” أن إسرائيل استولت بشكل غير قانوني على ما لا يقل عن 26 دونماً (26,000 متر مربع) تابعة لبلدية بيت لحم.
وقال جحا إن استخدام هذه الأرض يجب أن يكون من اختصاص المسؤولين المحليين وليس إسرائيل، مشيرًا إلى أن البلدية استعانت بمحامين وقدّمت طعونًا قانونية لكن دون جدوى. وأضاف: “من منظور التخطيط والبناء، هذه صلاحيات البلدية وليست صلاحيات إسرائيل.”
“لم يتغير شيء”
وقال سعيد العزة، رئيس اللجنة الشعبية في مخيم عايدة، لـ”ميدل إيست آي” إنه لم يكن واضحًا سبب قرار إسرائيل بهدم الملعب.
وأضاف أنه عندما تم التواصل معه، طلبت السلطات الإسرائيلية الاطلاع على التصاريح الممنوحة من الكنيسة الأرمنية لاستخدام أرضها لإقامة ملعب كرة القدم والمرافق الأخرى.
قال العزة: “لقد عملنا هناك لسنوات ولم يتغير شيء. لماذا يأتون الآن؟ الأمر غير واضح بالنسبة لنا.”
وعند طلب تعليق، قال متحدث باسم الكنيسة الأرمنية لـ”ميدل إيست آي” إن الكنيسة أجّرت الأرض لاستخدام مخيم اللاجئين منذ أكثر من عشرين عامًا.
وتملك الكنيسة رسميًا حقوق ملكية على مساحة واسعة من الأراضي المحلية، بما في ذلك أراضٍ داخل إسرائيل أصبحت الآن غير قابلة للوصول بسبب وجودها خلف الجدار الفاصل.
وينص الإخطار، الذي اطّلع عليه “ميدل إيست آي”، على أن الموقع، بما في ذلك الملعب والمدرج الخرساني والسياج المحيط به، قد تم تطويره من دون تصريح مناسب وبما يخالف اللوائح العسكرية.
ويشير الإخار إلى أن القرار النهائي بشأن ما إذا كان سيتم هدمه سيتخذ من قبل لجنة التخطيط التابعة للإدارة المدنية، وهي الجهة الحكومية الإسرائيلية المسؤولة عن إدارة المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة بشكل غير قانوني.
ولم ترد السلطات الإسرائيلية على طلب ميدل إيست آي للتعليق.

وتلعب نور أبو غنية، البالغة من العمر 16 عامًا، لنادي الاتحاد الرياضي وقد مثّلت فلسطين دوليًا على مستوى الفئات العمرية، وكانت من بين عدد من اللاعبات المحليات اللواتي تم اختيارهن للانضمام إلى المنتخب الوطني في بطولة غرب آسيا لكرة القدم للفتيات عام 2024 في السعودية.
وقالت نور: “شجّعتني عائلتي على اللعب منذ كنت صغيرة جداً، وقد أحببت كرة القدم دائمًا. شعرت بسوء شديد عندما سمعت أنهم يخططون لهدم الملعب، لأنه الملعب الوحيد الذي نملك لنلعب فيه. كنا دائمًا نقول إن هذا المكان هو حيث نتدرّب لنتمكن من تمثيل فلسطين في الخارج. لكن لا توجد مساحات مفتوحة كثيرة، ولن تجد مكانًا آخر يمكن بناء ملعب جديد فيه. لذلك إذا هدموه، فلن نتمكن من اللعب.”
المصدر: ميدل إيست آي