بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتوقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، عادت إلى الواجهة مشاريع الممرات البديلة لقناة السويس التي كانت قد طُرحت قبل الحرب ثم جُمّدت.
في قلب هذا السباق، يبرز مشروع الممر الاقتصادي الهند–الشرق الأوسط–أوروبا (IMEC) أو ما يعرف باسم “ممر السلام”، الذي يفترض أن يشكّل جسرًا يربط الهند بالإمارات، ثم برًا عبر السعودية والأردن إلى ميناء حيفا، ومنها بحرًا إلى الموانئ الأوروبية.
في المقابل، يدفع العراق وتركيا بمشروع طريق التنمية أو “القناة الجافة”، الذي يربط ميناء الفاو الكبير في البصرة بشبكة من الطرق وسكك الحديد العابرة للأراضي العراقية نحو تركيا وأوروبا. فهل عاد السباق نحو تنفيذ هذين المشروعين؟ ما الفروق الجوهرية بينهما؟ وما فرص إحياء كل مسار، والبدائل المحتملة في سباق الممرّات بين آسيا والخليج وأوروبا؟
سباق الممرات والتنافس على طرق التجارة
يشهد العالم سباقًا لبناء ممرات نقل جديدة تربط شرق آسيا بأوروبا، في ظل هشاشة سلسلة الإمداد العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا والاعتداءات على الملاحة في البحر الأحمر. ويشمل هذا السباق:
المسار التقليدي عبر قناة السويس: يمثل نحو 12٪ من التجارة العالمية، لكن تعرضه خلال العامين الماضيين لهجمات الحوثيين وارتفاع رسوم العبور جعله مكلفًا ويُفضي إلى تأخر الشحنات.
طريق الهند – الشرق الأوسط – أوروبا (IMEC): مسار بحري بري يعرف باسم “ممر السلام” أو ممر “إسرائيل” – الإمارات.
تقوده واشنطن ونيودلهي والرياض وأبوظبي لنقل الحاويات والبضائع من الموانئ الهندية إلى الإمارات ثم بالقطارات عبر السعودية والأردن و”إسرائيل” وصولًا إلى ميناء حيفا ومنه بحريًا إلى الموانئ الأوروبية.
طريق التنمية: مشروع عراقي – تركي دعمته الإمارات وقطر وسلطنة عُمان ويهدف إلى ربط ميناء الفاو الكبير (جنوب العراق) بشبكة سكك وطرق تمتد 1200 كم عبر الموصل إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
أُعلنت تكلفته بنحو 17 مليار دولار مع احتمال ارتفاعها إلى أكثر من 24 مليار بسبب تكلفة السكك في الجانب التركي، ويُتوقع أن يقلص زمن الوصول بفترة تصل إلى 10 أيام مقارنة بقناة السويس.
مشروع طريق التنمية.. ممر اقتصادي ضخم يربط الخليج العربي بأوروبا عبر العراق وتركيا، ماذا تعرف عنه؟ pic.twitter.com/eSxs9O6d7E
— نون بوست (@NoonPost) October 14, 2025
الممر الأوسط (العابر لبحر قزوين): جزء من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، ويربط الصين بأوروبا عبر كازاخستان، بحر قزوين، أذربيجان، جورجيا، تركيا وأوروبا، ويوفّر مسافة أقصر بنحو 2500 كم عن المسار الشمالي عبر روسيا لكنه يعاني من اختناقات في الموانئ وتفاوت الأنظمة.
هذا السباق ليس مجرد منافسة اقتصادية، بل يحمل أبعادًا جيوسياسية؛ إذ تسعى الولايات المتحدة والهند للحد من نفوذ الصين، بينما تريد تركيا أن تصبح محورًا لوجستيًا بين الخليج وأوروبا، وتسعى دول الخليج لتنويع اقتصاداتها وتخفيف الاعتماد على النفط.
“ممر السلام”
إلى أين وصل المشروع؟
- بعد الإعلان عن المشروع بأيام، اندلع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، فتوقف العمل رسميًا في الممر، غير أنّ تقارير إسرائيلية كشفت عن تواصل البناء سرا في خط السكك الحديدية بين الإمارات وحيفا خلال الحرب.
- قادت وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريغيف وفدًا سريًا إلى أبوظبي في نوفمبر 2025 لمناقشة المشروع مع شركة “الاتحاد للقطارات” الإماراتية.
- أفادت تقارير عبرية بتوقيع اتفاق يتضمن تشكيل إدارة مشتركة للسكك وفحص مسار بديل عبر البحر الميت لتجنّب التعقيدات السياسية، فيما أشارت إلى أن فرنسا وتركيا ضغطتا لتحويل الممر عبر سوريا ولبنان لتقليل اعتماد أوروبا على “إسرائيل”.
- في أبريل 2025، عقد اجتماع في نيودلهي ضم الهند والولايات المتحدة والإمارات والسعودية وعددًا من الدول الأوروبية لمناقشة تقدم المشروع دون الحديث عن نتائج.
-
تواصل البناء سرا في خط السكك الحديدية بين الإمارات وحيفا خلال الحرب على غزة
أهداف المشروع
تقصير زمن الشحن: الممر قد يقلّص زمن الشحن بين الهند وأوروبا بنسبة 40٪ مقارنة بمسار قناة السويس مما يوفر مليارات الدولارات.
تنمية التجارة في الخليج: تُعوّل الرياض وأبوظبي على أن يُحوّل المشروع الأراضي السعودية إلى محور بري، ويدرّ مليارات الدولارات ويوفر عشرات الآلاف من الوظائف.
دمج “إسرائيل” في المنطقة: يرى محللون إسرائيليون أن المشروع سيجعل “تل أبيب” جزءًا من شبكات التجارة العالمية؛ حيث ستتحول حيفا إلى مركز لوجستي يربط آسيا بأوروبا.
استخدام الطاقة المتجددة والهيدروجين: يخطط المشاركون لمد خطوط لكابلات الألياف الضوئية وأنابيب الهيدروجين الأخضر عبر المسار لجعل الممر جزءًا من التحول الطاقي.
أبرز العقبات أمامه
- غياب التمويل: افتقار المشروع إلى آلية تمويل واضحة من الهند أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، في حين أن التزامات السعودية والإمارات محدودة ولا تكفي لتغطيته.
- عدم الاستقرار الأمني: يمر المسار عبر مناطق نزاع، أبرزها الحدود بين الأردن وفلسطين المحتلة والمنطقة المحيطة بغزة. كما أنّ الصراع بين “إسرائيل” وإيران والتهديدات الحوثية للسفن تجعل الممر غير آمن.
- التنافس الأوروبي: تتسابق الموانئ الأوروبية (مرسيليا وترييستي وبيرايوس) للفوز بدور نقطة النهاية (محط السفن)، ما يعقّد التوافق داخل الاتحاد الأوروبي.
- غياب التطبيع الكامل مع السعودية: يتوقف الجزء المهم من الممر على انضمام المملكة إلى اتفاقيات أبراهام، لكن الرياض ربطت ذلك بتحقيق تقدم في القضية الفلسطينية.
“طريق التنمية”
إلى أين وصل المشروع؟
- في أبريل/نيسان 2024 وقعت العراق وتركيا وقطر والإمارات مذكرة تعاون لتطوير الطريق، وتعهدت الدوحة وأبوظبي بدعم مالي يتيح تنفيذه.
- تواصلت الاجتماعات بين بغداد وأنقرة بشأن المشروع كما أجريتا تجربة ناجحة في أغسطس 2025 نقلتا خلالها شحنات بالشاحنات من البصرة إلى ميناء مرسين التركي ثم عبر البحر إلى الخليج وأوروبا، حيث تقلص زمن الرحلة من 24 إلى 10 أيام.
- في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، كشف ويدو بونيني مدير المشروع في الشركة الاستشارية الإيطالية “بي تي بي BTB”، عن إنجاز نحو 75٪ من التصاميم النهائية والدراسات الخاصة بالطريق.

أهداف المشروع
تحويل العراق إلى مركز عبور: تسعى بغداد إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط عبر تطوير الموانئ والطرق وتشجيع الاستثمارات.
إعادة بناء البنية التحتية: يطور المشروع ميناء الفاو، أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط، ليصبح قادرًا على استقبال الحاويات العملاقة. كما يشمل إنشاء مناطق لوجستية وصناعية على طول الطريق.
توفير الزمن: توضح تقارير تركية أن المشروع يقلل زمن نقل الحاويات بين الخليج وأوروبا إلى أقل من أسبوع، مقارنةً بـ 14 يومًا عبر البحر الأحمر أو 26 يومًا حول رأس الرجاء الصالح.
تعزيز مكانة تركيا كمحور تجاري: يمثل الطريق جزءًا من استراتيجية تركيا لجعل نفسها محورًا للممرات بين آسيا وأوروبا، إذ تستثمر أنقرة أكثر من 300 مليار دولار في البنية التحتية للنقل، منها 177 مليار للطرق و64 مليار للسكك الحديدية، ضمن “الممر الأوسط” ومبادرة الحزام والطريق.
أبرز التحديات أمامه
- الأمن والإرهاب: يمر الطريق بمناطق ينشط فيها تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني (PKK)، ويعتمد نجاحه على تعاون أمني بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان لتأمينه.
- التنافس الإقليمي: تخشى إيران والكويت ومصر من تراجع دور موانئها أو أنابيبها، كما أن القاهرة خسرت جزءًا من إيرادات قناة السويس بسبب الهجمات في البحر الأحمر وتعتبر المشروع تهديدًا إضافيًا.
- التكلفة المالية: تشير تقديرات إلى أنها قد تتجاوز 24 مليار دولار، إذ أن بناء خط حديدي واحد بين غازي عنتاب وأوفاكوي (الحدود التركية العراقية) تركيا يكلّف نحو 5 مليارات دولار.
- الربط مع الممر الأوسط: يعوّل المشروع على ربطه مع الممر الأوسط (Trans‑Caspian) عبر تركيا لتعزيز حركة البضائع من الصين إلى أوروبا.
سيناريوهات النجاح والفشل
ممر السلام: قد يفشل المشروع حال:
- استمرار الحرب في غزة واتساعها إلى لبنان أو إيران مجددا
- غياب التوافق السعودي–الإسرائيلي
- عدم وجود تمويل مستدام
- استمرار المنافسة الأوروبية على الموانئ
- عرقلته من بعض دول المنطقة خوفا من ترسيخ نفوذ “إسرائيل”
طريق التنمية: قد يفشل المشروع حال:
- عدم الاستقرار في العراق مثل تنفيذ هجمات مسلحة
- تدخل جهات خارجية كإيران
- توتر العلاقات بين بغداد وأربيل
- ارتفاع التكلفة فوق المتوقع
- عدم قدرة بغداد على جذب المستثمرين
- غياب الإصلاحات السياسية والاقتصادية
