يوشك اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، المكون من 20 بندًا، على الدخول في مرحلته الثانية، بعد أن أُنجز في المرحلة الأولى وقف هش لإطلاق النار، وتبادل للأسرى، وانسحاب جزئي لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى ما بات يُعرف بـ”الخط الأصفر” داخل القطاع.
ومع اقتراب زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بين 28 ديسمبر 2025 والأول من يناير 2026، يتركّز الجدل اليوم على ملامح المرحلة الثانية من الاتفاق وإمكانية تطبيقها عملياً.
بنود المرحلة الثانية
تتضمن المرحلة الثانية 5 بنود أساسية:
- البند الأول: انسحاب جيش الاحتلال من القطاع
خلال المرحلة الأولى، انسحبت قوات الاحتلال إلى خط داخل القطاع يسمى الخط الأصفر ويشكل ما نسبته 53٪ من مساحة قطاع غزة. وضمن الخط، يتمركز جيش الاحتلال في شرقي مدينتي غزة وخانيونس وأقصى شمال وجنوب القطاع.
وفي 20 أكتوبر 2025، أظهرت صور بدء وضع مكعّبات إسمنتية صفراء خارج الخط لتمييز حدوده ميدانيا، مع تقديرات بأن الخطوة تهدف إلى احتلال طويل الأمد.

ويقضي الاتفاق في مرحلته الثانية بتراجع جيش الاحتلال إلى ما وراء الخط الأصفر خارج حدود القطاع، لكن حكومة نتنياهو ما تزال ترفض ذلك.
وقال رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير إن “الخط الأصفر يُعدُّ خطاً دفاعياً متقدماً وسيظل قائماً حتى بعد إطلاق المرحلة الثانية”.
- البند الثاني: نزع سلاح حماس والفصائل الأخرى
تضع “إسرائيل” نزع سلاح حماس والفصائل العسكرية الأخرى في صدارة شروطها لتنفيذ المرحلة الثانية، إذ ينص الاتفاق على ضرورة تسليم الحركة سلاحها الثقيل والاحتفاظ فقط بسلاح خفيف للشرطة المحلية.
وأكد نتنياهو، أنّ المرحلة الثانية أصعب بكثير من الأولى بسبب قضية السلاح، مبينا أنه “مصمم على نزعه بأي وسيلة، حتى لو لم تنجح القوات الدولية في ذلك”.
من جهته، صرّح القيادي في حماس باسم نعيم أن الحركة مستعدة لـ”تجميد أو تخزين” سلاحها ضمن عملية سياسية تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، لكنها ترفض تسليمه لقوة أجنبية.
وأكد نعيم والعديد من قيادات الحركة أن تمسكهم بالسلاح مرتبط باستمرار الاحتلال، مع استعداد حماس لقبول مبدأ هدنة طويلة لخمس أو عشر سنوات.
- البند الثالث: نشر قوة دولية لحفظ الاستقرار
لا يزال الغموض يكتنف تفاصيل القوة الدولية، إذ قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في 24 أكتوبر إنها لا تزال قيد التشكيل، وإن دولا عديدة تُبدي اهتماما بالمشاركة، دون تقديم تفاصيل أخرى.
ونقل موقع أكسيوس الأميركي في 30 أكتوبر أن مسؤولين في إدارة ترامب يجرون محادثات مع عدة دول بشأن إنشاء قوة دولية ستشمل وحدات من الشرطة الفلسطينية ونشرها في غزة.
ورحبت حماس بجهات عربية وإسلامية لتكون ضمن القوات الأممية “بهدف حفظ الحدود ومراقبة وقف إطلاق النار دون العمل داخل قطاع غزة”. لكن إسرائيل وأميركا تحدثتا عن ضرورة اضطلاع القوة بمهمة نزع سلاح حماس.
وفي حديثها عن القوة، قالت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية شوش بيدروسيان إن تل أبيب “تعمل من أجل سيطرة أمنية شاملة” على غزة، ما يثير مخاف من تكريس الاحتلال بصيغة جديدة عبر قوة شكلية تتحكم “إسرائيل” بها وبالدول التي تتشكل منها، خاصة في ظل رفضها مشاركة دول معينة فيها من بينها تركيا وقطر.
- البند الرابع: تشكيل لجنة تكنوقراط تدير غزة
تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لتشكيل لجنة مؤقتة لإدارة قطاع غزة، إلى جانب “مجلس السلام” الذي سيشرف عليها، وذلك بحلول 15 ديسمبر 2025، في إطار إداري خدمي لا سياسي يديم سيطرة “إسرائيل” بعد سنتين من الإبادة الجماعية.
وأعلنت السلطة الفلسطينية رفضها للفكرة وعدتها تقويضاً للشرعية الوطنية فيما رأت الفصائل فيها محاولة لتكريس الوصاية الأمريكية الإسرائيلية على القطاع؛ وأكدت أن الحل يكمن بإجراء حوار فلسطيني شامل يفضي إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة.
وصرح نتنياهو في مقابلة مع نيويورك تايمز أنه مستعد للتعامل فقط مع شخصيات فلسطينية لا علاقة لها بالسلطة أو حماس، مما يثير تساؤلات حول قدرة اللجنة على العمل دون مشاركة تلك الأطراف المحلية الرئيسية.
- البند الخامس: بدء عملية إعادة الإعمار
تنص الخطة على البدء بإعادة إعمار قطاع غزة الذي يقدر حجم الدمار فيه بنسبة 84٪ من البنية التحتية وبتكلفة تتجاوز 70 مليار دولار، بحسب الأمم المتحدة.
وقبل البدء بإعادة الإعمار، تطالب دول الخليج وبالتحديد قطر والسعودية بإيجاد مسار واضح لتأسيس دولة فلسطينية، بينما يربط الغرب التمويل بنزع السلاح والإصلاحات في السلطة الفلسطينية.
ومن المفترض بحسب خطة ترامب أن تعمل لجنة التكنوقراط المذكورة على تنسيق إعادة الإعمار عبر العمل مع الدول المانحة ومؤسسات الأمم المتحدة لجمع التمويل والإشراف على إعادة بناء المنازل والبنية التحتية المدمرة. لكن هذا الأمر ما زال نظريا في ظل رفض “إسرائيل” إعادة الإعمار بالكامل والاقتصار على إقامة مدن تحت سيطرتها مثل “رفح الخضراء”.

لماذا يعرقل نتنياهو تنفيذ المرحلة الثانية؟
يضع نتنياهو شروطا غير منصوص عليها في الخطة تحول دون بدء التطبيق الفعلي للمرحلة الثانية حتى الآن، أبرزها:
ذريعة الرهينة: تُصر “إسرائيل” على أن تسليم رفات آخر إسرائيلي متبق تحت الأنقاض في غزة، شرط أساسي للانتقال للمرحلة الثانية.
ذرائع أمنية: تعتبر “إسرائيل” الخط الأصفر حدوداً دفاعية جديدة لإبقاء قواتها في نصف مساحة القطاع بحجة منع حماس من إعادة بناء نفسها.
القوة الدولية: تخشى “إسرائيل” فقدان السيطرة الأمنية إذا حلت القوة الدولية محل قواتها، خصوصاً إذا شاركت فيها دول لا تتفق مع سياساتها.
اعتبارات داخلية: يعتمد بقاء نتنياهو السياسي على أحزاب يمينية ترفض الانسحاب من غزة؛ لذا يفضل إبقاء الوضع الراهن خشية انفراط التحالف.
نسف الحلول: يعمل نتنياهو على عرقلة البدء في المرحلة الثانية لتأجيل النقاش حول الدولة الفلسطينية ومستقبل غزة والضفة الغربية.
مطالب إضافية: تربط “إسرائيل” تنفيذ المرحلة الثانية بشروط إضافية، مثل تفكيك الأنفاق نهائياً، وضمانات لعدم إعادة تسليح حماس.
ما التوقعات؟
ترى إدارة ترامب أن استمرار الجمود في تطبيق المرحلة الثانية، يهدد فرص تحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية، بحسب تقارير إسرائيلية. ففي مطلع ديسمبر 2025 اتصل ترامب بنتنياهو طالبًا منه التحول من التصعيد العسكري في غزة ولبنان وسوريا إلى إجراءات دبلوماسية وبناء الثقة، باعتبار ذلك ضرورياً لتوسيع اتفاقات التطبيع مع الدول العربية وإظهار إنجاز جديد لإدارته، بحسب يديعوت أحرونوت.
وتتمثل خطوات واشنطن المتوقعة لتنفيذ المرحلة الثانية في ما يلي:
- يعتزم البيت الأبيض إعلان الانتقال إلى المرحلة الثانية قبل نهاية عام 2025 حتى مع عدم استعادة رفات آخر جندي إسرائيلي من غزة.
- يتوقع أن يكشف ترامب عن أعضاء مجلس السلام ولجنة التكنوقراط التي ستدير غزة والدول المشاركة في قوة حفظ الاستقرار.
- يسعى الأمريكيون لإقناع إسرائيل بالسماح بمشاركة تركيا بالقوة الدولية لأن وجودها يزيد شرعيتها للعمل بغزة ويضمن التزام حماس بالاتفاق.
- تعمل أمريكا مع مصر وقطر وتركيا لإقناع حماس ببدء نزع السلاح على مراحل تبدأ بالأسلحة الثقيلة مع الإبقاء على الخفيفة منها لفترة مؤقتة.
- سيبدأ مجلس السلا إطلاق مشاريع إعادة إعمار في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من القطاع حتى قبل إتمام نزع السلاح.
- زيارة نتنياهو ستكون فرصة لترامب لطرح رؤيته لتوسيع اتفاقات التطبيع وإقناع السعودية ودول أخرى بدعم إعمار غزة مقابل تنازلات إسرائيلية.
وتظل قدرة ترامب على فرض رؤيته رهينة باستجابة أطراف متعددة: حماس، التي تتحفظ حتى الآن على تسليم أسلحتها، و”إسرائيل”، التي تتذرع بهواجس أمنية لإبقاء سيطرتها على غزة؛ ودول عربية تضع شروطاً لإعادة الإعمار.
ومع ذلك، تشير مصادر إسرائيلية وأمريكية إلى أن الأيام الأخيرة من 2025 ستكون حاسمة، فقد تحدد زيارة نتنياهو ما إذا كانت المرحلة الثانية ستولد قريباً أم ستظل حبراً على ورق.